الإثنين 28 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإسرائيليات فى الأحاديث النبوية

الإسرائيليات فى الأحاديث النبوية
الإسرائيليات فى الأحاديث النبوية


من النادر أن تعثر فى كتب الأحاديث المتداولة، على روايات عن الرسول «صلى الله عليه وسلم» نقلها كبار الصحابة كالخلفاء الراشدين والسابقين، والعشرة الذين بشرهم النبى بالجنة أو غيرهم من أعيان الصحابة.. ولهذا الأمر خلفياته التاريخية والدينية التى نتعرف عليها من خلال قراءة سطور كتاب «قصة الحديث المحمدى» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب:
لما قويت شوكة الدعوة المحمدية واشتد ساعدها، لم ير من كانوا يقفون أمامها ويصدون عن سبيلها إلا أن يكيدوا لها بوسائل الحيلة والخداع بعد أن عجزوا عن النيل منها بعدد القوة والعتاد.
على رأس هؤلاء جاء الإسرائيليون، الذين زعموا أنهم شعب الله المختار، ولا يقرون لنبى بعد موسى «عليه السلام» برسالة، فلم يجد أحبارهم ورهبانهم بدًّا من أن يستعينوا بالمكر ويتوسلوا بالدهاء لكى يصلوا إلى ما يبتغون، فهداهم مكرهم إلى أن يتظاهروا بالإسلام ويطووا على دينهم لكى يختفى كيدهم ويجوز على المسلمين مكرهم.
وتحت عنوان «الإسرائيليات فى الحديث»، يذكر الباحث محمود أبو رية فى كتابه «قصة الحديث المحمدى»، أن كعب الأحبار ووهب بن منبه، كانا من أقوى الكهان دهاء وأشدهم مكرا، وقد وجدا أن حيلهما راجت على المسلمين بما أظهراه من كاذب الورع وباطل التقوى، فجعلا أول همهما أن يضربا المسلمين فى صميم دينهم، فدسا إليه ما يريدان من الأساطير والخرافات، لكى يهن وتضعف قوته.
لم يستطع كعب الأحبار ووهب بن منبه أن ينالا شيئا من القرآن لأنه قد حفظ بالتدوين وحفظه الألوف من المسلمين، وبذلك أصبح فى منعة من أن يزاد عليه كلمة أو يندس إليه حرف، فاتجها إلى الحديث عن النبى فافتريا ما شاءا أن يفتريا من أحاديث كثيرة لم تصدر عنه صلوات الله وسلامه عليه.
وأعانهما على ذلك- والكلام لايزال للمؤلف- أن ما تحدث به النبى فى حياته لم يكن محدود المعالم، ولا محفوظ الأصول، لأن الرسول منع تدوينه فى حياته كما دون القرآن، ومنع الخليفتان أبو بكر وعمر الصحابة من كتابته.
قال ابن خلدون فى مقدمته وهو يتكلم عن التفسير النقلى وأنه كان يشتمل على الغث والثمين والمقبول والمردود: إن السبب فى ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإن تشوقوا إلى معرفة شىء مما تتشوق إليه النفوس البشرية من أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت كتب التفاسير من المنقولات عندهم وتساهل بعض المفسرين فى مثل ذلك، وكان ابن إسحاق يحمل عن اليهود ويسميهم أهل الكتاب الأول.
∎ كعب الأحبار
كان من أكبر أحبار اليهود، وأسلم فى عهد عمر وسكن المدينة فى خلافته ثم تحول إلى الشام فى عهد عثمان، فاستصفاه معاوية وجعله من مستشاريه لكثرة علمه، إذ كان يردد «ما من الأرض شبر إلا مكتوب فى التوراة التى أنزل على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه»، ومن أجل ذلك أخذ عنه كثير من رواة الأحاديث منهم أبو هريرة وابن عباس وغيرهما من التابعين، مات بحمص سنة 22 أو 27 هجرية.
∎  وهب بن منبه
فارسى الأصل، أدرك عددا من الصحابة وروى عنهم، وكذلك روى عنه كثير من الصحابة منهم أبو هريرة وعبدالله بن عمرو بن العاص وابن عباس وغيرهم، ومن مزاعمه أنه قرأ من كتب الله 27 كتابا، وقال الذهبى: إنه عالم أهل اليمن، ولد سنة 24 هـ، وتوفى بصنعاء سنة 110هـ.
ولما قدم كعب إلى المدينة فى عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل فى دهاء ومكر لإدخال الفساد على الدين الإسلامى فتمادى فى الافتراء على الرسول «صلى الله عليه وسلم» إلى أن فطن له عمر فنهاه عن الرواية لكنه عاد إلى الرواية بعد موت عمر.
∎ معاوية وكعب وذو القرنين
ويسرد مؤلف كتاب «قصة الحديث المحمدى» بعض ما بثه كهنة اليهود من الإسرائيليات فى علم المسلمين وعقائدهم، منها قول معاوية لكعب: أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟، فقال كعب: إن قلت ذلك فإن الله تعالى قال: «وآتيناه من كل شىء سببا».
وذكر القرطبى فى سورة غافر عن كعب أنه قال: لما خلق الله تعالى العرش، قال: لم يخلق الله تعالى خلقا أعظم منى: واهتز تعاظما، فطوقه الله تعالى بحية لها 70 ألف جناح، فى كل جناح 70 ألف ريشة، فى كل ريشة 70 ألف وجه، فى كل وجه 70 ألف فم، فى كل فم 70 ألف لسان، يخرج من أفواهها من التسبيح عدد قطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد الحصى والثرى وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين، فالتوت الحية على العرش، فالعرش إلى نصف الحية وهى ملتوية عليه، فتواضع العرش عند ذلك.
وأخرج أبو الشيخ فى العظمة عن كعب قال: الأرضون السبع على صخرة، والصخرة فى كف ملك، والملك على جناح الحوت، والحوت فى الماء، والماء على الريح، والريح على الهواء، ريح عقيم لا تلفح وأن قرونها معلقة فى العرش.
وعن وهب بن منبه: أربعة أملاك يحملون العرش على أكتافهم، ولكل واحد منهم أربعة وجوه، وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة، أما جناحان فعلى وجهه ليحفظاه من أن ينظر إلى العرش فيصعق فيهفو بهما، ليس له كلام إلا أن يقول: قدوس الملك القوى ملأت عظمته السماوات والأرض.
ومما دسوه فى التفسير أن السماوات بعضها من الفضة وبعضها من الزبرجد، وأن السيارات مركوزة بالسماوات، فالقمر مركوز بسماء الدنيا، وعطارد بالثانية، وهكذا فى السابعة، والسماوات موضوعة على رأس جبل محيط بالأرض يقال له (قاف)، وأن الأرض موضوعة على قرن ثور قائم فوق ظهر حوت يسبح فى الماء، إلخ.
هذه الأمثلة من الإسرائيليات وهناك غيرها مئات، امتلأت بها كتب التفسير والحديث والتاريخ.
∎ هل يجوز تصديق الكهنة والأحبار؟
روى البخارى عن أبى هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: «آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم»، الآية.
وأخرج سفيان الثورى الحديث بلفظ: «لا تسألوا أهل الكتاب فإنهم إن يهدوكم وقد ضلوا أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل».
ورغم ما روى عن النبى «صلوات الله عليه» فى النهى عن الأخذ من أهل الكتاب، لكن ما لبث أن اغتر بعض المسلمين- والكلام للمؤلف- بمن أسلم من أهل الكتاب، فظهرت آثار تنسب إلى النبى تبيح الأخذ عن أهل الكتاب وتنسخ ما نهى النبى عنه.
فقد عزى إلى عبدالله بن عمرو بن العاص وأبى هريرة وكانا يتلقيان عن كعب الأحبار هذا الحديث: «خذوا عن بنى إسرائيل ولا حرج».
وكان من عاقبة ذلك أن كثرت الأحاديث المنسوبة إلى النبى كثرة هائلة حتى بلغت مئات الألوف، مما جعل الحافظ الدارقطنى يقول: «إن الحديث الصحيح فى الحديث الكذب كالشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود».. وقال الإمام أحمد فى مسنده «هذا الكتاب جمعته وانتقيته من 750 ألف حديث»، وكان أبو زرعة يحفظ 700 ألف حديث، واختار البخارى كتابه من 600 ألف حديث، واختار مسلم كتابه من 600 ألف حديث، وهذه الكثرة الهائلة أفزعت العلماء، ومنهم ابن الجوزى والسيوطى والملاعلى القارى، فنهضوا لكشف القناع عن الأحاديث الموضوعة ووضعوا لها المؤلفات الكثيرة.
∎ أبو هريرة
من أكثر الصحابة رواية للأحاديث، ومع ذلك فقد اختلف المؤرخون فى اسمه، فقال ابن عبدالبر فى الاستيعاب: اختلفوا فى اسمه واسم ابيه اختلافا كثيرا، وقد غلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له غيرها.
وقال أبو هريرة عن نفسه: نشأت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطنى وعقبة رجلى فكنت أخدم إذا نزلوا وأحدوا إذا ركبوا- وكنيت بهرة صغيرة كنت ألعب بها.
وكان قدومه على النبى سنة سبع، والنبى «صلى الله عليه وسلم» بخيبر بعد ما فتحت، وفرغوا من القتال فيها فسكن الصفة- موضع مظلل فى مؤخرة مسجد النبى بالمدينة، خصصت للفقراء ينامون فيها على عهد الرسول- وفى 8 هجرية بعثه النبى إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمى.
وأجمع رجال الأحاديث على أن أبا هريرة أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله، على حين أنه لم يصاحب النبى إلا زمنا قليلا- وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقى بن مخلد احتوى على 5374 من أحاديث النبى روى البخارى منها .446
ولما رأى عمر بن الخطاب أن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبى نهاه عن ذلك وحذره إذا هو روى فإنه ينفيه إلى بلاده، ولما مات عمر عاد للرواية.
عن الزهرى عن أبى سلمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله حتى قبض عمر، فإن عمر كان يقول: اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام الله. وقد نهى عمر كذلك كعب الأحبار وهدده إذا روى أن ينفيه إلى أرض القردة.
وقال ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث: كان أبو هريرة يقول: قال رسول الله كذا، وإنما سمعه من الثقة عنده فحكاه، وكذلك كان ابن عباس يفعل، وغيره من الصحابة.
وكان أبو هريرة وابن عباس والعبادلة الثلاثة وغيرهم كذلك يروون عن كعب الأحبار كما عرف من أمره.
روى مسلم عن بشر بن سعيد قال: اتقوا الله وتحفظوا فى الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم فأسمع بعض من كانوا معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله.
وروى أحمد فى مسنده عن القاسم بن محمد قال: اجتمع أبو هريرة وكعب الأحبار فجعل أبو هريرة يحدث كعبا عن النبى، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب، أى مما يفتريه كعب من الإسرائيليات التى يزعم أنها من كتبهم.
ويورد  المؤلف حديثا يؤيد ذلك رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة قال: أخذ رسول الله بيدى فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر، من يوم الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل».
وكذلك روى هذا الحديث أحمد والنسائى عن أبى هريرة.
ولأن هذا الحديث يخالف نص القرآن والتوراة من أن الله خلق الدنيا فى ستة أيام، فإن الحفاظ الكبار كالبخارى فى التاريخ الكبير وابن تيمية وغيرهما قد طعنوا فى هذا الحديث وقطعوا بأن أبا هريرة قد تلقاه عن كعب الأحبار، رغم أنه صرح فيه بسماعه عن النبى، وأن النبى قد أخذ بيديه وهو يحدثه به.
∎ إنكار الصحابة على أبى هريرة ودفاعه عن نفسه
قال ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث: إنه (أبا هريرة) لما أتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من جلة أصحابه والسابقين الأولين إليه- اتهموه وأنكروا عليه وقال كيف سمعت هذا وحدك؟، ومن سمعه معك؟.
وكانت عائشة «رضى الله عنها» أشدهم إنكارا عليه لتطاول الأيام بها وبه، وكان عمر أيضا شديدا على من أكثر الرواية أو أتى بخبر فى الحكم لا شاهد له عليه، يريد بذلك ألا يقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابى.
وكان أبو هريرة يدافع عن نفسه بأنه كان ألزمهم لرسول الله لخدمته وشبع بطنه، ولم يكن ليشغله عن رسول الله الصفق بالأسواق، فعرف ما لم يعرفوا وحفظ ما لم يحفظوا.
ومات أبو هريرة سنة 59 هجرية عن 80 سنة بقصره بالعقيق، ولما كتب الوليد بن عنبة بن أبى سفيان إلى عمه معاوية وكان أميرا على المدينة ينعى لهما أبا هريرة، أرسل إليه أن يدفع إلى ورثته 10 آلاف درهم وأن يحسن جوارهم.∎