الناجون من نار البابا شنودة

عادل جرجس
لم يعد بعد خافياً لكل ذى عينين أن سلطان «الحل والربط» الكنسى لم يعد يستخدم من أجل الرعاية الروحية لشعب الكنيسة، ولكن يتم الالتفاف عليه ليكرس لسلطوية الكهنوت وتماهى إمبراطورية رجال الدين داخل الكنيسة، وقد يكون الأمر مكروها إذا ما تم استغلال هذا السلطان على أيدى صغار الكهنة، ولكن أن يتم ذلك على أيدى الأب البطريرك فتلك كارثة تحيق بالكنيسة لا جدال فيها، ففى ظل عدم وجود قواعد ومحددات تضبط آليات محاكمة الكهنة والأساقفة، فإن الأحكام الصادرة من تلك المحاكمات تخضع فى المقام الأول لهوى الأب البطريرك فهو رأس الكنيسة والمرجعية الأعلى ورئيس الكهنوت وأحكامه غير قابلة للمراجعة الكنسية، فهى أحكام نهائية.
المفترض أن قداسة البابا ينطق فمه فى تلك الأحكام بما يراه الروح القدس «روح الله»، فالبابا هنا هو لسان حال الله فى إصدار الأحكام، فالحاكمية فى عزل الكهنة والأساقفة لله وليس لقانون أو نظام وما البابا إلا لسان الله فى ذلك فهو فى الأصل الرجل الذى اختاره الله لرعاية الشعب ولكن هل حقاً ينطق الله بتلك الأحكام؟ وإن كان الأمر كذلك فكيف لله أن يصدر حكمين متناقضين فى نفس القضية وعلى نفس الشخص؟ كيف يجرم الله شخصاً ثم يعود ليبرئه دون إبداء الأسباب؟!
فبالأمس القريب حرم مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث العديد من الكهنة والأساقفة دون أن يعلم الشعب الأسباب، وكان قداسته لسان حال الله فى تلك الحروم، ثم جاء قداسة البابا تواضروس الثانى ليلغى تلك الحروم وأيضاً دون إعلان الأسباب، وكان كذلك لسان حال الله فى رفع تلك الحروم، وهنا تتفجر أمامنا إشكالية من العيار الثقيل، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن البابا شنودة كان رجلاً مستبداً يطلق حروماته على مبغضيه وهو احتمال ليس ببعيد، فالبابا شنودة هو الرجل الأسطورى الذى كان يحكم قبضته على الكنيسة ولا يقبل كسر عصا الطاعة عليه، وها هو قداسة البابا تواضروس يرسله الله ليعيد لكل ذى حق حقه، والخيار الثانى هو أن حروم البابا شنودة كانت عادلة والبابا تواضروس يلتف على تلك الأحكام وهو الأمر المبرر فقداسته بصدد تكوين حرسه الجديد لمواجهة الحرس القديم الذى يعيق كل تحركاته، ولن يجد أفضل من مطاريد النظام القديم ليؤسس عليهم نظامه فهم الأشد كرهاً للبابا الراحل وحرسه القديم.
∎ البابا لا يفك الحروم
من التقاليد الكنسية التى أرساها البابا شنودة فى الكنيسة أنه لا يجوز لبطريرك رفع الحرومات التى فرضها سلف له، فعندما طُلب منه رفع الحرومات المفروضة على العلامة أوريجانس أحد جهابذة اللاهوت فى تاريخ الكنيسة والذى حرمه بطريركه البابا ديمتريوس الكرام ظلماً رفض البابا شنودة ذلك وقال: «من يحرم هو من يحل وأنا لا أملك أن أحل أوريجانوس»، فالقاعدة واضحة وصريحة، ومن ثم فإن قداسة البابا تواضروس لا يملك أن يحل من حرمهم البابا شنودة، وعلى الرغم من أن البابا تواضروس قد خالف قاعدة كنسية مستقرة فإنه لم يعفُ عن كل المحرومين والمبعدين، ولكن كانت هناك انتقائية فى ذلك ولم تكن هناك أى قواعد متبعة فى إصدار العفو البطريركى، فهناك من ارتكب أخطاء فى العقيدة وصلت إلى حد الهرطقة، وتم العفو عنه وهناك آخرون لم يصلوا إلى هذا المستوى من المخالفات وظلوا كما هم يصطلون بنار الحروم على الرغم من مطالبة شعبهم ورعيتهم بعودتهم، وهو ما سوف نعرضه تفصيلاً.
∎ الأنبا دانييل أسقف سيدنى
استدعاه البابا شنودة الثالث قبل رحيله بتاريخ 30 / 12 / 2008 وأرسله إلى الدير ليقضى فيه باقى حياته كراهب عقاباً له على إجمالى مخالفاته والتى تتلخص فى ترويج الأنبا دانيال للمعتقدات النسطورية (هرطقة كنسية) والتى ترفضها الكنيسة القبطية خاصة ما يتعلق بلاهوت السيد المسيح والترويج بأن قوانين الرسل (الديسقولية) محرفة وغير حقيقية، بالإضافة إلى مخالفات مالية تجاوزت 27 مليون دولار، وأصبح أمر عودة الأنبا دانييل إلى سيدنى مرة أخرى فى طى النسيان، وأوكل البابا شنودة شئون سيدنى لبعض كهنة المدينة الذين يأتمنهم على الكنيسة.. ورحل البابا شنودة وكانت كبرى المفاجآت أن قام الأنبا باخوميوس - شفاه الله وعافاه - وكان وقتها قائمقام البابا بإرسال لجنة من ثلاثة أساقفة على رأسها الأنبا تواضروس الأسقف العام وقتها إلى أستراليا لإعادة تجليس دانييل فلماذا إذن عزلة البابا شنودة إن كان دانييل لا غبار عليه؟ فهل كان البابا شنودة رجلاً مستبداً؟ وإن لم يكن الأمر كذلك فما الأسباب التى أعاده بسببها الأنبا باخوميوس وباركها البابا تواضروس؟ والحقيقة فالبابا شنودة لم يكن مستبداً فـ دانييل يستحق عقابه، بل لعل البابا شنودة كان رحيما معه، كما أن البابا تواضروس لا يرى فيه الحمل الوديع، ولكن دانييل سوف يحفظ الجميل للبابا ويعلى من شعبيته فى مدينة من أكبر مدن الكرازة فى المهجر، وهو ما سوف يكون له تبعيات من دعم سيدنى للبابا بكل ألوان وأطياف الدعم، ولعله لا ضير فى أن تتجمع الرعية كلها تحت عصا راعيها ولننس ما بدر من دانييل وعفا الله عما سلف، ولكن هل بدأ دانييل عهدًا جديداً يصلح فيه ما أفسدت يداه؟
أسقف سيدنى ارتكب كل المخالفات التى يمكن أن تطالها يداه واستبد فى التعامل مع الشعب حتى وصل الأمر لمحاولته قتل رئيس تحرير إحدى الصحف التى تصدر بالعربية فى سيدنى ويشن ضد الأسقف حملة لكشف فساده والأمر متداول أمام القضاء الآن، وتعددت الشكاوى وعرائض التظلمات التى أرسلها شعب سيدنى لقداسة البابا تواضروس، ولكن البابا قد فُرض سياج حديدى من حوله يمنع صرخات المستضعفين أن تصل إليه، وكانت الطامة الكبرى، حيث قرر دانييل رسامة ثلاثة من القساوسة من تابعية والذين يرفضهم الشعب.
∎ الأنبا إيساك
قرر البابا شنودة فى أوائل التسعينيات محاكمته على أيدى لجنة من المجمع المقدس برئاسة الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس وقتها، وكانت التهمة التى وجهت له تأليف كتب ودوريات خرج فيها عن صحيح الإيمان الأرثوذكسى وتبنى آراء بعض هراطقة الكنيسة، وقامت اللجنة بإعادة مراجعة كتب الأنبا إيساك وقام بتقديم اعتذار عما كتبه للبابا شنودة. وهو الاعتذار الذى قبلة البابا فأمر الأنبا بيشوى بجمع كل كتبه وحرقها وأوعز للبابا شنودة أن يطلب من إيساك تأليف كتاب ينكر فيه كل آرائه السابقة، وهو ما رفضه الأخير فأمر البابا بإيداعه فى الدير إلى أن يصدر هذا الكتاب وظل حبيس الدير حتى نياحة البابا شنودة، وتتوالى غرائب وطرائف البابا تواضروس فيقوم بترقية إيساك إلى أسقف عام للبحيرة وهو المنصب الذى كان يشغله البابا قبل جلوسه على الكرسى المرقسى، وحتى وقتنا هذا لم يصدر الأنبا إيساك كتاباً ينكر فيه آ؟راءه الهرطوقية فهل أقرت الكنيسة البدعة النسطورية ضمن معتقداتها وأصبح لديها أساقفة تتبنى هذه المعتقدات والمفاجأة هنا التى لا يعلمها كثيرون أن البابا شنودة نفسه كانت له تفسيرات نسطورية فى اللاهوت.
∎ الأنبا تكلا
فى عام 2002 وقع الأنبا تكلا أسير عملية نصب قام بها أشخاص أقنعوا المسئولين بالمطرانية بأنهم يستطيعون شراء قطعة أرض واسعة فى الصحراء القريبة، وإنشاء عدة مشاريع تستوعب أبناء المدينة من المسلمين والأقباط، مما دعا الأسقف لبيع قطعة أرض من أملاك الإيبارشية لجمع الأموال اللازمة، بالإضافة لمواجهته اتهامات أخرى بالمضاربة فى البورصة وتعرضه لخسائر تقدر بسبعة ملايين جنيه، وكالعادة قام الأنبا بيشوى قاضى الكنيسة وجلادها بعقد محاكمة عاجلة وسريعة، وأثبت كل المخالفات السابق ذكرها وكان قرار البابا بحبس الأنبا تكلا فى الدير إلى أن يقوم بسداد كل الأموال التى بددها إلا أن تكلا لم يستطع تدبير تلك الأموال فظل حبيساً فى الدير، وكان قرار البابا بعدم السماح له بالخروج من الدير مهما كانت الظروف، حيث تعرض الأنبا تكلا إلى أمراض خطيرة كانت تستوجب علاجه خارج الدير. ولكن البابا صمم على علاجه داخل الدير مهما تكلف ليأتى البابا تواضروس ويعيد الأنبا تكلا إلى دشنا دون توضيح إذا ما كان أعاد الأموال التى بددها من عدمه.
∎ القمص أندراوس عزيز
قام البابا شنودة بشلحه وتجريده من الكهنوت لأسباب كثيرة كان أهمها أنه يقوم بتزويج الرهبان، وهو ما أعلنه أندراوس عزيز بنفسه أكثر من مرة ويقر أن هناك راهباً جاء إليه بفتاة حبلى منه وطلب منه أن يزوجهما، وهو ما حدث، كما أنه كان يقوم بناء على توصيات سرية من البابا بعقد الزواج الثانى الذى ترفضه الكنيسة، وهو ما اتخذه البابا ضده تكئة لشلحه، وعزيز انتقد الكنيسة كثيراً فهو من ادعى أن الأنبا بيشوى يغدق الأموال على بعض زوجات الكهنة الذين يريد محاكماتهم لكى تتجسس الزوجات على أزواجهن الكهنة ودون سابق إنذار يعيد قداسة البابا تواضروس القمص المشلوح إلى الكنيسة بعد أن قدم اعتذارا صورياً لقداسة البابا الذى قبل اعتذاره وحسناً فعل البابا فالمحبة تستر كل العيوب، ولكن لم يوضح قداسة البابا ما موقف الكنيسة من رهبان متزوجين مازالوا محسوبين على الرهبنة خاصة أن البعض من هؤلاء أنجب أطفالاً لا يستطيعون الجهر بكينونة آبائهم فى المجتمع.
∎ المغلوب على أمره
الأنبا أمونيوس أسقف الأقصر والذى أبعده البابا شنودة عن شعبه ورعيته هو مثال للراهب الصابر والمحتسب أمره عند الله على الرغم من أن شعب الأقصر عن بكرة أبيه يطالب منذ سنوات بعودة أبيهم إلى كنيسته، وهو ما رفضه البابا شنودة ورفضه أيضاً البابا تواضروس على الرغم من عدم وجود أى اتهامات معلنة ضد الأنبا أمونيوس، وهو ما دعا شعبه إلى الذهاب إليه فى مقر احتجازه بالدير وعرضوا على نيافته الرجوع عنوة إلى الأقصر وتعهدوا له بقدرتهم على حماية كرسيه الأسقفى فرفض ذلك، ورأى أن عودته بهذه الطريقة هى امتهان لكرامته فهو يريد أن يرجع إلى كرسيه معززاً مكرما وليس مغتصباً ومغتنماً، ويحظى الأنبا أمونيوس بحب الجميع فى الأقصر مسلمين ومسيحيين، وعلى الرغم من ذلك يتعنت البابا فى الموافقة على رجوع الأنبا أمونيوس إلى كرسيه وأعاد آخرين لديهم سجل كبير من المخالفات بكل أنواعها!∎