السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

إحسان.. رائد الصحافة الاستقصائية فـى مـصــر

إحسان.. رائد الصحافة الاستقصائية فـى مـصــر
إحسان.. رائد الصحافة الاستقصائية فـى مـصــر


نشر عبدالقدوس تلك الفضيحة على صفحات مجلة «روزاليوسف»  وسميت وقتها قضية الأسلحة الفاسدة وهى من أشهر القضايا التى ارتبطت بفترة الملكية التى مرت البلاد فيها بأصعب وقت فى تاريخها، وكان أقصاها هزيمة مصر فى حرب فلسطين عام 1948 وقيام ثورة يوليو عام ,1952 ووقتها قام عبدالقدوس بالبحث وراء صفقة الأسلحة الفاسدة التى تم توريدها للجيش المصرى أثناء حرب فلسطين .1948


لم يكن الكاتب والصحفى الراحل إحسان عبد القدوس أديبا خارقا للعادة فقط، ولكنه كان وطنيا ثوريا يعشق تراب هذا الوطن، وكان هو الأب الروحى للصحافة الاستقصائية خاصة بعد كشفه لتقرير الأسلحة الفاسدة عام .1949
قرر الملك فاروق، ورئيس الوزراء النقراشى باشا دخول حرب فلسطين قبل نهاية الانتداب البريطانى على فلسطين بأسبوعين فقط، وأقر البرلمان المصرى دخول الحرب قبلها بيومين فقط، رغم ضيق الوقت والنقص الكبير فى السلاح والعتاد الحربى اللازم لدخول الجيش وتم تشكيل لجنة لاحتياجات الجيش يوم 13 مايو كانت لها صلاحيات واسعة بدون أية قيود أو رقابة لإحضار السلاح من كل المصادر وبأسرع وقت ممكن.
والأخطر أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر قرارا بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة فى حرب فلسطين، وهو قرار كان يقصد منه الدول العربية بالذات، لذلك اضطرت الحكومة المصرية للتحايل على هذا القرار بأن تجرى صفقات الأسلحة مع الشركات تحت غطاء أسماء وسطاء وسماسرة مصريين وأجانب.
الأمر الذى أدى إلى ظهور المتلاعبين والوصوليين لتحقيق مكاسب ضخمة وعمولات غير مشروعة، وتم التلاعب فى سعر شراء السلاح الذى كان مبالغا فيه بدرجة كبيرة، ومدى مطابقة السلاح للمواصفات وصلاحيته للاستعمال.
ووقعت هدنة بين مصر وإسرائيل فى 24 فبراير 1949 وبذلك انتهت حرب فلسطين بهزيمة مصر والدول العربية واستيلاء إسرائيل على كل أرض فلسطين ما عدا قطاع غزة والضفة الغربية والقدس العربية، وهو أكثر بكثير مما كان مقرراً لليهود وفقاً لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، وتفجرت القضية فى أوائل عام 1950 بسبب تقرير ديوان المحاسبة «الجهاز المركزى للمحاسبات الآن» الذى ورد فيه مخالفات مالية خطيرة داخل صفقات أسلحة للجيش تمت فى عامى 1948 و.1949
قامت الحكومة برئاسة مصطفى النحاس بالضغط على رئيس الديوان لحذف ما يتعلق بهذه المخالفات من التقرير ورفض وقدم استقالته، فقدم النائب مصطفى مرعى من المعارضة استجوابا للحكومة عن أسباب الاستقالة وفضح فى جلسة مجلس الشعب يوم 29 مايو 1950 للمجلس المخالفات البشعة والقاتلة التى لحقت بصفقات الأسلحة.
استخدم الملك فاروق نفوذه وجبروته لكتم أصوات المعارضة التى أرادت فتح ملفات القضية للوصول إلى المتورطين فيها، ولكن إحسان عبدالقدوس كان أجرأ من التهديد، وقام بالتحرى حول تلك الصفقات وقدمها إلى الرأى العام فى تحقيق مفصل على صفحات «روزاليوسف» أدى التحقيق الهائل الذى قام به إلى إجبار وزير الحربية مصطفى نصرت فى ذلك الوقت أن يقدم بلاغا للنائب العام لفتح تحقيق فيما نشر فى «روزاليوسف» فى عددها رقم 149 بتاريخ 20 يونيو 1950 عن صفقات الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين.
والعقد الذى وجد فى أغراض الصحفى الكبير إحسان عبدالقدوس بتاريخ 6 إبريل 1949 بين وزارة الحرب والقوات البحرية المصرية «وزارة الدفاع الآن» بين ميرالى الميسيرى بيه وشركة الأسلحة «أورليكون» التى يمثلها إميل بوهرل.
البند الأول يتضمن أن تقوم الشركة بإمداد وزارة الحرب بالأسلحة وعلى الأخيرة أن تقبل بالشروط والأسعار ومن ضمن الأسلحة حوالى 16 بندقية ثقيلة  5,10 سم تصنيع 1948-1949 ومعها جميع المستلزمات وقطع الغيار اللازمة، وكان مرفقا مع العقد صور لتلك البنادق بمشتملاتها وكان سعر البندقية الواحدة 60 ألف دولار بمجموع 960 ألف دولار كما هو منصوص فى العقد، والعقد يوضح أن الصفقة اشتملت على 48 ألف قنبلة وزن الواحدة 14 كجم و850 جم ويصل مداها إلى 12 ألف متر، صفقة الأسلحة بلغت قيمتها نحو 4 ملايين و128 ألف دولار.
وتحدد الصفقة أن وزارة الحرب المصرية ستقوم بدفع قيمة التعاقد فى خلال 3 أسابيع من تاريخ العقد من خلال يونيون بنك السويسرى بالإضافة إلى 3٪ شحن وتأمين بإجمالى 4 ملايين و250 ألفا و840 دولارا بالتحديد، وستقوم الشركة الموردة للسلاح بإعطاء ضمان يسقط نهائيا بعد أن تصل أوراق الشحنة والتأمين والفواتير إلى البنك السويسرى.
الغريب فى العقد أن مسئولية التفتيش على الأسلحة وصلاحيتها كانت من اختصاص الشركة الموردة وليس وزارة الحرب المصرية آنذاك، وهى من المفترض الطرف الذى سيتسلم الشحنة وهو المنوط بالتأكد من صلاحيتها، ولكن كان هناك بند فى العقد يوضح أن التفتيش سيكون مسئولية شركة أورليكون للسلاح وسترسل التقارير وشهادات الصلاحية للوزارة المصرية!
العقد يكشف أن الشركة الموردة للأسلحة عليها أن ترسل الشحنة فى خلال شهرين من كتابة العقد وعلى مراحل أولها 8 بنادق ثم 30 ألف قنبلة، وسيتم شحن الصفقة كاملة خلال 6 أشهر من تاريخ إمضاء العقد.∎