لماذا بقيت حكومة نظيف كل هذا الوقت؟
عبد الله كمال
عبدالله كمال 7 نوفمبر 2009 11:00 ص
ملاحظات إضافية علي التغيير الوزاري
لابد أن الجميع قد أدهشه هذا التصفيق المطول والمتواصل لما يزيد علي دقيقة.. من الحاضرين في مؤتمر الحزب الوطني.. حين أشاد الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء بوزير النقل المستقيل محمد لطفي منصور.. بعد أن سرد بعضا من إنجازات الحكومة في مجالات النقل.. خصوصا (البحري).. وكلها من جهد الوزير الذي دفعه الغضب الشعبي إلي أن يقدم استقالته بعد حادث قطار العياط.
شخصيا كنت قد سبقت تلك الحالة (التصفيق لوزير مستقيل) بمقال كتبته في الصفحة الأولي من هذه المجلة في الأسبوع الماضي.. وقبل المشهد المدهش بيوم واحد.. وعنوانه (المتعاطفون مع منصور).. حيث قلت إن من المثير أن هؤلاء الذين اعتقدوا أن استقالة الوزير كافية لنيل حق الدماء في الكارثة.. قد تجاهلوا في اليوم التالي كل أمر يخص الحادث كما لو أنه لم يقع.. وكما أنه كان المطلوب فقط هو أن يمضي الوزير خارج وزارته.. فلمَّا فعل.. كان أن سكتوا.. وكان أن بدأوا في تصدير مشاعر معاكسة تتعاطف معه.
غير أن ما يجب إخضاعه للتحليل هو مشهد التصفيق في المؤتمر.. إذ ما الذي علي صانع القرار.. أو مدير الأزمة (أزمة الحادث).. أن يفعل.. وهو يجد رأيا عاما يتحول من النقيض إلي النقيض في بضعة أيام.. كان يصر علي أن يترك الوزير موقعه فورا.. ما يعني إدانته جماهيريا.. ثم نفس الرأي العام يحيي ذات الوزير بطريقة متصاعدة.. ومكثفة.. ما يعني الإعجاب بإنجازه.
إن أحدا لم يأت علي ذكر إنجازات الوزير المستقيل خلال النقاش حول حادث العياط.. ولم يقل أي من المعلقين أنه قد حقق الكثير في قطاع النقل البحري.. خصوصا ميناء شرق التفريعة في بورسعيد الذي يعتبر أكثر موانئ العالم نموا.. كما لم يتطرق أحد إلي أنه قد أنجز أمورا متنوعة في الطرق والكباري.. ولم يناقش أحد بالحد الأدني من التعقل هل الوزير يتحمل مسئولية حادث العياط.. أم إنه أمر متكرر؟
لقد كنت أنتقد الوزير.. طيلة أكثر من عامين.. وحتي وأنا أثني علي أدائه فيما بعد كنت أسجل عليه ملاحظات.. وأظنني أول من انتقد مضمون (وليس تكلفة) حملة الإعلانات الرمضانية عن السكك الحديدية.. وعلقت قائلا: هل نفهم من مضمون الحملة التي تقول إن (المصري الذي علي حق يقول للغلط لا) هو أن علي الركاب أن يكونوا ميليشيات لكي يواجهوا من يتعدون علي السكك الحديدية.. وكيف يمكن أن نخلي مسئولية الهيئة من متابعة خدماتها.
التعاطف مع السابق
لكني مرة أخري عدت إلي ما يفترض أن علي صانع القرار يجب أن يراعيه، إذ لو كان علي أي صاحب قرار أن يقيل الوزير.. هل كان يستجيب لضغوط الرأي العام.. ما هو الموقف إذن وهو يري نفس الرأي العام يصفق له بعد أن قدم هو استقالته طواعية.. أو وجد أن المناخ السياسي يدفعه إلي ذلك فأخذ القرار بيده.. أو انقاد إليه؟
ومن المدهش في المناخ السياسي المصري أن يتزايد تعاطف الناس مع كل وزير ترك فريق الإدارة.. أو حتي صاحب أي موقع آخر.. حتي لو كان هذا الوزير قد أقيل لسبب ضروري.. أو بعد أزمة كبيرة.. وتلك مسألة لابد أن تخضع إلي تحليل.. ففي يوم وليلة - والقياس لاينطبق علي حالة الوزير منصور - يكون المقال بطلا.. ولديه مؤيدون.. مع استثناءات بسيطة جدا. مثلا، وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدي.. الذي قدم استقالته بعد كارثة أمنية خطيرة.. تمثلت في أحداث الأمن المركزي سنة ٦٨٩١.. لم تزل قطاعات عديدة من الرأي العام تؤمن بأنه كان يحارب الفساد والمخدرات.. وتظن أن تلك الأحداث التي نجمت عن شائعة بين جنود الأمن المركزي كان وراءها لوبي تجار المخدرات.
ويعتقد الكثيرون أن الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق كان ينبغي أن تتاح له فرصة أكبر.. في حين أن أحد أعضاء فريقه وهو وزير الدولة المستشار طلعت حماد كان قد تعدي حدود اختصاصه.. وأصبح ما هو أكبر من وزير دولة.. وأسباب أخري.
ويثير التعاطف المشبوب مع وزير الخارجية الأسبق عمرو موسي تساؤلات عديدة.. علي الرغم من أن أحدا لم يخضع مواقفه المختلفة في السياسة الخارجية خصوصا تلك التي أدت إلي تركه منصبه لأي تحليل علمي دقيق.. ولاسيما لقاءه الأخير مع عرفات في شرم الشيخ.
أسجل هذه الأمثلة.. مع كامل الاحترام للجميع.
تنوير الرأي العام
إن الرأي العام تصنعه متغيرات وعوامل كثيرة.. هي التي تقوده إلي الحالة التي يكون عليها تجاه أي موضوع أو شخص.. فإما أن يكون عاطفيا مندفعا.. أو يكون متعقلا موضوعيا سببيا.. لديه موقف يقوم علي أسس واضحة.. وقد سيطرت علي الرأي العام في الفترة الأخيرة، وبما في ذلك نتائج حادث العياط، مجموعة من وسائل الإعلام ذات الطابع الإثاري.. غالبا.. المهيجة.. دوما.. الفوضوية.. دائما.
وفي بعض المسائل النادرة تتدخل أطراف ومؤسسات قومية من أجل تبصير الرأي العام.. خصوصا حين يتعلق الأمر بالأمن القومي.. كما جري في حالة حرب غزة.. التي انجرفت الأمور في بدايتها نحو تحويل الرأي العام المصري ضد دولة مصر نفسها.. وتصويرها كما لو أنها خائنة وضد الحقوق الفلسطينية.. ثم بمضي الوقت انتبه الرأي العام إلي ما يجري دفعه إليه.. وتصححت الصورة أمامه.. فاستنار.. وهدأ.. وبدأ يتعامل مع الموقف بمزيد من العقلانية.. وانتبه إلي الدور القومي التاريخي والمستمر الذي يقوم به بلده.. والتضحيات التي قام بها هو نفسه.
لكن الرأي العام يترك في أوقات أخري إلي قدر هائل من العبث.. فيكون أسيرا لمن يختطفه.. ويذهب به حيث يشاء.. وهذا ما كان في حادث العياط.. علي مأساويته.. ولأن الموقف المنفعل لم يكن أصيلا ومتماسكا.. فقد نسي الجميع دماء الضحايا في اليوم التالي لاستقالة الوزير.. ولم يعد أحد حتي يتابع تحقيقات النيابة.
علي أن هذا الموقف المنفعل قد أصبح بدوره عاملا أساسيا في صناعة متغير علي الساحة السياسية.. إذ أدت استقالة الوزير إلي اتجاه الحكومة نحو إتمام تعديل وزاري ولو محدود.. وبحيث قد لايقتصر الأمر علي استبدال وزير النقل بغيره.. أو أكثر.. وربما يمتد إلي بعض أعضاء فريق الحكومة الحالي.. فيكون بذلك حادث العياط لم يؤد إلي استقالة وزير فحسب.. وإنما أيضا إلي تغيير أكثر من وزير.. وهو ما لم تؤد إليه كارثة الدويقة.. وتلك مفارقة كبيرة جدا.
وقد سجلت في الأسبوع الماضي مجموعة من الملاحظات حول منطق التعديل الوزاري.. في عمودي اليومي (ولكن).. كما نشرت روزاليوسف مجموعة من الأخبار المدققة والمتحفظة حول مجريات التشاور فيما يخص التغيير المتوقع.. علي أنه ورغم محدودية التغيير.. الآن النقاش العام يفرض مجموعة من الأسئلة والملاحظات الإضافية التي يمكن أن نحلل مفرداتها.. لعل فيها ما يفيد.. وفي ذلك أستعين بما سمعت في الأجواء المحيطة بالتغيير.. وأيضا في ردود الأفعال التي تلقيتها من بعض القراء حول ما كتبت.. ومن ذلك كله ما يلي:
١- لماذا يريد الناس تغييرا؟
في بعض الأحيان أظن أن الرأي العام قد يطالب بالتغيير الوزاري حتي بعد أن تتشكل حكومة جديدة ببضعة أسابيع.. وأن المطالبة بالتغيير تكون لمجرد أن يحدث تغيير ليس إلا. وقد يعود هذا السبب إلي تراث متراكم منذ زمن بعيد في العلاقة بين الحكومة والرأي العام.. فقبل أن يتطور المناخ السياسي وقبل أن تصبح الحكومة علي هذه العلاقة فيما بينها وبين البرلمان.. كان أن اقتنع الرأي العام بأنه لابد من تغيير بعض الوزراء من حين لآخر لأن هذا قد يؤدي إلي تعديل في أوضاعه اليومية.
وعلي الرغم من أن منهج الرئيس مبارك يقوم علي الاستقرار الوزاري وإعطاء كل مسئول فرصته في أن يقوم بمهامه وتنفيذ ما يري أنه الصواب.. فإن التراث السابق علي ثورة ٢٥٩١ الذي كان يؤدي إلي تغيير الوزارات في أوقات قصيرة جدا.. ومن ثم بعد ثورة ٢٥٩١ حين كان الرئيس عبدالناصر يميل إلي التغيير علي فترات متقاربة، وهو ما لم يذهب بعيدا عنه الرئيس أنور السادات.. هذا التراث المتراكم لم تزل بقايا آثاره موجودة في ذهنية الرأي العام.. بحيث يبدو أن الانطباع لديه ليس هو متي تنهي الحكومة مهمتها.. وإنما متي يخرج الوزير بغض النظر عما إذا كان قد قام بعمله أم لا.
ولاشك أن عوامل أخري قد أضيفت في هذا السياق.. ومنها مثلا أن فريق الإدارة نفسه فيه أعضاء يتبادلون ترويج الترديدات عن بعضهم البعض.. في سياق التنافس والصراع السياسي.. ويمكنني أن أزعم أن بعض الترديدات حول خروج وزراء من الحكومة في الأسبوع الأخير يعود بعضها إلي مصادر وزارية.. بعضها هدفه إبعاد الأنظار الصحفية عن مصدر الترديد نفسه.
ومن ذلك أن مناخ التطور الإعلامي قد أدي إلي مزيد من الحرية في الانتقاد.. بدون أن تتعدل أوضاع المعادلات العامة.. إذ مازال البعض يعتقد أن أي انتقاد لوزير يعني أن يؤدي به إلي أن يترك موقعه.. حتي لو كان الانتقاد مفتعلا ومدبرا وليس موضوعيا وقائما علي مبررات حقيقية.. أضف إلي هذا أن بعض وسائل الإعلام تري أن قدرتها علي الإطاحة بوزير ما ، هي بمثابة إنجاز يحسب لها.. ولأن أحزاب المعارضة ليست لديها القدرة علي تحقيق أي مكسب سياسي ملموس لضعف قواعدها.. فإنها تستمرئ تشويه أعضاء الإدارة.. والإساءة إليهم.. وتقود حملات منظمة في هذا الاتجاه.
وليس ببعيد عن هذا أن في السوق مصالح وصراعات.. وأن أصحاب تلك وأطراف هذه.. يمكنهم أن ينثروا حول صانع القرار في الإدارة (علي مستوي وزير أو أقل) كثيراً من حملات الضغط والتشويه المتنوعة.. التي تؤثر في قراره أو تدفعه إلي إعادة التفكير في أمر ما رضوخا واستجابة.. وحماية لذاته مما تتعرض له.
كل تلك العوامل هي التي تصنع المبررات غير الأصيلة للمطالبة بالتغيير.. لكن هناك مطالب يكون لها أساس موضوعي.. حتي لو كان نفسيا.. كما في حالة تعرض الرأي العام لضغوط بعينها خلال أزمات معينة.. مثل تلك الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية الدوليتين اللتين تدفعان المواطن إلي حالة لم يكن يتوقعها أو ينتظرها.
غير أنه يغيب عن المطالبات بالتغيير معايير موضوعية لابد أن علي أي صانع قرار بالتغيير أن يركن إليها.. فهو لا يمارس عبثا.. ولا يقوم بلعبة الكراسي الموسيقية.. وإنما يقوم بصناعة التغيير حين يجب ذلك من أجل تحقيق مصالح الناس.. وأهم تلك المعايير هي: هل يؤدي تغيير الوزير إلي تغيير في أحوال الناس.. أم أنه لن يقود إلا لمجرد تغيير في الوجود وينتهي الأمر.
إن الصحف مشغولة في هذه الأيام بحديث الأسماء في شائعات التغيير الوزاري.. لكننا لم نسمع عن تقييم للسياسات.. أو حتي استكشاف للرؤي التي يمكن أن يدير بها هذا الشخص أو ذاك قطاعه إذا ما تولاه.. وهل هو سوف يصل إلي موقعه لأن لديه ما يمكن أن يقوم به أم أنه مجرد ساعٍ إلي ترقية موقعية.. ومنصب مرموق.. ويحلها حلال فيما بعد؟.. وتلك هي المشكلة.
٢- إلي أي مدي يكون لرئيس الوزراء دور في التغيير؟
كتب لي القارئ (محمد شليب علي) معلقا علي مقال لي الأسبوع الماضي: هل أنت مقتنع بما تقول.. هوه فيه رئيس وزراء بيختار الوزراء.. بدليل أن كثيراً من الوزراء ليسوا علي هوي الدكتور نظيف وأسلافه؟
وللسؤال وجاهته.. في ضوء أن آلية التغيير وإتمامه وطريقة إعداده قد لا تكون معروفة.. أو تحيط بها ملابسات غير مكشوفة.. ويمكنني أن أسجل في هذا السياق الملاحظات التالية: بالطبع لرئيس الوزراء دور محوري وأساسي في اختيار الوزراء الذين يعملون معه في حكومته.. لكن هذا لاينفي أن للرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية.. وهو هنا الرئيس المنتخب.. دوره الأخير في قبول ترشيحات رئيس الوزراء أو العكس.. ولهذا فإنها تسمي مشاورات.. وهي لاتقتصر علي المقابلة الأخيرة التي تعلن حين يلتقي رئيس الوزراء الوزير المرشح.. قبل أن يعلن اختياره ويذهب لكي يقسم اليمين الدستورية أمام الرئيس.. وإنما يتداول الكثير حول هذا قبل الاستقرار علي الاسم الأخير.
ومن المفهوم بالطبع أن رئيس الوزراء ليس له تدخل في اختيار وزراء المجموعة السيادية.. التي تعمل بشكل مباشر بتعليمات من الرئيس علي الرغم من أن لها دورها في إطار العمل المؤسسي من خلال مجلس الوزراء.. وباعتبارهم أعضاء في الحكومة.. يكون لهم قول مؤثر في القرار استنادا إلي الملفات التي يديرونها وقد لايكون لبقية الوزراء نفس القدر من الاطلاع عليها.
وطبيعة تشكيل كل حكومة تشي بتأثيرات رئيس الوزراء في الاختيار.. وفق ما يمكن قراءته في طبيعة انتماءات أعضاء الحكومة.. ويمكن أن نلاحظ ذلك في الفرق بين تركيبة حكومات عاطف صدقي - رحمه الله - ثم كمال الجنزوري، والدكتور أحمد نظيف.. وبمضي الوقت ومع مزيد من نضج العمل المؤسسي في إطار الأوضاع المتطورة سياسيا ودستوريا في مصر.. فإن رئيس الوزراء له دور مهم في اختيار فريقه.. لاينفي أن للرئيس أن يقبل أو لا يقبل ترشيحاته.. وليس في هذا قدر من الهوي كما يوحي بذلك صاحب السؤال.. ليس فقط لأن مصر لم تعرف بعد حكومة تأتي جديدة برمتها حين يأتي رئيس وزراء جديد.. ولكن أيضا لأن هناك معايير موضوعية أساسية تفرض نفسها خلال الاختيار.. ولم أسمع بعد عن أن رئيس الوزراء الحالي لديه موانع حقيقية في التعامل مع أحد وزرائه حتي لو كانت لديه ملاحظات عليه.. وحين وجد رئيس الوزراء أنه يحتاج إلي تطوير العمل في قطاع الري.. فإنه قد اقترح تغيير الوزير لسبب موضوعي وغير شخصي.. وهذا أمر معلن.
بل إن حكومة الدكتور أحمد نظيف شهدت ظاهرة مختلفة حين جاء رئيس وزرائها من بين صفوف الفريق الأحدث في حكومة الدكتور عاطف عبيد.. وكان حوله وزراء أقدم منه في العمل الحكومي مثل فاروق حسني والدكتور يوسف بطرس غالي.. وهو ما لم يكن ملموسا في حكومة الدكتور الجنزوري والدكتور عاطف عبيد باعتبارهما كانا من الوزراء التليدين.
٣- لماذا بقيت حكومة نظيف كل هذا الوقت؟
من المدهش أنه قد سرت توقعات في بداية تشكيل حكومة الدكتور نظيف مؤداها أن تلك هي حكومة مؤقتة.. وأنها لن تكمل فترة أطول من عام.. إذ إنها تشكلت في عام ٤٠٠٢. ومن ثم فإنه سوف يتوجب تغييرها في عام ٥٠٠٢ برئيس وزرائها بعد الانتخابات البرلمانية.. لكن الحكومة الحالية برئاسته تتجه إلي أن تقترب من معدل بقاء حكومة الدكتور عاطف صدقي - رحمه الله.
لقد أجري الدكتور نظيف علي تلك الحكومة ثلاثة تعديلات.. وهو بصدد الرابع.. إذ أضيف إليها الوزير أنس الفقي بعد أن تشكلت.. ثم حدث عليها تعديل موسع في عام ٥٠٠٢ بعد الانتخابات.. ثم قبل أشهر حين أضيف إليها وزير جديد للري.. وها هي بصدد تعديل جديد خلال أيام.
ومن المؤكد أن هناك ملاحظات متنوعة علي أداء هذه الحكومة.. لكنها استطاعت أن تحقق إنجازا كبيرا.. وتمكنت من تحقيق الأداء المطلوب في إطار البرنامج الانتخابي للرئيس.. وتعهداته للمواطنين.. والبرنامج الانتخابي للحكومة وهيئتها البرلمانية.. وقد بقي لها في البرنامج البرلماني نحو عام وفي البرنامج الرئاسي قرابة العامين.
والأهم من ذلك أنها استطاعت، ليس فقط أن تقود عملية الإصلاح الاقتصادي.. وإنما أن تثابر عليه.. بدعم الحزب صاحب الأغلبية ووفق الخطوط العريضة لسياساته.. ولا أقول كلها.. بل تتمكن بتعضيد من الرئيس من أن تواصل هذا البرنامج الإصلاحي.. وتحصد ثمار نتائجه.. حتي إن مصر من بين دول قليلة جدا في أرجاء العالم التي لايستشعر فيها المواطن الأثر المباشر للأزمة الدولية علي المستويين الاقتصادي والمالي.
وينظر إلي نظيف علي أنه رئيس وزراء لا ينشغل كثيرا بالتفاصيل.. وأنه يهتم بالخطوط العريضة.. وأنه يترك مساحات هائلة لوزرائه يتحركون فيها.. وأحيانا بما قد يجعلهم يبدون كما لو أنهم رؤساء أنفسهم.. لكنها استطاعت أن تحقق معدلات نمو مرتفعة.. انخفضت بسبب ضغوط الأزمة الدولية.. لكن يحسب لها أن مصر من بين الدول النادرة في العالم التي تسجل معدل نمو إيجابياً.. ومن المعتاد أن تري كثيراً من الوزراء قد أمسك بالصفحتين الأخيرتين في مجلة الإيكونوميست البريطانية كل أسبوع.. لكي يتفاخر بأن مصر من الدول التي تسجل هذا المعدل الإيجابي في النمو.. حيث تنشر المجلة مجموعة من الجداول التي تشير إلي مقارنات وترتيب الدول من نواح اقتصادية ومالية مختلفة.
وقد كانت، ولم تزل بقدر أقل، توجه إلي حكومة الدكتور نظيف سلبية أنها ذات حس اجتماعي منخفض.. غير أنها تمتعت بقدر كبير من المرونة.. واستطاعة التحور.. بحيث إنها صارت تتحدث عن دور محوري للدولة.. وتتبني برامج اجتماعية بطريقة مختلفة ومنهج مختلف.. استنادا إلي توجيهات حزبية.. والأهم إلي ضبط إيقاع مستمر من جانب الرئيس.. وقد سمعت رئيس الوزراء أكثر من مرة يقول إنه حين تعرض علي الرئيس مجموعة من الخيارات فإنه يتخير تلك التي تسبب فائدة أكبر لصالح محدودي الدخل والبسطاء.
ومن الأمور اللافتة في هذا السياق أن تلك الحكومة التي انتمي إليها عدد لابأس به من الذين تعود جذور خلفياتهم إلي قطاعات البيزنس ورجال الأعمال.. هي نفسها التي صار أعضاؤها رجال الأعمال الأكثر حديثا عن التوجهات الاجتماعية.. وعن ضرورة إحداث التوازن.. وعن تلبية قدر أكبر من الخدمات.
لكن اللافت فيها كذلك.. أنها تتميز بكونها تضم عددا هائلا من الذين ترشحهم الشائعات والطموحات لأن يكونوا رؤساء وزراء.. نحو ستة علي الأقل.. ولكن رئيس الوزراء يدير كل هذه الطموحات بتوازن لابد أن يحسد عليه.
٤- هل هناك ضرورة لتغيير واسع؟
في غضون الأشهر القليلة الماضية.. ربما نحو عام.. سري في داخل الحكومة وربما في كواليس الحزب.. ما يقود إلي أن العمل الوزاري في حاجة إلي نوعين من التغيير.. الأول علي نطاق ضيق.. قريب.. والثاني علي نطاق أوسع فيما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقد لاحقت هذه الحكومة شائعات التغيير أكثر من مرة.. في مناسبات مختلفة.. ولكن هذه الشائعات لم تكن تعكس طاقة حقيقية يمكن أن تقود إلي إحداث التغيير.
ومن المؤكد أن الحكومة قد تعرضت لاختبارات مختلفة خلال ثلاث أو أربع أزمات.. مرة حين تعرضت البلد كلها إلي أزمة رغيف الخبز.. ومرة حين تعرضت إلي أزمة المطالبة بمزيد من خدمات مياه الشرب.. ومرة حين انكشفت أدواتها في التعامل مع أزمة الدويقة.. ومرة رابعة بعيد أزمة حادث العياط.
وقد تضافرت عوامل مختلفة بشكل أدي إلي حدوث أزمة الخبز.. خاصة مع الضغوط الدولية علي أسعار القمح.. وبشكل تمكن خلاله الدكتور علي المصيلحي وزير التضامن.. ومن ثم رئيس الوزراء.. من التأكيد علي أن المشكلة لم تكن في أداء الوزير.. علي الرغم من أنه كان قد أصدر قرارا أدي إلي تعقيدات إدارية متنوعة تم تداركه.. وفي أزمة مياه الشرب تبين من حقائق مختلفة أنها مفتعلة إلي حد بعيد وتخضع لتدخلات غير دقيقة تصطنع وقائع غير سليمة من بعض وسائل الإعلام الخاصة.. وكان العامل القدري حاضرا بقوة في تقييم الأداء أثناء أزمة الدويقة.
ولابد أن تقييم الوزراء يخضع في الأساس لمعايير موضوعية.. في ضوء أنه لابد أولا من مراجعة السياسات المتبعة ونقاشها.. ثم اقتراح السياسة الجديدة التي تعالج السلبيات في كثير من المشكلات التي تعاني من تراث متراكم مضت عليه سنوات عديدة.. وبعد ذلك تحديد الأولويات.. ومن ثم توفير التمويل اللازم لتحقيق وتطبيق تلك السياسة.. وبين كل تلك العناصر يتم تقييم دور الوزير ومؤسسته.
المؤكد في هذا السياق، أنه لا يوجد من يمكن أن يمسك بعصا سحرية تغير الأمور رأسا علي عقب بين يوم وليلة.. وأن تغيير الأشخاص ليس هو الذي يمكن أن يقود إلي تحقيق إنجاز إضافي ملموس.. اللهم إلا إذا كانت هناك مشكلات حقيقية تتعلق بأداء الوزير في قطاعه.
وفيما يبدو فإن التغيير المحدود المقبل يتجه إلي إحداث (دفعة تنشيط) في مجال أو اثنين أو ثلاثة من مجالات الخدمات.. اعتمادا علي إضافة دماء جديدة للحكومة.. وبما في ذلك حقيبة أو حقائب النقل.. وهي وزارة لم تكن تحظي بكل هذا الاهتمام الجماهيري في وقت سابق.. وصارت لها أهمية قصوي وتحيط بها ضرورات ملحة لأسباب اقتصادية واستثمارية.. وأيضا لأسباب تتعلق بمعايير الأمان في استخدام خدمات النقل المتنوعة.
وقد يكون أهم من عدد الوزراء المطروح تغييره.. هو طبيعة التفكير الذي سيقود عملية التغيير.. ففي حين كانت حكومة نظيف تميل في تشكيلها الأول إلي دمج الوزارات كما جري مثلا في قطاعي الصناعة والتجارة.. وكما جري في القطاع التابع لمجالات الاستثمار.. فإنها قد تكون بصدد تفكير مختلف يميل إلي توزيع مهام تفصيلية علي عدد أكبر من وزراء الدولة.
علي سبيل المثال فإن أي وزير للنقل سوف يأتي في الظروف الحالية لو كان يعمل عشر ساعات يوميا فإنه سوف يعطي منها ما لا يقل عن ثماني ساعات لصالح تطوير العمل وملاحقة السلبيات في قطاع السكك الحديدية.. ما يعني أن بقية القطاعات سوف تتأثر إلي حد بعيد.. وتتحول من الإنجاز المتتالي إلي التراجع اللافت.. ومن ثم فإن هناك تفكيرا ليس مؤكدا حتي اللحظة في أن يكون هناك وزير مختص بشئون السكك الحديدية.
٥- ما هو الأهم من التغيير؟
ما أعتقده شخصيا بغض النظر عن حدود التغيير وأبعاده وعدد من سوف يشملهم.. هو أن الحكومة تحتاج إلي مجموعة من الاهتمامات الإضافية.. في ضوء ما تم إقراره خلال مؤتمر الحزب الأخير.. والتعديلات التي جرت علي سياسات أقرها في مجالات مختلفة.. بالإضافة إلي ملاحظات متنوعة علي الأداء العام:
- رغم الحديث الصاخب والمستمر عن خطورة الزيادة السكانية.. لكن الجهد الذي تبذله الحكومة لا يمكن أن يقارن بحجم الوعي بخطورة هذه المشكلة.. فقد أصبح رقم النمو السنوي في السكان هو مليون ونصف المليون نسمة.. وهو رقم لايمكن تجاهل خطورته.. ولايمكن القول بأن الحكومة تعمل عن حق وبإخلاص من أجل التعامل معه.. علي الرغم من عدد هائل من المؤتمرات والاجتماعات التي تعقدها في هذا الشأن. - لابد أن تنشغل الحكومة بتطوير نوعي لحالة العاصمة.. ووضعها المزري الذي لم يعد مرضيا لساكنيها أو زائريها.. والأمر أصبح يتخطي حدود مسئولية المحافظ.. ولايمكن تجاهل أن مؤتمر الحزب قد شهد مطالبات متنوعة في هذا الخصوص فضلا عن أصوات حقيقية تئن بين قطاعات الرأي العام.. وهذه مشكلة لها أبعاد اقتصادية وأمنية واجتماعية وسياحية وسكانية.
- فضلا عن ضرورات مواجهة الفقر.. والحاجة الملحة إلي مزيد من العدالة في التوزيع.. وتقريب الفوارق بين الفئات.. ولا أقول بين الطبقات.. فإن البرنامج الاقتصادي يحتاج إلي دفعة ناضجة من الحكومة ومزيد من الحيوية.. خصوصا في قطاعات التجارة الداخلية.. والسياحة.. وتنفيذ ما تم الاستقرار عليه بخصوص طريقة التعامل مع القطاع العام.. وإنشاء جهاز إدارته.
ولاشك أن هناك عشرات من الملفات والمطالبات.. والقضايا الملحة.. وفيها بالطبع ما يخص قطاعات الزراعة التي أولاها الحزب وحكومته اهتماما كبيرا في المؤتمر الأخير للحزب.. لكن تلك كانت بعض الملاحظات التي ينبغي تسجيلها حول أحاديث التغيير.. وليس التغيير نفسه.
عبد الله كمال يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]