السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
تركيا.. دولة المذابح الكبرى!

تركيا.. دولة المذابح الكبرى!


عندما زار السيد «رجب طيب أردوغان» مصر منذ عامين - فى زمن حكم د. مرسى وعشيرته. استقبلته «النخبة» ودلاديلها من أنصاف وأرباع المثقفين بالطبل والزمر والتهليل والتهجيص أيضا!
 
 لقد استقبلوا «أردوغان» كما لو كان قديس الديمقراطية وملاك الحرية الذى جاء إلى «مصر» ليعطينا دروسا فى الديمقراطية والحرية!
وأصبح رجلا نجما وضيفا على برامج الفضائيات، وراح يصول ويجول ويهرتل كما شاءت له الهرتلة!!
 
وفى وسط ذلك «الفرح الأردوغانى» لم يكلف الذين ناقشوه أو سألوه أو حاوروه أن يكشفوا عن الوجه الحقيقى له!! بدءا من العلاقة الحميمة والاستراتيجية مع إسرائيل إلى قضية استيلاء تركيا على لواء الإسكندرونة السورى منذ عام.
 
كما لم يتطرقوا إلى قمعه لحرية الصحافة والصحفيين واعتقالهم، لم يتحدثوا معه أو يتطرقوا إلى زيارات كبار المسئولين الأتراك إلى إسرائيل سرا وعلنا منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا!!
 
لقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بقيام إسرائيل فى 14 مايو 1948،ولم يصدر عنها بيان أو تصريح يؤيد العرب أثناء حرب فلسطين!! بل إن تركيا رفضت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل فى أعقاب حرب يونيو 1967!!
 
المصالح أهم من الشعارات والعبارات الرنانة!!
 
 ولا بأس من حين لآخر أن تندد تركيا - أردوغان بالسياسة الإسرائيلية وتولول باكية على أحوال الشعب الفلسطينى تحت الاحتلال، لكنها لا تنسى أبدا أنها حليف استراتيجى مهم لإسرائيل.
 
 صحيح أن تركيا انتقدت إسرائيل بسبب عملية الرصاص المنصهر على غزة فى أكتوبر 2009 لكن «أردوغان» خرج بعدها وفى اجتماع بمناسبة مرور سبع سنوات على تولى حزبه الحكم ليقول بالحرف الواحد:
 
«إن انتقاد ما حدث فى غزة لا يوضح بالضرورة أن تركيا قد غيرت من سياستها تجاه إسرائيل»!
 
 وعندما بالغ «أردوغان» فى انتقاده لإسرائيل قائلا: «إن الله سيعاقب إسرائيل بعد العملية العسكرية التى قامت بها فى غزة»!!
 
 فوجئ «أردوغان» بمقال فى صحيفة «معاريف» الإسرائيلية لكاتبه «بن درور يمينى» يقول فيه: «لا للتسامح فى مسألة الكرامة الوطنية، بلغ تطاول «أردوغان» مدى جديدا عندما قال إن اليهود - أى إسرائيل - يهددون السلام العالمى، لذا فقد حان الوقت لخلع القفازات، إذا كان الانبطاح لا يُجدى ، فمن الأفضل إذا أن نقول الحقيقة: أردوغان هو آخر من يحق له فتح فمه، إنه ليس مجرد الماضى الدامى لتركيا مع عمليات الإبادة الجماعية للأرمن، وإنما حاضرها أيضا، تركيا التى أبادت عشرات الآلاف من الأكراد الذين لا يمثل تهديدهم لتركيا شيئا.. هذا هو نفس «أردوغان» الذى أرسلته الشرطة عندما كان رئيسا لبلدية اسطنبول عام 1995 لتنفيذ مذبحة ضد مجموعة من العلويين كانوا يجلسون فى مقهى».
 
 لقد هاجت إسرائيل وماجت ضد مسلسل تركى اسمه «الفراق» فى الحلقة الأولى منه تضمن بعض لقطات للتعامل الوحشى للجنود الإسرائيليين ضد العرب وبعد الحلقة قام وزير الخارجية الإسرائيلى «ليبرمان» باستدعاء القائم بالأعمال التركى فى تل أبيب واتهمه بأن المسلسل يحرص على كراهية إسرائيل.
 
 ورضخت السلطات التركية للابتزاز الإسرائيلى وحذفت كل المقاطع والمشاهد من المسلسل التى يمكن أن تؤدى إلى توتر العلاقة مع إسرائيل!!»
 
 لقد ضحك أردوغان على النخبة التى هللت وطبلت ورقصت له عشرة بلدى ظنا منها أنه كان مؤيدا لثورة 25 يناير، الحقيقة التى انكشفت الآن وبانت أنه كان مؤيدا ومنحازا لحكم الجماعة والعشيرة التى تمثلت فى الرئيس د. «محمد مرسى».
 
 ومنذ اللحظة الأولى لثورة 30 يونيو العظيمة كشف «أردوغان» عن وجهه القبيح والانتهازى، فقد ساند جماعة ولم يساند «شعبا»، انحاز إلى عشيرة ووقف ضد الملايين التى خرجت ترفض حكم الجماعة وعشيرتها!! ساند «الاستبداد» وعارض إرادة أمة المصريين.
 
 واحتضن أردوغان كل مؤتمرات التنظيم الدولى للإخوان، ولم يترك مناسبة إلا ووصف ما جرى فى 30 يونيو بالانقلاب وأنه «لا يزال يعتبر» محمد مرسى «رئيسا شرعيا لمصر».
 
 وبلغ سوء الأدب قمته بالتهجم على الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومع أولى جلسات محاكمة د. «محمد مرسى»
 
 لقد بكى «أردوغان» وذرف دموع التماسيح على ضحايا فض اعتصام رابعة، لكن عيونه لم تشاهد ما فعله بوليسه فى فض اعتصام ميدان «تقسيم»، إنه يندد بالقمع الذى تمارسه مصر ولا يرى القمع الذى يمارسه هو بنفسه ضد معارضيه وعلى رأسهم المئات من الصحفيين!!
 ولا بأس من تذكير «أردوغان» حامى حمى حقوق الإنسان - الإخوان فقط - بأنه هو الذى أمر بالقبض على السيد «عبدالله أوجلان» زعيم حزب العمال الكردستانى وحكمت عليه المحكمة بالإعدام الذى خفف إلى السجن المؤبد ومنذ فبراير 1999 يعيش فى زنزانة انفرادية فى جزيرة «أمرالى» فى بحر مرمرة!!
 
 بل إن أردوغان رفض كل الوساطات الدولية ومن بينها المنظمات الحقوقية العالمية لزيارة الرجل والاطمئنان على وضعه الصحى!!
 
إن ذكاء أردوغان السياسى والإنسانى يجعله يرى ما يحدث فى أقاصى الدنيا ويبكى من أجله، ولا يرى ما يحدث على مسافة أمتار منه!!
 
إذا كان أردوغان عاجزا عن قراءة أحداث اليوم فهل يستطيع أن يقرأ بعض أحداث جرت فى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين ؟!
 
استيقظ العالم العربى صباح 13 يناير سنة 1955 على صدمة غير متوقعة عندما أعلنت بغداد عن عقد اتفاق عسكرى بين العراق وتركيا هدفه تحقيق التعاون وكفالة الاستقرار والأمن فى الشرق الأوسط!
 
 قبل ذلك بيوم كان رئيس الوزراء التركى «عدنان مندريس» قد وصل إلى بغداد بشكل مفاجئ، والتقى رئيس الوزراء العراقى «نورى السعيد باشا» وتفاهما وتناقشا واتفقا على هذا الاتفاق!
 
لم يكن الأمر مفاجئا لمصر، فقد سبق أن استقبل الرئيس «جمال عبدالناصر» فى منتصف سبتمبر عام 1954 «السيد عدنان مندريس» فى القاهرة الذى حاول إقناع عبدالناصر بأن العصر هو عصر العمل الجماعى وضرب مثلا بحلف شمال الأطلنطى وراح يتحدث عن الخطر الشيوعى الذى لا يمكن مواجهته إلا بحلف مع الإنجليز والأمريكان!!
 
وسأله عبدالناصر - حسب رواية الأستاذ «محمد حسنين هيكل»: وأين إسرائيل فى ذلك كله ؟!
 
قال نورى السعيد باشا «الذى كان ضابطا فى الجيش العثمانى» إن الغرب سيعطينا سلاحا للوقوف معه ضد الروس، والسلاح الذى سنأخذه منهم سوف يكون فى أيدينا نحارب به من نشاء!
 
وسأله «عبدالناصر»: وهل يعطيك الأمريكان والإنجليز سلاحا تحارب به إسرائيل ؟!
 
 وسكت نورى بعض الوقت ثم قال لجمال عبدالناصر: أنت ترغمنى أن أقول لك خطتى قبل أوانها، ما هو رأيك فى ستين فرقة إضافية تضاف إلى قوانا فى معركة مع إسرائيل ؟!
 
وابتسم عبدالناصر وقال له: يدى على كتفك وأين هذه الفرق الستون؟!
 
 اندفع «نورى السعيد» يقول: أتراك وباكستانيون، إذا دخلنا معهم فسوف يدخلون معنا!!
وسأله عبدالناصر: وهل يسمح لهم الإنجليز والأمريكان ؟
 
 ورد «نورى» دون أن ييأس: إنهم لن يطلبوا إذنا!!
 
يقول الأستاذ «هيكل»: راحت المناقشات تدور بين الرجلين فى حلقة مفرغة بدا واضحا أنها لن تصل بها إلى شىء.
 
 ورغم المنطق الذى أبداه عبدالناصر لنورى السعيد فلم يقتنع الرجل، فقد كان مقتنعا أيامها بنظرية مؤداها وكما سمعها بنفسه السيد « محمود رياض» - وزير الخارجية فيما بعد- أن قوة كل دولة عربية تعادل الصفر وأن مجموع أى عدد من الأصفار هو صفر، وبالتالى فإن قوة الدول العربية مجتمعة حصيلتها هو الصفر، وأن التعاون مع بريطانيا والدخول فى أحلاف مع دول إسلامية مثل تركيا وإيران وباكستان سوف يؤدى إلى حصولنا على السلاح، وأن هذه الدول سوف تنضم إلى العرب فى نزاعهم مع إسرائيل!!
 
عمت المظاهرات جميع العواصم العربية بما فيها بغداد تهاجم «نورى السعيد» وتصفه بخائن العرب، ودعت مصر لاجتماع عاجل يعقد يوم 22 يناير لبحث الموضوع واستمر حتى السادس من فبراير، ورأس «جمال عبدالناصر» الوفد المصرى.
 
 ويروى «محمود رياض» الذى كلفه الرئيس جمال عبدالناصر بإعداد جدول أعمال المؤتمر،غرائب وعجائب دارت فى المناقشات.
 
قال جمال عبد الناصر: إن الاتفاق العسكرى المزمع عقده بين العراق وتركيا سوف يقيد حرية الأمة العربية ويضعف التضامن العربى! وأيده الأمير «فيصل» - الملك فيما بعد - وقال: إن هذا الحلف سوف يتسبب فى هدم كيان البلاد العربية وطالب الحاضرين بضرورة اتخاذ قرار حول هذا الموضوع!
 
 والغريب أن «ألفريد نقاش» وزير خارجية لبنان راح يدافع عن الحلف المتوقع فقال: إن تركيا ترغب فى العمل للمصلحة العربية وأن «مندريس» رئيس وزرائها يرغب فى الدفاع عن البلاد العربية ضد إسرائيل!
 
 وهنا سأله الأمير فيصل: منذ متى يحكم «مندريس» تركيا ؟! وأجابه «نقاش» منذ أكثر من أربع سنوات فعلق «فيصل» قائلا: ولماذا إذن لم تظهر هذه السياسة التركية طوال هذه السنوات!!
 
 وفوجئ «النقاش» بهذا السؤال فلم يستطع الرد!! وانتهى المؤتمر بغير نتائج ملموسة أو حاسمة!
 
 وفى تلك الأيام راح جمال عبدالناصر يهاجم فى خطبه الأحلاف وأن مصر لا تقبل الدخول فى أى حلف أجنبى لأن «هذه الأحلاف هى أحلاف الذئب والحمل ولابد أن يأكل الذئب الحمل»!! وقال أيضا: «إن العراق قد ربطت نفسها بطريق غير مباشر بحلف غير مقدس مع إسرائيل»!
 
 وفى 24فبراير سنة 1955 تم إعلان حلف بغداد بين العراق وتركيا!
 
 وكتب «أنور السادات» فى صحيفة الجمهورية - التى كان مديرها العام -يهاجم حلف بغداد قائلا: «أما تركيا مخلب القط فى حلف بغداد والتى تحالفت إحدى الدول العربية معها - يقصد العراق - أيضا، فلم نسمع حتى الآن أنها سحبت اعترافها بإسرائيل أو قيدت تجارتها مع إسرائيل، فإن لتركيا حتى اليوم سفيرا فى إسرائيل، وهى حريصة على إرضاء إسرائيل، بل إن علاقتها التجارية قد ازدادت مع إسرائيل بعد توقيع حلف بغداد، وفى كل أسبوع نسمع عن بعثة لإسرائيل فى تركيا وبعثة لتركيا فى إسرائيل، بل إن سفينة تركية كانت فى إسرائيل بادرت فتبرعت لأسبوع التسلح الإسرائيلى».
 
 وكتب د. طه حسين أيضا على صفحات الجمهورية مهاجما حلف بغداد عامة وتركيا بشكل خاص يقول:
 
 «كان «الترك» العثمانيون يؤمنون فى أعماق ضمائرهم ولا يتحرجون من إعلان هذا الإيمان بأن العرب مسخرون لهم مذللون لأغراضهم لا ينبغى أن يطمعوا فى عدل ولا أن يطمحوا إلى حرية فهم قوم لا يعبأ الله بهم لأنهم ليسوا تركا، فالعرب لم ينسوا وكانوا يحبون أن ينسوا أن الترك قد دمروا حضارتهم العربية الإسلامية حين بسطوا سلطانهم على الشام ومصر وما وراء الشام ومصر من البلاد. دمروا هذه الحضارة تدميرا مازال العرب يجاهدون فى إصلاحه، دمروا هذه الحضارة ولم ينشئوا مكانها شيئا آخر وإنما عاشوا بها وعاشوا على أنقاضها قرونا»!!
 
وبتاريخ 2 أبريل سنة 1955 يكتب طه حسين فى الجمهورية قائلا:
 
 «كان الترك خليقين أن يحسوا لوم العرب لهم وعتبهم عليهم إنكارهم أن تعين دولة إسلامية كانت تزعم لنفسها حماية الإسلام على تدخل الأجنبى فى شئون المسلمين وتعريضهم للمشاركة فى مغامرات ليس لهم فيها نفع قليل أو كثير.
 
 وأن فى نفوس العرب بقية من مودة للترك، فمن الخير ألا يضيعوها بإصرارهم على ما هم فيه من حمق وطيش»!
 
 
يا سيد «أردوغان»، مصر لم تعد ولاية عثمانية، وأنت لست السلطان العثمانى.. والزم حدودك، فللصبر حدود!!