السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
النقراشى باشا وقرار العمر خبايا أول حل للإخوان !

النقراشى باشا وقرار العمر خبايا أول حل للإخوان !


 المحنة التى تواجهها (جماعة الإخوان) الآن ليس لها نظير على وجه الإطلاق فى تاريخ الجماعة منذ نشأتها عام 1928. فى كل المحن التى صادفها الإخوان فى العصر الملكى ثم العصر الجمهورى كانت المحنة فى مواجهة نظام أو حكومة، ملكية أو جمهورية، لكنهم هذه المرة يواجهون محنة لا نظير لها : الدولة والشعب ضدهم !!
 
 الكل ضدهم : مسلمين وأقباطا، رجالا ونساء وشبابا، فلا يوجد مصرى واحد يمكن أن تضبطه متلبسا بالتعاطف مع الإخوان !!
 
لقد صدق ملايين المصريين مقولة الشيخ (حسن البنا) رحمه الله : الخلاف لا يكون حائلا دون ارتباط القلوب، وتبادل الحب والتعاون فى الخير) ولم يكن ذلك صحيحا كما أثبتت الأيام والوقائع !
 
 وعندما اعتقلت حكومة (حسين سرى باشا) فى 16 أكتوبر 1941 كلا من الشيخ (البنا) وزميليه (أحمد السكرى) و(عبدالحكيم عابدين) فى معتقل الزيتون بالقاهرة، وإغلاق صحفهم : (التعارف) و(الشعاع) و(المنار) قامت الدنيا ولم تقعد ووصلت إلى الملك (فاروق) العرائض والالتماسات تطلب الإفراج عن (البنا) ورفاقه، بل إن (توفيق دوس باشا) وزير المواصلات السابق والنائب فى البرلمان وقتها قدم استجوابا إلى مجلس النواب حول اعتقال (الشيخ البنا) !
 
 واستجابت حكومة (حسين سرى) باشا للضغوط وأفرجت عنه !!
 
 وفى نفس العام جرت أول محاولة لحل جماعة الإخوان، فقد أرادت الجماعة الاحتفال بافتتاح شعبة لهم فى حى السيدة زينب، وأعدوا سرادقا ضخما احتشد فيه الآلاف من الإخوان مما أزعج السفارة الإنجليزية فاحتجت السفارة لدى حكومة (سرى باشا) واتهمته بالتهاون مع الإخوان ، لكنه رفض طلبها !!
 
 وتكرر نفس طلب السفارة البريطانية من حكومة (مصطفى النحاس باشا) أواخر يناير سنة 1943 ورفض النحاس باشا (حل الجماعة) واكتفى بإغلاق فروع الجماعة فى الأقاليم، وبقاء مقر المركز العام.
 
 وفى وزارة (أحمد ماهر باشا) (أكتوبر 1944) يطلب فضيلة الشيخ (مصطفى المراغى) شيخ الجامع الأزهر منه حل جميع الهيئات الدينية ومنها جماعة الإخوان.
 
 لكن اغتيال (أحمد ماهر باشا) نفسه على يد الشاب (محمود العيسوى) مساء 24 فبراير سنة 1945 نحى هذه الفكرة !!
 
 أما المرة الرابعة لفكرة حل الجماعة فكانت بمناسبة ثورة اليمن يناير 1948 وتأييد الجماعة لها، وهو ما استنكره مندوب اليمن فى الجامعة العربية، وجاء اقتراح بحل هيئة الإخوان ولكن تم استبعاد الاقتراح!!
 
 كانت مجلة روزاليوسف هى أول من كشف كل هذه الأسرار فى مقال عنوانه (كان النقراشى يفكر فى حل الإخوان منذ أربعة شهور) ونشر المقال فى 22 ديسمبر 1948 !!
 
 وبعد ستة أيام وصباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر تم اغتيال النقراشى !!
 
 ولم يكن قد مضى على إصداره قرار حل جماعة الإخوان فى الثامن من ديسمبر سوى عشرين يوما فقط !! وكان كل ما يملكه فى محفظته ثلاثة جنيهات !!
 
 وفى شهادة بالغة الأهمية للمرحوم المؤرخ (عبدالرحمن الرافعى) أن القاتل وكان طالبا بكلية الطب البيطرى واسمه (عبدالمجيد أحمد حسن) (22 سنة) كان مطلوبا اعتقاله فى زمرة شبان ارتابت فيهم السلطات قبل الحادث، لكن النقراشى باشا رفض اعتقاله قائلا : إنى لا أحب التوسع فى اعتقال الطلاب، إننى والد ولى بنون وأنا أقدر أثر هذه الاعتقالات فى نفوس الآباء والأمهات.
 
بل إن والد القاتل كان موظفا بوزارة الداخلية، وتوفى فقرر النقراشى - وكان وزيرا للداخلية بالإضافة لرئاسة الوزراء - تعليم ابنه بالمجان!
 
وقبل أسابيع من صدور قرار حل الجماعة كانت الشائعات تملأ مصر بقرب صدور هذا القرار !!
 
 وعندما وصلت هذه الشائعات إلى مسامع (حسن البنا) سارع إلى إبراهيم عبدالهادى باشا رئيس الديوان الملكى وسلمه التماسا لكى يرفعه لجلالة الملك بتاريخ 6 ديسمبر 1948 بدأه بالقول :
 
 حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول ملك وادى النيل حفظه الله).
 
 ثم يشير إلى القول (يعلن دولة النقراشى باشا الحرب السافرة الجائرة على الإخوان المسلمين، ويتردد على الأفواه والشفاه قرار حل الهيئة ووعيد الحكومة لكل من اتصل بها بالويل والثبور وعظائم الأمور.
 
 وبعد أن يشرح البنا فى التماسه مقاصد الجماعة وهى (أطهر مجموعة على ظهر الأرض نقاء وسريرة وحسن سيرة وإخلاصا لله والوطن وللجالس على العرش) و.. إلى أن يطالب الملك بقوله :
 
 (بتوجيه الحكومة إلى نهج الصواب أو بإعفائها من أعباء الحكم ليقوم بها من هو أقدر على حملها، ولجلالتكم الرأى الأعلى).
 
وبعد 48 ساعة يذهب الشيخ البنا لمقابلة (عبدالرحمن عمار) وكيل وزارة الداخلية والذى حرص على تسجيل ما جرى فى المقابلة فى تقرير جاء فيه :
 
 حضر الليلة الشيخ (حسن البنا) إلى ديوان وزارة الداخلية وطلب مقابلتنا بحجة الإفضاء إلينا بأمور مهمة يرغب فى إبلاغها فورا إلى حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء، فلما قابلناه حدثنا بأنه قد علم أن الحكومة أصدرت قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين، أو هى فى سبيل إصدار هذا القرار، وأنه يريد أن ينهى إلى دولة رئيس الوزراء بأنه قد تحول نهائيا على ترك الاشتغال بالشئون السياسية وقصر نشاط الجماعة على الشئون الدينية كما كان الحال فى بداية قيام جماعة الإخوان المسلمين. وأنه يود من كل قلبه التعاون مع دولة الرئيس تعاونا وثيقا مؤيدا للحكومة فى كل الأمور وأنه كفيل بتوجيه رجاله فى جميع الجبهات بالسير على مقتضى هذا الاتجاه.
 
 ثم قال البنا إنه إذا قدر أن تمضى الحكومة فيما اعتزمته من حل الجماعة فإنه يؤكد أنه ورجاله سوف لا تبدر منهم بادرة تعكر صفو الأمن إذ لا يقدم على مثل هذا العمل إلا مجنون، كما أكد أن الحكومة لو تعاونت معه لضمن للبلاد أمنا شاملا.)(!!) (إنها نفس المعانى التى رددها د. البلتاجى فى اعتصام رابعة العدوية)
 
 وختم البنا حديثه بقوله : إنه على استعداد للعودة بجماعة الإخوان المسلمين إلى قواعدها بعيدا عن السياسة والأحزاب متوفرا على خدمة الدين ونشر تعاليمه، بل إنه يتمنى لو استطاع أن يعتكف فى بيته ويقرأ ويؤلف مؤثرا حياة العزلة، ثم جعل يبكى بكاء شديدا ويقول إنه سيعود إلى مقره فى انتظار تعليمات دولة رئيس الوزراء داعيا له بالخير والتوفيق.
 
 وما أكثر رجال السياسة الذين حاولوا إثناء (النقراشى باشا) عن قراره بحل الجماعة، ومنهم (فؤاد شيرين) محافظ القاهرة وقتها وكان رأيه من المصلحة تعاون القصر والإخوان !!
 
 ويذهب (أحمد مرتضى المراغى) باشا مدير الأمن العام لمقابلة (النقراشى) باشا ويحذره من عواقب حل الإخوان !! ويثور النقراشى باشا، ثم يدخل عليه (عبدالرحمن عمار) وكيل وزارة الداخلية قائلا :
 
 المسألة منتهية فقد وضعت قرار حل الجماعة وسأعرضه غدا على دولتكم لتوقيعه !!
 
 وكان (عبدالرحمن عمار) قد وضع مذكرة الحل وتتضمن 13 دافعا لحل الجماعة واستعرض فيها ما قامت به الجماعة من عام 1942 إلى عام 1948 وأكدت أيضا أن وجود الجماعة يهدد الأمن والنظام تهديدا بالغ الخطر، وأنه أصبح من الضرورى اتخاذ التدابير الحاسمة لوقف نشاط هذه الجماعة التى تروع أمن البلاد فى وقت هى أحوج ما تكون فيه إلى هدوء كامل وأمن .
 
 ومساء الثامن من ديسمبر1948 عرفت مصر - عبر نشرة أخبار الساعة الحادية عشرة - قرار حل جماعة الإخوان !!
 
 وما يثير الدهشة بيان اللجنة العليا للحزب الوطنى - كان يرأسها المحامى فتحى رضوان (الوزير فى عهد عبدالناصر) - احتجت على قرار الحل، وأشار تقرير للسفارة البريطانية إلى القول: (أراد الإخوان الاندماج فى اللجنة العليا للحزب الوطنى ويعتزمون مواصلة النشاط السرى تحت حماية هذه اللجنة ورعايتها، وأثير اقتراح بأن يتولى (الحزب الوطنى) النشاط السياسى للجماعة بينما يقتصر نشاط قادتها على متابعة رسالتهم الدينية والاجتماعية !
 
 و(فكر الشيخ البنا) كما يقول الباقورى فى أن يستبدل باسم جماعة الإخوان اسم (رابطة المصحف) حتى يتفرغ للتربية الدينية التى هى أصل الأصول فى جماعة الإصلاح.