السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وجها لوجه .. زعيم الأمة ومرشد الجماعة!

وجها لوجه .. زعيم الأمة ومرشد الجماعة!


بصراحة لا تعرف اللف والدوران أظن أن قادة جماعة الإخوان - أمس واليوم وربما غدا - لم يستوعبوا دروس المحن والنكبات التى تسببوا فيها للجماعة ومن ينتمون إليها ولا يعرفون مبدأ «السمع والطاعة والكتمان» ! وما يدور الآن من كلام حول «حل الجماعة» ومصادرة كل ما يتعلق بها ليس جديدا !! فى ضوء ممارسات عنف وقتل وترويع باسم الدين !! ومنذ نشأة الجماعة عام 1928 وحتى عام 1938 - فترة الدعوة بالهداية والموعظة الحسنة، لم تدخل فى صراع أو صدام مع قوى المجتمع من الملك والحكومة وحتى سلطات الاحتلال البريطانى !
 
 
فى مايو 1938 أعلن المرشد العام «حسن البنا» تحول الجماعة إلى «الجهاد العملى بعد الدعوة القولية» وذلك فى مقاله «خطوتنا ثابتة» الذى نشره فى العدد الأول من مجلة «النذير» وهى مجلة سياسية أسبوعية!
 
كتب الأستاذ «حسن البنا» يقول:
 
سنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه وسندعوهم إلى مناهجنا ونضع بين أيديهم برنامجنا وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم بل زعيم الأقطار الإسلامية فى طريق الإسلام، فى جرأة لا تردد معها وفى وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة فإن الوقت لا يتسع للمداورات، فإن أجابوا الدعوة، وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير فى الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها».
 
 لكن هجوم «حسن البنا» الضارى على الحكومة والأحزاب استثنى فقط الملك الشاب فاروق الذى يختتم مقاله بالقول:
 
إن لنا فى جلالة الملك المسلم أيده الله أملا محققا.
 
 وفى نفس الوقت يقوم «الوكيل العام لجماعة الإخوان الأستاذ «صالح عشماوى» بالهجوم على رئيس الحكومة وكل زعماء الأحزاب فيقول: زعماء مصر لا يملكون نفعا ولا ضرا، يستفيدون ولا يفيدون، هؤلاء الزعماء جميعا ومن ورائهم أحزابهم ليس لهم إلا برنامج واحد يتلخص فى كلمة واحدة هى الحكم»!
 
 وحرصت صحافة الجماعة سواء جريدة «الإخوان المسلمين» أو مجلة «النذير» على الإشادة بالملك بمناسبة ودون مناسبة، فيصفه «حسن البنا» بأنه «حامى المصحف»، ويخاطبه قائلا : «إن الله قد اختار لهذه الهداية العامة فاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك»!!
 ولم تكن جماعة الإخوان غائبة عن عيون السفارة البريطانية منذ نشبت الحرب العالمية الثانية فى خريف عام 1939 وحتى نهايتها فى سنة 1946بل طلبت السلطات البريطانية من رؤساء الحكومة ضرورة اعتقال «حسن البنا» حيث «هناك شكوك فى أن الإخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات الإنجليزية، واستجاب «حسين سرى باشا» رئيس الحكومة وتم اعتقال «البنا» ووكيل الجماعة «أحمد السكرى»، لكن الضغوط على الملك والحكومة نجحت فى الإفراج عن البنا!!
 
وجاء فى تقرير للمخابرات البريطانية: «أصبح حسن البنا أكثر حذرا فى حديثه عن الإنجليز».
 وفى ظروف بالغة التعقيد يتولى زعيم الوفد والأمة «مصطفى النحاس باشا» رئاسة الحكومة ابتداء من 4 فبراير 1942 - فى أعقاب حصار الدبابات الإنجليزية لقصر عابدين!!
 
 وبينما كانت أجواء الحرب تخيم على مصر ووسط أزمة اقتصادية خانقة احتفلت جماعة الإخوان بعيد جلوس الملك فاروق على العرش وشبهته مجلة «النذير» الإخوانية بالفاروق عمر بن الخطاب ولقبته بأمير المؤمنين، كما تصدرت صورة الملك وبيده مسبحة غلاف صحيفة الإخوان المسلمين الصادرة فى 29 أغسطس 1942 ثم يذهب وفد برئاسة «حسن البنا» إلى قصر عابدين لإهداء الملك هذا العدد من الصحيفة !!
 
 ولم يحدث أبدا أن نشرت الإخوان كلمة أو حرفا يمس الملك فاروق.
 
 وحتى ذلك الوقت كان «النحاس باشا» مازال يعتقد أن الإخوان جمعية دينية، وعندما قرر «البنا» ترشيح نفسه فى انتخابات مجلس النواب عن دائرة الإسماعيلية، استدعاه النحاس باشا وطلب منه التنازل عن الترشيح، فلما سأله «البنا» عن السبب ؟ قال النحاس باشا: البلد فى حالة حرب ومصلحة البلد أن تتنازل !! ولا مانع عندى أن تكون لك حرية الدعوة فى كل مكان !!
 
 وجاء فى تقرير للمخابرات البريطانية أن النحاس رد للبنا 450 جنيها كتعويض عن التأمين الذى دفعه مقابل الترشيح ونفقات الدعاية التى صرفها !!
 
 وفى مذكرات النحاس باشا «ربع قرن من السياسة فى مصر - دراسة وتحقيق الكاتب الصحفى الأستاذ «أحمد عز الدين»، تفاصيل مهمة وبالغة الخطورة وتكشف كواليس وخبايا لم تكن معروفة حيث يقول:
 
 وأخذ الإنجليز يطلبون كل يوم اعتقال أشخاص يتهمونهم بأنهم أنصار المحور «ألمانيا وإيطاليا» وخصوم الحلفاء، فكنت أتلقى التقارير التى ترد إلى وأفحصها بنفسى ومعى لجنة خصصتها لهذا الغرض وندقق التحرى عن نشاط الشخص دون التفات إلى حزبية أو خصومة، ورفضت طلبات كثيرة باعتقال أشخاص ألحت السفارة البريطانية على اعتقالهم من الأجانب والمصريين، وكان هذا مثار مناقشات حادة مع السفير البريطانى. «سير مايلز لامبسون».
 
 ويكمل «النحاس باشا» قائلا: وجاء السفير وطلب مقابلتى على عجل وحدثنى بأن مصلحة الحرب ومصلحة مصر الحربية يقتضيان اعتقال الشيخ «حسن البنا» رئيس جماعة الإخوان المسلمين، وطالت المناقشة فى هذا الموضوع وأصر السفير على طلبه ومطاردة أنصاره لأنهم نشطون فى الدعوة للألمان ضد الإنجليز !! فعجبت لهذا الخبر أيعقل أن يكون رجل يرأس جماعة دينية تدعو إلى الله وتؤيد احتلالا بدل احتلال !!
 
 فلما ألح السفير قلت له: اترك لى هذه المسألة لأحققها بنفسى !
 
 وطلبت من مدير الشئون الدينية أن يستدعى الشيخ «حسن البنا» للاجتماع بى، فأبدى «فؤاد سراج الدين» أن يجتمع أولا بوكيل الإخوان «أحمد السكرى» وحدد لذلك موعدا فى داره، فقابلته وأبدى لى أن كل التهم التى ينسبها إليهم الإنجليز مختلقة وأن دعوتهم خالصة لله، وقال إن المرشد العام على أتم استعداد لمقابلتك وشرح وجهة نظره ولك بعد ذلك الحكم عليه بما تشاء !!».
 
وتم اللقاء بالفعل وحضره فؤاد سراج الدين ومدير الشئون الدينية ومدير الصحافة ويقول النحاس باشا:
 
 «بدأت أتحدث مع الشيخ «حسن البنا» فشرحت له الموقف وخطورته وحساسية الإنجليز من ناحية، وبينت له أن الألمان لو دخلوا فهم مستعمرون والإنجليز لو ظلوا فهم مثلهم وأن الذى يهمنا أن نحافظ على شعبنا فى هذه الظروف ونعمل جهدنا على تجنيب البلاد ويلات الحرب فلا نتحيز لهذا ولا ذاك !!
 
 وبعد أن انتهيت من حديثى شرع الشيخ فى الكلام فتحدث حديثا دينيا روحيا خرج من قلبه فصادف هوى فى نفسى، واسترحت إليه، وأكد أنه وجماعته وأنصاره لا يهتمون إلا بأن تكون بلادهم حرة من كل استعمار خالصة من كل نمل وأنهم مستعدون لجهاد أى دخيل وقتال أى معتد مهما كان وكانت جنسيته لأن تعاليم الإسلام علمتهم أن حب الوطن من الإيمان وأن من مات فى سبيل وطنه فهو شهيد، كان حديثه صادقا ثبت فيه روح الإسلام الحقيقية وتعاليمه !
 
 فصرحت فى المجلس بأنى لن أعتقل ولن أمسه بسوء أو أقف حجر عثرة فى طريق دعوته ثم قلت له: كل ما أطلبه منك أن تجعل دعوتك خالصة لله وأن تأمر أتباعك بألا ينشطوا ضد أى جهة من الجهات، حتى إذا حان أوان الجهاد كنت معك ومؤيدك فى سبيل الكفاح لإعلاء كلمة الله !!
 
 وكررت إنى مادمت على رأس الوزارة فلن يمسك سوء، وخرج مستريحا وخاطبنى السفير - البريطانى - وألح على فى اعتقاله ومصادرة أموال الجماعة والقبض على رؤسائها فرفضت وقلت له: أنا مسئول عن تصرفات هذه الجماعة لكن لن أوافق على اعتقال مرشدها أو أحد أفرادها، وأسّرها السفير فى نفسه ولم يعقب».
 
 ما لم يعرفه «النحاس باشا» وقتها وجاء فى تقرير للسفارة البريطانية:
 
 إن الجماعة عندما تواجه حكومة قوية تقصر نشاطها على الدين، وتتحول إلى السياسة أمام الحكومة الضعيفة. وأخذت الجماعة تتحاشى التعرض للمسائل السياسية، وكان لتهديدات النحاس باشا بتوجيه إجراءات عقابية صارمة ضد الإخوان أثرها فجعلتهم أكثر حذرا».
 ويترك النحاس باشا رئاسة الحكومة فى 8 أكتوبر 1944 ليبقى فى مقاعد المعارضة لسنوات، لكن «حسن البنا» وجماعته تظل موجودة فى مذكراته حيث يقول:
 
 لما أقيلت الوزارة كان نائب الإخوان الشيخ «السكرى» يتردد على ويطلب أن أقر مبدأ اغتيال الخصوم والتخلص من الذين يعادون الأمة أو يقفون ضد مطالبها ويؤيدون المستعمر أو ينصرون أبواقه ولكنى رفضت موافقتهم على هذه الخطة وكانت حجتهم أنهم يريدون أن تحكم البلاد حكما إسلاميا وأن تنفذ الشريعة الإسلامية بها !!
 
فأجبت أن هذا رأيكم ومادمتم مقتنعون به فليكن عن طريق الحجة والاقتناع وعن الطريق الدستورى الذى رسمه الدستور، وأنتم لكم أنصار منتشرون فى طول البلاد وعرضها يؤمنون بمبادئكم ويدعون، فطالبوا بانتخابات نيابية حرة وقدموا مرشحيكم للبرلمان وعندئذ تستطيعون أن تبلغوا دعوتكم للجماهير بالطريق القانونى والدستورى، أما الاغتيال، أما القتل، أما التخلص من مخالفيكم فى الرأى بقوة السلاح غيلة وغدرا فهذا ما لا أوافق عليه ولا أقره ولا هو من مبادئ الوفد ولا من برنامجه».
 
 كان هذا الحديث بعد اغتيال «أحمد ماهر» «رئيس الوزراء واغتيل فى 24 فبراير عام 1945» ولقد علقت على هذا الحادث فى حينه لمندوب الإخوان بأنى أستنكر القتل مهما كانت بواعثه ولا أوافق عليه، فأنا لا أقر أبدا القتل للاختلاف فى الرأى ولا أوافق على الاغتيال بحال من الأحوال
 
 ويمضى «النحاس باشا» قائلا: وانقطعت مقابلات مندوب الإخوان فلم يعد يزورنى ثم سمعت عن حوادث متشابهة، حوادث قتل وجرائم وحرائق، قتل «أحمد الخازندار» رئيس محكمة الجنايات فى منزله بحلوان لأنه أصدر حكما ضد الإخوان المسلمين، قتل اللواء «سليم زكى» حكمدار القاهرة لأنه يطارد الإخوان المسلمين، أشعلت الحرائق فى محال اليهود لأنهم أعداء الإسلام، واشتعلت الحرائق فى بعض السينمات لأنها دور اللهو والمجون.
 
وتتقرب لهم أحزاب الأقلية تارة وتبتعد عنهم تارة، وتهادنهم حكومات الأقليات مرة وتشتد عليهم مرة وهكذا دواليك والخاسر فى هذا كله مصر وشعبها، وبدأت الحكومة - النقراشى باشا - تضيق بهم وبأعمالهم التخريبية بعد أن أصبحت حديث العالم فبدأت تشتد عليهم وتطاردهم.
ورأى الإخوان المسلمون أن حكومة النقراشى قد ضايقتهم وطاردتهم فبيتوا الانتقام من رئيسها.
 
 ويحكى «النحاس» كيفية اغتيال «النقراشى باشا» إلى أن يقول:
 
 قبض على القاتل واعترف بأنه قتله لخيانته ومطادرته جماعته»
 
 وأخيرا يقول «النحاس باشا» - الذى تعرض هو شخصيا لأكثر من محاولة اغتيال فاشلة -: إن الإسلام لا يقر شيئا من هذا ولكن يدعو إلى مقارعة الحجة والمنطق بالمنطق والدليل بالدليل وهو براء من الغدر والخيانة وتطبيق شريعة الغاب، إن الاغتيال لن يحل قضية ولن يوصل إلى غاية».
 
نعم، صدقت يا سيدى رحمك الله.