الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
السمع.. الطاعة.. الكتمان ثلاثية الإخوان القاتلة!

السمع.. الطاعة.. الكتمان ثلاثية الإخوان القاتلة!


أشك كثيرا أن أهلنا وإخوتنا فى «جماعة الإخوان» يعرفون شيئا عن ذلك الرجل الفاضل د. عبدالعزيز كامل وهو واحد من أبرز وأشهر من انضموا إلى جماعة الإخوان ثم تركها كما فعل العشرات من أبناء الجماعة فيما بعد، ومنهم الأساتذة «مختار نوح» و«ثروت الخرباوى» و«كمال الهلباوى» وآخرون.
 
شغل د. عبدالعزيز كامل - رحمه الله - عشرات المناصب، لعل أشهرها وكما يقول: «عرفت حياة الوزارة نائبا ثم وزيرا حتى أصبحت نائبا لرئيس الوزراء للشئون الدينية ووزيرا للأوقاف وشئون الأزهر بجمهورية مصر العربية».
فى مذكرات د. عبدالعزيز كامل البديعة «فى نهر الحياة» وتقديم الدكتور «سليم العوا» صدرت فى أغسطس 2006 عن المكتب المصرى الحديث دروس مهمة وخطيرة ربما تفسر وتوضح محنة «الجماعة» فى الحياة السياسية المصرية، وتكرار أخطائها فى كل العهود الملكيةوالجمهورية دون أن تدرس هذه الأخطاء وتتعلم منها!!
 
فى سطور بالغة الدلالة يقول د. عبدالعزيز كامل:
 
كان من رأى الأستاذ المرشد «حسن البنا» أن الشورى غير ملزمة للإمام، كتب هذا صراحة ودافع عنه، ولم يتحول عن هذا الرأى، وسرى هذا منه إلى من حوله،، وفى أواخر الثلاثينيات - وهى السنوات الأولى لحياتى فى الإخوان - كنت أسمع كثيرا كلمة «بالأمر» وهى كلمة عسكرية تعنى أن تفعل هذا كما هو مأمورا به من مستوى أعلى ولم أكن أستطيع إخفاء الضيق الذى كنت أحس به وقتئذ بذلك، وبعد ذلك وكنت - ولازلت - أؤمن برأى الأغلبية إذا ما استنارت، وكانت لها حرية إبداء الرأى ووضعت أمامها الحقائق التى تجعلها قادرة على الحكم، هذا حقها وصاحبتنى هذه الحرية حتى فى الرؤى المنامية»
 
ويروى د. عبدالعزيز كامل إحدى هذه الرؤى فيقول:
 
لازلت أذكر يوما رأيت فيه الأستاذ المرشد فى المنام، ونحن نقوم الليل معا، وعندما اقترب موعدالأذان، أخذ المؤذن فى الدعاء أو الترحيم كما يطلق عليه أهل الإسكندرية، وكان المؤذن ندى الصوت يتغنى بالدعاء، ولاحظت الرضا على وجه الأستاذ وقد استند إلى حائط المسجد فى نشوة وهو يقول لبعض من معه:
 
قولوا للمؤذن أن يطيل فى الدعاء.
 
فقلت له: ولكن هذه بدعة.
 
فقال لى: أحب أن أسمع دعاءه.
 
فعدت أقول: ولكن هذه بدعة.
 
فاشتد فى رده وإصراره، واشتددت فى ردى وإصرارى واستيقظت على ذلك، ولقيته بعد أيام وقصصت عليه هذه الرؤيا فقال مبتسما:
 
أنا أعلم نوع تفكيرك، وتمسكك بالسنة، وستأتى أيام وظروف قد نختلف فيها، وأود فى هذه الظروف أن تترك رأيك لرأيى، ألا تطمئن إلىَّ؟
 
ومن الأشياء اللافتة للنظر فى مذكرات «د.عبدالعزيز كامل» اعتذاره عن قبول منصب مسئولية الأمين العام للإخوان بناء على إصرار كبير من الإخوان، متعاونا فى هذا مع المرشد الجديد الأستاذ «حسن الهضيبى»، والوكيل الجديد الأستاذ «عبدالقادر عودة»بل الأكثر من هذا أن خطابا رسميا للإخوان التزم فيه بألا يتولى مناصب إدارية فى الإخوان.
 
إن أزمة د.عبدالعزيز كامل أنه كان يمتلك عقلا نقديا متسائلا طوال الوقت.
 
الأخطر من هذا أنه ينتقد أسلوب البيعة، حيث تتم المبايعة على السمع والطاعة والكتمان فيقول:
 
كان لأحد الإخوان شقة فى حى السيدة عائشة غير بعيدة عن جبل المقطم، وكان من قادة النظام يبيت المرشحون عنده هذه الليلة، وهم فى كل مرة مجموعة سيعملون معا فى خلية واحدة، يلتقون هناك بعد صلاة العشاء، بعد أن يصحبهم إلى المكان أحد أعضاء النظام، ويقضون الليل فى عبادة ثم يؤمرون واحدا واحدا بالدخول إلى غرفة مظلمة لا يرى فيها أحد ويجلسه صاحبه على الأرض بعد خطوات محددة ويمد يده إلى حيث يوجد مصحف ومسدس، وتمتد يد أخرى هى يد ممثل المرشد فى البيعة.. ويبايعه على السمع والطاعة والكتمان دون أن يرى وجهه، إنما يسمع صوته ويلمس يده فقط.
 
أذكر هذا الموقف حين كنت أنا فى البيعة ولم يكن الصوت غريبا عنى، فقلت له مباشرة وسط الظلام:
 
ما هذا يا أستاذ صالح؟ وهل من الإسلام أن أضع يدى فى يد من لا أعرف؟ ثم أنى أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم! ما هذه الأساليب التى أدخلتموها على عملنا ولا أساس لها من ديننا؟
ورد الأستاذ «صالح عشماوى» حينها وكان - وقتئذ - عضوا فى مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان: هذا نظامنا.
 
قالها دون أن يذكر اسمه، أو يحاول أن يقدم لنا تفسيرا لما نفعله.
 
ويعلق د. عبدالعزيز كامل على ذلك كله قائلا:
 
وإذا ما نظرت إلى ذلك كله، أحسست فيه روح الفترة التى كانت تعيشها مصر وقتئذ ونظم الجمعيات السرية، والتقليد الذى يمسخ الشخصية الإسلامية والذى لا تستطيع أن ترده إلى أى قاعدة من آيات الله وسنة رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
 
بل تستطيع القول إن هذا الأسلوب كان أقرب إلى النظام الماسونى أو الجماعات السرية التى أفرزتها عهود التآمر منها إلى عهود الصفاء والنقاء الإسلامى الأول.
 
وما أكثر الدروس المستفادة ــ والتى لم يستفد منها أحد ــ فى مذكرات ومشوار حياة «د.عبدالعزيز كامل» وتأملوا هذا الدرس البليغ فيقول:
 
لقد كنت كثيرا ما أدعوا إخوانى وأبنائى إلى العناية بالعلم والمنهجية والتخطيط الطويل، حتى أصبحت هذه ــ وأسفا أقولها ــ مثال دعابة قد تصل أحيانا إلى شىء يقرب من السخرية المهذبة إن كان فى السخرية تهذيب.
 
وأخذت أستعيد الخطب العريضة الرنانة والقوالب المحفوظة التى يستطيع بها الخطيب أن يحدد أماكن الهتاف والتكبير، كأنها تمثيلية معادة، أخذت أستعيد التبسيط والتسطيح لقضايا الحياة وقضايا الإسلام، حتى كأن الإخوان أصبحوا يمتلكون المفاتيح السحرية لحل قضايا العصر.
قضايا الاقتصاد تحل فى كلمات.. قضايا الاجتماع تحل فى كلمات.. المشكلة السياسية فى كلمات.. الشورى فى كلمات.
 
هكذا بكلبساطة يمكن أن تحل قضايا الحياة.. واستطاع هذا التبسيط أن يجتذب الكثير من الشباب، وكان مرتبطا وهذه نقطة قوة بالتزام أخلاقى كان هو العاصم من شرور كثيرة، والالتزام الأخلاقى حين يستقر يصبح به الفرد صورة حية لدينه، بقدر تمسكه بالدين، وقدرته على تطبيقه فى قضايا الحياة.
 
وهذا البناء الأخلاقى الضخم كان معرضا أخطر ما يكون التعرض لسطحية القرارات التى يمكن اتخاذها ومادام حل مشكلات الحياة ممكنا بهذه السهولة، فما الذى يحول دون أن يكون اتخاذ القرار سريعا وسهلا!! وليكن بعد هذا ما يكون، فإننا على الحق وعين الله ترعانا.
 
ولقد كان من الأعراف الفكرية عند الإخوان، أن يد الله التى ترعاهم قادرة على أن تحول خطأ تصرفهم إلى صواب، نسير إلى الخطأ فإذا برحمة الله تتداركنا فنتحول إلى صواب.. نقصد أمرا فتوجهنا عناية الله إلى غيره.. هكذا كنت أسمع وسمع كثيرون غيرى من الأستاذ «البنا» رحمه الله.
 
فإذا كان ذلك كذلك فلا داعى لتضييع كثير من الوقت والجهد فى تقليب القرار والدراسة العميقة المتأنية لملابساته، فإننا إذا أخطأنا تكلفت عناية الله بإصلاح هذا الخطأ.
ولم أكن فى قرارة نفسى ولا فى منهج تفكيرى أن أؤمن بذلك، وإنما أؤمن بأن علىَّ أن أبذل الجهد الملائم لطبيعة العصر الذى أنا فيه، ودراسة أحواله وظروفه الداخلية والخارجية، وألا أتعجل الزمن فى مثل هذه القضايا الكبيرة وأن أفصل بين عمر الفرد وعمر الدين.
 
ولم تكن السطور السابقة من مذكرات د.عبدالعزيز كامل سوى نقطة فى نهر الحياة، حياته وحياة جماعة الإخوان.