السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
العلاقة السرية بين الأمريكان والإخوان من وثائق الـCIA

العلاقة السرية بين الأمريكان والإخوان من وثائق الـCIA


لم تكن «جماعة الإخوان المسلمين» غائبة أبدا ولو لثانية أو دقيقة عن تقارير السفارة الأمريكية فى القاهرة، أمس واليوم وغدا أيضا.
 
هذا الاهتمام الأمريكى «بجماعة الإخوان المسلمين» موجود طوال الوقت، لكنه يتزايد حضوره فى زمن الأحداث الكبرى والمهمة من ثورة 23 يوليو 1952 وحتى ثورة 25 يناير 2011 ثم ثورة 30 يونيو 2013 التى تقف أمريكا منها موقف العداء لأنها قضت على حكم سنة فشلت فيها الجماعة فى حكم مصر.
أمريكا ببساطة انحازت لجماعة، وتصدت لإرادة أمة بكاملها!
 
إن الوثائق الأمريكية تكشف الكثير من المفاجآت والأسرار فى تلك العلاقات «الإخوانية - الأمريكية» وإذا أردت أن تفهم دلالة ومغزى ما يحدث الآن، أرجوك أن تقرأ وثائق أمريكية مهمة ذات دلالة فاضحة وفادحة كشف عنها الدبلوماسى الوطنى الرائع د. رضا أحمد شحاتة فى كتابهالخطير «تطور واتجاهات السياسة الأمريكية نحو مصر: من انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 حتى انتهاء حرب السويس 1956».
 
أهمية المعلومات الواردة فى الكتاب أنها مستقاة من خلال الوثائق التاريخية الأصلية السرية من الأرشيف القومى الأمريكى وأرشيف الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومى، ومنها بالطبع وثائق وتقارير السفارة الأمريكية بالقاهرة».
 
ومن وسط آلاف الوثائق أتوقف أمام حدث واحد هو «ثورة 23 يوليو 1952 والإخوان والولايات المتحدة».
 
بعد 48 ساعة من قيام الثورة كتب السفير الأمريكى «جيفرسون كافرى» إلى وزارة الخارجية يقول: إن أساس التخطيط للانقلاب يضم 20 من الضباط المثاليين من بينهم عدد من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين، وأن المنفذين للحركة ثلاثمائة، وأن الضباط استقبلوا الحركة بحماس».
وتأتى الإشارة الثانية للإخوان المسلمين فى تقرير الخارجية الأمريكية عندما تعترف بأن للإخوانالمسلمين قدرا من القوة بين صفوف القوات المسلحة، وأنه يكاد يكون من المؤكد أن لهم تأثيرا قويا فى الانقلاب لتشابه أهداف الانقلاب مع أهدافهم المعلنة فى أن عددا من قادة الانقلاب يعرف أنهم من أعضاء الإخوان».
 
وحسب الوثائق الأمريكية فقد حرصت السفارة الأمريكية والسفير «كافرى» على معرفة علاقة الحركة «23 يوليو» بالإخوان المسلمين وتأثيرها على ضباط الجيش وانضمام أحد أبرز أعضائها وهو الشيخ أحمد حسن الباقورى إلى الوزارة المدنية كوزير للأوقاف!
 
وأشار السفير «كافرى» إلى حديثه مع اللواء محمد نجيب فى 19 أغسطس 1952 واعتراف نجيب أن هناك بالفعل بعض الخطر من نفوذ الإخوان المسلمين لما لهم من تأثير على جميع رتب الجيش ولكنه - أى نجيب - واع لهذا الخطر ويثق فى القدرة على السيطرة عليه»!
 
وكان «كافرى» مقتنعا بإمكانية سيطرة الثورة على الإخوان المسلمين لأن التنظيم يعانى من الانقسام بين القادةالمعتدلين مثل المرشد العام «الهضيبى» و«الباقورى» وزير الأوقاف وبين المتطرفين أمثال «صالح عشماوى» ويعتبر «الباقورى» من القادة المعتدلين فى الإخوان المسلمين المعروفين للسفارة الأمريكية!! ويشير تقرير للسفارة إلى مذكرة معلومات عن مقابلة للباقورى مع أحد أعضاء السفارة الأمريكية حيث قدم «الباقورى» معلومات تفصيليهة عن حركة الإخوان واتجاهاتها ومواقفها».
 
ويمضى د.رضا أحمد شحاتة قائلا: «ومن خلال اتصالات السفارة الأمريكية مع قيادات الإخوان المسلمين استطاعت تقييم اتجاهاتهم نحو الحكومة العسكرية فى مصر، وأن الثورة فى مصر تفقد شعبيتها تدريجيا مما سوف يؤدى إلى ردود فعل عنيفة!!
 
كان صاحب هذا الرأى هو «محمود مخلوف» أحد رجال الأعمال البارزين الذى يرتبط بصلات وثيقة للغاية مع تنظيم الإخوان وهو نجل المفتى الأكبر فى مصر وصهر المرشد العام «الهضيبى» وهو أحد أهم قنوات الاتصال مع السفارة الأمريكية ومصدر معلوماتها.
 
ولم تكن اتصالات «مخلوف» تتم مع السفارة الأمريكية فى القاهرة فحسب بل مع إدارة الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية ليؤكد الفائدة من توثيق صلات الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين ولينفى لهم أنه تنظيم متطرف وكان الهدف الواضح من استقبال الخارجية الأمريكية لمخلوف هو توثيق الصلات بالإخوان المسلمين كقوة مناهضة للشيوعية فى مصر حتى لو كانت صلاتهم بالحكم غير مستقرة وبصرف النظر عن تقلبات العلاقة بين الثورة والإخوان».
 
كانت السفارة الأمريكية تدرك تماما أن العلاقة بين الضباط وتنظيم الإخوان هدنة قلقة غير مستقرة، وكانت اتصالات الإخوان بالخارجية الأمريكية عن طريق «مخلوف» تسير فى اتجاه معاكس لاتجاهات الخارجية الأمريكية التى تؤيد نظام الحكم الجديد، فقد طرح «مخلوف» على الخارجية الأمريكية نوعاً من البديل لقيادة مجلس قيادة الثورة عن طريق توثيق صلات الولايات المتحدة أولاً بالإخوان المسلمين والساسة السابقين مثل «محمود أبوالفتح» و«على ماهر» و«مكرم عبيد» ومع «الهضيبى» بالطبع.
 
وفى سبيل إقناع الخارجية الأمريكية أكد لهم دعم «نجيب» فى توقيع اتفاق سرى مع الولايات المتحدة التى يعارضها «جمال عبدالناصر» و«عبدالحكيم عامر» ثم معاداة الشيوعية، بل طرح «مخلوف - طلبا للدعم الأمريكى للإخوان المسلمين وطمعا فى قبولها لفكرة البديل السياسى، وتأييد الإخوان لمساعى التوصل لتسوية مع إسرائيل من خلال اتصالاتهم بزعماء اليهود فى الخارج فى إسرائيل!!
 
واستشعرت السفارة الأمريكية من الاتصالات مع جماعة الإخوان توترا متزايدا بينهم وبين مجلس قيادة الثورة تجاه العديد من المسائل الداخلية وكثرة انتقاداتهم لسياسة المجلس بل وتحديهم لقراراته، على نحو ما أفصح «الهضيبى» لضابط المخابرات بالسفارة الأمريكية فى 21 يونيو 1953 بأن الحكومة لاتستطيع إلغاء تنظيم الإخوان حتى لو شاءت، وإنه حتى لو صدر قانون بحظر الإخوان فسوف تستمر الاجتماعات».
 
وتكشف الوثائق عن أخطر اجتماع دام لثلاث ساعات بين المرشد العام «الهضيبى» و«مخلوف» مع المستشار السياسى بالسفارة الأمريكية فى القاهرة «أغسطس 1953» طرحا فيه طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان والثورة خاصة بالنسبة لتصفية بعض عناصر مجلس قيادة الثورة، خاصة «عبدالناصر» بالإضافة لدعوة الإخوان لانسحاب العسكريين من الحكم، وإحلالهم بآخرين من مختلف الأحزاب السياسية !
 
ولعل أخطر ما تكشف عنه الوثائق الأمريكية فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 هو بحث احتمالات التسوية بين مصر وإسرائيل وموقف قادة الثورة الجدد وباقى القوى السياسية وأيضا «جماعة الإخوان المسلمين».. وتقول الوثائق التى أوردها د. «رضا أحمد شحاتة» إنه دارت اتصالات السفارة الأمريكية مع الإخوان المسلمين من خلال السفير الأمريكى «كافرى» و«محمودمخلوف» نجل المفتى الأكبر وصهر المرشد العام للإخوان المستشار «حسن الهضيبى» حول احتمالات السلام مع إسرائيل.
 
وقد طرح «مخلوف» بعض الآراء عن احتمالات السلام مع إسرائيل تتناول ضرورة خلق الجو الملائم أى ما وصفه «بالعقول المتجاوبة» وأن ذلك لا يتحقق إلا من خلال طرف ثالث بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وحدد «مخلوف» المشكلات التى يجب حلها بأنها تتلخص فى حل مشكلات اللاجئين وتعويض الممتلكات المفقودة وتدويل «مدينة القدس» !! ثم تصحيح خطوط الحدود فى النقب، وأوضح «مخلوف» ضرورة تدويل القدس باتفاق عام بين العرب وإسرائيل والدول المسيحية والولايات المتحدة وبريطانيا.
 
وأرفق السفير.. «كافرى» برسالته إلى الخارجية الأمريكية نص المذكرة التى كتبها «مخلوف» حول احتمالات السلام مع إسرائيل!
 
وفى 10 مارس 1953 بعث السفير الأمريكى «كافرى» فى القاهرة بتقرير إلى الخارجية الأمريكية عن القنوات المحتملة لإجراء اتصالات بين مصر وإسرائيل فى حالة عقد مباحثات سلام فى المستقبل، وتضمن تقرير «كافرى» مذكرة أعدها «مخلوف» من المصادر الإخوانية - للسفارة اقترح فيها اثنين من المصادر الإسرائيلية التى قد تكون فى خدمة الحكومة المصرية إذا فكرت جديا فى عقد صلح مع إسرائيل !!
 
وكان «مخلوف» قد نقل إلى «ماكيلنتوك» المستشار السياسى للسفارة إنه فى أعقاب اغتيال الكونت «برنادوت»، فقد استطاع إنقاذ حياة إحدى اليهوديات فى مصر وهى «مدام يولاندتيل» وهى صديقة حميمة لوزير خارجية إسرائيل «موشى شاريت» وأنها موجودة حاليا فى باريس وأنه يمكن من خلالها الاتصال «بشاريت» فى أى وقت ! وقال «مخلوف» إن مصدره الإسرائيلى الثانى هو أحد الأثرياء اليهود الإنجليز يقيم فى لندن ويدعى «بنيت»!
 
والأغرب أن «مخلوف» فى مقابلاته مع المسئولين بالخارجية الأمريكية فى 4 يونيو 1953 نقل لهم أنه على اتصال بأعضاء الجالية اليهودية فى مصر وأصدقاء فى لندن وأنه يريد مساعدة الولايات المتحدة فى تحقيق التسوية مع إسرائيل!
 
 ولم يكن ذلك كله سوى سطور قليلة من ذلك التعاون الاستراتيجى بين الإخوان والأمريكان، وما خفى كان أعظم!!