السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المتمرد الثائر الصحفـى  أحمد حلمى الذى لا يعرفه أحد

المتمرد الثائر الصحفـى أحمد حلمى الذى لا يعرفه أحد


هذا واحد من جيل المتمردين الكبار الذين نسيناهم!

كان فى تمرده الإيجابى صفحة مضيئة وعظيمة فى تاريخ الصحافة المصرية!.. هذا هو أحمد حلمى المتمرد الشاب الذى سبق زمنه وزمانه!
كم مرة ذهبت أو مررت على ميدان أو موقف أحمد حلمى الشهير!
وهل سألت نفسك: من هو أحمد حلمى الذى يحمل الميدان أو الموقف اسمه منذ سنوات؟!
إنه بالقطع ليس أحمد حلمى الفنان العذب الجميل، وليس هو أحمد حلمى اللى اتجوز عايدة كما تقول أغنية شعبية صاحبها المفكر الغنائى والمؤرخ السياسى «شعبولا».
أحمد حلمى الذى أقصده ونسيناه مع الزمن هو أول صحفى مصرى يدخل السجن بتهمة العيب فى ذات الحاكم «وكان وقتها الخديو عباس حلمى الثانى»! لقد كان أحمد حلمى 1875- ,1937 أسطورة صحفية بحق وصدق!
 
 
 
 
 
لقد مات والده قبل ولادته بفترة، وتولى خاله تربيته الذى كان يعده لأن يصبح كاتبا وموظفا بأحد دواوين الحكومة، لكن الفتى لم يقنع بهذا العمل وراح يثقف نفسه بنفسه واستطاع أن يؤدى امتحانا بنظارة - وزارة - المالية، فلما نجح عمل بها مؤقتًا، ثم استقال ليعود للعمل بمصلحة المساحة.
بعد عشق القراءة جاء عشقه للكتابة، لكن قيود الوظيفة تمنعه من ذلك، فكان يراسل جريدة السلام - جريدة يومية - صدرت فى الإسكندرية فى مايو سنة 1898 فكان يوافيها بأخبار القصر والوزارات والمصالح!
وعندما أصدر الزعيم مصطفى كامل صحيفته اللواء - يناير 1900 - بدأ أحمد حلمى فى مراسلتها والكتابة لها، ثم يتفق معه الزعيم مصطفى كامل على التفرغ التام فى «اللواء»، وسرعان ما أصبح المحرر الأول لجريدة «اللواء»، كما أصبح محل ثقة كبيرة لدى مصطفى كامل نفسه كما تدل الخطابات المتبادلة بينهما فى ذلك الوقت! بل وصفه فى إحدى هذه الرسائل بأنه «أخ لى، وساعد للوطن قوى»!
∎∎
وبعد وفاة مصطفى كامل فى فبراير 1908 أعلنت صحيفة اللواء عن استقالة أحمد أفندى حلمى بعد أن ظل المحرر الأول بها طوال ثمانية أعوام بالضبط، وكتب بقلمه مئات المقالات التى كانت حديث العامة والقراء، فهو أول من طالب بإنشاء وزارة للزراعة فى مقال له عنوانه «وميض الأمل: نظارة زراعة مصرية» فى فبراير عام 1902 وقال: «من العار أن يوجد فى هذا القطر نظارة - وزارة - بحرية ولا يوجد فيه نظارة زراعة، لأن ذلك معناه إهمال الحكومة للفلاح المصرى الذى هو مصدر سعادة مصر وروح جسمها، وبالمالئ لخزائن ماليتها من كده وعرق جبينه».
بل يذهب الدكتور فاروق أبوزيد إلى أنه كاد يتخصص فى كتابة معظم المقالات الاقتصادية فى اللواء، بحيث يمكن أن نعتبره أول محرر اقتصادى متخصص عرفته الصحافة المصرية، وكان صاحب فكرة تأليف نقابة لتسويق القطن المصرى فى أوروبا للتخلص من سيطرة السماسرة الأجانب على أسعار القطن المصرى!
ولعل أهم ما قام به أحمد حلمى فى ذلك الوقت هو حمل لواء الدعوة إلى توقيع آلاف العرائض إلى الخديو عباس حلمى الثانى للمطالبة بالدستور، ووصلت حملة التوقيعات إلى خمسة وسبعين ألف توقيع، اشترك فى توقيعها بحسب شهادة المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أعيان البلاد والطبقة الممتازة والمثقفة والسيدات والآنسات المهذبات!
وتتجلى وطنية وعبقرية أحمد حلمى فى متابعته قضية دنشواى حتى تم إعدام وشنق الفلاحين فى يونيو سنة .1906
وبعد كل هذا المجد والنجاح المدوى يستقيل أحمد حلمى من اللواء فى السادس من أبريل .1908
صباح يوم 24 أبريل سنة 1908 أصدر أحمد حلمى العدد الأول من مجلته «القطر المصرى» أسبوعية، وبعد ستة أشهر أصبحت جريدة يومية سياسية أدبية تجارية إسلامية.
ويشير الدكتور إبراهيم عبدالله المسلمى فى كتابه البديع «أحمد حلمى سجين الحرية والصحافة» إلى أنه «برغم الأمطار الشديدة التى صاحبت ظهور العدد الأول فلقد تم توزيعه بالكامل فى نفس يوم صدوره فاضطر أحمد حلمى إلى إعادة طبعه طبعة ثانية!
وفى العدد الخامس من المجلة أوضح أحمد حلمى خطته ورؤيته فى سياسة المجلة وهى:
- السعى بكل الوسائل فى تقوية الارتباط بين المسلمين والأقباط.
- تجنب البحث فى كل ما يجر الكلام على الأديان، أو تفضيل واحد منها على الآخر مراعاة لعواطف من يدينون به.
- الإقلال من مناقشة الجرائد وعدم التعرض لأشخاص أصحابها بقدر المستطاع، خصوصا إذا كانوا من الضعفاء الذين يكتب لهم ما ينشر بأسمائهم مما لا يستطيعون أن يقرأوه معربا أو غير معرب».
هذا الكلام المحترم والمسئول كتبه أحمد حلمى فى 22 مايو 1908، دون أن يقصد الرجل فربما كان ذلك بمثابة أول ميثاق شرف صحفى!
وعلى صفحات «القطر المصرى» يكتب متسائلا: هل الذى نطالب به دستور جديد معدوم أو هو دستور قديم معلوم؟!
ثم أقدم أحمد حلمى على إعادة نشر عدد من المقالات التى كانت تنشر فى جريدة «العدل» التركية وتصدر باللغة العربية كان عنوان المقالات «مصر للمصريين».
فى مقال عنوانه «حقوق الخديو وحقوق الأمة» يقول المقال:
«إن الأمة المصرية قادرة على انتزاع السلطة ممن ينكر حقوقها، وأن مصر لم تستفد من أسرة محمد على ولا عائلته إلى الآن غير الشقاء والبلاء والظلم والضنك والديون وضياع حقوقها فى قناة السويس التى حفرتها ووقوعها فى براثن الاحتلال».
وجاء فى نفس المقال: «إن الأمة المصرية إذا لم تأخذ الدستور عطاء أخذته قسرا».
وواصل أحمد حلمى هجومه الشديد والحاد على خديو مصر «عباس حلمى الثانى» متهما إياه بعداوته للأمة بعدم منحها مجلس نواب، ثم يتساءل: ثم بأى حق مشروع تأخذ عائلة محمد على من الخزينة المصرية ثلاثمائة وخمسين ألف ليرة سنويا وأى شر دفعوه عنها أم أى خير جلبوه لها حتى يكال لهم المال جزافا»؟!
∎∎
ضاق الخديو والسلطات الإنجليزية بما كان يكتبه أحمد حلمى وتقرر تقديمه إلى المحاكمة بحجة تعديه حدود الأدب والواجبات الصحفية، ووسط حراسة مشددة، ومتابعة كل الشعب المصرى بدأ نظر القضية أمام محكمة السيدة زينب فى الخامس من أبريل 1909، وكان قاضى المحكمة «على ماهر بك».
اتهمت النيابة أحمد حلمى أفندى بأنه تطاول على مسند الخديوية المصرية، وطعن فى حقوق الحضرة الخديوية، وعاب فى ذات ولى الأمر.
وحكمت المحكمة بحبس المتهم أحمد حلمى عشرة شهور حبسا بسيطا وأمرت بتعطيل جريدته «القطر المصرى» مدة ستة أشهر، وبإعدام كل ما ضبط وما يضبط من العدد 37 من الجريدة المذكورة، وأعفت المحكوم عليه من المصاريف وجعلت الكفالة لإيقاف التنفيذ ألف قرش»!
وما أن نطق قاضى المحكمة بهذا الحكم يوم 29 أبريل حتى كان آلاف من جمهور الحاضرين داخل وخارج المحكمة يهتفون له، وخرج إليهم بصحبة العسكرى قائلا: أيها الإخوان الكرام، لا تبكوا ولا تجزعوا وإياكم أن تخافوا أو تفزعوا، وثقوا بأن كل الخطوات والأحكام لا تغير لى ضميرا، ولا تبدل لى اعتقادا، فمهما فعلوا فإننى لا أتزحزح عن مركزى ولا أفرط فى مبدأ خدمته عشر سنوات ألا وهو «مصر للمصريين فأستودعكم الله».
ولم يهادن أحمد حلمى أو يستسلم، وبعد انقضاء مدة الحبس وتعطيل الجريدة توالت مقالاته ومنها «صلاح الرعية بصلاح ملوكها»، جاء فيه قوله: «فيا كل ملك غشوم أو حاكم ظالم، ما ضرك لو تتزود قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل فلا تحكم فى عباد الله بحكم الجاهلين».
وفى عدد 26 نوفمبر يصدر العدد بمانشيت رئيسى هو «فلتسقط حكومة الفرد».
ضاقت الحكومة وسلطات الاحتلال بالجريدة وصاحبها فأصدرت قرارا بإغلاقها فى 22 يناير سنة .1910
∎∎
ولم يتوقف جهاد ومقاومة أحمد حلمى عند حدود السياسة فقط، فأصدر صحيفة «الشرق» سنة 1914 وعالجت شئون اجتماعية وأدبية وتاريخية وعلمية، ثم أصدر جريدة «الزراعة» سنة 1919 التى دعت إلى إنشاء النقابات الزراعية وضرورتها، وكان أحمد حلمى قد دعا فى عام 1902 إلى تكوين وزارة للزراعة!
باختصار شديد كان أحمد حلمى أفندى متمردا على الظلم والاستبداد، وكاتبا وشاعرا، وعاشقا لوطنه، وهو صاحب المقالة التى هزت مصر بعنوان «لتسقط وزارة بطرس غالى القبطى، ولتبق وزارة بطرس غالى المصرى الوطنى»، وكان يطالب الجيش المصرى بالدخول فى الحركة الوطنية، مما أثار قلق وخوف الخديو وسلطات الاحتلال!
بقى أن تعرف - عزيزى القارئ - أن أحمد حلمى فى سنواته الأخيرة كان أكثر ما يسعده هو وجود حفيده الطفل «محمد صلاح الدين بهجت» الذى ملأ الدنيا بعد سنوات بالبهجة والسعادة تحت اسم «صلاح جاهين»!