السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثورة النساء ضــــد الاســـتبداد        ودستور الحكومة!

ثورة النساء ضــــد الاســـتبداد ودستور الحكومة!


فى كل زمن وزمان كانت نساء وبنات مصر فى مقدمة وطليعة الصفوف التى خرجت متظاهرة تقول لا للطغاة والطغيان وتهتف ضد الاستبداد والمستبدين وتطالب برحيل أعداء الحياة!

 
 
تغيرت الدنيا ولم تتغير نظرتنا نحو المرأة، فلا يراها البعض منا سوى عورة وعار يجب ستره، ووليمة جنسية ترضى رغباته وشهواته أما غير ذلك فهى على هامش الحياة والدنيا!!
كانت المرأة حاضرة وفاعلة وقوية رغم كل محاولات التشويه والتهميش التى تواجهها أمس واليوم وربما غداً!!
ولعل واحدة من أنصع وأروع صفحات نضال نساء وبنات مصر كان نضالهن لعودة دستور الأمة.
نعم لقد ألغى صدقى باشا رئيس الحكومة دستور 1923 «دستور الأمة» فى يونيو سنة 1930 وجاء بدستور مشوه سلب وسرق حقوق الأمة كلها!
كان «صدقى باشا» يتوقع مقاومة الرجال والأحزاب لدستوره المشوه لكنه لم يتوقع أبداً ثورة نساء وبنات مصر ضده وضد دستوره الفاضح والفادح!
كتبت الزعيمة النسائية «هدى شعراوى» فى مذكراتها تقول:
فى أوائل مايو 1931 قامت مظاهرات وطنية قابلتها الحكومة بالقمع الشديد، وكان أن قامت مظاهرة من النساء فى القاهرة تحتج على هذا العنف، ونشرت فى الصحف تحت عنوان «خطاب مفتوح لرئيس الوزراء إسماعيل صدقى باشا» قلت فيه:
«علمنا بمزيد من الحزن والأسف ما لحق سيدات مصر من الإهانة والتعدى على كرامتهن وسوقهن إلى مراكز البوليس بطريقة وحشية عند خروجهن للاطمئنان على ذويهن وعلى كبار رجال الأمة، فباسم العدالة والإنسانية نرفع لدولتكم احتجاجنا هذا، ولعلكم تفطنون إلى أن مثل هذه التصرفات لا تربح منها الحكومة شيئا سوى نفور الأمة وزيادة انحرافها عنها وليس هذا من الحكمة السياسية فى شىء».
وتضيف هدى شعراوى قائلة: «احتجت الهيئات النسائية فى مصر على هدم الدستور واستمرار وزارة «صدقى باشا» فى نشر سياسة الطغيان والإرهاب فى البلاد، وأعلنا مقاطعة الانتخابات، وقد امتدت المظاهرات إلى كل أنحاء البلاد لدرجة إلقاء القبض على الأطفال فى بنى سويف، وتصدى البوليس لمظاهرة النساء فى بورسعيد، مما أدى إلى جرح ثلاثين عسكرياً».
ومن أهم ما رصدته الصحافة وقتها عندما دعت المعارضة إلى الإضراب احتجاجاً على الانتخابات، تولت النساء الإشراف على الإضراب، فكانت المرأة تمر على المتاجر فإذا وجدت دكاناً خرج على إجماع الشعب نهرت التاجر ووبخته فأسرع يغلق محله وينضم إلى المصريين، فإذا أصر على المخالفة، وقفت السيدات صفاً أمام باب المحل يمنعن الزبائن من الدخول عقاباً للتاجر الذى خاف من الحكومة ولم يخف من الشعب!

وفى نفس الوقت راحت «سيزا نبراوى» الزعيمة النسائية تفضح ممارسات الحكومة على صفحات مجلتها «المصرية» التى تصدر بالفرنسية فكتبت تقول:
«سُجنت النساء وقدمن إلى المحاكم المستعجلة وغرمن، وهكذا رأين النساء يسترشدن بمشاعرهن الوطنية ويتدخلن فى الحياة العامة لبلادهن ويصبحن عنصراً من أكثر العناصر فعالية فى تطورها».
تفاصيل أكثر يرويها الأستاذ الكبير «مصطفى أمين» فيقول:
«أمر صدقى باشا بالقبض على السيدات ووضعن فى أقسام البوليس فى السجون المخصصة للعاهرات والنشالات رغبة فى الحط من شأن السيدات المتظاهرات، وإذا «بصفية زغلول» - أم المصريين - تذهب بنفسها إلى قسم بوليس السيدة زينب، وتصر على البقاء فى القسم مع زميلاتها المتظاهرات.
وعندما علم الشعب بأن أم المصريين موجودة فى القسم هاجت الناس وتجمعت أمام القسم تريد اقتحامه، وخشى رجال الأمن أن ينفجر الموقف فأسرعوا بالإفراج عن السيدات المقبوض عليهن.
وفى مذكرات «مصطفى النحاس باشا» دراسة وتحقيق الأستاذ «أحمد عز الدين» واقعة بالغة الغرابة والطرافة، حيث يروى النحاس باشا تفاصيل مظاهرة نسائية وفدية ضخمة سارت فى شوارع الجيزة تهتف بحياة الوفد ورئيسه ودستور الأمة والحياة النيابية وتستنكر الحكومة وأساليبها، وفشل مدير الجيزة وحكمدارها والبوليس فى منع المظاهرات، وأفلت الزمام من يده! فاتصل بمدير الأمن العام وهو ابن شقيقة رئيس الحكومة واستأذنه فى ضرب المتظاهرات بالرصاص حتى يتفرقن! فطلب مدير الأمن العام منه أن ينتظر حتى يأخذ رأى «صدقى باشا»!
واضطرب «صدقى باشا» وهاج هياجاَ شديداً وثار فى وجه ابن أخته وقال له:
أتريد أنت ومدير الجيزة أن تأتى لنا بمصيبة جديدة، ألم يكف ما نحن فيه من مشاكل وأزمات حتى تأتى مظاهرة السيدات فوق البيعة، قل لمدير الجيزة أن يحاول بأى طريق غير إطلاق الرصاص فض هذه المظاهرة!
وخرج «أحمد كامل» وعاد بعد قليل ليخبر صدقى باشا أن المدير أعيته كل الحيل وفشل فى مقاومة غضب السيدات، وسكت «صدقى باشا» كأنه يحاول أن يجد حلا لهذه المشكلة وأخيراً قال:
قل للمدير الغبى بدلاً من أن نطلق الرصاص حاصرهن فى حديقة الأورمان ثم سلط عليهن خراطيم المياه حتى تتبلل ثيابهن ويحاولن أن ينشغلن بإصلاح ملابسهن، وعندئذ تكون القوات قد سدت جميع المنافذ ولا تسمح بالخروج إلا لواحدة واحدة، وبين الواحدة والأخرى عشر دقائق على الأقل».
ونفذ المدير أوامر صدقى باشا، وظلت السيدات محاصرات فى حديقة الأورمان طيلة اليوم، ولم تخرج آخر واحدة منهن إلا عند غروب الشمس، لكن هذه المظاهرة - حسب رأى النحاس باشا - كان لها وقع قوى على صدقى وعلى سادته ومؤيديه».
 وقدمت نيابة الوايلى المتظاهرات إلى المحاكمة فى جلسة مستعجلة عقدت مساء نفس اليوم، بمحكمة جنح الوايلى حيث حكمت المحكمة بتغريم كل واحدة منهن خمسة جنيهات عن تهمة التظاهر، وبراءة من تهمة الهتاف ضد الوزارة!
واستأنفت المتظاهرات الحكم، وفى يوم 5 مارس 1932 نظرت القضية أمام محكمة الجنح السابقة، وترافع عن المتظاهرات «مكرم عبيد» المحامى الوفدى الكبير مفنداً جميع التهم طالباً لهن البراءة! وهو ما حدث بالفعل!!
 
فى تلك الأيام كان «صدقى باشا» وحكومته قد أغلقت وصادرت مئات الصحف والمجلات المعارضة له ولسياسته ومن بينها «روزاليوسف» وسرعان ما أصدرت «روزاليوسف» «مجلة الصرخة» لتتصدى له ولممارساته القمعية، وشنت عليه حرباً لا هوادة فيها، وفى افتتاحية العدد رقم 52 تكتب تحت عنوان «وزارة الفرسان القوية ترتعش من الآنسة أم كلثوم» بقلم «سعيد» الذى كان الشاعر الكبير الزجال د. سعيد عبده وتقول سطور المقال:
لكل جيل فرسانه، فأما فرسان التاريخ القديم فكانوا جبابرة فى طول المآذن، وفى ضخامة الفيلة وفى شجاعة الأسود، لكن أحياناً كانت هذه القوة تستحيل إلى ضعف، وكان هذا الجبروت يعصف به عاصف من روح الشهامة، وكانت خصومة المرأة الوديعة الضعيفة هى التى تجعلهم فى هذه الأحيان أودع من الحمائم وآنس من الأطفال، كانت المرأة هى الشخص الوحيد الذى يخاصمهم وينتصر ويحاربهم!.
وتصف مجلة «الصرخة» فرسان اليوم بأنهم يفتقدون إلى الشهامة وإلى حرب لا تعرف الرحمة على النساء والرجال سواء بسواء.. وتضيف:
سيدات فى القاهرة وفى غير القاهرة تظاهرن مرة، فعدت الوزارة الحاضرة التى هى مجموعة من فرسان القرن العشرين، تظاهرهن ضدها عملاً سياسياً خطيراً يجب أن يقمع، وبالفعل أرسلت عليها جندها، فساقوهن للسجن وعاملوهن معاملة الصعاليك، ويومئذ قيل إن الوزارة تدافع عن نفسها وفى سبيل الدفاع عن النفس يستباح كل شىء حتى التضحية بشهامة الفرسان، واليوم لا تظاهر ولا سياسة ولا نداءات عدائية ضد الوزارة، ولا عدوان على نظام الحكم الحاضر، ولكنها حفلة سمر وديعة تقيمها سيدات الإسكندرية وتحييها الآنسة «أم كلثوم» وينذر دخلها لإطعام مسكين أو مواساة منكوب أو كفكفة دمعة على خد يتيم!.
ومع ذلك فالوزارة القوية - وزارة الفرسان - تمنع الاحتفال بالقوة وتصادر المحتفلين وكأنها تخاف من صوت هذه المطربة خوف المحتضر من نداء عزرائيل!
أم كلثوم فتاة جميلة وحسنة السير والسلوك، وحنجرتها لم تكن فى يوم من الأيام على ما نعلم طابية مدفع، كلا، ولا كان فمها فى يوم من الأيام مصنع مفرقعات، وما كانت أغانيها إلا زفرات قلب مصروع ولا مجال فيها ليحيا أو ليسقط ولا لشىء مما يرهبه ويخشاه الفرسان، فأى شىء ذلك الذى أغرى وزارة الفرسان بأن تمنعها من التغنى فى حفلة بر وإحسان، فإذا أبت ساقتها إلى التحقيق كما يساق المجرمون!
لا شىء إلا أن وزارة الفرسان قد أصبحت تحس فى كل صوت نذيراً من نذر النهاية القريبة وطليعة من طلائع الفشل المحتوم، وفى محاولة إنقاذ القدر المجهول أصبحت هذه الوزارة القوية تخاف من خيالها، فتبنى من حولها بروجاً على بروج، وتضرب من حولها بيد عشواء لا تدرى من تصيب، وسبحان من له الحكم والدوام».