الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أبطال الملاحم المصرية القديمة

أبطال الملاحم المصرية القديمة


عَبْرَ آلاف السنين حَكمتْ مصرَ القديمةَ مجموعةٌ كبيرةٌ من الحُكام الأقوياء الذين استطاعوا إنهاء فترات الضعف والتقسيم وإقامة دولة قوية قادرة على توسيع مساحة الإقليم وقادوا الحملات العسكرية لتأمين الحدود، وكان لكل منهم إسهامه الحضارى والعمرانى الذى خلده التاريخ باسمه.. فى الحلقات الماضية عرضنا بعضًا من سِيَر هؤلاء الأجداد العظام، وفى السطور التالية نستعرض بعضًا من سِيَر مجموعة أخرى من حكام مصر القديمة الذين صنعوا مجدها الخالد.

1 رمسيس الثانى

رمسيس الثانى هو نجم الأرض وأشهر مُلوك الفراعنة، الذى ملأ الدنيا وشغل الناس جميعًا. اعتلى عرش مصر وهو ابن الخامسة والعشرين من عمره، كى يسطر أسطرًا من نور ويبنى مجدًا وعزة وفخارًا فى تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى، وصار هو رمسيس العظيم رُغْمَ وجود عدد كبير من الملوك الفراعنة الذين حملوا اسم «رمسيس» من قبله، مثل جده رمسيس الأول فى الأسرة التاسعة عشرة، وخلفائه من رمسيس الثالث إلى رمسيس الحادى عشر فى الأسرة التالية، وأعنى الأسرة العشرين، وصار عَلمًا واسمًا على عصر كامل، وهو عصر الرعامسة، أى ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، عصر المجد فى مصر القديمة. فعندما نقول «رمسيس» دون تحديد يعلم الجميع فى العالم كله، أننا نقصد دون شك نجم الأرض ومَلك الملوك «رمسيس الثانى» العظيم الخالد.
هو ابن الفرعون المحارب الخالد المَلك سيتى الأول العظيم وابن المَلكة تويا. ويعنى اسم رمسيس «الإله رع خلقه»، واسمه الكامل «رمسيس مرى آمون»، ويعنى «الإله رع خلقه، محبوب الإله آمون». واسم العرش الخاص به هو «وسر ماعت رع ستب إن رع»، أى «عدالة الإله رع قوية، المختار من الإله رع».
تزوج رمسيس الثانى عددًا كبيرًا من النساء أشهرهن المَلكة الفاتنة نفرتارى، وأنجب أيضًا عددًا كبيرًا من الأبناء، أشهرهم ولى عهده المَلك مرنبتاح والأمير الزاهد الناسك الشهير «خع إم واس» والأميرة ثم المَلكة ميريت آمون. وحَكم مصر فترة طويلة تبلغ نحو سبعة وستين عامًا. وامتاز عهده بالعظمة والمجد والضخامة فى كل شىء؛ خصوصًا فى أعمال البناء والتشييد، التى امتدت فى أرض مصر الطيبة وبلاد النوبة وبلاد الشام وعلى ساحل البحر المتوسط.
لم يشيد مَلك مصرى قديم من معابد وتماثيل ضخمة ومسلات مثلما بنى رمسيس الثانى، وامتد به العمر طويلاً ومات فى سن متأخرة بعد العام التسعين من عمره. وعندما مات دُفن بكل جلال المَلكية المصرية المقدسة فى مقبرته رقم 7 فى منطقة وادى الملوك فى البر الغربى لمدينة الأقصر. ووضع بصمته، التى لا يمكن محوها أبدًا، فى ذاكرة مصر والعالم القديم.
سَجَّلَ المَلك رمسيس الثانى وقائع الاحتفال بنصره فى معركة قادش على الحيثيين فى مناظر ونصوص عديدة فى آثارها التى تملأ البلاد فى طولها وعرضها.
كانت العلاقات مع الحيثيين على الحدود المصرية فى سوريا غير جيدة فى الفترة الأولى من حُكم رمسيس الثانى، وفى عهد والده المَلك سيتى الأول، سيطرت مصر على الموانئ الساحلية الفينيقية الجنوبية، بينما سيطر الحيثيون على مدينة قادش. وفى العام الرابع من حُكم رمسيس الثانى حدث تمرُّد فى بلاد الشام، وفى ربيع العام الخامس عام 1275 قبل الميلاد، اضطر المَلك الجديد لتحريك جيشه. فقام المَلك بتجميع نحو عشرين ألف مقاتل فى أربع فرق حملت كل منها اسمًا من أسماء آلهة مصر العظام على النحو التالى: آمون، ورع، وبتاح، وست.
صار المَلك رمسيس الثانى على خُطى جده المقاتل الأشهر المَلك تحتمس الثالث الذى سبقه فى الحُكم بنحو مائتى عام، فدخل قطاع غزة وكان على مقربة عشرة أميال من مدينة قادش فى بداية شهر مايو. وفى ذلك التوقيت تم القبض على جاسوسين وبسؤالهما عن مكان الحيثيين من مدينة قادش، أفادا بأن الحيثيين على مبعدة مائة ميل إلى الشمال. وبناءً على هذا، تحرَّك رمسيس الثانى بفرقة آمون، وهى الفرقة الوحيدة التى كانت معه، وعبر نهر العاصى، وعسكر على الغرب من قادش. وكانت قادش مدينة محصنة أشبه بالجزيرة. وهنا قبض رجال الجيش المصرى على جاسوسين حقيقيين وقالا لهم الحقيقة تحت التعذيب بأن الجيش الحيثى يعسكر على الجانب من مدينة قادش منتظرًا الهجوم.
وكان مَلك الحيثيين مواتشيلى قد جمع جيشًا كبيرًا مقسمًا إلى قسمين، أحدهما كان مكونًا من نحو 18 ألف مقاتل، والآخر من نحو 19 ألف مقاتل، بالإضافة إلى ألف وخمسمائة عربة حربية. وكانت هذه قوة عسكرية كبيرة. وانقضَّت على فرقة الإله رع التى كانت فى طريقها للانضمام للمَلك رمسيس الثانى. وهاجمت القوات الحيثية جيش مصر بضراوة. واقتحمت المعسكر المصرى. وسيطر الارتباك على المَلك رمسيس الثانى. وصار منعزلًا عن بقية قواته. وكان معه حارسه الشخصى حامل درع المدعو مننا.
كقائد عسكرى بارع، اعتمد رمسيس الثانى العظيم على قواته القليلة وأخذ يجمعها ليصد الهجوم الحيثى. وحارب بضراوة، ما اضطر المَلك الحيثى للتراجع فى المساء. وفى اليوم التالى، تجمع الجيش المصرى وحارب بشدة. وهنا عرض المَلك الحيثى السلام فعاد الجيش المصرى بسلام إلى أرض الوطن. ثم تم عقد معاهدة السلام بين المصريين والحيثيين. وتم تتويج تلك المعاهدة بزواج رمسيس الثانى من ابنة المَلك الحيثى ثم تزوج من أختها بعد ذلك بنحو سبع سنوات.


2 مرنبتاح

المَلك مرنبتاح، أو «محبوب الرب بتاح»، هو ابن وولى عهد رمسيس الثانى، والابن الثالث عشر له، خلف أباه المُعمِّر على عرش مصر وهو فى العقد السابع من عمره. وحكم نحو عشر سنوات. وتم توثيق فترة حُكمه فى ثلاثة نقوش عظيمة: الأول نحو ثمانين سطرًا على لوحة فى معبد الإله آمون فى الكرنك، والثانى عبارة عن لوحة ذات 35 سطرًا من منطقة أتريب، أو بنها، فى الدلتا، والثالث هو لوحة الانتصار العظيمة التى وجدها عالم الآثار البريطانى الأشهر السير وليم فلندرز بترى فى عام 1896م فى المعبد الجنائزى المدمر للمَلك مرنبتاح فى طيبة أو الأقصر.
فى عهد مرنبتاح هب تمرُّد فى جنوب سوريا، وسرعان ما تمت السيطرة عليه من قِبَل الفرعون القوى. وتمت مهاجمة حليف مصر المَلك الحيثى فى ممتلكاته الشمالية، وحدثت مجاعة فى أرضه؛ نتيجة نقص المحاصيل الزراعية، فأرسل مرنبتاح إليه الحبوب؛ لأن مصر كانت سلة الغلال لبلاد الشرق الأدنى القديم، كما تذكر القصة التوراتية.
وكان هناك عدم استقرار على حدود مصر الغربية مع الليبيين الذين انتشروا فى الدلتا المصرية فى العام الخامس من حُكم المَلك مرنبتاح، وحاولوا غزو مصر وإحداث ثورة فى بلاد النوبة وواحات صحراء مصر الغربية. فقام المَلك مرنبتاج بتحرك سريع وهجوم شديد وقضى عليهم وذبح منهم ما يزيد على ستة آلاف فرد.
أخضع مرنبتاح النوبيين بعد القضاء على الليبيين. ورُغْمَ كبر سن مرنبتاح؛ فإنه لم يتهاون مطلقًا فى الدفاع عن مصر وتأمين حدودها وقهْر أعدائها بقسوة وجعل منهم عبرة لمن يعتبر. وعلى لوحة انتصار مرنبتاح الكبرى، كتب المَلك المنتصر يفتخر بالقضاء على كل الأعداء.
من بين ما تمت كتابته على تلك اللوحة، جاء الذِّكْر الوحيد لإسرائيل فى كل الآثار المصرية القديمة وقال: «تم القضاء على إسرائيل، واختفت بِذْرَتُها، وصارت فلسطين أرملة لمصر». وهذا النص يشير إسرائيل كقبيلة وليس كبلد له منطقة جغرافية محددة كمعظم البلاد من أعداء مصر التقليديين. وهذا ما جعل البعض يعتقد أن المَلك مرنبتاح هو فرعون الخروج الذى خرج فى عهده بنو إسرائيل من أرض مصر المباركة، غير أن هذا الأمر لايزال محل جدال بين العلماء ولم يتم حسمه بعد وإلى الآن.


3 رمسيس الثالث

المَلك رمسيس الثالث هو آخر فراعنة مصر العظام. وفى فترة حُكمه، عاصر نهايات واضطرابات فى دول وممالك عدة فى عالم البحر المتوسط، مثل الحرب الطروادية وسقوط وهروب شعوب كثيرة بحثت عن أوطان جديدة. وتأثرت مصر دون شك بتلك الهجرات التى جاءت إلى الشواطئ المصرية بحثًا عن وطن جديد بعد الذى كان.
وكانت السنوات الأربع الأولى من حُكم رمسيس الثالث هادئة. وأخذ فى تدعيم دولته واستمر فى سياسة والده المَلك ست نخت لجلب الاستقرار لمصر. ولم تكن هناك مشكلات تُذكَر فى بلاد النوبة، فقد كانت مستعمَرة خاضعة للحُكم المصرى. غير أن الليبيين، مع قبيلتين أخريين المشوش والسبد، تركوا الصحراء وحاولوا غزو الأرض الخصبة فى غرب الدلتا المصرية. وقام الجيش المصرى بقمعهم على الفور، ومن لم يتم قتله منهم، تم أسْرُهُ واستعبادُه، ومنذ ذلك الحين، استوعبت البلاد المجاورة لمصر الدرس، وعرفت جيدًا ألا تستفز الفرعون وألا تثير غضبه، وإلا سوف تلقى ما لا يُحمد عقباه.
وفى العام الثامن من حُكم الفرعون رمسيس الثالث، جاءت إلى مصر قبائل كبيرة العدد فى طريقها إلى الاستقرار، وكانت هذه القبائل أو الشعوب ذات أسماء عدة غير أن الاسم الأشهَر الذى تم إطلاقه عليها هو «شعوب البحر». وقام المَلك رمسيس الثالث بتسجيل وتصوير حروبه وانتصاراته على شعوب البحر على جدران معبده الجنائزى العظيم بمدينة هابو بالبر الغربى لمدينة الأقصر. ويُعَدُّ هذا النص أطول نص هيروغليفى على المعابد معروف لدينا إلى الآن.
وفى طريق شعوب البحر إلى مصر، توقفت فى سوريا. وتقدَّموا نحو مصر عبر البر. ولم تكن حربًا عادية بمفهومها التقليدى المعروف لدينا،؛ وإنما كانت هجرة ونزوحًا جماعيًا، وكان الهدف منها الاستقرار والإقامة فى مصر؛ فقد كانت شعوبًا تتحرك بكل أفرادها من النساء والأطفال وكل ممتلكاتهم الأسرية المحمولة على عربات تجرها ثيران إلى مصر. وفى البحر، كان أسطول شعوب البحر معسكرًا فى البحر كى يتوجه لاحتلال مصر والاستقرار فيها. وتيقن المَلك رمسيس الثالث بسرعة التحرك ووضع حدًّا لإيقاف هذه الموجات البشرية الهائلة العدد، فتم إرسال قوات عسكرية على نقاط الحدود الشرقية حتى يتم إحضار الجيش المصرى بشكل كامل. وحدثت الحرب على الحدود. وتم قتل الغزاة- كما تصور مناظر المعركة على معبد مدينة هابو.
ورُغْمَ أنه تم القضاء على حملة شعوب البحر البرية؛ فإنه لايزال هناك تهديدٌ قادمٌ من البحر هذه المرَّة. فدخل أسطول شعوب البحر إلى شرق الدلتا المصرية من خلال أحد أفرعها، غير أن الأسطول المصرى كان واقفًا له بالمرصاد. ورُغْمَ أن المصريين القدماء لم يفتخروا بكونهم بحارة عظماء؛ فقد حاربوا ببسالة يُحسدون عليهم ومارسوا كل فنون القتال التى عرفوها على البر فى مواجهة عدوهم فى الماء. وانتصر المصريون القدماء على هذه الشعوب المهاجمة انتصارًا عظيمًا تحت راية الإله آمون سيد آلهة مصر ورب طيبة، الأقصر، المقدس، الذى تم إرسال كل الغنائم إلى معبده.
وعاشت مصر هادئة لمدة ثلاث سنوات. ثم جاءت الاضطرابات هذه المرَّة من الحدود الغربية، من الليبيين ثانية، الذين تحالفوا مع قبيلة المشوش وخَمس قبائل أخرى. وتسللوا كمهاجرين فى منطقة غرب الدلتا المصرية لبعض السنوات، غير أنهم فى العام الحادى عشر من حُكم المَلك رمسيس الثالث صار الأمر كغزوة. فقام المَلك بقهرهم وقتل نحو ألفَى فرد منهم، وأخذ ماشيتهم وممتلكاتهم كغنائم لخزائن معبدالإله آمون. 