الإثنين 15 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
إلى رشدى أباظة فى ذكرى الرحيل

إلى رشدى أباظة فى ذكرى الرحيل


مثل اليوم 27 يوليو عام 1980، توقف قلب جسور، متوهج، رقيق، عن الخفقان، فأعلنت كاميرات السينما الحداد، واعتذرت عن تصوير المشاهد، إلى  أن يجف بكاؤها، وتتبدد حسرتها.
تسعة وثلاثون عاما تمر، اليوم، منذ رحيل رشدى أباظة، الفنان الذى تآمرت عليه وسامته الزائدة عن حاجة النساء، وموهبته المؤهلة أكثر من اللازم، لكى يجلس متفردا على عرش السينما المصرية.

 شخصيته ثرية، لأنها ممتلئة بالتناقضات الممكنة، وغير الممكنة، ذات موهبة مبدعة حتى النخاع. حياته قصيرة، طباعه محيرة، مزاجه متقلب، كبرياء شامخ، أليس هذا بالضبط ما يصنع النجم الاستثنائى وما يخلق البطل النادر؟.
بعد تسعة وثلاثين عاما، منذ الرحيل، أعيد مشاهدة أفلامه، وأندهش أننى فى كل مرة أكتشف شيئا آخر فى «رشدى»، كان خافيا. الفيلم هو الفيلم، المشاهد هى المشاهد. الحكاية هى الحكاية. كل شىء هو نفسه، ليس به جديد، إلا «رشدى أباظة»، الذى يكره أن يعيد نفسه، حتى فى الفيلم الواحد، والمشهد الواحد. وكأنه كان يعلم أن حياته قصيرة، فأراد أن يُولد تكرارا، ومرارا، فى كل مرة نشاهده، ولو كانت المرة الألف. ولأن «رشدى»، كان كريمًا، فإنه يريد أن يمنح لمنْ يشاهده، لمرات أخرى، متعة إضافية. وربما هذه هى طريقته،  فى تقديم الشكر، والامتنان، لمنْ ترك النجوم الأحياء بأفلامهم، وأعاد مشاهدة أفلامه، هو الذى رحل.
لا أشعر أبدا، فى كل أفلامه، أنه يكذب الكذب الجميل، النبيل، الذى نرضاه باختيارنا، وهو أنه «يمثل علينا» دورا مكتوبا سلفا، ويجتهد لأن نصدقه، ونحبه. هو، والدور، نسيج واحد، عصارة واحدة، توهج واحد، دم واحد، أعصاب واحدة، انتماء واحد. وهذا أحد أسرار «رشدى أباظة»، أنه لم يكن «يمثل» ليشتهر. لم يكن يلعب دورا، ليأخذ أجرًا. نشعر أنه فى كل دور، يبحث عن «نفسه»، عن «رشدى أباظة» الحقيقى. وليس «رشدى أباظة»، الذى يفتن النساء، وتعشقه الكاميرات، ويسعى إليه  المنتجون، والمخرجون، وأضواء الإعلام.
 يدهشنى كثيرا، كيف أن أدواره الصغيرة الثانوية، هى بالقدر نفسه  من التألق، والتأثير، والجاذبية. الفارق الوحيد فقط، هو المدة الزمنية، وعدد المشاهد التى يظهر فيها. أما قدرته على خطف العيون، والقلوب، فهى بالأستاذية نفسها. بل إن هناك أدوارا ثانوية، قام بها «رشدى»، تظل باقية فى نفوسنا، بعد انتهاء الفيلم، أكثر من دور البطل. منها على سبيل المثال دون ترتيبها الزمنى: «فى بيتنا رجل»، «طريق الأمل»، «موعد غرام»، «رد قلبى»، « جميلة»، «لا أنام »، «مؤامرة»، «حياة أو موت»، «سلطان»، «ماليش غيرك»، «إزاى أنساك»، « جعلونى مجرما»، «ارحم دموعى»، «تمر حنة».
 ترك لنا «رشدى أباظة»، أفلاما من بطولته، كنوزا للسينما المصرية، ومن جواهر الإبداع السهل الصعب، والفن الممكن المستحيل. اختار أعمالا تخلده على مر الأزمنة. وكل دور، «ورشة»، و«مدرسة» إتقان، لمنْ يريد الوقوف أمام الكاميرا.
 من هذه الأعمال: «الرجل الثانى»، «الطريق»، «غروب وشروق»، «عدو المرأة»، «شئ فى صدرى»، «الحب الضائع»، « سر الغائب»،  « المراهقات»، «امرأة فى الطريق»، «صراع فى النيل»، «صراع فى الجبل»، «القبلة الأخيرة»، «عندما نحب»، «خلخال حبيبى».
وكان أستاذا يدهشنا فى خفة الظل، وحسه الكوميدى البارع. هل ننسى مثلا: «الزوجة 13»، «آه من حواء»، «نصف ساعة جواز»، «عروس النيل»، «المجانين فى نعيم»، «صغيرة على الحب»؟؟.
إذا حاولنا استبدال «رشدى أباظة»، بأى نجم آخر، فى أدوار البطولة، أو بأى ممثل آخر فى الأدوار الثانوية، سنفاجأ أننا لا نستطيع. وإذا حدث، يفقد الفيلم جزءا كبيرا من حيويته، وتألقه، وتأثيره، وارتباطه بالجمهور. هذا هو المقياس  الأساسى، إن لم يكن الوحيد، لمعنى الموهبة الفنية المبدعة النادرة الاستثنائية،  وهى هنا، مائة فى المائة، «رشدية أباظية».
 اليوم السبت 27 يوليو، ذكرى الرحيل، سأسهر مع رائعته «لا وقت للحب»، مع فاتن حمامة، وإخراج صلاح أبو سيف، 1963، قصة وحوار يوسف إدريس. فى هذا الفيلم، يصل «رشدى أباظة»، إلى قمة الأداء، وذروة الكاريزما المبدعة، ومنتهى الحساسية لشخصية «حمزة» الثائر، والعاشق،  فى هدوء، وتناغم، وجمال.
إليه.. إلى رشدى أباظة.. إلى ذكرى الرحيل الذى يرسخ البقاء، شكرا على كل هذا الإبداع الممتع، الذى ينقذنى من الملل، ويسعدنى فى زمن، لا سعادة فيه. 