
حسين دعسة
شيخوخة الـ«Face App»!
..حدث أن تغيرت ملامح عالمنا، فالكون يتغير بين كسوف وبعث لمذنبات واضطرابات شمسية وهجرة لمجرات وعلى الأرض كوارث وزلازل وبراكين واحترار مناخى وتلوث بيئى مخيف..وحدث عبر التاريخ أهوال وخراب، البشرية تتحدى وتنمو وينشأ الحب والجمال.
..هنا لنقف عند سؤال جيلنا الرقمي: ماذا بعد أن «هرمنا»، تلك الكلمة التى فصلت واقعنا المعاش؟!. بات فى بيتنا فيس آب Face App يأخذنا إلى عالم الشيخوخة ويصطدم معنا ويلملم معلوماتنا! من منا لا يعى أن قلوبنا شابت وشاخت وأن عقولنا تغلفت بخيط عنكبوت هرم. شيخوختنا تتباين مع قضيتنا الفلسطينية، التى رأينا صورها الشايبة السلبية كل يوم وقد كنا نستعرض نكساتنا وهجراتنا ومجازر خلدت شهداءنا عبر أكثر من 70 عامًا.
..ومن منا ينسى الصراع الأيديولوجى بين أحزابنا القومية والوطنية والدينية، التى شابت وأصابها زهايمر التفكك ونسيها الشارع العربى، فقد نخرها الفساد والاستعراض وضاعت أدبياتها ورواد التنوير ممن نرى شيخوختهم عبر الصور ونقلد الفراغ من بعدهم!أى شيخوخة يريدها لنا فيس آب:
- ملامح الجوع والفقر والبطالة.
- واقع انهيار الأعمال والتجارة البينية والزراعة وخراب الأراضى الزراعية لصالح الأبنية الخرسانية.
أى معلومات يريدها هذا التطبيق من إعلام ينهار ويعاند كل القوى الحكومية والخاصة والأهلية من أجل البقاء، ولا مجيب؛ فها هى شيخوخة الإعلام العربى تتحايل على الزمان وملامح الخلاص.
- يجمل فيس آب ملامحنا ولا يقنع قلوبنا بأننا نسعى إلى الجمال والبهاء الداخلى الذى يحميه الحب والانتماء إلى الوطن وحق الناس بالحرية والعمل والفن ولإصلاح السياسى والدستوري، ما يعطينا شيخوخة صالحة فى ظل دول تؤمن بسيادة القانون والمؤسسات والمجتمع المدنى الواعي.
..فى عام 1895 صدرت أول رواية خيال علمى للكاتب «هربرت جورج ويلز» بعنوان «آلة الزمن»، وهى استشراف للمستقبل ولسياسة الإنسان مع الكون والحقيقة، غالبا كانت ترى شيخوخة العالم بالتوازى مع الشيخوخة العقلية والفكر الظلامى الذى كان يسود فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر وإلى بداية الألفية الثالثة التى تشهد شيخوخة الدول العظمى مبكرًا، ولأننا أصحاب حضارات بشرية أصيلة فلن يتعرف الفيس آب على ملامح مستقبل عصى وعنيد . الرواية مكاشفة- على طريقة تطبيق الفيس آب - عن إنسان وعالم انتقل باحثًا، جرب بنفسه الانتقال عبر الزمن إلى المستقبل.
صورنا الحقيقية، حرير الروح تؤشر إلى التحدى عبر صور للمستقبل: صرت ناضجة جدا (...) كى تلتهمنى الدنيا بسهولة وتتجشأ باستمتاع.
فاصلة،، :
العالم يتغير،..حقيقة فيها جدل التنوير وأهميته:
«بطريقة سريعة يصعب اللحاق بها» هذا ما قاله الكاتب الكويتى الروائى طالب الرفاعي، مضيفًا:
وإذا كان الكاتب العربى يرى فى نفسه أداة تغيير تمسّ وعى وحياة الناس، فإنه من باب أولى أن ينظر إلى نفسه بأنه جزء من اللحظة الإنسانية العابرة، وأنه إذا لم يستطع قراءتها بشكل صحيح وتفهم عوالمها فإنه سيكون متخلفًا عنها، وبالتالى سيقدم مادة إبداعية أدبية لا تليق بها، ولا تخاطب جمهورها. واضح للعيان أن هناك مجاميع شبابية من كتّاب وناشرين ونقاد وجوائز وقراء بدأت بالتشكل منذ ما يزيد على العقد من الزمن، وأن هذه المجاميع بعلاقاتها الإنسانية المتشابكة وتواصلها، واتصالاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكاد تسيطر اليوم على سوق النشر العربى وذائقة القارئ العربي، إلى جانب الناشرين العرب المعروفين.
هذا الواقع الأدبى الجديد والمتجدد، يفرض على الكاتب العربى أن يقف أمامه ويتأمل مفرداته، ومن ثم يقدم مُنتجًا إبداعيًا يخصه وينطق بوعيه وموقفه من الحياة، وفى الوقت نفسه يستطيع أن يحاكى شريحة كبيرة من جمهور القراءة العربية الذى صار يعيش اللحظة العابرة وفق شروط ومعطيات العولمة.
ربما حان الوقت لأن يؤمن الكاتب العربى بقدسية الكلمة من جهة، وقدرتها على مسَّ وعى الناس والتأثير بهم، لكن ربما صار يجب عليه أيضًا أن يلتفت إلى حقه المالى مقابل ما يبذله من جهد إنسانى متميّز.