الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
المسكوت عنه في معارك الإمام

المسكوت عنه في معارك الإمام


من قبيل الفقه.. لم يجاوز الإمام الأكبر «د. أحمد الطيب» روح التشريع الإسلامي، عندما تحدث (بأحد البرامج الفضائية) عن تعدد الزوجات [وتقييده].
ومن قبيل السياسة.. لم تستهدف «الانتقادات» التي وُجّهت لكلام «شيخ الجامع الأزهر» الانتصار للإسلام، بقدر ما كانت تستهدف الانتصار على المؤسسة التي يقودها الإمام (!)
.. وما بين الفقه والسياسة؛ ثمة أمور «مشتبهات» تحتاج منَّا إلى فض اشتباك، في معركة ندعم فيها - هذه المرة - الإمام الأكبر (قلبًا وقالبًا).


في برنامجه التليفزيوني الأسبوعي قال «د. أحمد الطيب» إن «تعدد الزوجات يحمل ظلمًا للمرأة وللأبناء في كثير من الأحيان، ويُعد من الأمور التي شهدت تشويهًا للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية».. وقال أيضًا:  من يقولون إنَّ الأصل في الزواج هو التعدد مخطئون، فالأصل في القرآن هو قوله تعالى: «فإن خِفتُم ألا تعدلوا فواحدة».
والحق.. إنَّ ما قال به شيخ الجامع الأزهر، هو الأكثر تماشيًا مع سياق الفهم للنص القرآني.. فالأصل هو الابتعاد عن التعدد، خوفًا من العدالة «غير المتحصلة» [يقينًا]، لقوله تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ...» [النساء: 129].. والحق أيضًا، أنَّ هذا كان ما قال به إمام الأئمة ومُجدد عصره «الشيخ محمد عبده».
يقول الأستاذ الإمام: قال تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً» [النساء: 3]، فإنَّ الرجل إذا لم يستطع إعطاء كل منهن حقها اختل نظام المنزل، وساءت معيشة العائلة.. ويصف الإمام المُجدد من لم يُدرك حكمة التشريع، في حالة التزوج بالمتعددات، قائلاً: «كأنهم لم يفهموا حكمة الله في مشروعيته، بل اتخذوه طريقًا لصرف الشهوة واستحصال اللذة لا غير... وهذا لا تُجيزه الشريعة ولا يقبله العقل».
ومما يُنسب – أيضًا – للأستاذ الإمام، قوله: «لا يُعذر رجل يتزوج أكثر من امرأة، اللهم إلا في حالة الضرورة المطلقة ... أما في غير هذه الأحوال فلا أرى تعدد الزوجات إلا حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية، وهو علامة تدل على فساد الأخلاق واختلال الحواس وشره في طلب اللذائذ.. والذي يُطيل البحث في النصوص القرآنية التي وردت في تعدد الزوجات يجد أنها تحتوي إباحة وحظرًا في آنٍ واحد». (انظر: الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده/ المجلد الثاني/ ص: 85).
أي أنَّ خلاصة ما ذهب إليه «الأستاذ الإمام»، و«الإمام الأكبر»، هو أن هذه الحرية [مُقيدة] بقيود واشتراطات فالتعدد حق مقيد.. ورُخصة، لا بد لها من سبب.. كما أنَّ وقوع الضرر والظلم، يُخرج التعدد من حيز المباح إلى حيز التحريم.. أو كما قال الإمام «محمد عبده»: «لو أنَّ ناظرًا في الآيتين أخذ منهما الحُكم بتحريم الجمع بين الزوجات لما كان حكمه هذا بعيدًا عن معناهما، لولا أنَّ السنة والعمل جاء بما يقتضي الإباحة» (الأعمال الكاملة/ المجلد الثاني/ ص: 86).

في البيان الصادر عن الأزهر، في أعقاب موجة الهجوم [المنظمة] التي شنتها تيارات بعينها على الإمام الأكبر، كان أن أوضح البيان أنَّ حديث شيخ الأزهر في البرنامج التليفزيونى ركز على معالجة «فوضى التعدد»، وتفسير الآية الكريمة المتعلقة بالموضوع، وكيف أنها [تُقيد هذا التعدد بالعدل بين الزوجات].. وإن بدا في لغة البيان – بعض الشيء –  أن هناك تخوفًا من استغلال ما قاله الإمام للنيل من الرجل.. رُغم أن ما قاله (ونحن من خلفه في هذا) يُمثل – في جوهره – روح التشريع الإسلامي، وحكمة النص.
وفي الواقع .. فإنَّ مثل هذه الآراء التنويرية (والتي تُمثل – في حقيقتها – جوهر التجديد) يجب ألا تخضع [من قبل الإمام أو من يتحدث بالنيابة عنه] لضغوطات أو تخوفات، من هنا أو هناك.
فمن المعروف قطعًا، أن الفقه يتغير بتغيُّر الزمان والمكان والحال (والعرف أيضًا).. فإن كان  النص كما أوضح «الأستاذ الإمام» يحمل بين  طياته الإباحة والحظر في آنٍ واحد؛ فإنَّ حكمة التشريع من هذا الجمع تقتضي – بالضرورة – التوسعة على متلقي الخطاب التشريعي، وتقديم المصلحة للمفاضلة بين الحظر والإباحة، وفقًا للظرف العام.. وبما يتماشى مع مصلحة المجموع.
ولنا هنا أن نتوقف – كذلك - أمام أحدث الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أمس الأول (الخميس).. إذ تقول الإحصائية إنّ عدد السكان التقديري للمصريين في الداخل [98 مليون نسمة]، منهم [50.5 مليون نسمة للذكور] بنسبة 51.5 % للذكور، و47.5 مليون نسمة للإناث بنسبة 48.5 % .. أي أنَّ أعداد الذكور (وفقًا لآخر الإحصائيات) أضحت تتفوق على أعداد الإناث.
ورغم أنَّ «الإمام الأكبر» لم يتحدث في برنامجه – من قريب أو بعيد – عن إصدار أي تشريعات قانونية لتقييد التعدد.. فإنّ المؤشرات السابقة تنذر بأزمة مُجتمعية من نوع خاص.. إذ في كل مرة يتم فيها التعدد؛ فإن هذا الأمر يخصم من فرص الارتباط بالنسبة لشخص آخر  بما مقداره [فرصة كاملة، و8 % من الفرصة الثانية].

ومع ذلك.. فإنَّ الوجه الآخر للضجة [المُفتعلة] التي صاحبت كلام الإمام (وهي ضجة تمت تغذيتها من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية – خصوصًا البريطانية منها)؛ كانت في حقيقتها محاولة [خالصة] للنيل من المؤسسة الأزهرية في أعقاب بيان الإدانة، الذي فندت خلاله المؤسسة الوجه الإرهابي لجماعة الإخوان.. وهو بيان يُحسب للمؤسسة بالتأكيد.
أي أننا – على عادة تيار الإسلام  السياسي – لم نكن سوى أمام محاولة «تلفيقية» جديدة تتدثر بالدفاع عن الإسلام.. في حين أنها في الواقع تسعى للنيل من المؤسسة التي فضحت – أخيرًا – إرهاب الإخوان، ونهجهم نهج داعش، في سفك الدماء، والاغتيال السياسي، والعمليات الانتحارية.
وبنظرة [سريعة] على الحسابات التي شنت هجومها على الإمام الأكبر، عبر وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، يُمكننا – ببساطة – أن ندرك توجهاتها من دون مواربة.. إذ كثيرًا ما ذبح أبناء هذا التيار الدين على مذابح السياسة (!)
.. إلا أن الحقيقة بادية لا ريب.