الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
قصة اكتشاف روزاليوسف لمذكرات سعد زغلول!

قصة اكتشاف روزاليوسف لمذكرات سعد زغلول!


أخيرًا صدر الجزء الثانى عشر والأخير من مذكرات الزعيم «سعد زغلول باشا» منذ أيام، والتى كانت مجلة «روزاليوسف» أول من كشف الستار عن وجود هذه المذكرات سنة 1927.
صدرت الأجزاء التسعة الأولى من المذكرات بتحقيق الدكتور عبدالعظيم رمضان، وصدر الجزء الأول سنة 1987، والجزء التاسع فى سنة 1998.
وبعد وفاة د.عبدالعظيم رمضان كان المفروض أن يكمل العمل «د.يونان لبيب رزق» لكن وفاته عطلت المشروع إلى أن تولت «د.لطيفة محمد سالم» هذه المهمة وأشرفت على تحقيق وتقديم الأجزاء الثلاثة الباقية، حيث صدر الجزء العاشر سنة 2011، والحادى عشر فى 2016، وأخيرًا الجزء الثانى عشر وبهذا يكتمل نشر أخطر مذكرات سياسية لزعيم مصرى على وجه الإطلاق وزعيم ثورة سنة 1919.
بدأ سعد زغلول كتابة مذكراته ابتداءً من يوم 18 أكتوبر سنة 1897 وحتى يوم الجمعة 31 ديسمبر سنة 1926 وقد دونها فى 53 كراسة بلغ عدد صفحاتها 3018 صفحة كتبها بانتظام لمدة عشرين عامًا متواصلة مع بعض فترات الانقطاع!!
وتبقى مذكرات «سعد زغلول» هى أخطر وأصدق ما صدر من مذكرات سياسية لزعيم عربى معاصر.. كتبها بكل شجاعة وصدق وإنسانية!
وتبقى حكاية «روزاليوسف» مع هذه المذكرات وصدفة اكتشافها!!
ليس سرًا إعجاب السيدة «روزاليوسف» بالزعيم «سعد زغلول» وقد سجلت هذا الإعجاب أكثر من مرة فى ذكرياتها الصحفية، حيث تروى كيف اشتركت فى مظاهرات ثورة 1919 حاملة علم مصر ثم حرصها بعد ذلك إلى سماع كل خطبة يلقيها «سعد زغلول» وتقول: «كان سعد صاحب أجمل صوت بين أصوات الخطباء، وكان سعد زغلول قد تحول من شخصية ممتازة إلى فكرة ومن فكرة إلى عقيدة وطنية».
وزاد من إعجاب روزاليوسف بسعد زغلول عندما بلغها من أحد المتصلين به أنه صرح بأن المجلة دمها خفيف وأن الكلام اللى بتقوله صح!!
كانت السيدة روزاليوسف فى باريس عندما تُوفيَّ سعد زغلول باشا فى 2 أغسطس 1927، وعرفت بالخبر من جريدة «بارى سواد» وتقول:
حزنت لذلك حزنًا شديدًا وعادت إليّ فى باريس ذكريات أيامه الحافلة والمظاهرات التى سرت فيها من أجله والساعات التى وقفتها أستمع له، وصدرت المجلة مجللة بالسواد (العدد 95) حزنًا على فقيد وباعث نهضتها».
«وبعد وفاة سعد بيومين أصدر مجلس الوزراء قرارًا بجعل بيت «سعد» أو «بيت الأمة» ملكًا للحكومة والشعب، وأوفدت الوزارة اثنين من مكتب مجلس النواب لعمل قائمة بمحتويات مكتبة سعد، وكان أحدهما الأستاذ «عثمان رمزى» ابن أخت زوجي- القاضى بالمحاكم الأهلية بعد ذلك- وعثر «رمزى» على كراسة تتضمن بعض مذكرات الفقيد العظيم، فقطع منها بعض الشيء وسلمه إلى هيئة تحرير المحلة!
وصدر العدد 98 بتاريخ 22 سبتمبر سنة 1927 محلى بثلاث صفحات تحوى هذه المذكرات بعد تنميقها وصياغتها فى أسلوب صحفى أخاذ!!
فعجب الناس بهذه المذكرات وإذا عجب الناس بما تنشره صحيفة ما أقبلوا على قراءتها، وحصل ذلك بالفعل، فارتفعت مقطوعية المجلة بعض الشيء وكان ذلك سببًا فى أن عدت ألح فى تكبير حجم المجلة ورفع ثمنها إلى قرش صاغ، لاسيما أن الأستاذ «التابعى» أصيب بفتح الشهية للجلوس على مائدة السياسة بعد أن تحركت أقلام كثيرة للكتابة فى مآثر سعد.
يقول الأستاذ «صبرى أبو المجد»: وتقفز «روزاليوسف» قفزة هائلة لا فى التوزيع وحسب بل فى المركز الأدبى،وكان صاحب الفضل الأول فى تلك الفقرة الأستاذ «التابعى» إذ حصل على أجزاء من مذكرات الفقيد الراحل «سعد زغلول» ونشرها فى «روزاليوسف» قبل أن يعرف الوفد عنها شيئًا، حتى لقد نشر المرحوم «فخرى عبدالنور» عضو الوفد المصرى فى ذلك الوقت فى جريدة البلاغ إن هذه المذكرات بعيدة عن الواقع!
ومذكرات «سعد» كانت عبارة عن ثلاث كراسات كتبت كلها بخط «سعد» كراسة خاصة بمفاوضات ملز والثانية خاصة بمفاوضات سعد مع «ماكدونالد» رئيس حزب العمال وكراسة ثالثة عن حادث قتل السردار وإنشاء حزب الاتحاد وخروج أعضاء من الوفد!!
ومن بين ما ذكره التابعى عن تلك الفترة أيضًا- وفاة سعد زغلول ونشر بعض مذكراته، يقول التابعي:
«بعد أن حصلنا على ترخيص بأن تكون روزاليوسف مجلة سياسية، بدأت أشمشم عن الأخبار السياسية وأقرأ الموقف السياسى والمقالات السياسية لأعلق عليها!!
وتُوفىَّ «سعد زغلول باشا» وكنت موظفًا بسكرتيرية مجلس النواب عندما لعبت الصدفة دورها الذى لابد منه فى حياة كل صحفى وصحفية!!
 فقد حدث أن طلبت «أم المصريين» من زوج ابنة شقيقها المرحوم «فؤاد بك كمال» سكرتير عام مجلس النواب أن ينتدب بعض موظفى السكرتارية لتنظيم مكتبة الزعيم الراحل ! فانتدب رحمه الله اثنين من زملائى وكانا يعملان معى فى غرفة واحدة وهما «فؤاد فرعونى» الوزير المفوض السابق، و«عثمان رمزى»- كان مستشارًا بالمحاكم – وانتهيا من تنظيم المكتبة بعد أسبوع أو أكثر وعادا إلى عملهما معى فى سكرتارية مجلس النواب !
وذات صباح جلس كل منهما يتحدث إليّ عما لاحظه فى مكتبة الزعيم الراحل وتناول الحديث مذكراته التى تركها فوصف أحدهما كراستين من هذه المذكرات وصفا دقيقا، ولحسن حظى كانت ذاكرتهما قوية وكانت ذاكرتى أيضًا قوية وبعد انتهاء الحديث ذهبت إلى غرفة التواليت الخاصة بالسكرتارية وكتبت رؤوس المواضيع قبل أن أنسى!
وصدر بعد ذلك العدد من روزاليوسف وبه ثلاث صفحات عن مذكرات سعد زغلول!
قامت القيامة ولم تمض ساعات على صدور العدد وثمنه قرش صاغ واحد حتى قفز الثمن إلى خمسة قروش ثم عشرة قروش!! ونفدت جميع النسخ من الأسواق، ولم يعد فى الاستطاعة الحصول على نسخة واحدة !!
وقامت قيامة الدنيا فى بيت الأمة واعتقدت «أم المصريين» أن المذكرات قد سُرقت!! واتصل بى «فؤاد كمال» وكان يعرف علاقتى بروزاليوسف وأخذ منى كلمة شرف بألا أنشر شيئا عن مذكرات «سعد زغلول»!! ويظهر أنه كان يعتقد أننى نشرت أشياء وأخفيت اشياء، ولكن الواقع أننى كنت قد نشرت كل ما كنت أعرفه!!
واشتهرت المجلة وقفز توزيعها وعرفنى الناس وحتى تلك اللحظة لم أكن أوقع مقالتى!!
وفى العدد الصادر بتاريخ 29 سبتمبر 1927 وتحت عنوان «مذكرات سعد زغلول» كتبت مجلة روزاليوسف تقول: نشرنا فى العدد السابق بعض معلومات عامة عن مذكرات «سعد زغلول» وما اتصل بنا من رأيه فى بعض رجالات مصر وأنصار الوفد، ولقد أثار نشر هذه المذكرات ضجة استياء وعتب علينا الكثيرون عتابًا مرًا من أجل هذه الغلطة!!
وقال لنا أحدهم أنه مع فرض صحة ما نشرناه – وهذا أمر مشكوك فيه – لأن المذكرات كانت دائمًا مودعة فى أحد أدراج مكتب الفقيد، فإن الساعة الحاضرة وظروف الأحوال ليست مناسبة بالمرة لنشر ما نشر!
 ونحن نسلم بصحة هذا الاعتراض ووجاهته ونرجو أن لا يعلق أحد على ما نشرناه أهمية أكثر من الأهمية التى تعطى لخبر منقول».
 وحسب ما جاء فى كتاب «محمد التابعى» للأستاذ «صبرى أبو المجد» فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد عاد إليه التابعى بعد أربع سنوات وبالتحديد فى العدد رقم 185 الصادر فى 31 أغسطس سنة 1931 وكتب التابعى يقول:
 «كان لهذه المجلة – روزاليوسف – فضل السبق فى نشر طرف من مذكرات الزعيم الخالد فى عدد رقم 98 الصادر فى يوم الثلاثاء 22 سبتمبر سنة 1927 ثلاث صفحات كاملة تناولت فى إحداها سرد تفاصيل دقيقة عن المذكرات وفى الصفحتين الباقيتين مقتبسات تكاد تكون حرفا بحرف مما كتبه الفقيد عن بعض الشخصيات البارزة فى عالم السياسة !!
ولقد كان لنشر هذه المذكرات يومها ضجة فى الأوساط السياسية خصوصا أن ما جاء فى تلك الفقرات تناول بعض العظماء الذين كانوا وقتئذ على قيد الحياة مثل المغفور له «محمد سعيد باشا» وأجرت السلطات المختصة يومها تحقيقا مع محرر المجلة – أى التابعى – وكان لا يزال موظفا بمجلس النواب ثم أقفل التحقيق بعد أن أعطى المحرر على نفسه عهدا بألا ينشر شيئا زيادة عما نشره فى تلك المذكرات !!
 وكما كانت الصدفة وحدها وراء انفراد روزاليوسف بنشر مقتطفات من هذه المذكرات، فقد كانت الصدفة أيضًا وراء العثور عليها داخل بيت الأمة، وقد رواها الدكتور «عبدالعظيم رمضان» الذى أشرف على تحقيق هذه المذكرات حيث يقول فى الجزء الأول منها :
«كانت هذه المذكرات – كما روت الآنسة فريدا كابى الألمانية الجنسية التى عاشت فى منزل سعد زغلول كمترجمة ووصيفة لأم المصريين – مبعثرة بين مكتبه الخاص الذى يقع فى الدور الأول من بيت الأمة، وغرفة المكتبة التى تقع فى نفس الدور وقد ظلت كذلك بعد وفاة سعد !
 ولم يلبث أن وقع حادث كاد يؤدى إلى فقد إحدى عشرة كراسة، فقد تعود «سعد» أن يكتب مذكراته فى كراسات مدرسية ويترك فى أولها صفحات بدون كتابة وصفحات أخرى فى آخرها بدون كتابة أيضا، وبعد وفاة سعد وبينما كان أحد الموظفين يقوم بتنظيف المكتبة وجد بعض هذه الكراسات القديمة فظنها بدون كتابة وألقى بها فى سلة المهملات !! وتصادف أن رأى «مصطفى أمين» وهو ابن رتيبة بنت أخت سعد زغلول وابنته المتبناه وكان عمره وقتذاك اثنى عشر عاما، هذه الكراريس فى السلة فأخذها لاستعماله الخاص ولكنه اكتشف فيها المذكرات فسلمها إلى السيدة صفية زغلول».
وطوال سنوات نشبت معركة بين الورثة حول نشر المذكرات إلى انتهت منذ سنوات وأتيح للقائ أن يعرف ما بها من أسرار مذهلة.