د. مني حلمي
الأنوثة المعطلة فى الكراسى الخلفية
هى «امرأة»، نجدها فى كل زمان، ومكان. متناثرة على الخريطة البشرية، هنا، وهناك، شرقا، غربا، جنوبا، وفى الشمال.
بيضاء، سمراء، خمرية، شقراء... قصيرة القامة.. طويلة الأظافر والقامة... ممتلئة إلى حد ما، أو رشيقة القوام. عيونها سوداء، أو زرقاء، أو عسلية، أو خضراء.
معها شهادات عليا، أو متوسطة، ربما تجيد لغة أجنبية، أو مجرد إنسانة بسيطة، غلبانة، على باب الله.
لكنها ليست مثل أغلب خلق الله، راضية بحالها، مقتنعة بحدودها، المتواضعة التى تبقيها دائما فى الصفوف الخلفية.
يقتلها التساؤل المرْ، المحدق، إلى الأخريات: «لماذا هن فى الصفوف الأمامية، وأنا فى الخلف قابعة فى مكانى، لا أتقدم خطوة واحدة؟؟... لماذا تضطهدنى الحياة؟.. لماذا يخاصمنى العالم؟؟..
ما الذى عند النساء، وليس عندى؟؟.. أهو مجرد حسن الحظ، أم شىء آخر أجهله؟؟..».
فى أعماقها، تدرك جيدا، أن الحظ لا علاقة له، بأزمتها، وبقائها على مر الأيام «محلك سٍر»، «نكرة». تعلم جيدا، أنها بكل بساطة، عديمة المواهب، ممسوحة الشخصية، مثل الملايين من النساء. لديها «طموح»، للانتقال إلى الصفوف الأمامية. أى صفوف أمامية؟. وفى أى مجال؟. لا يهم. المهم أنها لا تريد الاستسلام، للقدر الظالم الذى حرمها من الموهبة، ولم يمن عليها بالقناعة، والاكتفاء.
تتأمل الواقع المحيط بها، فتجد أن فرصتها الوحيدة، هى أن تلعب بالورقة الوحيدة الرابحة، والرائجة، التى لا يرفضها أحد، ولا يصدها أحد. «الكارت الذهبى»، للمرأة... «كلمة السِر» التى تفتح الأبواب المغلقة... الأنوثة.
«الأنوثة»، هى أعلى المؤهلات، وأرفع الشهادات.
هى «خطاب التوصية»، المضمون.. وهى «سنوات الخبرة» المطلوبة، وهى «الواسطة» الفاعلة الناجزة.
ترى صورتها فى المرآة، لا تتمتع بأنوثة مبهرة، ولا تعكس ملامحها جمالا متفردا يندر وجوده. لكنها على يقين، أن أدوات الماكياج، وصبغات الشَعر، والكعوب العالية، والفستان الأنيق، واللهجة المائعة، والكلام «المدحلب»، سوف ترفع من مستوى الأنوثة «العادى»، إلى مستوى الأنوثة «الاستثنائى».
ويزداد تأكدها، لأن أغلب الرجال هم من صنع ثقافية ذكورية، يكمن فى صلبها، الكذب، والفساد الأخلاقى، والتناقضات الأخلاقية، والجوع الجنسى النهم الذى لا يرتوى.
تقول لنفسها: «لماذا لا أستخدم هذه الذكورية، من أجل مصلحتى، بدلا من كونها أكبر قاهر للنساء ؟.. ألن يكون هذا انتصارا للمرأة؟ سوف أنتقم لكل امرأة مقهورة.. سآخذ بثأر كل النساء.».
كل رجل تعرفه، يأخذ نصيبه من «بيعة» الأنوثة. كل رجل فى موقعه، لا يطمع فى المزيد، والا تحرمه من حصته المقررة، من «تموين» الأنوثة.
بمرور الوقت، أصبحت تجيد اللعبة، التى تتدرب عليها يوميا.
وصلت إلى درجة عالية من «الحرفية»، ومن «الثقة»، ومن «الدقة». فهى تستفيد من أخطائها السابقة، وتطبق كل جديد، لتعرف أكثر: «من أين تؤكل كتف الذكور».
لم نعد نجدها جالسة فى الصفوف الخلفية... لم تعد « نكرة»..
والآن هى تفكر بإعطاء دروس خصوصية، مرة كل أسبوع، لكل منْ ترغب فى الاستفادة، بأنوثتها «المعطلة».
من واحة أشعارى
أهذه هى الحياة
التى أغرتنى بالخروج
من رحم أمى؟
أهذه هى الحياة
التى كنت أتشوق
الى الوجود فيها ؟
أهؤلاء هن النساء
اللائى يقتسمن معى
الهواء والشمس والماء ؟
أهؤلاء هم الرجال
الذين يحكمون على قصائدى
وأخلاقى وأفكارى؟
الأمر برمته بأكمله
لا يستحق الحد الأدنى
من العناء









