الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ذكريات عبدالرحمن الشرقاوى التى لم يكتبها!

ذكريات عبدالرحمن الشرقاوى التى لم يكتبها!


وما أصعب الكتابة وأقساها عن الكاتب والأديب والمفكر والمقاتل والفارس النبيل «عبدالرحمن الشرقاوى»!
 ما أصعب أن تكتب عنه مفكرًا وروائيًا ومسرحيًا وكاتبًا للمقال والدراسات الدينية المستنيرة والعميقة!
 فهو صاحب أجمل وأعذب الروايات: الأرض والفلاح والشوارع الخلفية وألمع المسرحيات: الفتى مهران، مأساة جميلة بوحريد، وطنى عكا، الحسين ثائرًا، النسر الأحمر، عرابى زعيم الفلاحين، ومؤلفاته الإسلامية العظيمة التى أضاءت القلوب والعقول:
محمد رسول الحرية، عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء، وأئمة الفقه التسعة، وعلى إمام المتقين وغيرها..
 الشىء الوحيد الذى لم يقترب منه سواء عن قصد أو غير قصد هو كتابة ذكرياته ومذكراته عن رحلة أربعين سنة من الكتابة والإبداع «1947-1987» واقترابه ومعرفته بمئات الأسماء اللامعة أدبيًا وفكريًا وصحفيًا سواء اختلف أو اتفق معهم يحكمه دائما: شرف الاختلاف وشرف الكلمة شعاره الدائم فى الحياة!
 لكن من حسن الحظ أن من عرفوا «الشرقاوى» عن قرب كتبوا بعضا من ذكرياتهم معه، حتى خصومه السياسيين كتبوا عنه بصدق لا نظير له!
 .. وإلى بعض هذه الحكايات والذكريات.
وما أكثر الحكايات والذكريات عن الأستاذ «عبدالرحمن الشرقاوى» فى تلك المرحلة المبكرة من شبابه فى أربعينيات القرن العشرين!
عن تلك الأيام يروى الكاتب الكبير «موسى صبرى» قصة بداية اللقاء معه وكان ذلك فى أحد أيام سنة 1939 بمدرج كلية الحقوق حيث كما يقول: استمر اللقاء وبقى الحب والاحترام، واختلفت بعد ذلك مناهجنا، تشبع هو ببعض من أفكار الماركسية من منطلق مصرى وطنى أصيل واتجه فكرى إلى مبادئ العدل الاجتماعى بعيدًا عن أى إطار ولم تتناقض يومًا مشاعرنا!!
 وشنت حكومة إسماعيل صدقى عام 1946 حملة اعتقالات لكل من يتصل بالفكر الماركسى من قريب أو بعيد.. واختبأ «عبدالرحمن» فى منزلى أسبوعًا أو أكثر برعاية والدى وأمى،حتى هدأت الأمور.
 وقبل ذلك كنت قد اعتقلت للمرة الثانية لمدة عام، وكان زائرى الأول هو «عبدالرحمن» وكنت أستبيح لنفسى بلا كلفة أن أطلب كل ما أحتاج إليه من أسرته، كان بيت الشرقاوى فى «الحلمية» هو بيتنا الذى نستذكر فيه ونأكل ونتحاور ونختلف ونجتمع حول مؤلف جديد فى الأدب أو السياسة!
 وهكذا سارت بنا الأيام ولم يبرز فى سطور الصحافة خلاف رأى بيننا إلا بضعة أيام على صفحات «الجمهورية» فى أوائل الستينيات ولكن الصداقة والمودة والأخوة كانت هى الأقوى دائما. ولا أعرف للشرقاوى موقفاً واحدًا أدار فيه ظهره لمبادئ الديمقراطية والحرية أو تنكر لحقوق العارقين والمطحونين، كان فلاحًا مصريًا، وكان وطنيا مصريًا.. كان كاتبًا مصريًا كان شاعرًا مصريًا.. كان توأم عمرى.
 وعن البدايات وأيام الشباب أيضا يتذكر الكاتب الكبير الأستاذ «أحمد بهاء» تلك الأيام قائلا:
«عندما تخرجت فى كلية الحقوق – سنة 1946 – تبين أننى أصغر من السن اللازمة للاشتغال بالمحاماة وهكذا تبدد أول حلم شخصى وعُينت فى وظيفة حكومية فى النيابة الإدارية وكانت تسمى وقتها «إدارة التحقيقات» وفى إدارة التحقيقات وجدت نفسى فى مكتب واحد مع اثنين أقدم منى «عبدالرحمن الشرقاوى» و«فتحى غانم»، وكانت مفارقة غريبة فقد اكتشفت أن ثلاثتنا يعمل فى الحكومة على مضض، حتى يجد فرصة للكتابة فى الصحف والمشاركة فى الحياة العامة فى أوقات شديدة الاضطراب!!
 كانا أول من عرفت من أهل الأدب والكتابة وعن طريقهما عرفت مثليهما المتفرقين فى شتى نواحى الحياة وعيونهم على الأدب، كان «عبدالرحمن الشرقاوى» يجرب الشعر و«فتحى غانم» يجرب القصة، وأنا أجرب المقال السياسى،وسائر زملائنا ينظرون إلينا على أننا مخلوقات غريبة غير مهتمة بمستقبلها فى الوظائف الحكومية، وكان أشدنا غرابة وسيرًا وراء أوهام الأدب والشعر «عبدالرحمن الشرقاوى»
وظهر أول خلاف فى طبائعنا أثناء العمل، كنا مكلفين بالتحقيق فى القضايا المتهم فيها موظفو الدولة فوجدت نفسى أقوم بالتحقيق فى القضايا التى تحال على الثلاثة، لأنهما كانا أقرب إلى الطبيعة الفنية منى وبالتالى أبعد عن المسئولية، فمثلا كانت تحال قضية «حريقة» للشرقاوى كلفت الدولة مائة ألف جنيه من المفروض أن يحقق فيها المسئول فورا، «عبدالرحمن» لم يكن عنده مانع أن يضع القضية فى الدرج وبعد ستة أشهر تسأل الوزارة عن مصير التحقيق فتكتشف أن أحدًا لم يسأل! !
 كنت دائما أحاول أن أنقذهما بأن أحقق فى كل القضايا وتعودا على ذلك – معهما حق – أحدهما شاعر والآخر قصاص، ثم أن حياتى منتظمة أكثر»
 وتبقى ذكريات الأديب الكبير الأستاذ «فتحى غانم» زميلهما فى نفس الغرفة بإدارة التحقيقات حيث يقول:
 «كنت أجلس على مكتبى وإلى جانبى زميلى فى العمل «عبدالرحمن الشرقاوى» وأمامى بضعة كتب لشوبنهور ونيتشه وهيجل، وكنا نتناقش ونتبادل الرأى كالفلاسفة الكبار الذين يقررون مصير العالم بكلمة، عندما قطع حديثنا قادم أول ما يلفت نظرك إليه هدوء غير طبيعى يمشى معه ويسرى فيه، هدوء منفعل إذا صح التعبير! ! وصافحنا فى خجل – أنا والشرقاوى»!!
وعلمنا أنه زميل جديد حتى مضى إلى مكتب وأطرق برأسه صامتا وزاد هدوءه انفعالا وعدت أستأنف مناقشتى مع «الشرقاوى» وهو صامت كأن شيئا مما نقوله لا يعنيه!
 ومضت أسابيع على هذا اللقاء قبل أن يقتنع – أحمد بهاء الدين بأن مناقشاتى مع الشرقاوى ليست مجرد عبث خالص كما ظن لأول وهلة، وقبل أن يقتنع أن الشرقاوى شاعر حقيقى،ومضت أسابيع قبل أن نتبين أن القادم الجديد له عقل غير عادى، يفكر بجرأة فى أخطر مشاكلنا السياسية التى كنا نواجهها فى تلك الأيام فى صفاء ووضوح ومنطق لا نظير لها.
 وبدأت المناقشات تربطنا نحن الثلاثة – بهاء والشرقاوى وأنا – ووجدتنى شيئا فشيئا أتحول إلى مستمع للسجال السياسى بين الشرقاوى وبهاء.
 وتبقى شهادة أديبنا الكبير صاحب نوبل أستاذنا «نجيب محفوظ» الذى يقول:
 «صداقتى مع الشرقاوى نشأت فى ندوة الأوبرا فى أوائل الأربعينيات وقبل أن يبدأ حياته الأدبية، وكان من حظى أن أتابع مولده ونموه وازدهاره حتى بلوغه العبقرية المشرفة. عرفته أول ما عرفته رائدا من رواد الشعر الحديث حينما خرج علينا بقصيدته الرائعة «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان» ثم أدهشنا بروايته العظيمة «الأرض» التى جعلت منه الرائد للأدب الاشتراكى فى الأدب العربى المعاصر، واتجه للمسرح وصار من عمده فى المسرحية الشعرية وأذكر هنا «الفتى مهران» وما أحدثته وقتها من ضجة هزت أركان الحكومة والشعب».
 وأتوقف أمام سطور مهمة للدكتور لويس عوض وصف فيها الشرقاوى بقوله «هذا الأب المصرى وقصيدته القنبلة» جاء فيها قوله: «كل أديب ترك بصمة على الحياة الأدبية بقنبلة يدوية أو قنبلة مسيلة للدموع أو قنبلة مسيلة للدخان»!!
 وقد كانت القنبلة التى دخل بها «عبدالرحمن الشرقاوى» حياتنا الأدبية قبل ثورة 1952 هى قصيدته الشهيرة «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان» فكانت حديث المحافل الأدبية لسنوات طويلة، لأنها كانت ثورة فى عروض الشعر العربى وفى لغة الشعر العربى!
 وفى أوائل ديسمبر سنة 1954 كتبت مقالين عن «عبدالرحمن الشرقاوى» عن هذه التجربة الرائدة، مقالاً باسم «ثورة العروض» ومقالاً آخر باسم «الشاعر الجسور» وقد صودر أحد هذين المقالين فى الطبعة الأخيرة، أما الثانى فلم ير النور أبدا! ولم أفهم إن كان الاعتراض على «الشرقاوى» أم على العروض الجديد؟!».

 ولا يمكن الكتابة عن الأستاذ «عبدالرحمن الشرقاوى» بغير الكتابة عن أخطر وأهم وأعظم تجاربه مع وفى روزاليوسف وبالتالى مع الرئيس أنور السادات.
 كان «الشرقاوى» أحد الذين وقفوا مع السادات فى معركته مع خصومه فى 15 مايو سنة 1971 التى عُرفت بمعركة مراكز القوى،وطلب «عبدالرحمن الشرقاوى» من «موسى صبرى» رئيس تحرير الأخبار أن ينشر له مقالا يؤيد فيه السادات عن قناعة تامة.
 وكان تعليق السادات عقب قراءته للمقال وحسبما قال تليفونيا لموسى صبرى:
 ابلغ عبدالرحمن الشرقاوى أننى كنت أتمنى لو استطعت أن أكتب بقلمى ما كتبه بقلمه، 15 مايو تصحيح ديمقراطى لثورة 23 يوليو!».
 تعود علاقة الشرقاوى بالسادات منذ إنشاء جريدة الجمهورية وكان السادات مديرا عاما والشرقاوى واحدا من كُتابها البارزين، ولم يخف السادات إعجابه بقصيدة (من أب مصرى إلى الرئيس ترومان)!!
ولم تكن صدفة أن يقرر الرئيس السادات تعيين الأستاذ «الشرقاوى» رئيسا لمجلس الإدارة ورئيسا لتحرير «مجلة روزاليوسف» التى كانت تعانى وضعا سيئا ومشاكل لا حدود لها! !
 باقى تفاصيل ما جرى رواه لى الأستاذ صلاح حافظ فى حوار طويل وممتد قائلا:
 ذات يوم كلمنى الأستاذ الشرقاوى وقال لى: أنا هجيب «فتحى غانم» يمسك روزاليوسف! وأتذكر أنى قلت له: أنا ممكن أساعده وأشتغل معاه!
 وبعد أسبوعين أو ثلاثة كنت فى مكتب الأستاذ الشرقاوى وكان عنده أيضا الأستاذ فتحى غانم، وفجأة قال لى: إيه رأيك تشتغل مع فتحى على طول وتبقى رئيس تحرير معه!!
وقلت للشرقاوى بدهشة: وهل استأذنت فى هذا القرار ؟!
 فقال بعصبية: أنت مالك يا أخى،أستأذن أو مااستأذنش، أنا عينتك وخلاص.. يعنى هيرفتوك؟!!
 وفيما بعد قال لى الأستاذ الشرقاوى وأنا أصدقه تماما – إنه قام بتعيينى رئيسا للتحرير دون أن يقول لأحد، وأن السادات قال له عندما أخبره بقراره: كويس إنك عملت كده يا عبدالرحمن!»
 وحسب ما قاله لى «صلاح حافظ» فإن الرئيس السادات كان سعيدًا بتجربة روزاليوسف ونجاحها المدوى وكان يبلغ الشرقاوى بهذا.
 ثم جاءت مظاهرات 18 و19 يناير 1977 والتى وصفها السادات بأنها انتفاضة حرامية، لكن روزاليوسف كان لها رأى آخر وهو ما أغضب السادات غضبا شديدا وقرر تغيير كل قيادات روزاليوسف وعلى رأسهم «الشرقاوى»!! وقال السادات للشرقاوى: الشيوعيون ضحكوا عليك وأيضا صلاح حافظ ضحك عليه!!
 ورغم غضب السادات وسخطه إلا أنه كان يقدر شجاعة وصلابة وصدق الشرقاوى وعلى الفور أصدر قراره بتعيينه كاتبا فى الأهرام ورئاسة المجلس الأعلى للفنون والآداب»!!

 ووسط هموم ومشاغل عبدالرحمن الشرقاوى الجديدة كان مهموما بأزمة ومشكلة رفيق وصديق عمره المناضل والشاعر «محمود توفيق» الذى كان قد تم القبض عليه بعد يومين فقط من مظاهرات يناير بعد اتهامه فى هذه القضية، لكنه تمكن من الهرب وطالت مدة هروبه لأكثر من عامين! ! متنقلا بين عشرات الأماكن!
وذات يوم فوجئ بزيارة زوجته وابنته سهير ومعها رسالة من الأستاذ الكاتب الصحفى «سعد كامل»- الذى تعود معرفته بالسادات إلى أيام السجن معًا فى قضية أمين عثمان فى الأربعينيات من القرن الماضي- كان مضمون الرسالة أن عبدالرحمن الشرقاوى تقابل مع السادات بشأن محمود توفيق، وأن السادات أشاد بمحمود، وعندما أخبره بأنه صهر المرحوم يوسف صديق- أحد نجوم ثورة 23 يوليو وبطلها- فإن السادات اغرورقت عينيه بالدموع!
وقال الشرقاوى للسادات إن محمود توفيق هارب وطلب منه أن يقابله ووافق السادات على ذلك وتحدد الموعد الساعة 11 صباح الثلاثاء بعد باكر!!
يعترف محمود توفيق بأنه كان متوجسًا وعندما أفضى بخشيته لصديقه المقرب الشاعر والكاتب «محمد على ماهر»- المقرب من السادات- قال له: أنا أعرف السادات جيدًا فطالما أنه دعاك إلى بيته وهو فلاح أصلا، فلابد أنه سوف يكرم وفادتك، أما إذا رفضت الحضور فسيطلب وزير الداخلية- النبوى إسماعيل- وسينزل فيك ضربًا بالشلاليت ويأمره أن يقلب الدنيا عليك ويحضر كل من يأويك مكبلين بالحديد، كده ولا تروح معزز مكرم مع «الشرقاوى» بناءً على دعوة رئيس الجمهورية!
وبعيدًا عن تفاصيل كثيرة ذهب محمود توفيق والشرقاوى إلى استراحة الرئيس بالقناطر، وكان فى استقبالهما نائب رئيس الجمهورية وقتها «حسنى مبارك»، كان السادات جالسًا فى حديقة الاستراحة ومعه عثمان أحمد عثمان.. وقام السادات بمصافحة «الشرقاوى» باهتمام ثم سلم على «محمود» دون أن ينظر ناحيته ثم قال لهما: اقعدا!!
أخذ السادات يتحدث طويلاً مع «الشرقاوى» ثم التفت فجأة ناحية محمود قائلاً: هو ده بقى المتهم الهارب! أديك جيت لحد عندى ما انتش خايف؟!
قال: لا مش خايف، أخاف من إيه أنت طلبت منى الحضور وأنا جيت بناء على طلبك!
قال السادات وهو يشير إلى مبنى كبير يبدو على بعد قريب: ده سجن القناطر مش خايف منه؟! قلت له بلهجة عادية: عارفه كويس وحافظه صم وعشت فيه كتير وهوه أرحم من الهروب على كل حال!
قال السادات: ده صحيح، السجن أرحم من الهروب ما أنا مجرب وعارف!
قال السادات: وقعدت فين طول المدة دى؟! وقعدت عند الشرقاوى قد إيه؟!
فأجبته بجدية: ماقعدتش عنده خالص لأن اللى يهرب ما يقعدش عند حد من قرايبه أو أصدقائه!
ففاجأني- السادات- لسؤال غريب: طب ماجيتش هربت عندى ليه؟! طب والله العظيم لو كنت جيت عندى كنت خبيتك!
وبدت عليه علامات الجد فى هذا الكلام فاندهشت وأجبته: استخبى عندك من مين؟! منك!! فابتسم وكرر قوله: والله العظيم كنت خبيتك!!
وعندما سأله الرئيس السادات عن مشاركته فى المظاهرات ابتسم ونظر إلى «عبدالرحمن الشرقاوى» الذى تصدى للسادات قائلاً:
- ياريس محمود لم يشترك فى شىء، لقد كان معى فى مكتبى وشارك معى ومع كل من كانوا فى الدار فى الدفاع عنها ضد الجماهير الغاضبة!
وانبرى السادات قائلاً للشرقاوى بغضب: «اسكت أنت يا عبدالرحمن، أنا عارفك الشيوعيين يضحكوا عليك، وأنت تيجى تضحك عليّ!!».
قال له الشرقاوى على الفور: ياريس أنا محدش يقدر يضحك عليّ، أنا منوفى ياريس!! وابتسم السادات!
واستمر الحوار على هذا لفترة طويلة ثم ضغط السادات على جرس أمامه وهرع إليه شخص من مكتبه وقال له: يا فلان كلم النبوى إسماعيل دلوقتى وقل له إن محمود معايا دلوقتى وأنا قلت له يروح بيته وقل له محدش يتعرض له!
وقال محمود: متشكر ياريس بس أنا هأتقدم للمحكمة وهى تفعل معى ما تشاء!!
وقمت أنا والشرقاوى وخرجنا وركبنا سيارته منصرفين دون أن يتعرض لنا حرسه! وقال لى الشرقاوى: أنت احتديت على السادات أكثر مما احتد هو عليك ولو كنا مع «عبدالناصر» لما خرجنا من عنده- أنا وأنت سالمين!
وذهب محمود بصحبة المحامى والوطنى الكبير الأستاذ «فتحى رضوان» إلى المحكمة التى أمرت بالإفراج الاحتياطى،لكن المفاجأة أن الإفراج لم يتم وقبض عليه من جديد!!
ويروى الأستاذ «محمود توفيق» فى مذكراته «أيام أخرى- الجزء الثاني- قائلاً:
كانت «سهير»- زوجتى قد اتصلت بالشرقاوى فور القبض عليّ بعد انتهاء جلسة المحكمة وأعلمته بما حدث فثارت ثائرته ولبس ملابسه وتوجه إلى قصر رئيس الجمهورية المواجه لمسكنه فى شارع الجيزة، وهناك دخل إلى مكتب «فوزى عبدالحافظ» مدير مكتب السادات وروى له ما حدث وقال إنه يعتبر ما حدث إساءة بالغة إليه هو، وأن الناس سوف يعتبرونه هو المسئول الآن عن حبسى بعد أن تسبب فى خروجى من مخبئى لمقابلة السادات ثم حدوث ما حدث!
وقال الشرقاوى لفوزى: إنه لن يخرج من مكتب فوزى إلا إذا عرض الأمر على الرئيس وإلا إذا تم الإفراج عنى!
وبالفعل قام فوزى عبدالحافظ بإبلاغ «السادات» فى حضور «الشرقاوى» بكل ذلك، فقال السادات لفوزى: الشرقاوى على حق، وسوف أصدر أوامرى فورًا بالإفراج عن محمود!
غير أن الإفراج قد تأخر بضعة أيام، وراجت شائعات كثيرة حول المقابلة كان من ضمنها أن السادات كلفنى أنا والشرقاوى بإقامة حزب جديد لليسار بدلاً من حزب التجمع الذى لم يكن راضيًا عنه! ولم يكن لهذه الشائعة نصيب يذكر من الصحة سوى كلمة عابرة ألقاها إلى السادات خلال حديثه دون أن يركز عليها أو يتوقف عندها، قال فيها:
- ما تعملوا حزب إذا كنتم عايزين، ما أنا صرحت بإقامة الأحزاب!!
انتهت الحكاية بكل ما تحمله من دلالة شهامة وفروسية وأصالة الشرقاوي!

وعلى ما يبدو فإن الأستاذ الشرقاوى لخص مشوار حياته بأبيات رائعة أوردها مسرحيته «الفتى مهران» يقول فيها:
أنا ذا أمضى وما قلت الذى كنت أريد
لم يزل عندى أشياء تقال
أنا ذا أمضى وما قلت الذى عندى
وما حققت حلمًا واحدًا
لم يزل فى القلب منى ألف حلم
لم يزل فى الرأس منى ألف شىء
وأنا أمضى بأحلام حياتي!»
وليس بعد سطور أستاذنا ومعلمنا ورائدنا «الشرقاوى» ما يقال!