الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
محاكمة 25 يناير!

محاكمة 25 يناير!


لسنوات تالية.. لن يكون هناك حدث أكثر إثارة للجدل مما جرى بمصر فى «25 يناير» من العام 2011م.. الأمر لا يتوقف – قطعًا – حول السؤال الاعتيادى: [هل ما حدث كان ثورة أم مؤامرة؟].. إذ إنَّ الصورة – يقينًا – أعقد من دائرة الجدل تلك.. خصوصًا، عندما يبقى السؤال الأهم من دون إجابة: [لماذا جرى ما جرى من حيث الأصل؟].
على المستوى الشخصى.. وعبر عديدٍ من القراءات الوثائقية، والإنتاج البحثى (وهى رحلة امتدت لنحو 7 سنوات كاملة).. أقول (على المستوى الشخصي): إنّ ما جرى فى الشرق الأوسط برمته (لا مصر فحسب) لم يكن بريئًا بالمرة.. بل كان عملاً [ممنهجًا] لتغيير الأنظمة الحاكمة، وفقًا لسيناريوهات وأجندات باتت – الآن - معروفة للجميع(!)


لكن.. لا تُغنى هذه القناعة – بالضرورة – عن إعادة  طرح السؤال الأهم: [لماذا جرى ما جرى من حيث الأصل؟!].. هل كانت الأنظمة [القائمة] من الهشاشة بما يجعلها تتساقط واحدة تلو الأخرى، من دون أى مقاومة تذكر؟!.. هل كانت «السيناريوهات» أكبر من القدرة على الاحتواء و«رد الفعل»؟!.. هل كان هناك «خلل معلوماتى» فى تقدير الصورة الكلية للأحداث؟!.. هل أخطأت «التقديرات الأمنية» فى تقرير حجم وقدرات «الأطراف الفاعلة» بالمشهد؟!.. أم أنَّ «الخيال السياسى» لتلك الأنظمة كان عاجزًا عن صياغة حلول سريعة لمثل تلك المواقف؟!

ربما كانت شهادة وزير الداخلية الأسبق «اللواء حبيب العادلى» (قبل أيام) أمام الدائرة 11 إرهاب، بمحكمة جنايات القاهرة، فى قضية «تخابر مرسى» مُحفزًا لمواصلة أسئلة من هذا النوع.. لكن.. فى الحقيقة، لا يُمكن (فى تقديرنا الخاص) البحث عن أجوبة لتلك الأسئلة كافة، من دون النظر إلى [شهادة أخرى] سبقتها بنحو 5 سنوات.. ونقصد بذلك شهادة اللواء مصطفى عبدالنبى،  الرئيس الأسبق لـ«هيئة الأمن القومى» بالمخابرات العامة، فيما عُرف إعلاميًا بـ«مُحاكمة القرن».. إذ تضع «شهادة اللواء مُصطفى» كثيرًا من النقاط فوق الحروف.
.. واللواء مصطفى (لمن لا يعرف) تخرج فى «الكلية البحرية»، ثم التحق بجهاز المخابرات العامة المصرية فى العام 1994م.. ليواصل –بعد ذلك – صعوده داخل جهاز المعلومات الأقوى والأهم فى الشرق الأوسط، حتى أصبح وكيلاً أول للجهاز بدءًا من العام 2000م.
وفى  شهادته  بدأ «اللواء مصطفى» منذ العام 2005م.. إذ قال: كان هناك «حالة من الحراك بالشارع [نتيجة قلة الخدمات المقدمة للجماهير، والاقتصاد فى البلاد].. ولكن لم يصل الحراك إلى المستويات المختلفة للشعب.. كما كان هناك معارضون و[جمعيات أهلية]، كانت تدعو لمعارضة نظام الحكم فى  ذلك الوقت.. وبعد انتخابات مجلس الشعب بالعام 2009م، زادت المعارضة من الاتجاهات كافة.. وكان لها اتجاهان: اتجاه يدعو للديمقراطية، واتجاه يدعو للمطالبة بالتغيير.. وشارك فيه [مصريون وأجانب].. وكان هناك دورات تُعلِّم كيفية التعامل مع قوات الأمن فى المظاهرات.. وفى العام 2009م، تم رصد تحركات، وعدة لقاءات فى [سوريا وتركيا].. وكان اجتماع تركيا فى يناير من العام 2011م.. وكان اجتماعًا مهمًا.. وحصلت على معلومات بأنه كان لدراسة نتائج «ثورة تونس»، ورد الفعل الأمريكى تجاهها، والدعوة لاستغلالها فى مجال الدعاية لمصر.
بحكم موقعه.. كان «اللواء مصطفى» (بحسب شهادته فى القضية)  يتولى رفع تقارير وتقديرات الموقف إلى رئاسة الجهاز (الوزير الراحل عمر سليمان)، الذى يتولى بدوره رفعها للقيادة السياسية.. كما كان يشرف على تنسيق و«تبادل المعلومات» مع وزارة الداخلية.. وفى هذا السياق.. كان أن تقاطع عديدٌ من تقارير المعلومات (بين الجهتين) حول برامج تغيير أنظمة الحكم فى الوطن العربى.. وقال «اللواء مصطفى»: إنّ البرنامج الأمريكى للديمقراطية (الحكم الرشيد)، كان يستهدف – فى المقام الأول - تغيير الأنظمة الحاكمة، وكان تمويل تلك البرامج يتم بمعرفة المعاهد الأمريكية، أو يتم استقطاعه من المعونة الأمريكية.. واستفاد من هذا الأمر حركات مثل: كفاية و6 إبريل.

قبل أن نتابع سير «الشهادة» (المحورية)، لابد أن نتوقف قليلاً أمام جزء [مُهم] من أقوال اللواء «مصطفى عبدالنبى».. إذ بدأ حديثه بأنّه كان هناك حالة من التململ (داخل الشارع) جراء [قلة الخدمات المقدمة للجماهير، والحالة الاقتصادية بالبلاد].. وأنّ تلك الحالة، تم استثمارها فيما بعد، من قبل الحركات الاحتجاجية.. كما أشار – كذلك - إلى ذروة المشهد السياسى،  بعد الانتخابات البرلمانية [الأخيرة فى عُمر نظام مُبارك].. فرغم معدلات النمو المرتفعة نسبيًا فى الاقتصاد الوطنى،  لم يكن الشارع يشعر بتأثير هذا النمو (وهو ما تم تفسيره بسيطرة طبقة محددة من رجال أعمال عصر مُبارك على الاقتصاد).. كما أنَّ عملية [التزوير واسعة النطاق] التى شهدتها الانتخابات البرلمانية، وقتئذ، كانت بمثابة «القشة التى قصمت ظهر البعير».. إذ تجمع كل الفرقاء فى وجه النظام.. ولم يكن فى ظل وجود مشهد [مُعقد] كهذا، أن يلتفت أحد إلى عمليات الحشد المتتابعة، التى تقودها جهات خارجية لحساب أجندات التغيير(!)
لكن.. ما كان يدعو للاندهاش حقًا، هو تلك الإجابة التى قالها «اللواء مصطفى» ردًا على سؤال: [هل كان رئيس الجمهورية الأسبق يعلم بما يضيق به شعب مصر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟].. إذ قال: [أعتقد أنه لم يكن يصل رئيس الجمهورية مباشرة].
الإجابة خطيرة يقينًا.. إذ تشى بأنّه كان ثمة انقطاع فى خط سير المعلومات   الواصلة للقيادة السياسية، بما يمنع عنها [حقيقة معلومات فى غاية الخطورة].. فهل كان لهذا الأمر أى علاقة بسيطرة بعض رجال «الحزب الحاكم» (ومن فوقهم نجل الرئيس الأسبق) على سلامة وصول مثل تلك المعلومات للرئيس (أو حتى وصولها بشكل مشوه ومنقوص؟!).. ربما (!)

من الناحية المعلوماتية.. لم يختلف الجزء الباقى من شهادة اللواء «مصطفى عبدالنبى» عما أدلى به «حبيب العادلى»، فى تتابع سير الأحداث (خصوصًا منذ اليوم التالى لاحتجاجات 25 يناير، وحتى ما عُرف إعلاميًا بجمعة الغضب فى 28 يناير).. إذ دارت الإجابتان حول المضمون ذاته:
(أ)- معلومات عن تجدد دعوات الاحتشاد بميدان التحرير.
(ب)- الأعداد تقل ليلاً، وتزيد نهارًا بالميدان.
(ج)- دعوة عامة من الإخوان فى يوم 28 يناير للنزول والاحتشاد.
(د)- ظهور موجات عنف بعد دعوة الإخوان، وبدء الهجوم على أقسام الشرطة، وحرقها، وحرق عربيات الشرطة.
(هـ)- دخول عناصر أجنبية فى هذا اليوم.. بداية من سيناء.. وزاد العنف بظهور «كتائب القسَّام»، و«جيش الإسلام»، و«حزب الله».. كما زادت موجة العنف فى شمال سيناء.. وبعد ذلك تجمعوا فى مجموعات ودخلوا إلى داخل البلاد.. إذ تم مهاجمة السجون الرئيسية مع قِبل عناصر الإخوان.. كما ظهر منهم عناصر فى ميدان التحرير.
يقول «حبيب العادلى» فى شهادته (حول النقطة نفسها): إنَّ الجماعات الإخوانية اشتركت مع [عناصر أجنبية]؛ لاقتحام السجون.. وأن التحركات يوم «جمعة الغضب» كانت مسلحة.. و[أنَّ المعلومات جاءت بأن التحركات كانت يوما آخر.. ولم يكن يوم الجمعة!].
تستدعى النقطة الأخيرة - قطعًا - مراجعة خاصة.. إذ يقول «وزير داخلية مصر الأسبق» إنّ المعلومات التى كانت فى حيازته كانت خاطئة.. وأنها حددت له يومًا للتحرك (غير يوم الجمعة الذى شهد موجات الاعتداء على أقسام الشرطة).. المعلومة تحتاج إلى مزيد من الإيضاح والتوضيح ومراجعة المصادر التى ضللت الدولة (وقتئذ)؛ ليحدث ما حدث (!)
جزمًا.. لا يقول «العادلى» ما قاله ذرًّا للرماد فى العيون.. إذ عندما نضعه – جنبًا إلى جنب – مع ما قاله «اللواء مصطفى عبدالنبى» حول النقطة نفسها سنتأكد قطعًا [أنّ ما حدث فى جمعة الغضب] لم يكن فى حسبان الجميع.. فعندما وجه القاضى سؤاله لرئيس «هيئة الأمن القومى» (الأسبق) عن مدى مسئولية المتهم حبيب العادلى عما حدث من مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، وأسفرت عن وفيات البعض وإصابة البعض الآخر؟!.. قال: [ما حدث يوم 25 يناير كان متوقعًا.. ولكن ما حدث يوم 28 يناير لم يكن متوقعًا].
.. فهل كان مصدر المعلومة «المُضللة» خارجيًا أم داخليًا (؟!)
يقول العادلى: إنّ «جمعة الغضب» مؤامرة وضعت من قبل أمريكا فى 2004م، ونُفذت فى 2011م.. وأنه عجـز عن اتـخاذ أى قـرار وقت الأحداث(!)
انتهى أبرز ما جاء بشهادة أكبر قيادتين أمنيتين وقت الأحداث.. لكن.. ما زال هناك عديدٌ من الأسئلة الحائرة (!).. ألم أقل لكم: لسنوات تالية.. لن يكون هناك حدث أكثر إثارة للجدل مما جرى بمصر فى «25 يناير» من العام 2011م (؟!)