
هاني عبد الله
قمة الثقة
للعام الثالث على التوالى.. وبالتزامن مع زيارة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» لروسيا؛ كان «حماة الصداقة» (من قوات المظلات) يواصلون تدريبهم [المُشترك] على أرض مصر.. المعنى واضح، وشديد الدلالة.. إذ إنّ «القاهرة» تؤكد– هنا – جاهزيتها للتفاعل مع «التحالفات الاستراتيجية» الجديدة، بشكل متوازن.. كما أنها تُرحب بالتعاون «الروسى» بالطريقة نفسها، التى كان ينالُها «الحلفاء الأمريكيون» فى أوقاتٍ سابقة.
من وجهة النظر الروسية.. يُعد أحد أهم مكاسب «موسكو» من عمليات التدريب المُشتركة (حماة الصداقة)، هو اكتساب خبرات «العمل العسكرى» داخل البيئات الصحراوية لمكافحة الإرهاب.. إذ وفقًا لصحيفة «روسيسكايا جازيتا» (The Rossiyskaya Gazeta)، التى تُعد [الصحيفة الرسمية للكرملين]؛ فإنَّ كثيرًا من الخبراء الروس يعتقدون أن التدريب على مكافحة الإرهاب [فى بيئة صحراوية]، هو دليل على قدرات «قوات الرد السريع» (الروسية)، خصوصًا فيما يتعلق بالصراع الدائر فى سوريا.
. وبحسب ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، قبل ثلاث سنوات (أى مع بداية التدريبات فى العام 2016م)؛ فإن المظليين (أى قوات المظلات) المصرية والروسية سيطورون منهجًا مشتركًا؛ لتطويق وتدمير الجماعات المسلحة (غير الشرعية)، ممن يعملون داخل البيئات الصحراوية.
أى أنَّ «الحرب على الإرهاب» (وربما – أيضًا – عدم كفاية التحركات الأمريكية فى هذا الصدد) تُمثل فى جوهرها إحدى أهم نقاط الارتكاز [المُشتركة] فى رؤية الجانبين (المصرى/ والروسى).. وهو ما انعكس بدوره على بعض جوانب «عمليات التسليح» الأخيرة، التى حظيت بها «القاهرة».
1- قمة الملفات الساخنة:
ما بين بداية الزيارة (التى تأتى تتويجًا للذكرى 75 للعلاقات الثنائية بين البلدين)، وحفاوة الاستقبال الروسى للرئيس المصرى [ورسائلها أيضًا]، وامتداد أيام الزيارة (الثلاث)؛ كان أن شملت محاور القمة (إلى جانب ملف الحرب على الإرهاب) عددًا من الملفات الأخرى [ذات الاهتمام المُشترك] بين الطرفين:
(أ) تطورات الأوضاع فى سوريا (تجدر الإشارة – هنا – إلى إعلان الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، قبل يومين، البدء فى عملية عسكرية بسوريا لمواجهة خطر الإرهاب).
(ب) الأوضاع فى ليبيا، وتأثير وجود عناصر الإرهاب على استقرار الأوضاع بالشمال الإفريقى.
(ج) تداعيات المشهد بـ«اليمن».
(د) مُستقبل عملية التسوية فى القضية (الفلسطينية/ الإسرائيلية).
(هـ) محطة الضبعة النووية (رمز التعاون المصرى/ الروسى، بحسب توصيف الرئيس «عبدالفتاح السيسى» نفسه).
(و) تنظيم عرض تعريفى بأحدث نماذج الأسلحة الروسية.
(ز) تطوير المنطقة الصناعية [الروسية] داخل المنطقة الاقتصادية بقناة السويس.
(ح) استئناف الرحلات الجوية بين المدن الروسية والمنتجعات المصرية.
وفيما تكللت «الزيارة» بتوقيع [اتفاقية الشراكة الاستراتيجية] بين البلدين؛ فإن [قمة اليوبيل الماسى] تُعد تأكيدًا إضافيًا [وراسخًا] على أنّ الاقتراب «الروسى» من مصر (على وجه التحديد) يُمثل، فى جوهره، نقطة [مفصلية] تٌحدد مُستقبلاً خريطة المصالح الروسية بمنطقة الشرق الأوسط.
فمنذ أن أتى «فلاديمير بوتين» لسدة الحكم فى روسيا [مع مطلع الألفية]؛ كان أن سعت «موسكو» إلى تعميق علاقاتها مع جميع دول الشرق الأوسط تقريبًا (الحلفاء التقليديين والخصوم على حدٍّ سواء).. وفى مقدمة دول المنطقة، تأتى «القاهرة» بوصفها: بوابة العبور إلى شمال إفريقيا.. ومفتاح العبور نحو سواحل المتوسط.. وقلب العالم العربى.
2 - رؤية أمريكية للعلاقات الثنائية:
من الناحية الدبلوماسية؛ توصِّف «بيوت التفكير الأمريكية» العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا.. بأنَّ «مصر» كانت (خلال فترة زمنية ممتدة من الحرب الباردة)، من أقرب حلفاء «الاتحاد السوفيتى» السابق (وأهمهم فى منطقة الشرق الأوسط).. وما أضفى على هذه العلاقات طابعًا مُميزًا [إضافيًا] كان تلك الأواصر، التى ربطت بين الكنيسة الأرثوذكسية [الروسية] والكنيسة المصرية (بطريركية الكرازة المرقسية)، أو [مدرسة الإسكندرية اللاهوتية].
ورغم أن سخونة العلاقات الثنائية بين الطرفين خفتت (نسبيًا) فى حقبة الرئيس السادات (أى منذ نحو 45 عامًا).. إلا أنَّ العلاقة بدأت فى التعافى [مُجددًا] فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى، وعاد بعضٌ من الأجواء [الدافئة] مع وصول «بوتين» إلى السلطة.
ووفقًا لدراسة أعدتها فى العام 2016م «آنا بورشفسكايا» (Anna Borshchevskaya) لحساب «معهد واشنطن»، تحت عنوان: [روسيا فى الشرق الأوسط]؛ ففى 14 أغسطس من العام 2000م (أى بعد خمسة أشهر – فقط - من انتخابه رئيسًا للبلاد)، تحدث «بوتين» والرئيس المصرى (الأسبق) حسنى مبارك، عبر الهاتف فى أول اتصال مباشر بينهما.. إذ ناقشا – بحسب الكرملين - قضايا عودة العلاقات الثنائية.. وفى إبريل من العام 2001م، زار «مبارك» موسكو، ووقع على برنامج طويل الأجل لتطوير التجارة، والتعاون الاقتصادى والصناعى والعلمى والتقنى، وإعلان مبادئ للعلاقات الثنائية والتعاون المُشترك.
وفى سبتمبر من العام 2004م.. وقَّع «سيرجى لافروف» (بالقاهرة) بروتوكول للتعاون والحوار بين وزارات الخارجية».. وفى 26 و27 إبريل من العام 2005م؛ زار «بوتين» مصر –(وكانت أول زيارة من نوعها منذ أربعين عامًا).. ووقع بيانًا آخر حول «تعميق». العلاقات الودية، التى أكدت على «الطابع الاستراتيجى» المتزايد للروابط بين مصر وروسيا.. وفى الشهر نفسه، زار بوتين مجلس جامعة الدول العربية (وكانت – أيضًا - أول زيارة يقوم بها زعيم سوفيتى أو روسى).. واعتمد المجلس [السفير الروسى فى مصر] كممثل «مفوض» بجامعة الدول العربية.. وشملت التبادلات الرسمية [رفيعة المستوى] زيارات إضافية من رؤساء الدول.. ووقع البلدان على وثائق تشير إلى زيادة التعاون الثنائى فى مجالات التعليم والعلوم والطاقة.
ومع بداية ما اصطلح على تسميته بـ«انتفاضات الربيع العربى» (والإطاحة بمبارك)؛ كان أن فقدت «روسيا» اتصالاتها (مؤقتًا) بمصر.. إذ إنّ المحكمة العليا فى روسيا، كانت قد وصفت «جماعة الإخوان» (التى استحوذت على السلطة بعد انتفاضات العام 2011م) فى فبراير من العام 2003م، بأنها منظمة إرهابية، وحظرتها [رسميًا] بالأراضى الروسية.. كما اتهم المسئولون الروس «جماعة الإخوان» مرارًا بتعزيز التمرد الإسلامى فى شمال القوقاز.
ومع ذلك.. فقد هنّأ «بوتين» الرئيس الإخوانى «محمد مرسى» فى 28 يونيو من العام 2012م (وفقًا لما يقتضيه البروتوكول).. إلا أنه فى الشهر التالى.. وفى 23 يوليو (على وجه التحديد)؛ أرسل إليه برقية تهنئة بالذكرى الستين لـ [ثورة الجيش فى العام 1952م]، التى تعاديها الجماعة، ويعتبرها «الغرب» (الاستعمارى) أيضًا أحد الأسباب التى أنهت النفوذ البريطانى فى الشرق الأوسط (!)
وبحسب الدراسة نفسها (100 صفحة).. فقد كانت هناك رسالة خفية [معادية للغرب] فى التهنئة.. إذ اختار «بوتين» أن يُهنئ «مرسى» فى ذكرى حدث ينظر إليه الكثيرون على أنه إطاحة بـ«الإمبريالية الغربية» (!).. ورُغم ذلك.. زار «مُرسى» موسكو فى إبريل من العام 2013م (!)
لكن.. بعد الإطاحة بـ«مرسى» فى يوليو من العام 2013م، بدأت العلاقات بين كل من: مصر وروسيا تتحسن [بشكل ملحوظ]، كما بدأت العلاقات [المصرية/ الأمريكية] فى الانخفاض.. إذ كانت «القاهرة» تشعر بقلقٍ متزايد إزاء ما اعتبرته انخراطًا أمريكيًا مع «جماعة الإخوان».. كما شعرت أنها تواجه [وحدها] الحرب على الإرهاب، خصوصًا بعد أن قامت «واشنطن» بتأخير شحنات الأسلحة إلى مصر.. وحجبت المساعدات العسكرية.. وأوقفت - فى وقت لاحق - الحوار الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة.. وهو ما أفسح المجال – كذلك - أمام «بوتين» لتأكيد وجوده مع مصر.
وعلى عكس الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»؛ كان أن أيد «بوتين» [وبحماس شديد] تحركات «السيسى» منذ اللحظة الأولى (وحتى قبل وصوله للرئاسة فى مصر).. إذ كان «الكرملين» يتطلع إلى تعزيز العلاقات مع «القاهرة»؛ لضمان نجاح مؤتمر جنيف للسلام حول سوريا.. كما يرى آخرون أنّ «الكرملين» رأى فى السيسى [جمال عبد الناصر جديد]؛ إذ كثيرًا ما كان يتحدث عن «القومية العربية»، ويناهض [الإمبريالية] الغربية.
ومنذ العام 2014م.. تحسنت العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا [بشكل ملحوظ].. ومع تصاعد أوجه التعاون (اقتصاديًا/ سياسيًا/ عسكريًا)، خلال السنوات الأربع الأخيرة؛ كان أن وصلت «العلاقات» [فى عهد السيسى] إلى الحد الذى لم تصله فى أى مرحلة منذ سبعينيات القرن الماضى.. إذ ثمة كثيرٌ من نقاط الاتفاق فى رؤية [القائدين] لعديدٍ من قضايا الإقليم (وإن اختلفت – فى بعض الأحيان – رؤى المعالجة).
3 - رؤية روسية» للشرق الأوسط:
بحلول العام 2010م.. كانت الأرض ممهدة إلى حد بعيد لأن تستعيد «روسيا» شيئًا من نفوذها [السابق] داخل منطقة الشرق الأوسط (فى ظل السياسة الخارجية التى يتبعها فلاديمير بوتين).. إلا أنّ المنطقة شهدت مع اقتراب نهاية العام نفسه بوادر جديدة من الانتفاضات، والاحتجاجات؛ ذكرت «القيصر الروسى» بما كان يحدث فى [الثورات الملونة] بشرق ووسط أوروبا، مع بداية الألفية.. إذ كانت تلك الثورات تستهدف – فى المقام الأول – تقويض النفوذ الروسى، والإجهاز على ما تبقى من إرث «الاتحاد السوفيتى» (السابق).
بل كانت الرؤية «الروسية» (استخباريًا/ واستراتيجيًا)، تجزم منذ وقت مبكر من الأحداث بأن ما يشهده «الشرق الأوسط» هو [الموجة الثانية] من الثورات الملونة.. إذ كان هذا النهج (أى نهج الثورات الملونة) هو الذى اعتمدته أجهزة واشنطن كافة؛ للإجهاز نهائيًا على ما تبقى من ميراث الاتحاد السوفيتى [خلال الحرب الباردة].. وهو سيناريو بدأ من «صربيا»، عندما تم تأسيس حركة «أوتبور» ودعمها من أموال المنظمات الأمريكية؛ للإطاحة بالرئيس الصربى «سلوبودان ميلوشيفيتش».. إذ بدأت «الأموال الأمريكية» تتدفق على «أوتبور» - بشكلٍ متتابع – منذ أغسطس بالعام 1999م (فضلاً عن نحو 3 ملايين من الدولارات، تم إنفاقها على الحركة، منذ سبتمبر من العام 1998م)،
.. وكانت «أوتبور» هى المتلقى الأكبر لأموال «المساعدات الأمريكية» من بين فصائل «المعارضة الصربية»، التى شاركت فى الإطاحة بـ«ميلوشيفيتش» (أي: الثمانية عشر حزبًا، الأخرى).. إذ كانت «التمويلات» تُضخ عبر «حسابات خارجية» للحركة.. بشكل متزامن، مع اللقاءات التى كان يتم عقدها لقيادات الحركة بـ«بودجوريتسا» (Podgorica)، عاصمة «الجبل الأسود» (Montenegro)، وفى كلٍّ من: «بودابيست» (Budapest)، و«سيجيد» (Szeged) بـ«المجر».. كما ضخت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وحدها، لدعم الاحتجاجات ضد «ميلوشيفيتش»، نحو 25 مليونًا من الدولارات.. كما ذهبت التقديرات الأمريكية (الرسمية) إلى أنّ إجمالى ما تم إنفاقه داخل «صربيا»؛ للإطاحة بـ«ميلوشيفيتش»، يُقدّر بنحو 41 مليونًا من الدولارات.
وانطلاقًا من «صربيا»، تم تكرار الأمر نفسه بأكثر من دولة من دول أوروبا.. إذ استضاف قادة «أوتبور» طلاب «حركة كمارا» الجورجية داخل صربيا (وهى الحركة التى نجحت - عبر الدعم التقنى، والتكتيكى لـ«أوتبور» - فى الإطاحة بـ«إدوارد شيفاردنادزه»، الذى شغل منصب «رئيس جورجيا» منذ العام 1995م).. وكان هذا بالعام 2003م، فيما أصبح يعرف باسم «الثورة القرمزية»، أو «ثورة الزهور» (the Rose Revolution).. كما انعكست تكتيكات «أوتبور» أيضًا - بعد عام تقريبًا من أحداث جورجيا - على جُل المشاهد التى شهدتها «الثورة البرتقالية» (The Orange Revolution) فى «أوكرانيا»، حيث قضى «نشطاء أوتبور» شهورًا فى تقديم النصيحة، والمشورة لشباب حركة «بورا» (Pora)، وتعنى: «حان الوقت» (It’s Time).
وفيما تم تقدير حجم «الأموال الأمريكية» التى تم ضخها داخل «أوكرانيا»، وقتئذ، بنحو 14 مليونًا من الدولارات، بشكل مبدئي؛ ذهبت التقديرات «النهائية» إلى أن «إدارة بوش» (الابن) أنفقت ما يقرب من 65 مليونًا من الدولارات خلال العامين «التمهيديين» للثورة الأوكرانية، بالتعاون مع شركائها الغربيين، مثل: بريطانيا، وكندا، والنرويج، والدنمارك، والسويد، وسويسرا.. إذ سرعان ما لجأت «المنظمات غير الحكومية» (الغربية)، و«منظمات المجتمع المدنى» التابعة لها؛ إلى ضخ تمويلاتها الضخمة، فى أعقاب انهيار «الاتحاد السوفيتى»؛ دعمًا لميزانيات، وتدريبات، و«تكتيكات» العديد من «المنظمات»، والحركات الاحتجاجية» داخل «جمهوريات الاتحاد» السابقة؛ لتغيير أنظمة تلك الجمهوريات الحاكمة،. بدءًا من «صربيا»، وحتى «قيرغيزستان» (Kyrgyzstan) بالعام 2005م.
ومن دون مواربة.. قال وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» فى أكتوبر من العام 2012م: [إنّ الربيع العربى هو حصاد البذور التى زرعها بوش (الابن)، عن مفهوم «الشرق الأوسط الكبير»].. وفى ديسمبر من العام 2013م، قال «ميخائيل مارجيلوف»، رئيس لجنة الشئون الخارجية والاتصال مع البلدان الأفريقية: [إن روسيا تعتقد أن الوضع فى كل بلد فى المنطقة يجب حله بالوسائل السياسية ، وتجنب الحرب الأهلية. على عكس المواقف «المدفوعة» بمحاولات فرض ثقافات مختلفة، مثلما حدث فى كل من العراق وأفغانستان.. إذ انتهى الأمر بخلق «دول فاشلة» بدلاً من الديمقراطية].. ووفقًا لـ«فيودور لوكيانوف» محرر مجلة «الشئون الخارجية بروسيا» المؤثرة؛ فإن المجتمع الروسى الحالى لا يؤمن بالثورات بعد عديدٍ من الصدمات، والآمال المتقدة، وخيبات الأمل.
وفى 18 مارس من العام 2014م؛ كان أن تحدث «بوتين» أمام المجلس الفيدرالى الروسى (الذى كان الرئيس «السيسى» أول زعيم أجنبى يُلقى كلمة أمامه، خلال الزيارة الأخيرة)، وربط بين الأحداث فى أوكرانيا وما حدث فى «الشرق الأوسط».
.. وكان جوهر ملاحظاته هو أن الغرب [بقيادة الولايات المتحدة] واصل حملة إجبارية (ومستمرة)، منذ فترة طويلة ضد الدول [ذات السيادة].. بدءًا من قصف الناتو لـ«يوغسلافيا» السابقة بالعام 1999م، ومرورًا بـ «الثورات الملونة» فيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، وانتهاءً بـ«احتجاجات» الشرق الأوسط (وصفها: بالانقلابات).. وقال «بوتين»: [إن الشكاوى المشروعة للأشخاص الذين سئموا من «الحياة من دون آفاق»، استُخدمت بشكل ساخر!].. وقال، أيضًا: [ إنَّ هذه المعايير «أجبرت» هذه البلدان على الدخول إلى «الفوضى»، و«العنف»، و«الانقلابات».. وتحول الربيع العربى إلى شتاء عربى].. كما قام «الكرملين» بتحميل «الغرب» مسئولية قيام «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش).
وفى الحقيقة.. فإنّ ما يقول به «بوتين» له أثر كبير من الصحة؛ إذ لم تتوقف إلى اللحظة عمليات التدخل [والتمويل] الأمريكى لنشطاء الدول التى شهدت فى الماضى أيًا من «الثورات الملونة».. إذ استحدثت «واشنطن» أخيرًا ما يُعرف ببرنامج «الميدان الأوروبى» (وهو برنامج خاص بدعم المنظمات غير الحكومية) لتحقيق هذا الغرض.
وبحسب المعلومات [المُتاحة].. فإنّ الصندوق الوطنى للديمقراطية (NED)، بالتزامن مع كلمة «بوتين» أمام المجلس الفيدرالى الروسى (أى بالعام 2014م) أنفق داخل «أوكرانيا» وحدها (وهى إحدى البلدان التى دعمت فيها واشنطن الاحتجاجات الشعبية سابقًا) نحو 3 ملايين و381 ألفًا و824 من الدولارات، عبر برنامج «الميدان الأوروبى»؛ بهدف الحد من محاولات الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لاستعادة نفوذ «الإمبراطورية الروسية» التى خسرها الاتحاد السوفيتى فى أعقاب «الثورات الملونة» التى اجتاحت «شرق أوروبا»، بدعم من المنظمات الأمريكية (!)
يمتلك – إذًا – الرئيس الروسى «رؤية مُحددة» لما يسعى إلى تحقيقه.. وتمتلك – كذلك – الدولة المصرية رؤية [واضحة تمامًا] لإعادة ضبط ميزان القوى فى الشرق الأوسط.. كما تُدرك «القاهرة» قطعًا الأهمية [المُشتركة] للتقارب بينها وبين الكرملين فى الوقت الحالى، إلى جانب حفاظها – بالتبعية – على متانة علاقاتها الدولية.
وما بين الرؤيتين تكمن عديدٌ من «الخطوط العريضة» التى وضعتها «قمة اليوبيل الماسى» (أو قمة الثقة) موضع التنفيذ.. إذ إنها كفيلة – يقينًا – بإعادة ضبط «ميزان القوى» فى إقليم [شديد الاضطراب]، طالته – على مدار 8 سنوات مضت - سهام «الفوضى» الغربية.