الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الممنوع من النشر عن مهمة «إبراهيم عزت» فى إسرائيل!

الممنوع من النشر عن مهمة «إبراهيم عزت» فى إسرائيل!


لم يصدق أحد فى مصر ولا العالم العربى أن تقوم «روزاليوسف» بنشر أخطر تحقيق صحفى سياسى بعد قضية الأسلحة الفاسدة التى قام بها الأستاذ الكبير «إحسان عبدالقدوس» رئيس تحرير المجلة.
اختارت «روزاليوسف» أن يكون عنوان التحقيق مثيرًا وصادمًا، وهو «روزاليوسف ترسل مندوبها إلى تل أبيب، إبراهيم عزت يتنكر كصحفى من أمريكا الجنوبية».
وعلى مدى عدة أسابيع أخذ الأستاذ «إبراهيم عزت» الذى اتخذ اسمًا مستعارًا فى إسرائيل هو «جورج إبراهيم حبيب» - ينشر حصيلة أحد عشر يومًا قضاها فى إسرائيل، وقابل خلالها كبار المسئولين من «بن جوريون» رئيس الوزراء الذى أبدى رغبة ملحة فى التفاوض مع الرئيس «جمال عبدالناصر» وموشى شاريت وزير الخارجية وجولدا مائير وزيرة العمل وغيرهم.. وكلهم بغير استثناء طلبوا بإلحاح مقابلة عبدالناصر!
قامت الدنيا ولم تقعد كما أوضح زميلى وصديقى الأستاذ «هانى عبدالله» رئيس تحرير «روزاليوسف» فى مقالة «23 يوليو وروزاليوسف فى مواجهة الموساد» - العدد الماضى! وفى سطر بالغ الأهمية والدلالة يقول «هانى»:
انتهت مهمة «إبراهيم عزت فى تل أبيب ومالم ينشر منها أكثر بكثير مما نشر»!
صحيح أن إبراهيم عزت قام بجمع ما كتبه من تحقيقات ولقاءات فى مجلة «روزاليوسف» و«صباح الخير» فى كتاب بعنوان «كنت فى إسرائيل» وصدر فى بيروت صيف سنة 1957 بمقدمة لإحسان عبدالقدوس!
ولم يكن ما نشره «إبراهيم عزت» سواء فى تحقيقاته أو كتابه هو كل ما جرى، بل إنه لم يشأ أن يتطرق إلى هذا الموضوع إلا بعد مرور 27 عامًا كاملة على مغامرته فى تل أبيب!
كانت الصدفة الصحفية هى التى جعلته يخرج عن صمته ويتكلم وينشر أسرارًا أكثر أهمية ودلالة، حيث قامت مجلة «المجلة» اللندنية بنشر ثلاثة حوارات صحفية مع «دكتور وليم بولك» المعنى بشئون الشرق الأوسط ومن كتبه المهمة «السلام المراوغ» و«الولايات المتحدة والعالم العربى»، بالإضافة لعمله كمدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شيكاغو وسبق له زيارة القاهرة أكثر من مرة والتقى جمال عبدالناصر نهاية سنة 1962!!
أخطر ما فى حوار «د. بولك» هو حديثه عن لقاء مع عبدالناصر فى يناير 1969، وكذلك حسن صبرى الخولى أحد مستشارى الرئيس عبدالناصر «وأعددنا مسودة اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل وسلمناها لعبدالناصر الذى اطلع على النص وأجرى عليه تعديلات بالحبر الأحمر!!».
وبعيداً عن تفاصيل كثيرة كان هذا الحوار هو ما دعا «إبراهيم عزت» للخروج من صمته وقرر أن يتكلم، وأرسل مقالاً إلى مجلة «المجلة» نشرته كاملاً فى العدد 194 نوفمبر 1983، وفيما يلى الشهادة التى تأخرت 27 عامًا بالضبط!
كتب الأستاذ إبراهيم عزت بالنص ما يلى:
«تابعت أخيرًا ذكريات أو أحاديث الدكتور «وليم بولك» بخصوص الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» واتصالاته السرية مع الولايات المتحدة»!
أولاً: إننى أتفق تمامًا مع الرأى القائل إن الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» لم يكن يطلع وزراءه على معظم ما يقوم به من اتصالات مباشرة أو عن طريق بعض المعاونين الذين كان لا يثق إلا بهم!
ثانياً: إننى أعلم يقينًا أن الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» كان على اتصال عن طريق الخطابات الخاصة السرية مع رئيس وزراء إسرائيل السابق «بن جوريون» وكذلك مع وزير الخارجية «موشى شاريت» كما كان على اتصال مع «إيجال ألون» والجنرال السابق «يادين» اللذين عرفهما أثناء حرب فلسطين عام 1948، وظل «ألون» على اتصال به بعد الفالوجًا وخاصة بعد 23 يوليو عام 1952!
وكانت معظم الاتصالات مع المسئولين الإسرائيليين عن طريق الخطابات التى ترسل من بعض العواصم الأوروبية، وتتم عن طريق ممثله الشخصى «حسن صبرى الخولى» الذى أكد لى أكثر من مرة أنه تسلم رسالة من «بن جوريون» أو «شاريت» أو «ألون»!
ثالثًا: كنت شخصيًا فى أبريل ومايو عام 1956 مكلفًا بالاتصال بالإسرائيليين بطلب من الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» عن طريق مدير المخابرات السابق «صلاح نصر»، وتم هذا الاتصال فى لندن عن طريق القائم بالأعمال الإسرائيلى وبعض الأصدقاء الأمريكيين، - والقائم بالأعمال الإسرائيلى يعمل حاليًا مديرًًا لجامعة حيفا، وعن هذا الطريق وجهت إلىَّ دعوة لزيارة إسرائيل لمقابلة «موشى شاريت» الذى كان وزيرًا للخارجية مع «بن جوريون» الذى كان رئيسًا للوزراء.
وقد وافقت القاهرة على سفرى إلى إسرائيل بتعليمات من الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» وأبلغت ذلك فى باريس عن طريق الدكتور «ثروت عكاشة» الذى كان ملحقًا عسكريًا فى السفارة المصرية والمسئول عن كل الأجهزة فى أوروبا وتم ذلك بعلم الأخ «صلاح دسوقى» الذى كان مسئولًا فى وزارة الداخلية المصرية.
رابعًا: فى إسرائيل تلقيت عن طريق «تيدى كوليك» عمدة القدس -حالياً- وكان مديرًا لمكتب «بن جوريون» رسالة خاصة من «بن جوريون» إلى الرئيس «عبدالناصر» يعرب فيها رئيس وزراء إسرائيل عن استعداده للحضور إلى القاهرة أو أى مكان لمقابلة الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» كما تلقيت رسالة مشابهة من شاريت ومن «جولدا مائير» التى كانت آنذاك ترأس «الهستدروت» والتى دعتنى أكثر من مرة إلى منزلها!
خامسًا: عند عودتى للقاهرة اجتمعت بالدكتور «محمد عبدالقادر حاتم» الذى تسلم منى كل ما حملته معى من إسرائيل!
سادسًا: فجأة تسرب نبأ زيارتى لإسرائيل إلى بعض الصحفيين اللبنانيين وخاصة المرحومين «سعيد فريحة» و«سليم اللوزى» اللذين أذاعا نبأ الزيارة مما أثار غضب الرئيس الراحل «عبدالناصر» الشديد وألغيت العودة إلى إسرائيل، وقد تبين لنا فيما بعد أن أحد كبار رجال الصحافة المصرية المقربين جدًا إلى الرئيس «عبدالناصر» كان وراء تسريب الخبر إلى «سعيد فريحة» و«سليم اللوزى» وتم هذا أيضًا بعد اتصال هذا الصحفى الكبير المقرب جدًا مع أصدقاء له فى سفارة دولة غربية كبيرة جدًا فى القاهرة كان على اتصال دائم معها(!!) مما يدل على عدم رغبة هذه الدولة الكبيرة أن تتم أى اتصالات بين مصر وإسرائيل إلا عن طريقها هى وحدها!! لأسباب أصبحت معروفة الآن وبعد مرور 27 عامًا(!!).
وقد اجتمعت بالمرحوم الرئيس «عبدالناصر» فى منزله فى منشية البكرى أكثر من ست ساعات وأكلت معه شطائر الجبنة البيضاء والفول المدمس وكانت أمامه كل الصور التى التقطتها أثناء الأحد عشر يومًا التى قضيتها فى إسرائيل، وكان يسألنى بدقة عن موضوعات معينة وعن آرائى فى بعض الشخصيات التى قابلتها فى إسرائيل، وكان يهتم اهتمامًا خاصًا بمعاونى «بن جوريون» وخاصة «تيدى كوليك» وإسحق نافون رئيس إسرائيل السابق الذى كان مسئولاً عن الشئون العربية فى مكتب بن «جوريون»، وكذلك «موشى شاريت» و«بيريز» الذى كان يتولى منصب مدير وزارة الدفاع الإسرائيلية وقتها!! وكان «عبدالناصر» على علم بما يحدث فى إسرائيل، وكان مهتمًا جدًا بآرائى حول مدى جدية هؤلاء الذين رغبوا فى الاجتماع به!!
وسألت عما إذا كنت على استعداد بعد أن تهدأ الضجة للذهاب إلى إسرائيل حاملا معى رسالة إلى «بن جوريون» ولكن الأحداث تسابقت وفضل «بن جوريون» ركوب القطار البريطانى الفرنسى للعدوان على مصر فى أكتوبر عام 1956 بأمل أن يضم سيناء نهائياً إلى إسرائيل.
ويختتم الأستاذ «إبراهيم عزت» شهادته بالقول:
أكتب هذا للتاريخ وهو مالم أنشره سابقًا فى الكتابين اللذين نشرتهما باللغة العربية وباللغة الإنجليزية بعد أعوام من زيارتى لإسرائيل!
وأضيف أن الأخ «محمود رياض» وقبله المرحوم «محمود فوزى» لم يكونا على علم بما حدث بالنسبة إلى هذه الزيارة، كما أننى أعلم يقينًا أن الدكتور «حسن صبرى الخولى» لم يبلغ إياهما أو أى وزير آخر فى حكومات «عبدالناصر» بالاتصالات مع إسرائيل.
انتهت شهادة الأستاذ «إبراهيم عزت» واللافت للنظر أنها لم تحظ وقتها بالاهتمام الواجب سواء بالتعليق عليها أو نفى ما جاء فيها أو توضيح أكثر لبعض جوانبها الغامضة!
ولا أدعى نفى أو تأكيد ما جاء فى تلك الشهادة، لكن المؤكد أن الأستاذ إبراهيم عزت ذهب إلى إسرائيل وظل بها 11 يومًا وسجل رحلته فيها على صفحات روزاليوسف وصباح الخير ثم فى كتابه «كنت فى إسرائيل».