
هاني عبد الله
«الذكاء العاطفى» للسيسى!
فى أبسط تعريفاته.. فإنّ [الذكاء العاطفي]، هو القدرة على إدراك «الشعور الشخصى» (أى أن يُدرك الفرد جيدًا أبعاد مشاعره الخاصة)، والتعرف على «شعور الآخرين» (أى أن يتفهم الفرد – ببساطة – مشاعر الآخرين، واحتياجاتهم الذاتية).. إلى جانب إدارة تلك «العاطفة» [مع الآخرين]، بشكـل سلـيم (أى القدرة على إشعار الآخرين بالراحة، فى سياق العلاقات الاجتماعية).
ووفقًا لعديدٍ من علماء النفس؛ فإن القدرة على فهم وإدارة العواطف (أى: الذكاء العاطفي) يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ«صناعة القرار».. سواء أكان هذا القرار إداريًا، أم سياسيًا، أم خاصًا بـ«العلاقات الاجتماعية».
وعلى مستوى الأداء السياسى.. يُمكننا – قطعًا – أن نستنتج أن النجاح فى إدارة أى عملية سياسية؛ يتطلب فى المقابل توافر [الذكاء العاطفي] لدى صانع القرار، وفقًا لعدة «مقومات»، منها:
(أ)- قدرة «صانع القرار» على فهم عواطفه الخاصة، إلى حدٍّ بعيد (الوعى الذاتي)، وتأثير قراراته [على مشاعر الآخرين].. وهؤلاء الأفراد هم الأكثر قدرة على إدراك «نقاط القوة» الخاصة بهم، واستثمارها [تلقائيًا] فى التعامل مع الرأى العام.
(ب)- أن يكون صانع القرار قادرًا على تنظيم هذه العواطف وإدارتها (التحكم الذاتي).. ولا يعنى هذا الأمر (يقينًا) إخفاء المشاعر الحقيقية.. بل يعنى – ببساطة – التعبير عن هذه المشاعر فى التوقيت والمكان المناسبين.. وهؤلاء الأفراد يكونون – عادةً – مهرة فى «إدارة الصراعات»، ونزع فتيل الأزمات.
(ج)- أن يكون قادرًا على التفاعل [بشكل جيد] مع الآخرين (المهارات الاجتماعية).
(د)- القدرة على بذل الجهد فى رفع «معنويات» الآخرين، وفقًا لاحتياجاتهم العاطفية، وردود أفعالهم.
(هـ)- القدرة على [التحفيز]، وتكثيف التجارب.. وهؤلاء الأفراد، غالبًا، ما يضعون الأهداف [بعناية]، ويكون لديهم رغبة قوية لـ«إنجازها» عبر أفضل الطرق للتنفيذ.
خلال الاحتفال بـ«يوم المرأة المصرية والأم المثالية» قبل يومين (الأربعاء الماضي)؛ لم تكن عملية [التحفيز] المستمرة، التى طالب خلالها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» نساء مصر ببذل «كل الجهد» من أجل المشاركة فى الانتخابات الرئاسية [الحالية] (سواء باختياره أو باختيار منافسه) نوعًا من القفز نحو «النتائج» من دون مقومات حقيقية [لإدارة العواطف].. إذ خلال الأيام العشرة الماضية، كانت «المقومات» [الخمس] السابقة أوضح ما تكون، فى أكثر من لقاء، وفاعلية.
بدءًا من «الندوة التثقيفية» 27 التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية (يوم الشهيد)؛ يُمكننا أن ندرك بسهولة تلقائية تعامل «السيسى» مع المقومات «الخمس» للذكاء العاطفى بعفوية شديدة.. إذ كانت تلك العفوية [فى حد ذاتها]، هى أقوى أدوات التعبير عما تتكبده البلاد فى «الحرب على الإرهاب»؛ إذ عكست – إلى حدٍّ بعيد – أنّ الجالس على كرسى السلطة، شخص [بسيط] من أبناء الشعب المصرى.. يحزن لحزن الأمهات.. ويشارك أبناء وأسر الشهداء احتياجاتهم العاطفية.
يُدير السيسى عواطفه (الذاتية) بالطريقة نفسها.. فى حواره (شعب ورئيس) مع المخرجة ساندرا نشأت، حافظ على تلك [العفوية] إلى أقصى مدى.. قال إنه لا يريد شيئًا سوى رضى الله.. يُقدر «المصريون» تلك الحالة من التسامح الذاتى.. شخص يعمل ولا ينتظر المقابل.. مثله الأعلى فى ذلك هو «عمه الأكبر»، الذى كان يتعامل بالطريقة نفسها مع كل من حوله.. يقول «إن من يحمى مصر ليس الرئيس أو الجيش أوالشرطة.. إنما من يحمى مصر، هو شعب مصر».. التفاتة [مُهمة] لجماهير تحملت، ولا تزال تتحمل.
يختار السيسى أيضًا التوقيتات [المُناسبة] للتعبير عن مشاعره، وإدارتها بشكل حقيقى.. فعندما خاطب الرأى العام فى حوار تليفزيوني؛ تحرر من الرسمية فى الملبس.. لفتة موفقة تمامًا.. وعندما قرر تكريم «الأمهات المثاليات» (نماذج السيدات الأكثر تحديًا للظروف والأزمات)، وضع إلى جوارهن (مُربية أجيال/ ونموذجًا مثاليًا لسيدة مصرية [لا نقول مسيحية] من سيدات العمل الخيري/ وخبيرة أكاديمية فى الاقتصاد/ وأستاذة جامعية تنصب أبحاثها على خلق حيوات جديدة/ وفنانة حشدت كل إمكانياتها الإبداعية فى تجسيد دور الأم على الشاشة، ولمست بأدائها شخصيات أمهات المصريين داخل البيوت البسيطة... إلخ).
ومن «أم الشهيد» إلى «الأم المثالية» [وبينهما حوار «عفوى» لم توضع عليه أية قيود خاصة بتعبير «الشارع المصرى» عن آرائه فى سياسات الرئيس]؛ كانت القدرة على رفع المعنويات (خاصة معنويات المرأة المصرية) أوضح ما تكون على مدار الأيام العشرة المنقضية.
فى تكراره لرسالة [التحفيز] على المشاركة بالانتخابات؛ استعمل «السيسى» تعبيرًا عفويًا «جديدًا» (خارج نص الكلمة المكتوبة) فى مخاطبة المرأة المصرية.. تعبيرًا تدرك المرأة «الكادحة» مغزاه بشكل أقرب من غيرها.. قال السيسى: [هناك من يسعى لنهش لحم كتاف مصر].. يدرك «أبناء البلد» (الكادحين/ والفواعلية) كذلك، أهمية التعبير أيضًا.. إذ إنّ «عملية البناء» تتطلب الحفاظ على «أكتاف» العمال سليمة [عفية].. فأى «نهش» للحم الأكتاف (حتى لو كان جُرحًا بسيطًا) يُهدد رزق الأسرة بكاملها (فضلاً عن إتمام «عملية البناء» فى حد ذاتها).
تُدرك «الكادحات» (وزوجات الكادحين) ما تعنيه الرسالة.. هناك من يحاول إعاقتنا عن «البناء والتنمية».. هناك من لا يريد لنا أن [نُكمل البناء].. هناك من يريد أن يُفسد علينا تحركاتنا بإشاعة «حالات الإحباط» والمقاطعة.. لذلك يجب أن يبقى «كاهل مصر» مُعافى من كل سوء.. والمشاركة فى الانتخابات، هى أولى خطوات الحفاظ على سلامة الدولة» فى تحركاتها نحو المُستقبل.
فى بداية كلمته [المكتوبة] قال السيسى: «أود فـى بدايـة حديثـى إليكـم اليـوم، أن أدعوكم؛ للوقوف تحية وإجلالاً للمرأة المصرية (الأم والزوجة والأخت والابنة)، التى قدمت الابن والزوج والأخ والشهيد؛ لنبقى نحن، وتبقى أمتنا دائمًا وأبدًا».
يُقدر «السيسى» لا ريب دور المرأة المصرية فى تحمل [وإدارة شئون الأسرة].. أغلب السيدات المصريات، هن صاحبات الإدارة الفعلية للأسر [خاصةً فى النواحى المالية].. المرأة المصرية هى «وزير المالية» [الأول والأخير].. ورغم قسوة حزمة «إجراءات الإصلاح الاقتصادى» الأخيرة، لا تزال «شعبية الرئيس» بين السيدات المصريات فى أعتى قممها.. الأمر – هنا – ليس مغازلة للعواطف بقدر ما هو تقدير من «المرأة» لخطوات الإصلاح الفعلية، وأهميتها على المدى البعيد.
يقول الرئيس: منذ أن بدأ التاريخ على أرضنا الطيبة، تقدمت المرأة المصرية الصفوف، وتقلدت الحكم، وقادت دفة الوطن بحكمة وإخلاص.. بل ووضعها [المصرى القديم] محل التكريم حين توج «إيزيس» إلهًا للحكمة.. وفى عصرنا الحديث كانت «المرأة المصرية» حاملة للواء التجديد، والتنوير، وتقدمت صفوف «العمل الوطنى».
.. ويتابع: اتساقًا مع رؤية [مصر 2030]، واستراتيجيتها للتنمية المستدامة، التى تسعى لبناء مجتمع عادل، يضمن الحقوق والفرص المتساوية لأبنائه وبناتـه؛ من أجل أعلى درجات الاندماج الاجتماعى للفئات كافة.. وإيمانًا من الدولة المصرية، بأن الاستقرار، والتقدم لن يتحققا إلا من خلال ضمان مشاركة [فاعلة] للمرأة فى أوجه «العمل الوطنى» كافة.. وفى إطار إعلان عام 2017 عامًا للمرأة فإننى قررت الآتـى:
أولاً: تكليف الحكومة وكافة أجهزة الدولة والمجلس القومى للمرأة ، باعتبار استراتيجية تمكين المرأة 2030 هى وثيقة العمل للأعوام القادمة لتفعيل الخطط والبرامج والمشروعات المتضمنة فـى هذه الاستراتيجية.
ثانيًا: تكليف وزارة التضامن الاجتماعى وبالتنسيق مع الأجهزة والمؤسسات المعنية بالدولة كافة، بإطلاق مبادرة قومية للمشروعات متناهية الصغر تمول من صندوق «تحيا مصر».. ومن خلال بنك ناصر الاجتماعى؛ لتحقق تمكينًا اقتصاديًا لـ«المرأة المعيلة»، والفئات الأكثر احتياجًا.. على أن يتم تخصيص مبلغ «250 مليون جنيه» لصالح هذه المبادرة.
ثالثًا: تكليف وزارة التضامن الاجتماعى بدعم أسر «المرأة المعيلة»، والأسر الأكثر احتياجًا، من خلال برامج دعم ميسرة، يقدمها بنك ناصر الاجتماعى، بقيمة «50 مليون جنيه»؛ لإتاحة البنية التحتية التى تيسر على المرأة والأسرة حياتها اليومية فى القرى الأكـثر احتياجًا.
رابعًا: تكليف الحكومة بإتاحة مبلغ 250 مليون جنيه؛ لتقوم وزارة التضامن الاجتماعى بتوفير خدمات الطفولة المبكرة، بما يسمح للأم المصرية بالخروج للعمل والمساهمة فى «بناء الدولة» مع الاستمرار فى التوسع فى برامج التغذيـة المدرسيـة.
لم تكن – كذلك - القرارات الأربعة السابقة، وليدة اللحظة.. إذ كانت (فى جوهرها) امتدادًا جديدًا لحزمة من «إجراءات الحماية» (الاجتماعية/ والاقتصادية) للمرأة المصرية، تجسدت عبر 4 سنوات خلت.
فعلى الجانب «الاجتماعى»، تم – إلى حينه – تقديم الدعم النقدى لنحو 2 مليون سيدة (1.980.000 سيدة)من صاحبات بطاقات صرف «تكافل»، بتكلفة شهرية 881 مليون جنيه مصرى.. واستخراج أوراق ثبوتية (الرقم القومي/ شهادات الزواج/ شهادات الطلاق/ شهادات ميلاد للأطفال) لنحو 623 ألف سيدة.. وتقديم الدعم النقدى لنحو 213 ألف سيدة من «السيدات المعيلات» (مُطلقة/ أرملة/ مهجورة/ زوجة مسجون).. كما بلغ إجمالى صاحبات المعاش [المستحقات] نحو 5.5 مليون سيدة بتكلفة شهرية 3.4 مليار جنيه.. وتقديم خدمات رعاية لنحو 2100 سيدة [مُسنة].. وتأهيل 126 ألف سيدة ذات إعاقة.
ومن الجانب الاقتصادى.. تم تقديم [قروض مستورة] منذ بدء العمل بها [منذ 3 شهور] لنحو 2687 سيدة، بإجمالى 36 مليونًا و 500 ألف جنيه؛ لعمل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر.. وإنشاء صندوق تأمين الأسرة للنساء المطلقات وغيرهن من الفئات المتعثرة (وفقًا للقانون 113 لسنة 2015م)؛ إذ بلغت النفقة المنصرفة نحو 43 مليون جنيه شهريًا لنحو 300 ألف مستفيدة.. وتمويل مشروعات «المرأة الريفية» لنحو 57 ألف مشروع صغير.. وتمويل مشروعات الأسرة المنتجة (تديرها سيدات) لنحو 9 آلاف أسرة.. إلى جانب مراكز خدمة «المرأة العاملة» التى تديرها وزارة التضامن الاجتماعى.
.. وهو ما يعنى أن «إدارة السيسى» أولت اهتماماتها القصوى للمرأة المصرية على الأصعدة كافة.. إذ إنّ أى دعم يوجه للمرأة، هو [فى حقيقته] دعم للأسرة المصرية [بكامل أفرادها].. ومن ثمّ؛ كانت «عظيمات مصر» هن الأكثر شعورًا بتأثير برامج العدالة، و«الحماية الاجتماعية»، التى تديرها مؤسسات الدولة فى الوقت الحالى.