الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وعد بلفور «ترامب» الجديد!

وعد بلفور «ترامب» الجديد!


لأجلك يا مدينة الصلاة.. أصلى
لأجلك يا بهية المساكن.. يا زهرة المدائن يا قدس.. يا قدس.. يا قدس
يا مدينة الصلاة.. أصلى
عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تجول فى أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة.. وتمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراء.. يا درب من مروا إلى السماء
أشعلها «ترامب» وأحرق أغصان الزيتون وداس على آلام السيد المسيح وشوه مسرى النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - وخطف مهبط الأنبياء.. باتخاذه القرار الصعب الذى خشى سابقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إصداره.. ولم يأبه بكل المواثيق والقرارات الدولية أو من مغبة انفجار بركان الغضب فى وجه العرب والفلسطينيين ومحبى السلام العالمى أو من الاضطرابات التى يمكن أن تتبعه أو الآثار المدمرة التى يمكن أن تترتب عليه من أحداث الفوضى وضرب للاستقرار والسلم العالميين أو التطورات التى لا يعلم مداها إلا الله.
لن أتحدث هنا عن القرار الذى اعترف فيه «ترامب» مساء الأربعاء بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها من تل أبيب.. لأن القرار لن يغير من الواقع العملى على الأرض من شيء.. فالقدس ضاعت بأيدينا والعرب تفننوا فى إهدار كل الفرص التى سنحت لهم لاستعادة الأراضى المحتلة منذ عام 1948.. كما أن فلسطين كلها تعتبر أراضى محتلة منذ 100 عام عندما بدأ المشروع الصهيونى لتهويد القدس عام 1917 والذى يقضى بتجميع اليهود من شتات الأرض وحشدهم فى فلسطين وما يجاورها من البلاد العربية وإقامة دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات برعاية الدول الاستعمارية وقتها وخاصة البريطانية، وذلك لأمرين، الأول لالتقاء مصالحهم مع اليهود والثانى للتخلص منهم وإبعادهم من بلادهم.. وكان وعد «بلفور» المعروف بوعد «من لا يملك أعطى لمن لا يستحق» وبناء على مقولة مزيفة «أرض بلا شعب.. لشعب بلا أرض» أرسلها أرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دى روتشيلد فى 2 نوفمبر 1917 يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين!
ومنذ ذلك التاريخ - لمن لا يعلم - وإسرائيل تعربد فى كل الاتجاهات ولا تمتثل لقرارات وكل يوم تقتل الأطفال وتسفك دماء النساء وتبيد الرجال وتعتقل الآلاف من المقاومين الأحرار وتفرض سيطرتها بالقوة الغاشمة وتبسط نفوذها على الأراضى المحتلة بإقامة المستوطنات دون رادع أو وازع من ضمير.. وصدرت ضدها القرارات الأممية والدولية بالمئات دون أن تجرؤ دولة فى العالم الحر أن تنفذها حتى أصبحت دولة فوق القانون.. فالمواقف الدولية متخاذلة عندما يرتبط الموضوع بإسرائيل! «فترامب» الذى أحرق أغصان الزيتون وهدم زهرة المدائن لم يكن مدفوعًا بالحسابات الدبلوماسية بل بوعوده الانتخابية وسعيه الحثيث لكسب ود اليهود الأمريكان وجذب الصهاينة المتشددين المؤيدين بالطبع لتحقيق حلم إقامة إسرائيل الكبرى.. «فترامب» رجل أعمال يحسب تحركاته بالصفقات أى بالمكاسب والخسائر.. ولمن لا يعلم فإن اللوبى الصهيونى فى أمريكا هو من يملك ترجيح كفة أى مرشح لرئاسة أمريكا وهؤلاء لا يتعدى عددهم 5 ملايين يهودى.. بينما لم يهتم «ترامب» بغضب مشاعر العرب الأمريكان ولا بأكثر من مليار مسلم!
والمثير للدهشة فى هذا القرار أن «ترامب» يعلن أنه سيبذل قصارى جهده لدعم حل الدولتين واشترط لذلك الالتزام بضرورة الاتفاق عليه من الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى، وهنا أقول له: أى اتفاق تتحدث عنه يا «ترامب»؟ وأسأله: هل يمكنك الضغط على الكيان الصهيونى العدو المحتل لأراضى الغير ليقبل اتفاقا بإقامة دولتين على أسس الشرعية والمواثيق الدولية؟.. طيب يا عم «ترامب» الفلسطينيون موافقون «يلا» نفذ على إسرائيل!! وإذا كان لديك رغبة حقيقية فى حل مشكلة الشرق الأوسط فلماذا تسرعت وأصدرت القرار باعترافك بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتك إليها!
هل أنت «مُخرف» لا تعى ما تفعله أو تتحدث عنه أم أنك تتعامل مع أغبياء لا يفهمون سبق لهم أن أكرموك بالمليارات والهدايا الثمينة خلال زيارتك لهم!
وأقول «لنتانياهو»: يا سعدك ويا هناك أنت وشعبك الخسيس فكرتم وأحسنتم التخطيط ووضعتم الاستراتيجيات وتآمرتم على العرب النائمين الخانعين واستطعتم أن تُروضوا الأمريكان وتحصلوا فى النهاية على ما تبتغونه وقريبًا جدًا يمكنكم أن تعلنوا عن دولة إسرائيل الكبرى.. فأنت يا «نتانياهو» منذ شهر عرضت على الكنيست التصويت على مشروع قانون «القدس الكبرى» والذى يقضى بتوسيع صلاحيات بلدية القدس لتشمل كتلا استيطانية تقع جنوبى القدس وشرقها وهى ضمن أراض واقعة فى الأرض العربية المحتلة.. كما ينص على أن القدس بشطريها الشرقى والغربى العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل! لكنك تراجعت وأحلته إلى وقت لاحق.. وقد جاءك الوقت يا ابن...!!
ومع ذلك فإننى أقول للشعوب العربية: لا تحزنوا ولا تغضبوا فالقدس ليست ملكا لترامب أو حتى لنتانياهو أو أن قرار «ترامب» يمكنه أن يغير من الوضعية القانونية والتاريخية لمدينة القدس.. فلا تلجأوا إلى المنظمات الدولية أو الأممية أو حتى للمحاكم الجنائية لأنها لن تحل المشكلة ولن تعيد المنكسر إلى أصله.. وإذا كان الواقع الحالى يقول إن الخيارات أمام العرب ليست كثيرة فعلينا أن نتمسك بالمتاح لكى تكون لنا كلمة مسموعة.. فعليكم يا عرب اتخاذ الصعب وأن تعدوا العدة فما أخذه اليهود بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وهذه القوة أوراقها متعددة تبدأ بلم الشمل وإعلاء المصالح القومية العليا للدول العربية وتمر بالعقوبات الاقتصادية، وتنتهى بالقوة العسكرية.. ونحن لدينا مثل قديم يقول «لا يحك جلدك إلا ظفرك» فالسياسات الحكيمة المدروسة والعاقلة المنضبطة مطلوبة فى مثل هذه الأزمات قبل أن تضيع المنطقة بأكملها!!! وأختتم المقال كما بدأته بشعر الرحبانية ولكن هذه المرة لزاهر الألمعى الذى صور الذل والهوان اللذين يخيمان على القدس فيقول:
يــا ثالـــث الحرمـــين إن العهــد    فى أعناقنـا قـد صـار عهدًا أكبرا
لهـفى عليـك وللسيـاسة مكرهــــا    أتباع فى سوق الطغاة وتشتـرى
ويشيد أبنــاء اليـهود وبغيـــــهم    فوق الربوع الطاهرات معسكــرا
أتداس أقــداس الجـــدود تعنتـــا    ومساجد التقوى تهان وتزدري؟!
والمسجد الأقصى يخضب بالدما    والكون كل الكون أعمى لا يري؟!