الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
حقيقة ما يحدث على «حدود مصر» الغربية

حقيقة ما يحدث على «حدود مصر» الغربية


مع نهاية الثُلث الأول من شهر أكتوبر (المنصرم)؛ كانت «القوات المسلحة المصرية» تُجرى أحد مشاريعها التكتيكية  [بالذخيرة الحية] على الحدود مع ليبيا (رعد 28).. كان «توقيت» التدريب مُهمّا فى حد ذاته؛ إذ كان يستهدف «مكافحة النشاط الإرهابى».. ومن ثمَّ حضر فاعليات المشروع التكتيكى [بنفسه] وزير الدفاع الفريق أول «صدقى صبحى».

وفى البيان «اللاحق» للمشروع التكتيكي؛ أوضح البيان أنّ التدريب تضمن إدارة أعمال القتال، والسيطرة على «قرية حدودية»، وتطهيرها من «العناصر الإرهابية» بالتعاون مع القوات الجوية.. وذلك وفقًا لـ«منظومة متكاملة» تستهدف تدمير «احتياطات العناصر الإرهابية»، ومراكز قيادتها، واستعادة السيطرة على المنطقة، وتأمينها بالتعاون مع عناصر «الوحدات الخاصة».
حمل «التدريب» السابق على «عملية الواحات» - فى حد ذاته- عدة رسائل مُهمة.. إذ عكس- إلى حد بعيد- إصرار قيادات الجيش على أن تكون «قوات المنطقة الغربية العسكرية» فى كامل جاهزيتها لحماية الأمن القومى المصرى.. وأن تكون تلك القوات «مُهيّأة» لاتخاذ كل التدابير، والإجراءات التى تكفل سيطرتها الأمنية [الكاملة] على الحدود البرية و[الساحلية، أيضًا].. وفى تصريحاته التالية للتدريب؛ أعرب الفريق أول «صدقى صبحي» عن اعتزازه بقبائل وعشائر مدينة مرسى مطروح [الساحلية].. وتقديره لدورهم فى دعم «الجيش» فى مهمة تأمين الحدود الغربية.

وفيما كانت تعكس «فاعليات» المشروع التكتيكى حرص «القوات المسلحة» على رفع كفاءة العنصر البشري؛ لتأمين «الحدود الغربية» (نحو 1200 كيلو متر).. كان ثمة تحركات قاهرية «متنوعة»؛ للاستفادة من عنصر التكنولوجيا الحديثة، فى تطوير [منظومة مراقبة الحدود]؛ لمجابهة التحديات، التى تفرضها معطيات الحرب على الإرهاب.. وهى «منظومة» كانت تتعاون خلالها القاهرة - فى أوقات سابقة - مع كل من: «أمريكا»، و«روسيا» بشكلٍ رئيس.. إلا أنها أضافت إليهما [حديثًا] كُلاًّ من: «الصين»، و«فرنسا».. ثم تلتهما «كوريا الجنوبية».
ومن ثمَّ.. انعكس جانب من تطوير تلك المنظومة على بعض أجواء زيارة السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسي» للعاصمة الفرنسية (باريس) خلال الشهر نفسه.. إذ بحث السيد الرئيس خلال لقاءاته ومسئولين و«مصنّعين عسكريين» فى فرنسا جانبًا من مسألة تطوير المنظومة العسكرية المصرية لمراقبة الحدود [خصوصًا البحرية، منها].
وما بين تدريبات «المشروع التكتيكي»، وزيارة «الرئيس» لباريس؛ يُمكننا أن نستنتج إلى أى مدى تُمثل عملية «تأمين الحدود الغربية» المصرية، التى شهدت وقائع «حادث الواحات» الإرهابى (فضلاً عن الحدود الجنوبية) تحديًا بارزًاً خلال المرحلة المقبلة.. إذ وفقًا لعديد من «التقديرات الأمنية» القاهرية؛ فإنّ الهزائم «المتتالية» لما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فى كل من العراق وسوريا، ستدفع عناصر التنظيم للبحث عن «ملاذات آمنة» جديدة.. وبحسب «التقديرات» نفسها؛ فإنّ «ليبيا» (وشمال إفريقيا، بشكلٍ عام)، هى الواجهة الأقرب لتلك العناصر.

وبشيء من استرجاع التفاصيل؛ يُمكننا استنتاج عديد من أبعاد عملية انتقال عناصر «تنظيم الدولة» (داعش) نحو الشمال الإفريقى.. إذ ترتبط عملية الانتقال تلك - فى حد ذاتها- بالموقف القطرى «الداعم للإرهاب» (باعتراف «حمد بن جاسم» مؤخرًا)، وأجندة توظيف تلك العناصر من قبل نظام «رجب طيب أردوغان» فى تركيا، برباط عضوى [وثيق].. وهو محور (تنسيقى) لم يكن بمعزل عن تحركات تنظيم «جماعة الإخوان» [الإرهابية]، المرتبطة بأجندة الطرفين الإقليمية.
ففى بداية تحرك عناصر الاحتجاجات ضد نظام القذافى بالعام 2011م.. كان أن  وجّهت «الدوحة» دعمها الكامل للفصائل المتمردة (ومنها من كان يتبع تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، من حيث الأصل).. إذ توجّهت أنظار قطر نحو التيار الإسلامى [الأوسع فى ليبيا].
وبحسب بعض التفاصيل [المبكرة]؛ فإنّ هذا الأمر لعبت خلاله (جزئيّاً) الاتصالات الشخصية، دورًا ملحوظًا فى التنسيق بين «الدوحة»، وعناصر التطرف الإسلامى (المحاربة للقذافى).. إذ ترعرعت «الشيخة موزة» (زوجة أمير قطر- حينئذ - حمد بن خليفة آل ثانى) فى بنغازى.. ويقال إنها كانت أحد المساندين لهذا الدعم بقوة، واستطاعت أن تؤثر على زوجها الأمير بقوة، فى هذا السياق.. كما كان رجل الدين الإخوانى «محمد على الصلابي» (المُقرب من الشيخ يوسف القرضاوى) أحد المرتبطين بعلائق [وثيقة] مع الإسلاميين الليبيين.. ومن بينهم عناصر سابقة بـ«الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة» (المرتبطة بتنظيم القاعدة).. وقدامى المحاربين فيما عُرف بـ«سنوات الجهاد الأفغاني»، مثل: «عبدالحكيم بلحاج»، و«عبدالوهاب قايد» (شقيق المسئول الثانى بتنظيم «القاعدة» أبويحيى الليبى).. كما أصبح شقيق «الصلابي» نفسه (إبراهيم) قائدًا للواء كامل فى «بنغازي» نفسها(!)
وفى ظل مشهد إقليمى ساعدت «إدارة أوباما» فى تأجيجه من أجل «تغيير أنظمة المنطقة» بالاعتماد على شركاء من قبل تيار «الإسلام السياسي» (النظام التركى، وجماعة الإخوان نموذجان).. لم تدخر «الدوحة» (قطر) وسعًا فى أن تلعب [دور العرَّاب] فى إعادة تدوير مقاتلى تنظيم القاعدة (وفقًا للأجندة نفسها)، والدفع بهم من العمق العراقى نحو الأطراف الحدودية للدول التى شهدت موجات التغيير، فيما عُرف بـ«ثورات الربيع العربي» (ليبيا وسوريا نموذجان).

وفيما كانت «الدوحة» (قطر) لاتزال تواصل دعمها لعناصر التطرف بالعالم العربى (لا ليبيا فحسب)؛ كان المشهد الدولى فيما يتعلق بالأزمة الليبية، يُعاد ترتيبه بشكلٍ مُغاير (نسبيّا).. إذ تقدمت السياسات «الباريسية» عدة خطوات للأمام فيما يتعلق بشأن «إدارة الملف».
وفيما استعد الرئيس الفرنسى (ماكرون)؛ لعقد قمته المشتركة بين رئيس الوزراء الليبى (السراج)، واللواء «خليفة حفتر»، قائد الجيش الوطنى الليبى (المقرب من القاهرة) فى 25 يوليو (الماضى).. كان أن باغتت الحفاوة التى استقبل بها «ماكرون» اللواء «حفتر» عديدًا من أعضاء المجتمع الدولى.. إذ كانت هذه هى [المرة الأولى]، التى يتم فيها الترحيب بـ«حفتر» فى عاصمة غربية ومعاملته على قدم المساواة مع «حكومة الوفاق الوطني».
وفى حين، بدت سياسات محور «القاهرة/ باريس» (وما تلى «القمة» من تحركات)، تؤتى المزيد من ثمارها فى ضبط إيقاع «الملف الليبي» (خصوصًا بعد أن قال الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» إنه «لا يرى أى دور للولايات المتحدة فى ليبيا»، خلال «إبريل» المنصرم).. كان أن نشط المحور [الداعم للإرهاب] مُجددًا؛ من أجل إثارة المزيد من الأزمات على الحدود الغربية المصرية.

لم تكن [يقينًا] كل تلك التقاطعات (الضاربة بجذورها فى عمق المنطقة العربية كافة) بعيدة عن حسابات «القاهرة»، وهى ترتب أوراقها [جيدًا] على حدودها الغربية.. لذلك قال الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فى حواره مع قناة «فرانس 24» عندما تحدث عن ملف الإرهاب، والهزائم التى يتلقاها «تنظيم الدولة» فى كل من العراق وسوريا: [إن هؤلاء المسلحين سيتوجهون على الأرجح إلى ليبيا، وسيناء، وغرب إفريقيا].
التحديدات التى ذكرها- هنا- الرئيس (أي: ليبيا، وسيناء، وغرب إفريقيا)، مُهمة فى سياق التحليل الكُلى للمشهد.. إذ تعكس- إلى أبعد مدى- حجم ما تتعرض له «القاهرة» من تحديات فى سياق مواجهة الإرهاب.. وكيف أنه يتعين عليها (أى: القاهرة) تطوير إمكانياتها «التكنولوجية» فى رصد وتأمين الحدود، خصوصًا عبر نظام الاستشعار المتحرك (أبراج المراقبة المتحركة).. إذ يُتيح هذا النظام القدرة على مراقبة مساحات واسعة من الحدود، بشكلٍ أكثر دقة من نُظم المراقبة الأخرى (فضلاً عن تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية).
وهى خطوات قطعت فيها «القاهرة» (خلال العام الجارى) شوطًا كبيرًا، من أجل الوصول إلى أقصى درجات التأمين الحدودية.. لكن- قطعًا- سيتبعها عديدٌ من الخطوات الأخرى (الأكثر جاهزية) خلال الأيام القليلة المُقبلة.