
هاني عبد الله
كيف تختار «روزاليوسف» أبناءها؟!
داخل أروقة «روزاليوسف»؛ يُمكنك أن تمر بالمراحل ذاتها، التى تصادفها داخل أروقة «الطُرق الصوفية».. يُمكنك أن تتصل (بيقين) وجوهر تعاليم الذات الإلهية.. فالله «حُرية».. لذلك.. كانت «روزاليوسف» - ولم تزل - هى حاملة لواء الأفكار «التنويرية».. تدافع عنها بمنهجية.. تُعلى من شأن كل القيم الإنسانية.. تنبذ العنف والتطرف.. تدين بـ«دين الحب» أينما توجهت ركائبه.. وتدافع عن «قيم الاختلاف» مهما كانت مشاربه.
.. وفوق هذا كله؛ فإنّ «روزاليوسف» (ككل سالكى الطريق إلى الله)، هى التى تختار أبناءها.. وهى التى تجتذب إليها مُريديها و«دراويشها»؛ فيرتبط قدرهم - يقينًا - بقدرها(!).
فى عمق سنوات «غير بعيدة»؛ داعبت «روزاليوسف» مخيلة ذلك الطفل، الذى لم يكن له همٌ سوى القراءة، وتتبع كواليس «عالم الصحافة»(!).. لم تكن «المجلة»، وقتها، من بين المطبوعات التى اعتادت أسرته على شرائها.. لكن.. لماذا «روزاليوسف» على وجه التحديد؟! (ليس يدري!).
لم يكن «الطفل» الذى كان على مشارف «مرحلة المراهقة» قد تخلص من براءته بعد، عندما أخبره أحد زملاء الدراسة بأنه يكتب موضوعات «التعبير» (المدرسية) كالمقالات الصحفية(!).. فأسر لزميله بأنه سيصبح - بالفعل - صحفيًا فى «روزاليوسف»(!).. لكن.. لماذا «روزاليوسف» على وجه التحديد؟! (ليس يدري!).
فى سنوات «المراهقة» اللاحقة؛ اختمر الحُلم أكثر برأس الفتى(!).. كان يعرف صحفيى «المجلة» أكثر مما يعرف زملاء دراسته بـ«المرحلة الثانوية»(!).. وكان يتتبع - أيضًا - جميع لقاءاتهم بـ«القنوات التليفزيونية».. لكن.. لماذا كان كل هذا «الشغف»؟! (ليس يدري!).
ذات يوم (خلال تنسيق المرحلة الثانوية).. شاهد الفتى أحد كُتاب «روزاليوسف» الكبار على شاشة القناة الثالثة (المحلية)؛ فجلس ليتابع باهتمام شديد ما يُقال(!).. سألت المذيعة الكاتب الكبير عن دراسته؛ فأخبرها أنه تخرج فى «كلية الزراعة»(!).
كان مجموع الفتى يتجاوز - حينئذ - الكلية بنحو 12 %(!).. لكنه حسم موقفه، وعقد العزم - بعد هذا اللقاء - على أن يدرس «العلوم الزراعية»(!).. لكن.. لماذا كانت هذه اللوحة «السريالية»؟! (ليس يدري!).
أسر الفتى فى نفسه السبب الحقيقى لهذا الاختيار عن أهله (حتى لا يتهم بالجنون!).. لكن.. ما شد من أزره، هو أنّ خاله «الراحل» (وكان ضابطًا بالقوات المسلحة) تحمس بقوة لهذا الاختيار.. إذ كانت الدراسة بكلية الزراعة، هى أحد أحلامه، أيضًا، بعد «العلوم العسكرية»(!).
بعد سنوات.. واتت الجرأة الفتى (بعد أن أصبح قائمًا بأعمال نائب رئيس تحرير المجلة) لأن يُصارح الكاتب (الساخر) الكبير بـ«سر» دراسته للعلوم الزراعية؛ فانفجر الكاتب الكبير من الضحك، واتهمه - أيضًا - بالجنون.. قبل أن يكتشفا (معًا) أنهما التحقا بـ«الجامعة ذاتها»(!).
.. وكان الكاتب الكبير، هو أستاذنا «عاصم حنفي».. لكن.. هل كانت هذه التقاطعات «عشوائية»؟! (ليس يدري!).
خلال عامه الأول بـ«كلية الزراعة».. كان «الشاب» قد وضع برنامجًا كاملاً لتأهيل نفسه (ثقافيًا)؛ تمهيدًا للعمل بـ«روزاليوسف».. إذ قرر أن يلتحق - بعد أن يتم دراسته فى كلية الزراعة - بـ«كلية الحقوق»؛ لاكتساب جملة من المعارف (السياسية/ والاقتصادية/ والشرعية/ والقانونية).. وكان «السر» فى هذا الاختيار، هو أنه قرر أن يتخصص فى ملف «الإسلام السياسي»(!).
ذات صباح جامعي.. كشف «الشاب» لأقرانه بالكلية عما يدور برأسه من خُطط (مُستقبلية).. وكانت «علامات التعجب» هى الإجابة(!) .. لكن.. كيف ساعدته «الأقدار» على أن ينفذ كل ما دار برأسه، وبالترتيب ذاته؟! (ليس يدري!).
فى العام 2008م.. وأمام إحدى «محطات المترو»؛ وضعت الأقدار أمام «الشاب» أحد رفقاء دراسته الجامعية الأولي.. كان زميله - وقتها - مهندسًا للجودة بأحد مصانع الصناعات الغذائية المعروفة.. استقبله زميل الدراسة بحفاوة بالغة.. سأله عما يفعل؟.. ترك «الشاب» الإجابة لزميله (من باب تنشيط الذاكرة).. قال له رفيقه:
= أكيد فى الصحافة.
- تمام.
= فين؟
- قل أنت؟
= فى «روزاليوسف»؟!
- بالضبط.
= هل درست «الحقوق» أيضًا؟!
- انتهيت منها العام الماضي.
تكررت «علامات التعجب» نفسها، على وجه زميل دراسته الأولى.. وكانت هذه المرة أقرب إلى الشك وعدم التصديق(!).. لكن.. هل كان اللقاء مصادفة بالفعل أم قدريًا هو الآخر؟! (ليس يدري!).
فى هذه الأثناء.. كان الصحفى «الشاب» على موعد مع أكثر التحولات «المهنية» فى حياته.. إذ دفعته الأقدار دفعًا لأن يكتب، ويوقع باسم «روزاليوسف» (لنحو 8 سنوات متتالية) أكثر مما كتبه موقعًا باسمه(!).. وكأن الأقدار أرادت له أن يتماهى ويذوب عشقًا فى «روزاليوسف» أكثر من أى وقت مضى(!).
كان مدير تحرير المجلة، وقتئذ (محمد هاني)، قد استدعاه؛ لحل أزمة فى غلاف (العدد: 4235) من المجلة.. قال له أستاذه (مدير التحرير): عندنا مشكلة صغيرة.. فلدينا جملة من الموضوعات بالعدد، تُحقق فى مجملها عنوانًا وضعناه على الغلاف.. لكن أيًا منها لا يحمل عنوان الغلاف.. تداول الطرفان الأمر، واستقر الرأى على تخصيص «افتتاحية المجلة» (ص 3) لشرح الأمر بعنوان الغلاف، مع إحالات للموضوعات الداخلية.
كان عنوان الغلاف، يقول: (قادة عرب يجاهدون ضد النساء).. وكانت الصفحة الثالثة من المجلة، لا يكتبها - غالبًا - إلا «رئيس التحرير» أو «مدير التحرير»(!).. إلا أنّ مدير التحرير كلّف الشاب بأن يكتبها بنفسه(!).
انتاب «الشاب» نوع من الرهبة الزائدة.. إذ كيف له أن يوقّع باسم «روز».. لكنه فعل(!).
لاقى ما كتبه «الشاب» استحسانًا كبيرًا من رئيس التحرير، وقتئذ (الكاتب الراحل «عبدالله كمال»).. إلا أنّ هذا الأمر - فى حد ذاته - كان بداية «جديدة» لفريضة أسبوعية، وضعت فى رقبته (غالبًا) لسنوات تالية(!).. إذ استدعاه، بعد هذا الأمر بنحو عددين كلٌ من «رئيس التحرير»، و«مدير التحرير»؛ ليكتب هو (من دون غيره!) الصفحة الثالثة، تحت عنوان: (رسالة روزاليوسف)(!).
كتب «الشاب» - حينها - عن ركائز المؤسسة العريقة (الليبرالية/ التعددية/ المدنية).. وواتته الشجاعة لأن يتحدث باسم «ميراث روزاليوسف» كاملاً، ويقول: (على مدار سنوات ممتدة؛ ظلت «روزاليوسف» المنبر الليبرالى الأول - وربما الوحيد فى أحيان كثيرة - الذى قرر أن يخوض غمار القضايا الشائكة من دون مواربة.. لم نتردد فى أن يرتفع صوتنا مهما كانت التكاليف، والعواقب.. خاصة عندما وقف غيرنا صامتًا (جُبنًا أو طمعًا).. خضنا معاركنا إلى النهاية.. ووقفنا بالقوة نفسها مع كل من كان يختلف معنا؛ حتى يقول ما عنده).
.. فهل كانت الأقدار هى التى تكلفه - وقتها - بأن يكتب «رسالة روزاليوسف» للقارئ أم «إدارة التحرير»؟! (ليس يدري!).
دخل «الشاب» - فيما بعد - مكتبه (بعد أن أصبح رئيسًا لتحرير «المجلة»)؛ ليثبت عينيه أمام عينىِّ تمثال «الست فاطمة» المواجه لمكتبه.. كان التمثال قد اعتراه العديد من «علامات الزمن».. أنفه كُسر.. وتبدلت ألوانه.. وسقط معظمها، تاركًا أثرًا ملحوظًا من التشوهات(!).. وصدق أو لا تصدق؛ كان يرى نوعًا من نظرات «الحزن» فى عين تمثال الست(!).
لم يدر رئيس التحرير (الشاب) بنفسه، إلا وهو يجهز «أزميلاً» للنحت، وعبوات اللوان الذهبى (اللون الأصلى للتمثال)، مُستعيدًا جانبًا (قديمًا) من هواياته الفنية.
أغلق «الشاب» على نفسه المكتب ليلاً، بعيدًا عن أعين موظفى وعمال القصر.. واتخذ على عاتقه، أن يُعيد «التمثال» إلى الحالة الأقرب لحالته الأولى(!).
.. وصدق أو لا تصدق (مرة أخرى).. عندما انتهى «الشاب» من مهمته؛ وجد «الست فاطمة» تبتسم.. لكن.. ربما كانت هذه هى المرة الأولى التى أدرك خلالها، لماذا حدث كل هذا(!).