الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أعيدوا الجماهير

أعيدوا الجماهير


تدفقت الجماهير المتعطشة إلى المدرجات فى احتشاد وصل إلى ثمانين ألف مشتاق.. لكن الكرة زاغت وطاشت وثأثأت.. وفأفأت وتهتهت.. ولم تحقق متعة أو إثارة فجاء الأداء عقيمًا والمهارات شحيحة.. بينما انتفخت أوداج المدرب زهواً لأنه فاز بهدف يتيم.. والفوز - فى الكرة - هو المقياس والمعيار والوسيلة والهدف.. ورغم السخط الذى يملأ الصدور فقد كان الجمهور راقيًا فى سلوكه.. مثاليًا فى تشجيعه.. العلم المصرى فى أيديهم يرفرف فى المدرجات وأنغام الأناشيد الوطنية تجأر بها حناجرهم و «تى - شيرتات» المنتخب الوطنى تزين صدورهم.. لا ألفاظ بذيئة.. ولا هجوم غاضب ضد لاعبى المنتخب الوطنى أو لاعبى المنتخب الأوغندى.. التزام أخلاقى واضح.

أتكلم عن مباراة الفريق القومى المصرى وأوغندا الأخيرة فى تصفيات كأس العالم.. والتى انتهت بفوزنا بهدف يتيم أحرزه الرائع «صلاح» وفتح باب الأمل فى أن حلم «المونديال» مازال قائمًا.
ولعلنا نذكر - بمناسبة الحديث عن الجماهير - وكنا نتمنى ألا نتذكر تلك الأيام السوداء فى فبراير (2015) عقب المجزرة التى وقعت فى استاد الدفاع الجوى التى أدت إلى مقتل تسعة عشر مواطنًا من جماهير الزمالك قبل انطلاق مباراة الفريق أمام إنبى.. ونشر وقتها كاريكاتير موحٍ ذو مغزى رسمه الفنان «عمرو سليم» لمشاهد تليفزيونى يتابع المذيعة التى تردد: هذا وقد نجح المتسابق الفرنسى فى القفز من فوق جبال الهيمالايا دون باراشوت وعاد لأهله سالمًا.. أما المتسابق الإنجليزى فقد قفز فى شلالات نياجرا وتمكن من السباحة وعاد لأهله سالمًا فما كان من المشاهد إلا أن اتصل بها فى مداخلة مردداً: ألو.. أنا المتسابق المصرى.. رحت ماتش الزمالك وإنبى.. ورجعت بيتنا سليم.. آه والله!
الكاريكاتير يشير بوضوح إلى أن أمن المواطن المصرى - وقتها - يبقى استثناء يستحق الإشادة والإعلان عنه فى زهو وفخر.. وكأن من الطبيعى أن تخرج من بيتك فلا تعود إلا جثة هامدة.. صريعًا فى حادث طريق.. محروقًا داخل قطار أو غريقًا ضحية عبارة معطوبة أو مخنوقًا وأنت ذاهب إلى الاستاد لمشاهدة المباراة!
المهم أن الحكومة وقتها قررت عملاً بالمثل الشعبى (الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح) إلغاء الدورى.. ثم تراجعت وقررت تأجيله.. ولتذهب الكرة والباسكت والبنج بونج إلى الجحيم.. وكذلك السياحة والاستثمار والاقتصاد والصناعة والتجارة وجميع أنشطة الحياة فى مصر..
هذا عن القرار.. أما بالنسبة للتبرير.. فكان نفس التبرير الذى يستخدم فى كل أزمة ومع كل الحكومات المختلفة منذ أكثر من ثلاثين عامًا.. وهو الهروب من المواجهة بالالتفاف حول الموضوع وعدم الخوض فى لب وجوهر القضية بالمناورة والالتواء.. والإزاحة بإلقاء الاتهامات على الغير وعدم الشجاعة فى الكشف عن الأسباب الحقيقية للمثالب والعورات.. والإخوان وطبقًا لنظرية المؤامرة قد ارتدوا ملابس الشرطة وقتلوا جمهور الزمالك.. وفى تبرير آخر أن الآباء والأمهات هم السبب لأنهم تركوا أبناءهم بلا رقابة وسمحوا لهم بالذهاب إلى الجحيم.. أما جمهور «الألتراس» فهم مخترقون من الإخوان ومن فلول الإرهابيين وهم عدوانيون بالسليقة وفى منتهى العنف والإجرام بالضرورة.. وأما الآلاف من المشجعين فهم عشوائيون من قاع المدينة.. ضائعون من «الصيع» والسوقة والدهماء والرعاع الذين لا هم لهم طيلة الليل والنهار إلا بلبعة الترامادول.. وهل على مبلبع الترامادول الذى ذهب عقله أن يدرك نتائج أفعاله؟!.. ليس عليه حرج إذا أثار الشغب ودمر وحرق.. ليس على مبلبع الترامادول حرج..
أما مولانا «الشحات» المكفراتى عظيم الشأن ومبدع الفتاوى الساحقة الماحقة بالتحريم والمصادرة والمتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية وسفيرها المحرض على إطفاء شموع الحضارة وإظلام مشاعل التنوير، فقد أخرج من جراب مخطوراته فتوى تقضى بتحريم لعب كرة القدم - تلك المستديرة الفاجرة - التى هى كالمرأة أصل كل الشرور ومنبع كل الرذائل وسبب كل الكوارث.
انضم شاعرنا إلى مولانا المكفراتى.. فأكد فى هوامش حرة أنه لابد من إلغاء وليس فقط إيقاف دورى كرة القدم = تلك الماجنة الكافرة = والبحث عن نظام بديل.. ذلك أنها أصبحت وسيلة للتعصب الأعمى والسلوك الإجرامى الطائش المجنون..
ثم أخيرًا عادت الجماهير فى مباراة «أوغندا» وظل حرمانها من المسابقات المحلية من دورى وكأس ساريًا.. وهذا معناه أن خوفنا من قله منحرفة بعد خوضنا معارك ضروس لتصفية «الداعشيين» فى سيناء.. من العار أن يفزعنا حفنة من المجرمين ويفرضوا علينا المدرجات الخاوية.. وينعكس ذلك على هيبة وسمعة دولة كبيرة كمصر تفشل فى اتخاذ التدابير اللازمة.. أمنية وسياسية وإعلامية وتنويرية لمواجهة شغب الملاعب.. أيًا كان مصدره أو اتجاهاته أو أسبابه فيؤثر ذلك تأثيرًا سلبيًا خطيرًا على الاقتصاد والسياحة والاستثمار والرياضة وجميع مناحى الحياة.. ولعل خير دليل على ذلك.. المدرب البلجيكى الذى وافق فى الفترة الأخيرة على تدريب الزمالك واتفق على كل التفاصيل ثم تراجع فى اللحظة الأخيرة.. وعاد إلى وطنه وأرسل من هناك برقية اعتذار أكد فيها خوفه من التواجد على أرضنا لأن مصر أصبحت دولة غير آمنة! 