الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
التشيُّع السياسى لـ«دولى الإخوان»!

التشيُّع السياسى لـ«دولى الإخوان»!


تقول المعلومة: إنَّ العاصمة البريطانية (لندن) شهدت نهاية الشهر الماضى (خلال الفترة من 21 إلى 23 يوليو) عددًا من اللقاءات «التنسيقية»؛ بين بعض رموز تنظيم الإخوان (الإرهابى)؛ ونظرائهم من رجال «نظام الملالى» فى طهران، داخل فندق «هوليداى إن».

.. والتفَّ حول مائدة اللقاءات - حينئذٍ - كلٌ من: «إبراهيم منير» الأمين العام لتنظيم الإخوان الدولى، و«د.جمال بدوى» مدير مؤسسة الإعلام الإسلامى فى كندا [وهو أحد القيادات «الفاعلة» داخل تنظيم الجماعة الدولي].. إلى جانب عددٍ من القيادات الشيعية البارزة من المقربين للمرشد الأعلى للثورة، منهم: المرجع الشيعى «محسن الأراكى» (أمين عام المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب)، والقيادى الشيعى «أحمد الحسنى».. إذ تمت اللقاءات على هامش ما يُسمَّى بـ«المؤتمر الدولى العاشر لمنتدى الوحدة الإسلامية»، الذى عُقِدَ فى «لندن» وقتئذٍ.
وبحسب «المعلومة» نفسها؛ فإنَّ لقاءً مُغلقًا جمع بين الفريقين (أي: بين قيادات التنظيم «الإرهابى»؛ ورجال «النظام الإيرانى»، داخل مؤسسة «أبرار» (الشيعية) يوم «الأربعاء» (26 يوليو) بالعاصمة البريطانية نفسها.. وكان من بين ما بحثه كلٌ من: «إبراهيم منير»، و«محسن الآراكى»، هو سُبُل إقامة تحالف استراتيجى بين «التنظيم» وطهران، خلال الفترة المقبلة.. إلى جانب إقامة عديدٍ من الندوات والمؤتمرات (بشكل مستمر)، فى إطار تحركهم «التآمرى» على استقرار «دول الخليج»، و«منطقة الشرق الأوسط».

المعلومة مُهمَّةٌ، و«خطيرةٌ» قطعًا.. لكنها؛ ليست بعيدة عن انتهازية الإخوان، بأى حال من الأحوال.. إذ يحفل تاريخ الطرفين بعديدٍ من التنسيقات (المماثلة).
أمَّا أهميتها؛ فتكمن فى توقيتها.. وأمَّا «خطورتها»؛ فتكمن فى التحركات التالية لمثل تلك «التنسيقات».. إذ يدفعنا هذا الأمر - فى المقابل- لوضع جملة من الملاحظات، والتحليلات:
أولاً: إنَّ طبيعة «التمثيل الإخوانى» فى اللقاءات؛ تتجاوز فى مضمونها كثيرًا كون أنَّ المشاركين الرئيسيين فى اللقاءات (أي: إبراهيم منير، وجمال بدوى) يحملان الجنسية المصرية (على خلاف ما أظهره بيان الرفض الصادر عن مراقب إخوان سوريا «على صدر الدين البيانونى»، فى أعقاب اللقاء).. إذ إنَّ «إبراهيم منير» هو الأمين العام لتنظيم الجماعة الدولى.. ومن ثمّ.. تمثل تحركاته - إجمالاً- توجُّهًا حقيقيًّا لأفرع التنظيم (ومكتب إرشاده العالمى)، لا «الفرع المصرى» فحسب.. كما أنّ «د. جمال بدوى» هو أحد من يمتلكون مفاتيح تحريك التنظيم فى «أمريكا الشمالية» بشكل عام (أي: فى كُلٍ من: الولايات المتحدة، وكندا).. وهو ما يعنى أن «التنظيم» بصدد حشد طاقته (الكاملة)؛ استعدادًا لتحالفات دولية (مختلفة) عما كان عليه الوضع خلال السنوات القليلة الماضية.
ثانيًا: يُمكننا -كذلك - إعادة التأكيد على طبيعة التأثير «القطرى» فى مشاركة الاثنين معًا (أي: منير، وبدوى) فى هذه اللقاءات.. إذ إن «جمال بدوى» (على وجه الخصوص) هو أحد القيادات «المتحركة» ذات التأثير الدينى على الجاليات الإسلامية فى كلٍّ من: «الولايات المتحدة الأمريكية»، و«القارة العجوز» (أوروبا).. وهو تأثيرٌ كثيرًا ما كان يتم عَبْرَ ما يُعرف بـ«المجلس الأوروبى للإفتاء» الذى يقوده الشيخ «يوسف القرضاوى» (المُقرَّب من الأُسرة الحاكمة القطرية).. إذ إنّ هذا المجلس (على وجه الخصوص)؛ هو إحدى المؤسسات [المركزية] التى يعتمد عليها التنظيم فى تصدير فتاواه الدينية للجاليات الإسلامية بالبلدان الغربية، والتأثير على توجهاتها السياسية.. وهو ما يعنى - أيضًا - أن ثمة احتمالية [قوية] لتوجيه الفتاوَى الدينية، خلال الفترة المقبلة؛ للدفع بتوجهات الجاليات الإسلامية بـ«العالم الغربى» نحو مصالح «تنظيم الجماعة الدولى»، ورؤيته [البرجماتية] لقضايا الشرق الأوسط الإقليمية (خصوصًا داخل دول الخليج العربى).
ثالثًا: على غرار «الشبكة الدينية» التى يوظفها تنظيم الإخوان الدولى لحسابه الخاص (غربيًّا)؛ لا تنفصل - كذلك - أنشطة «مُنتدَى الوحدة الإسلامية»، و«المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب» الذى يقوده المرجع الشيعى «محسن الآراكى» عن خَلق مساحات دولية لتُمدد «النفوذ الإيرانى» (عالميًّا).. ومن ثمَّ.. فنحن أمام «حليفين» يتبنيان الاستراتيجية ذاتها، ويسعى كلُّ منهما للاستفادة من الآخر [إلى أبعد مدَي]، فى ظل ما خسره كلُّ منهما من مساحات دولية، خلال الفترة الماضية.
رابعًا: يبدو التقاطع بين الطرفين حول «الخليج العربى»، و«الولايات المتحدة الأمريكية»؛ أبرز ما يكون؛ إذ خسرهما كُلٌّ من «النظام الإيرانى»، و«تنظيم الإخوان الدولى» بصورة لافتة، خلال الفترة الماضية.. ففيما خرجت «إيران» بمكاسب «نسبية» من جراء توقيع «اتفاق أنشطتها النووية» مع واشنطن فى عهد «أوباما».. كان أن أسهمت علاقات «الإخوان» مع الإدارة الأمريكية نفسها فى تمهيد الأرض أمامها للعب دورٍ أكبر من قدراتها الحقيقية داخل منطقة الشرق الأوسط، فى أعقاب ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربى».. وفيما وجدت «طهران» نفسها فى مرمَى استهداف بفرض عقوبات أمريكية مع بدايات تولى «دونالد ترامب» مقاليد الأمور داخل البيت الأبيض.. كان أن وجدت «جماعة الإخوان» هى الأخرى نفسها؛ خارج دائرة الاحتضان الأمريكى (نوعًا ما).
.. كما وجد الطرفان أنفسيهما فى مرمَى حالة من التوترات «الحادة» داخل منطقة الخليج العربى، تختلف [كثيرًا] عما كان عليه الوضع من هدوء «نِسبى» فى السابق.. ولم تُمثل «الحالة القطرية» سوَى الاستثناء [الوحيد] للطرفين بالمنطقة نفسها.. إذ تتحالف «الدوحة» بشكل معلن مع كُلِّ منهما.. وتتقاطع وأجندتيهما «الإقليمية» (الداعمة للإرهاب) بشكلٍ وثيق.
خامسًا: فى ضوء التقاطعات السابقة.. يُمكننا أن ندرك - يقينًا - أن «تنظيم الإخوان الدولى»؛ وَجَدَ [بشكل برجماتى بحت] أنّ فى اقترابه من «طهران» فرصة مواتية؛ إذ يُمكنه أن يستثمر هذا التحالف فى اتجاهين مختلفين: الأول؛ هو الحصول على حليف [مرحلي] يمكن أن يستفيد منه خلال المدَى المنظور.. والاتجاه الثاني؛ هو محاولة استخدام ورقة «التقارب الإيرانى» كورقة ضغط أخيرة أمام كُلٍ من: «واشنطن»، و«الخليج العربى»؛ لتخفيف حدة الضغوط الممارسة عليه.. وفى مقابل هذين الاتجاهين؛ ارتضَى «التنظيم» أن يكون إحدى الأدوات الجديدة [والتابعة] التى يسعى «نظام الملالى» إلى توظيفها بالمنطقة (بمباركة الدوحة).. أى [الوكلاء الإقليميين] لطهران، مثل: «المتمردين الحوثيين»، و«حزب الله» فى لبنان.

فى هذا السياق أيضًا؛ يمكننا أن ندرك مغزَى ما ذهب إليه «تيد وود»   (L.Todd Wood) فى «واشنطن تايمز» الثلاثاء الماضى (8 أغسطس)، تحت عنوان: [كبح جماح «قطر» لمواجهة «التطرف الشيعى» بالشرق الأوسط].. إذ قال «وود» إن إيران ليست الوحيدة التى تمثّل خطرًا على المنطقة؛ بل قطر أيضًا.. وإنّ الدول الداعية لمكافحة الإرهاب (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين) ملتزمة بالإجراءات التى اتخذتها ضد قطر؛ لما فى ذلك من فرصة لإنهاء التهديد الإرهابى المروّع للشرق الأوسط إلى الأبد.
وقال فى تقريره: صحيح أن الفراغ الذى خلّفته إدارة أوباما، التى سحبت معظم القوات الأمريكية من العراق، وأغلب القوات من أفغانستان؛ ملأه بسرعة الإرهابيون.. لكن قطر ساعدت فى عدم الاستقرار بدعم جماعة «الإخوان».. وهو ما ألقَى أعباءً إضافية على الجيش الأمريكى، وأدى إلى مزيد من الوفيات بين صفوفه.. كما استفاد كُلٌّ من: روسيا وإيران من نمو «الثيوقراطية المتطرفة» بالمنطقة(!).. وبالتالى.. باتت الميليشيات المؤيدة لإيران، مثل: «حزب الله»؛ تعمل بحرية من قُم، إلى البحر الأبيض المتوسط.. وفى العراق، وسوريا، ولبنان.. إلى جانب أن ثمة لقاءً أخيرًا جمع - أيضًا - بين قادة من «حماس» (الذراع الفلسطينية لتنظيم الإخوان)؛ وقادة من إيران (!)
لكن.. إن كان لكل هذه التقاطعات أيُّ تداعيات «مباشرة» على تنظيم الإخوان الدولى (من الداخل) فى الوقت الحالي؛ فإن أكثر ما يلفت انتباهنا، هنا، هو أن «الجماعة»؛ تؤكد - باستمرار - ضحالة تصوراتها السياسية؛ وأنها لا تتعلم شيئًا من أخطائها فى الماضى.. إذ ثمة تشابه - مثير - بين ما يُمكن أن تخلفه تلك الأزمة داخل التنظيم، وما خلفته أزمة «التسعينيات» مع «الفرع الكويتى» للجماعة، أثناء الغزو العراقى.. إذ انحاز وقتها التنظيم لصف «نظام صدام حسين» على حساب فرعه الكويتى.. وهو ما أسفر عن خروج هذا الفرع من التنظيم (حينها)؛ لشعوره بخيانة قياداته.
والأمر نفسه؛ يتكرر - فى الوقت الحالى - بالنسبة لفرع الجماعة السورى.. إذ يستشعر عديدٌ من أعضائه أن جماعتهم (الأُم) باعتهم على عتبات التشيُّع السياسى.. إذ وضعت يدها فى يد خصمها (أي: «إيران» الداعمة لنظام بشار الأسد).
ومن ثمَّ.. ففى تقديرنا الشخصي؛ تأتى تصريحات «البيانونى» الرافضة للقاء قيادات تنظيم الجماعة الدولى ورجال «النظام الإيرانى» (والاكتفاء بذِكر جنسيتهم «المصرية»، من دون صفاتهم التنظيمية)، فى سياق السعى (السريع) للحَدِّ من تداعيات اللقاء على أعضاء الفرع «السورى» الذى يقوده بنفسه.. لكن.. يبدو أن «كرة الجليد»  لن تتوقف عن الدوران فى القريب (!).