الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الصحافة والسُّلطة

الصحافة والسُّلطة


ماذا تريد الدولة  من وسائل الإعلام؟
 
طريفة هى تلك «الحكاية» (وتطبيقاتها)، إذ تقول «الحكاية الصينية» القديمة؛ إنَّ «عصر الدول المتحاربة» (فيما قبل توحد الصين)، كان مليئًا بـ«التحالفات العسكرية».. وكان من بين تلك «التحالفات»، تحالفٌ قوى فى مضمونه، بين دولتي: «تشي» (Qi) و«هان» (Han) وفى يوم من الأيام؛ تعرضت دولة «هان» لهجومٍ (مزدوج)، ومباغت من قوات «دولة تشين» (Qin) وحليفتها «دولة ويي» (Wie) فما كان من «دولة هان»؛ إلا أنها طلبت «المَدد»، و«المساعدة» من حليفتها «دولة تشي».. وفيما كان يُفكر «حاكم تشي» فى كيفية إرسال الإمدادات «اللازمة» لحلفائه؛ كان لوزيره «تيان تشين سو» (Tian Chen Su) رأيٌ آخر.. إذ قرر استغلال الموقف؛ لـ«إسقاط نظام» غرمائه(!)
 
قال الوزير للحاكم: إن تخطيط سموك خطأ يا مولاي.. فعليك أن توافق، فقط، على إرسال المَدد لـ«دولة هان»، كما وعدت.. لكن.. لا تتخذ أى «خطوات جادة» فى هذا الاتجاه؛ إذ نحتاج قواتنا فى أمر أهم (!).. فسأله الحاكم: ما هو الشيء الأكثر أهمية من مساعدة حلفائنا(؟!).. فقال الوزير: إنّ غريمنا ملك «يان» (Yan) قد تنازل عن العرش، مؤخرًا، لوزيره.. وهو ما أغضب البيتين «النبيلين» بالمملكة، وأدى لزيادة «الاضطرابات الداخلية»، واستعارها.. وعندما «تشتعل الحرب» أكثر بين حلفائنا فى «هان»، وخصومهم فى «تشين»؛ فمن المتوقع أن ينضم حلفاء غريمنا بدولتي: «تشو» (Chu) و«تشاو» (Chao) للحرب، أيضًا.. ووقتها سيكون الجميع منشغلاً بالحرب الدائرة، وستبقى «يان» (دولة غرمائنا) وحيدة، وكأنها تُقدم إلينا على طبقٍ من ذهب (!).. اقتنع «الحاكم».. ووافق على خطة وزيره.. وعندما استعرت «الحرب»؛ انشغل بها الجميع، كما توقع الوزير (!).. فما كان من «الحاكم»، إلا أنه انقضّ على «دولة غريمه»، وأسقطها فى 30 يومًا، فقط (!)

بمرور الوقت.. أصبحت «خطة الوزير» لإسقاط خصومه، واحدة من أهم «الاستراتيجيات» (العسكرية، والاستخبارية) عالميًّا.. إذ تمخَّض عنها «قاعدة»، تقول: «اسرق البيت المحترق» (Loot a burning house).. فعندما تعانى «دولة ما» (أى دولة) من احتدام «الصراعات»، أو «الاضطرابات الداخلية» سواء أكانت تلك الاضطرابات «ذاتية»، أم صنيعة «أجهزة استخبارية»؛ فلن تكون قادرة، وقتئذ، على التعامل مع أى «تهديدات خارجية» (!).. ومن ثمَّ؛ يُصبح هذا هو «التوقيت المناسب» للهجوم.
وعلى هذا.. باتت «أجهزة المعلومات الدولية»، فيما بعد، تدرك جيدًا أهمية الحفاظ على جمع «المعلومات الداخلية» عن «الخصوم» باستمرار؛ لمعرفة إذا ما كان «العدو» فى أضعف حالاته أم لا.. وفى الوقت المناسب، يحدث الهجوم من دون رحمة.. إما لتدمير «الخصم» تمامًا، أو منعه من امتلاك «عناصر القوة» مستقبلاً(!).. وفى عصر «حروب المعلومات»، أيضًا؛ أصبح أغلب «الأجهزة الاستخبارية»، يُدرك (يقينًا) أنّ نجاح تلك «الحيلة» (أي: حيلة «صناعة الفوضي» عند الخصم، أو استغلالها)؛ يقتضى، فى المقابل، الحفاظ على «التماسكك الداخلي»، فى مواجهة هذا الخصم (أي: تأمين البيت من الداخل).. إذ كان التطوير «الأكثر حداثةً» للحيلة الصينية القديمة؛ هو: [اصنع الفوضى لأعدائك.. ورتب جيشك]
 (Disorder Your Enemy, Order Your Army).
لكن.. ما علاقة [كل هذا] بالسؤال الذى طرحناه؟

قطعًا.. لكل «دولة» خصوم.. وأكثر خصوم الدولة (أى دولة) عنفًا، هو أن تصُبح فريسة للفوضى الداخلية.. وفى ظل مشاهد دولية [مُعقدة]، وأجندات [متصارعة]؛ باتت «الفوضي» صناعة.. ثم كان أن أوجدت تلك الصناعة، لنفسها سوقًا رائجة (!).. وداخل تلك «السوق الرائجة» يكمُن [الرابط] بين الحكاية والسؤال(!)   
قد تكون «الفوضى» إرهابًا، يستلزم [وعيًّا أمنيًا].. وقد تكون «تطرفًا فكريًا» يحتاج [جهدًا تنويريًّا].. وقد تكون مُخططًا استخباريًا، يتطلب [كشفًا معرفيًا].. والوعي، والتنوير، والمعرفة؛ هى شُغل الصحافة الشاغل.. لكن.. لتوصيف [القومية] تبعيات إضافية، تتعلق بـ [تأمين البيت من الداخل].. إذ إن «الصحافة القومية» - على خلاف أى مطبوعات أخرى - لا تخضع لمصالح «ضيقة» هنا أو هناك (رأس المال نموذجًا).

تُمثل «الصحافة القومية» - إذًا - خطًا دفاعيًّا [رئيسيًّا] عن الدولة وأركانها بمفهومها الواسع [الإقليم/ والشعب/ وسلطات الدولة الثلاث].. أى أنها ليست «حكومية» [بالمفهوم الضيق للحكومة].. بل هى رقيب على تصرفات تلك الحكومة، إذا أخلت فى أى تصرف من تصرفاتها بـ«أركان الدولة» ذاتها.
لسنوات ماضية - عندما كان للحكومة «كيان حزبي» يُمثلها - كانت الصحافة القومية فى مرمى استهدافات متنوعة، تتهمها بالتبعية السياسية.. الآن؛ ليس الوضع كذلك.. لم تعد الصورة كما كانت عليه سابقًا.. ليس للحكومة «ظهير حزبي».. وبالتالي.. لم يعد للاتهام بـ«التبعية» محل من الإعراب.. بل إن طرح الاتهام - من حيث الأصل - لا بد أن يثير الدهشة، والاستغراب (!)
لذلك.. يُمكننا - يقينًا - إدراك أنّ الدولة تسعى، فعليًّا (بجدية حقيقية)؛ لإصلاح المؤسسات [القومية].. إذ تراجعت «التبعية» فى مقابل تجديد الدماء، و«دعم الكفاءات المهنية».
.. كما ليس فى الأمر أى عبارات «إنشائية».. فكاتب هذه السطور [نفسه] نموذج مباشر على هذا الأمر [إذ لم يسع لموقعه الحالي.. بل سعى الموقع إليه].
أدركت «الدولة» - إذًا - أن تجديد دماء المؤسسات [عبر تمكين الشباب]؛ هو الحل (الكاتب عمره 36 عامًا، وبضعة أشهر).. وأن القدرة على الإنجاز بين أروقة «صاحبة الجلالة» تراكمية.. أجيالٌ تسلم الراية لأجيال.. إذ ينظر «شباب المهنة» لأساتذتهم بإجلال.. يعرفون قدرهم.. يقدرون مجهوداتهم.. ويثمنون خبراتهم ومعرفتهم.. وهو أمرٌ يقطع (يقينًا) بأن ثمة تغيرًا حقيقيًا فى فكر إدارة الدولة، إذ لا بد أن تتكرر تجربة «الصحافة القومية» - فى هذا السياق - بأكثر من قطاع بقطاعات الدولة ذاتها.
لا مجال هنا للعب، أو الهزل.. الشباب طاقة «حقيقية».. لكن.. علينا - فى المقابل - أن نثبت لمن وثقوا بنا أننا على قدر المسئولية.. إذ ليس فى الأمر «أى تشريف» [بل هو تكليف]؛ للقيام بدور «وطني» طالما تمنينا القيام به.

من بين مهام «الصحافة القومية» الدفاع عن «ثوابت الأمن القومي».. قطعًا هذا ما تريده الدولة [وفقًا للمعطيات الحالية]، لا غير.. لا تريد إعلامًا تابعًا، بقدر ما تريد إعلامًا واعيًا.. تريد إعلامًا قادرًا على مواجهة «الأجندات» و«صانعى الفوضي»، لا إعلامًا «سطحيًا» يهرف بما لا يعرف.. إعلامًا للتنوير، لا بوقًا للتطرف والتكفير.
إعلامًا [يفكر] لا إعلامًا يدمر.. إعلامًا [يقود ولا يُقاد].. إعلامًا يرتقى بوعى المواطن، لا أن يُفسد ذوقه العام.. إعلامًا «رقابيًّا»، تثق فيما يقدمه لها من حقائق ومعلومات، لا إعلامًا [إثاريًا] يصنع ضجيجًا بلا طحين (!)
.. فهل آن للميزان أن يعتدل؟