
رفيق جريش
داعش الطريق إلى أوروبا
حذر العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله وكثيرون من القادة، خاصة فى الشرق أن الإرهاب إذا طال الشرق سيطال الغرب أيضاً وكان تحذيراً صحيحاً رغم أن قادة غربيين أخذوه باستخفاف، ففى الشهر الماضى كان الاعتداء على جريدة فرنسية «شارلى إبدو» وما تبعته من أحداث واكتشاف خلايا إرهابية فى فرنسا وبلجيكا وآخرها ومنذ عدة أيام فى كوبنهاجن عاصمة الدنمارك، وقد هددت داعش ـ ليبيا فى الفيديو الذى شاهدنا فيه نحر 21 شاباً مصرياً تهديداً مباشراً عندما يقول القاتل ـ سنغزو روما ـ وروما هى بوابة أوروبا بمراكزها العلمية والثقافية والدينية المختلفة التى ليس من الضرورة أنها تتفق مع آراء الإرهابيين والمتطرفين.
فهذه الحادثة المروعة تؤكد أن داعش على أعتاب أوروبا، فإذا كانت داعش بدأت فى العراق ثم سوريا وتمتد على الحدود التركية مُشكلة هلال ما يسمى الدولة الإسلامية فها هى أيضاَ فى ليبيا على حدود مصر الغربية وجنوب أوروبا والأخطر ليست الجماعات المسلحة فحسب ولكن الفكر الأيديولوجى المنتشر للأسف فى صفوف بعض المتطرفين المؤثرين على الشباب، خاصة فى كل من مصر وغزة والأردن ولبنان والسعودية وتونس واليمن وأفريقيا وأخيراً أوروبا وفى عقر دارها.
أما فى ليبيا فالوضع الأمنى سيئ للغاية والميليشيات الإرهابية المختلفة استولت على عدة مدن رئيسية وآبار بترول بجانب الوضع السياسى المتدهور حيث هناك حكومتان وبرلمانان، والحكومة الشرعية ضعيفة جداً ولا تستطيع أن تبسط سلطتها إلا فى أماكن محدودة فقد ترك القذافى ليبيا فى حالة مذرية وجيش منقسم حيث السلاح فى كل مكان وفى متناول الجميع، إضافة لما ترسله بعض الحكومات المعادية لنا والتى لها ولأجهزتها مصالح فى إبقاء الوضع على ما هو عليه بل تريده أكثر تدهوراً وتعقيداً.
وقد نبه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أوروبا والعالم لخطورة الوضع فى ليبيا فكما غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بدعوى تحقيق الديمقراطية فى تلك البلاد ولم يتحقق شىء بل انقسمت الدولة إلى شيعة وسنة وأكراد وهاجر أكثر من نصف المسيحيين وظهرت الميليشيات المختلفة وسيطر الإرهاب فى كل مكان فما كان منها إلا أنها تركت الإرهاب هناك وسحبت جيشها وقواتها كذلك فعل حلف الناتو أيام ما بعد القذافى، حيث تدخل بدعوى حماية المدنيين وما إن قتَل القذافى حتى ترك الحلف وانسحب مثل أقرانه الأمريكان وترك دولة ليبيا فى حالة مذرية تسيطر عليها الميليشيات المختلفة وانعدم الأمان وآل الوضع إلى ما نحن فيه الآن. فكان السيد الرئيس حق حين قال إن الإرهاب ليس فقط فى شرقنا ولكن أيضاً فى غربنا فى ليبيا.
يرى بعض المراقبين أن الوضع فى ليبيا مازال فيه بعض الأمل وأتمنى أن يكونوا على حق ولكن الخطر كل الخطر أن يزيد الحال سوءاً وينتقل هشيم الحرب فى خلال مدة قصيرة إلى أوروبا مهددة السلم العالمى. لذا مصر على حق أن تطلب من العالم من خلال مجلس الأمن التدخل، فهذه المعركة ليست معركة مصر وحدها ولا نريد لجيشها المصرى أن يدخل فى هذا المستنقع والقيادة السياسية والعسكرية المصرية واعية جداً لهذا، فهذه معركة العالم كله بشرط أن يتعلم الغربيون من دروس الماضى القريب فلا يفتحوا جبهات ثم يتركوها فى حالة سيئة بل عليهم تقوية الحكومة الليبية الشرعية هناك وتدعيمها بكل الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية إضافة للتجفيف الجدى لمنابع الإرهاب وقطع أوصاله فى كل مكان.
أخيراً. الإرهاب وفكره لا يقاوم بالسلاح فقط ولكن يقاوم بالفكر والخطاب الدينى المستنير ورفع المستوى المعيشى للفقراء وعدالة توزيع خيرات العالم فهى استراتيجية متكاملة، نتمنى من الإرادة السياسية للدول الكبرى أن تكون فى هذا الاتجاه ولتتجرد من نظرتها الأنانية الضيقة لمصالحها.∎