
عاطف بشاى
الأنبا بيشوى.. الأسقف الوهابى !
قبل ثورة 25 يناير.. وفى ظل العهد البائد.. وأثناء وجود البابا شنودة على رأس الكنيسة.. كان الرجل الحديدى الأنبا «بيشوى» مطران كفر الشيخ ودمياط.. وأستاذ علم اللاهوت العقيدى بالكليات اللاهوتية الإكليريكية.. يصمت شهراً أو شهرين.. ثم ما يلبث أن يفتح فاه ويطلق لسانه فيشعل ناراً ويثير ضغينة.. ويشيع فتنة.. ثم يعاود الصمت مرة أخرى ريثما يتم بشكل أو بآخر رأب الصدع وتضميد الجراح.. وتهدئة الخواطر.. لكن روحه المستنفرة بالعداء.. والاستفزاز تدفعه إلى معاودة إطلاق لسانه المر.. ليؤذى المشاعر ويؤجج نار الطائفية.. واللفظ كما يقول «صلاح عبدالصبور» حجر.. اللفظ منية.. فإذا أنت ركبت كلاما فوق كلام.. من بينهما استولدت كلاماً.. لرأيت الدنيا مولوداً بشعا.. وتمنيت الموت..
أرجوك.. الصمت.. الصمت.. أما آيات الكتاب المقدس التى لا شك أن «الأنبا» يحفظها عن ظهر قلب فتؤكد أن من «يحفظ فمه يحفظ نفسه».. وأن قلب الحكيم يرشد فمه ويزيد شفتيه علماً.. «وقلوب الحمقى فى أفواههم».. و«أفواه الحكماء فى قلوبهم».. «وطوبى للرجل الذى لم يزل بفمه».
وزلات فم الرجل كثيرة وتدعم الأصولية المتشددة التى خرجت منها كل الجماعات والأفكار السلفية والمتطرفة سواء فى الإسلام أو المسيحية.. ومن أقواله التى تؤكد ذلك أن كلمة «القبطى» المقصود منها المسيحى الأرثوذكسى وهو ليس عربيا.. بينما المسلم المصرى عربى وليس مصرياً خالصاً.. وبالتالى فإن المسلمين ضيوف على مصر المسيحية وليسوا شركاء وطن.. هذا التصريح الذى تسبب فى تصريح «العوا» أن الكنائس بها أسلحة.. وفى بيان جبهة علماء الأزهر الذين يدعون فيه لمقاطعة البضائع والمنتجات التى يثبت أن أصحابها من المسيحيين.. كما قامت المظاهرات العارمة فى الإسكندرية.. مما اضطر البابا شنودة وقتها إلى سرعة الاعتذار العلنى.
لقد زج بنفسه فى جدل طائفى بغيض يتناول فيه أموراً كريهة تعكس إساءة متعمدة وفظة للعلاقات بين المسلمين والمسيحيين.. فى نفس الوقت الذى يتاجر فيه بقضية «العقيدة المسيحية» فيصور أن الحرص على إرساء دعائم الدولة المدنية وحقوق المواطنة وتنفيذ القانون هو اعتداء غاشم وطائفى على العقيدة المسيحية.. وتدخل سافر فى الشأن القبطى الذى يرى أنه خط أحمر يحذر من الاقتراب منه.
وفى أزمة «كاميليا» التى مازالت عالقة بالأذهان.. فحينما تمكن البابا شنودة بسعيه إلى إعادتها بعد أن أشيع إسلامها.. وتم احتجازها فى مكان مجهول.. أكد «بيشوى» أنه لا يحق لأحد أن يسأل أين ذهبوا بها.. وماذا يفعلون بها وإلى أى مرحلة وصلت عملية «غسل غسيل».. إلخ.. ألم يعلنوا أنها مسيحية مائة بالمائة.. إن هذا يكفى.. أما احتجازها فى مكان مجهول فهو حماية لها من الأعداء المتطرفين الإسلاميين الذين يتربصون بها لقتلها عقابا لها على المضى قدماً فى سبيل تحولها إلى الإسلام.. أى أنهم أسقطوا مهمة حماية الدولة لأمن المواطنين ليقوموا هم بهذا الدور الجليل.. وبمنظور طائفى على اعتبار أنه فى غابة الشياطين يتم التمييز الأمنى بين المسلم والمسيحى.. وفى أحراش المعمورة تلتهم الأغلبية المتوحشة الأقلية الوديعة.
إن أى محاولة للاقتراب من الأسوار العالية معناه الإساءة إلى العقيدة.. وما التلويح والتهديد بالاستشهاد الذى رفع رايته الأنبا «بيشوى» إلا وسيلة إرهابية لمقايضة الدولة.. إما أن نقبل بشروط الدولة الدينية.. وتسقط دعائم الدولة المدنية وسلطاتها.. وإما سوف ندق طبول الحرب.. وسوف تسيل الدماء أنهاراً.
ساعتها لن يدرك البسطاء من أغلبية المسيحيين أن الاستشهاد دفاعاً عن العقيدة يختلف عن الاستشهاد من أجل اغتصاب حقوق الدولة.. وحقوق المواطنة.. وحقوق الإنسان.
حاول «بيشوى» بعد ذلك - بعد اعتذار البابا - أن يبيض وجهه ويجمل صورته أمام التيار الإسلامى الكاسح.. فأراد أن يصالحهم على حساب كرامة بناته المسيحيات وعفافهن فأمسك عصا الوهابية الغليظة ووصمهن بالتبرج والسفور غير المحمود.. وطلب منهن اتخاذ الفتيات المسلمات المحجبات قدوة لهن فى الاحتشام والعفاف.. فتصدت له الفتيات متذمرات فى غضب جامح.. متظاهرات أمام الكاتدرائية يحملن لافتات تشير إلى اتجاهه الوهابى ذلك.. وحذرن من المساس بكرامتهن.. واستنكرن سعيه الرخيص للقفز فوق أكتافهن للوصول إلى الكرسى المقدس بوسيلة غير مقدسة.
وتجرى فى النهر مياه كثيرة.. وبعد وفاة البابا شنودة.. وجلوس البابا «تواضروس» على الكرسى المقدس ليقود سفينة الأقباط وسط أمواج عاتية وأحداث صاخبة ومناخ طائفى محتدم صرح منذ اليوم الأول بعدة تصريحات مهمة منها أن الكنيسة لن يكون لها دور سياسى فالشباب القبطى الآن ينضم للحركات السياسية والأحزاب.. وتوجه بمطالبه للدولة وليس للكنيسة.. وقال إن المسيحيين جزء من تراب هذا الوطن وليسوا أقلية عندما يتعلق الأمر بتاريخنا وقيمة حبنا لأمتنا.. وبالتالى فقد أعلن أنه سوف يعمل جاهداً على إعلاء شأن «المواطنة» فوق «الطائفية».. ويحاول أن يرسى دعائم ديمقراطية داخل الكنيسة المصرية مدركا الخيط الدقيق الذى يفصل بين السياسة والدين.. بين المقدس والدنيوى.. بين الزعيم الدينى والراعى الروحى.. ومن ثم فقد قلص مهام واختصاصات ووظائف «بيشوى» داخل الكنيسة.. وأزاحه إلى الظل.. فتنفسنا الصعداء.. وسعدنا أن صمته دام هذه المرة كثيراً.
فإذا به يقتحم الكادر فى مفاجأة غير سعيدة.. دون أن يتعلم من أخطائه أو يخفف من غلوائه - فيصدر منشوراً موجهاً إلى جميع الكنائس التابعة له.. يتضمن تنبيها على الفتيات اللاتى تزيد أعمارهن على (11 سنة).. والسيدات بعدم ارتداء البنطلون والبلوزات وأن يرتدين ملابس تتسم بالحشمة والوقار مع عدم وضع مكياج أثناء تقدمهن للتناول (الذى يعد أحد أسرار الكنيسة السبعة).. وعاودت الآنسات والسيدات احتجاجهن واعتبرت «مارجريت عازر» عضوة مجلس الشعب السابقة توجيهات الأنبا «بيشوى» نوعاً من التطرف الدينى والسلفية المسيحية فالحشمة والوقار أمر ثابت للفتيات والسيدات أثناء تقدمهن للتناول.
لا فائدة إذن فإن الخلط بين الخطاب الدينى والأخلاقى وبين الحياة فى كنف دولة مدنية يطل بوجهه الكريه مرة أخرى.. وإصرار رجل الدين على فرض وصايته وانتهاج منهج الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. والتحريم والتجريم متخطياً دوره الرعوى وواجباته الدينية إلى فرض ثقافة الحلال والحرام والعداء للحريات وتكريس الموقف العدائى ضد المرأة.. فبالإضافة إلى رفض الولاية لها وحرمانها من أن تكون كاهنة أو مطرانا أو بطريركية فهى تمنع من التناول فى فترة الحيض.. فها هو الأنبا يرفض ارتداءها للبنطلون الذى من شأنه أن يثير الغرائز ويستدعى الشهوة ويدعم الرذيلة.. وفى منشوره القادم سوف يفرض عليها الحجاب وربما النقاب وربما يمنعها من العمل بل يمنعها من الخروج من المنزل إلا إلى القبر.