الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
انتبه.. الزعيم يرجع إلى الخلف

انتبه.. الزعيم يرجع إلى الخلف


ماذا حدث «لعادل إمام»؟!
 
ماذا حدث لأمير الضحك وزعيم المقهورين والمهمشين وأبناء الفقر المكومين داخل أقفاص العشوائيات كالجرذان المذعورة يبحثون عن ستارة تسترهم.. وعن سكن آدمى يأويهم.. وعن لقمة كريمة ينتزعونها من صناديق القمامة.. وحولهم أطفالهم وقد احدودبت ظهورهم وشاخوا وهم يسبحون فى مياه المجارى التى فاضت فى المدافن التى يسكنونها.. وقد طافت فوقها جثث الموتى.. يفتشون فى الكتب القديمة عن كذبة كبيرة تدعى الوطن..
 
كان أمير الضحك قادراً على انتزاع ضحكاتهم من رحم تلك الأيام الصعبة.. ويفرج عن كروبهم رغم أنهم مصلوبون على حائط الأحزان.. فهو تاجر سعادة بارع فى صياغة الضحكة فى مدائن البكاء.. وموهوب فى مزج المرح الخلاب بخبزهم اليومى المبلل بالخوف والدموع.. فيحملونه على الأعناق.. ويحمونه فى حدقات العيون ويبايعونه ملكاً متوجاً على عرش الفكاهة فى عصر القنوط والكآبة.
 
إن أفلامه العظيمة مثل.. «الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«طيور الظلام» و«اللعب مع الكبار» و«النوم فى العسل» و«الهلفوت» و«حب فى الزنزانة».. التى يقف فيها على يسار السلطة بضراوة ويكشف عوراتها.. ويعرى فسادها.. وينحاز إلى مجتمع الفقراء الذين يعانون من شظف العيش والظلم الاجتماعى.. هذه الأفلام تعتبر من أهم علامات السينما المصرية فى تاريخها كله لأنه انتصر فيها لقيم العدل الاجتماعى.. وعالج قضايا الواقع السياسى وحقوق أبناء الفقر فى حياة كريمة.. وتصدى لدعاوى التخلف والرجعية التى تمارسها التيارات الإرهابية بجرأة بالغة وبجسارة تقفز فوق الأسوار العالية.. والأسلاك الشائكة إلى الحد الذى تصور فيه مجموعة من النقاد وكتاب الأعمدة الحنجوريين المتشدقين بالليبرالية وهى براء منهم- أن أفلامه العظيمة تلك صنعت بناء على عقد مبرم بين «عادل إمام» وبين السلطة البائدة وقتها بأن ينهال عليهم بنقده الحاد والسخرية المريرة فى مقابل أن يثبتوا للشعب أنهم يسمحون بها مش من حرية التعبير والتنفيس الذى يقيهم شر الغاضبين..
 
لقد تجاهل هؤلاء مناصرة الفنان الظاهرة الذى تربع على عرش الكوميديا لأكثر من ثلاثين عاماً.. وانبروا يحاسبونه وقتها على تصريحاته الصحفية وآرائه السياسية التى تضعه فى خندق أعداء خدام النظام السابق والمتآمرين ضد الجماهير وضد الوطن.. فى رغبة للنيل منه دون سبب مفهوم إلا دوافع مرضية تحتاج إلى علاج نفسى..
 
فى الوقت الذى كان فيه «عادل إمام» يتصدى بأفلامه السياسية ذات الطابع التراجيكوميدى لفساد السلطة محاولاً نزع أقنعتهم الزائفة من على وجوههم.. كان الظلاميون بعيونهم الزجاجية.. وجلودهم الميتة الإحساس وأرواحهم البغيضة الكارهة للفن والحياة قد أعلنوا الحرب المقدسة لوأد حرية الإبداع.. ولتطهير الدراما المصرية من الدنس والفاحشة ومن الكوميديا والسخرية.. فزعموا أن «بابا نويل» البسطاء الذى يحمل هداياه من شرائط دعابات ملونة وألعاب بهجة ساخرة هو «أبو لهب» شرير يزدرى الدين الإسلامى الحنيف.. بينما هو فى الحقيقة يزدريهم هم ويزدرى فقة المصادرة والتجريم والتحريم وفرض الوصاية والجهامة.. وحصر الدين فى قشور الزى والمظهر والطقوس..
 
وبسبب صيحة ازدراء الدين المخيفة تلك حوكم «عادل إمام» ثلاث مرات وكاد يسجن فى الدعوى الأولى والثانية.. وفى الثالثة قضت محكمة الجنح بعدم قبول الدعوى وفى الحقيقة أن الحكم الذى أكد فى حيثياته أن حرية الرأى والتعبير من أهم مقومات النظم الديمقراطية وأن الانتقاص منها هو انتقاص من الحكم الديمقراطى السليم.. هو حكم تاريخى يذكرنا بالحكم فى كتاب «الشعر الجاهلى» للدكتور «طه حسين»..
 
نعاود سؤال الدهشة والصدمة.. ماذا حدث «لعادل إمام»؟!.. لا مجال هنا لاستعراض مسيرته الفنية الخصبة والمثمرة لنبرهن على ذلك التراجع الفنى الذى نعرف أسبابه وتحدثنا عنه كثيراً.. لكننا نجهل هل يدركها مثلنا «عادل إمام» نفسه ويعترف بها فى قراره نفسه.. لكن لديه مبرراته التى تدعوه إلى المضى قدماً متوغلاً فى التخلى عن طموحه القديم.. وتوهجه القديم.. وجاذبيته القديمة.. وبراعته القديمة فى التأثير على عقول وأفئدة المتلقين..
 
لا خلاف فى أن «عادل إمام» وصل إلى قمة القمة وتألقه ونجاحه الفنى والجماهيرى ابتداء من تلك الفترة التى عالج فيها هموم وطن وسلبيات عصر.. وإشكالات مجتمع.. وهى الأفلام المهمة التى صيغت بقلم الكاتب الكبير «وحيد حامد» وأخرجها المبدع «شريف عرفة» وأولها «الإرهاب والكباب» وآخرها «طيور الظلام».. لقد توحد المشاهدون مع «عادل إمام» وأحسوا أنه لسان حالهم والمتحدث باسمهم ومندوبهم المخلص والحميم لدى السلطة الظالمة.. وفى مواجهتها ضد الظلم الاجتماعى والقهر الإنسانى.. يشاركهم همومهم وكسرة خبزهم الجافة وأملهم فى غد أفضل حالاً يشعرون فيه بأمن ضد زمن غادر..
فإذا فجأة بالجواد الجامح يغير مساره.. وكأن الرحلة قد أثخنته بجراح مضنية وأحزان كثيفة.. تركت فى نفسه مرارة وقنوطاً.. فغيرت ملامحه وآثر أن يرتدى أثواباً هزلية تقزم من قامته السامقة ومكانته الرفيعة.. فيلقى بسيفه ويخرج من الميدان متخلياً عن دوره السابق ليلعب بطولة أفلام عديدة لا تيلق به.. ويعود بها إلى فترة ما قبل نضجه الفنى والفكرى.. وما قبل تعاقده مع متفرجه الأثير على التوحد والاندماج والاشتباك مع قضايا عصره الملحة.. ثم يقتحم التليفزيون بعد غياب طويل فتحزن للفارق بين بدايته به ممثلاً فى «دموع فى عيون وقحة» و«أحلام الفنى الطائر».. وبين أعمال مسروقة ومسلوقة وسطحية وركيكة لا قيمة فنية ولا فكرية بها.. وآخرها تلك الاسكتشات الهزلية المسماة بمسلسل «صاحب السعادة».. حيث تكرار بليد لتيمات مستهلكة وشخصيات لا أبعاد لها.. ومواقف تافهة لا تعكس قضايا سياسية أو اجتماعية أو فكرية مهمة.. والمفارقات التى تصنع الكوميديا ليست سوى سخفا لاطرافه فيه ولا مغزى..
 
أيها المبدع الكبير.. أمير الضحك.. تفتقدك.. ولاننا ما زلنا نحبك حباً جماً.. نناشدك أن تعود إلينا.. تعود إلى «عادل إمام».