الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أزمة النقد فى المسلسلات الرمضانية

أزمة النقد فى المسلسلات الرمضانية


 
حتماً سوف تظل عيناك - من الآن وحتى نهاية الشهر الكريم - تصطدم بعبارات مطاطة وأقوال ممجوجة متكررة وأحكام سريعة مبتسرة وعبارات جوفاء لا معنى لها مثل «إفساد الذوق العام».. «بث قيم غير أخلاقية».. «أفكار هدامة تضر بالأشخاص والمجتمع».. وكلها جمل صارت أكلاشيهات يعبر بها صغار النقاد وكتاب الرأى عن غضبهم من مسلسلات رمضانية معينة تتسم مثلاً بالإسفاف والابتذال أو السطحية والتفاهة أو الانحطاط والبذاءة فى الحوار بين الشخصيات.
 
وتنتشر تلك الأكلاشيهات فى قاموس النقد السريع المريع شأنها شأن أكلاشيهات أخرى مثل (تفوق الممثل الفلانى على نفسه فى تأدية الدور).. أو (ارتفعت الممثلة العلانية إلى قمة الأداء فى تجسيدها الشخصية البنت اللعوب وعمايلها البطالة).. أو (كانت الموسيقى معبرة).. أو (سيناريو رائع).. وفى أحيانا أخرى لا يتورعون أن يصفونه بـ (السيناريو الحلو).. أو يتصف (بالمط والتطويل والإيقاع البطىء أو الإخراج المبهر). وهكذا.
 
كما تتخذ بعض تلك الأكلاشيهات شكل العبارات المأثورة أو الحكم الخالدة مثل (الوصول إلى القمة سهل لكن الاحتفاظ بها صعب).. (أو ينبغى أن يكون النقد بناء وليس هداماً).. الخ.
والحقيقة أنه فيما يتصل بكلاشيه (إفساد الذوق العام مثلاً) فهو تعميم لا يجوز إطلاقه أو استخدامه دونما تدقيق أو بحث موضوعى، ذلك أن المتلقين للأعمال الدرامية سواء كانت أفلاماً سينمائية أو مسلسلات تليفزيونية هم يمثلون (كتلة هلامية) من البشر مختلفى الأعمار والثقافات والبيئات والاتجاهات والميول والأذواق والأخلاقيات والتصورات ووجهات النظر والتركيبات النفسية والاجتماعية والخبرات الحياتية.. وبالتالى فإنهم يستقبلون ويتفاعلون وينجذبون ويتأثرون بتلك الأعمال الفنية تأثيرات مختلفة بالسلب والإيجاب بناء على تلك الاختلافات.. بل إنه من الملاحظ إنه حتى لو اتفق مجموعة من المتلقين على أن هناك فيلماً أو مسلسلاً مثلا يساهم فى إفساد الذوق العام فإنهم يختلفون فى أسباب ذلك الإفساد.. هل لأن السيناريو متدن أو لأن الحوار رخيص أو الإخراج متواضع أو أداء البطلة مبتذل.. مثلما يختلفون أيضاً فى نجاح أو فشل عمل درامى آخر والحقيقة أننى لا أستريح لتلك الأحكام العامة المبتسرة التى توصم مسلسلات درامية سيئة معروضة الآن على الشاشة الرمضانية بتهمة إفساد الذوق العام رغم اعترافى بانحطاطها شكلاً وموضوعاً بسبب احتوائها على حوار بذىء وألفاظ نابية وأحداث تشمل سلوكيات وضيعة وقبيحة.
 
فالناقد الحقيقى الأكاديمى الدارس والمثقف والموهوب إنما هو ذلك الذى يلقى الضوء على النص ويحلله فكرياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً وفلسفياً ويفسر مغزاه ويناقش أبعاده المختلفة ويكشف ملامح شخوصه وعلاقتهم بمشاكل المجتمع المعاش وصراعاتهم المتعددة ويكشف مدى منطقية الأحداث وتصاعدها وصولاً إلى الذروة الدرامية.
 
 بينما نقاد العلاقات العامة ونقاد الصدفة ونقاد العمود الانطباعى يظهر ضحالة تقييمهم فى انحصاره حول أداء الممثل ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك (كمثال) فى جملة الانتقادات التى وجهت إلى مسلسل صديق العمر والتى انهالت بالهجوم الحاد والشرس على أداء «جمال سليمان» لدور «عبدالناصر» وتحميله تبعة فشل المسلسل وسوء مستواه الفنى ثم لا شىء غير ذلك.
 
مع أن الأداء هو أحد عناصر نجاح العمل الفنى أو سقوطه وليس كل العناصر بالإضافة إلى أن المخرج مسئول مسئولية كاملة أولاً عن اختيار الممثلين وعن توجيههم لقطة بلقطة ومشهدا بمشهد.. كما أن رسم الشخصية الدرامية بأبعادها المختلفة هو أهم مهام المؤلف وبالتالى فهو مسئول مسئولية كاملة عن الصورة التى ستظهر عليها الشخصية، فلو أنه رسم شخصية «عبدالناصر» كزعيم يتمتع بكاريزما كبيرة قادرة على التأثير والحسم واتخاذ القرارات المصيرية والتى يمكن التعبير عنها بمواقفه السياسية وأحاديثه وحواراته وشكل علاقته بالآخرين لما استطاع الممثل أن يحولها عنوة ودون رقيب إلى تلك الشخصية المتخاذلة والمتهافتة التى ظهر بها.
 
ولو أنه رسم شخصية عبدالحكيم عامر كما يعرفها كل من عاصروه حيث يتميز بخفة الظل والعواطف الجياشة والود الطاغى وحب الحياة لما أعاد الممثل صياغتها لتصبح النقيض فيغلب عليها الانفعال والحدة والعصبية البالغة.