الخميس 23 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
د. مصطفى حفنى .. اكتشف مؤامرة تدويل القناة وطالـب بإنشاء وزارة شئون قناة السويس!

د. مصطفى حفنى .. اكتشف مؤامرة تدويل القناة وطالـب بإنشاء وزارة شئون قناة السويس!


لا أظن أن أحدا من الذين يكتبون عن قصة وتاريخ (قناة السويس) سوف يخطر ببالهم قصة المواطن المصرى (د. مصطفى الحفناوى)، وقد كانت قناة السويس غرامه وعشقه وحبه إلى الأبد
 
 ولا يمكن الكتابة عن (قناة السويس) بغير الكتابة عن (د. مصطفى الحفناوى) الذى ترجم حبه وغرامه وعشقه إلى كتاب يقع فى أربعة أجزاء هو أخطر وأشمل وأهم ما كتب عن قناة السويس وبلغت صفحاته حوالى الثلاثة آلاف صفحة، وقبل ذلك ذهب إلى فرنسا وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة باريس وكانت عن قناة السويس والقانون الدولى عام 1951.
 
 وعقب عودته إلى مصر أصدر «جريدة قناة السويس» وراح ينشر فيها كل ما كان قد حصل عليه من وثائق من أرشيف شركة قناة السويس
 باختصار شديد لقد كتب الرجل وقبل عامين من تأميم (قناة السويس) فى 26 يوليو سنة 1956 يقول بالحرف الواحد :
 
 إن شركة قناة السويس أبت إلا أن تكون دولة داخل الدولة، فهى ليست مجرد مؤسسة تجارية تدير الحركة الملاحية فى قناة السويس وتحصل رسوم المرور نيابة عن الدولة المصرية، كما كان المراد بإنشائها، ولكنها خرجت على الحدود الواردة فى الفرمانات وفى نظامها الأساسى، وتوسعت فى الإدارة والاستغلال إلى أبعد الحدود على حساب سيادة مصر واستقلالها، وقد أهدرت أحكام القانون ومبادئه الأساسية، ولا يمكن علاج هذه الحالة الصارخة إلا بزوال هذا المسخ الذى ليس له مثيل بين الشركات.
 
ولم يكتف (د. مصطفى الحفناوى) بذلك بل إنه فى خطوة غير مسبوقة تقدم إلى الحكومة عام 1951 وقبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 باقتراح إنشاء وزارة شئون قناة السويس وحدد اختصاص هذه الوزارة ومستقبل القناة ويضيف : (قد يكون من صواب الرأى أن تسند الوزارة الجديدة إلى أقوى رجل فى الدولة وهو رئيس مجلس الوزراء أو إلى نائبه على الأقل، فمصر تتصل بالجماعة الدولية عن طريق قناة السويس ويجب أن يكون هذا الاتصال عن طريق أقوى الشخصيات فيها.
 
لقد كان هدف (د. مصطفى الحفناوى) بغير لف أو دوران تصفية الشركة فى أقرب وقت مستطاع لأن وجودها متنافر مع سيادة الدولة على إقليمها
 
 باختصار شديد إنه يريد تأميم قناة السويس، وهنا بدأ انزعاج سفراء الدول الكبرى فى مصر، وطالب السلفير الأمريكى (جيفرسون كافرى) فى أحد تقاريره لوزارة الخارجية الأمريكية بـ (وضع حد لنشاط المحامى المصرى د. مصطفى الحفناوى) الذى اشتد ساعده واستفحل خطره !
 
 وقامت وزارة الخارجية الفرنسية بترجمة مقالات ومواد عدد كامل من جريدته (قناة السويس) وقالت فيه إن (الحفناوى) عدو المصالح الفرنسية فى مصر بل الد أعدائها وأنها لن تسمح لشركة فرنسية أن نستعين بهذا المحامى المصرى الذى ينفق أتعابه التى تدفعها له فى شن حملاته ضد شركة قناة السويس !
 
 وحاول وكيل الشركة الفرنسية فى القاهرة استمالته بالمال لكنه فشل !!
 
 كانت الصدفة وراء عشق (د. مصطفى الحفناوى) واهتمامه بموضوع قناة السويس، ففى عام 1946 وكان وقتها هو محامى (شركة قناطر إسنا) ودعته لزيارة لندن بالباخرة وكان هو المصرى الوحيد بين الركاب، وتصادف أن شاهد مواطنا إنجليزيا يتصدر المائدة فى الصباح ويقص على المسافرين أمورا عن قناة السويس بلغة جارحة لمصر والمصريين وغضب (مصطفى الحفناوى) وقال للرجل بهدوء : إن امتياز الشركة سينتهى فى عام 1968 وبعدها تسترد مصر قناتها، وثار الرجل وكاد أن يضربه وشاركه فى هياجه الأجانب الذين كانوا ينصتون لحديثه، وانسحب من المائدة من فرط الإهانة التى لحقت به حتى وصل إلى لندن !
 
 يقول (د. مصطفى الحفناوى) : طلبت من أحد مرافقى أن يصحبنى إلى إكسفورد لمشترى الكتب، ولما سألنى أى لون من الكتب أريد ؟ قلت : أريد أن اشترى كتابا عن قناة السويس !
 
 فإذا بالرجل يصطحبنى إلى دار من دور المحفوظات التاريخية كان موظفا فيها وهى خاصة بمحفوظات قديمة عن قناة السويس ويتردد عليها الباحثون، فما أن تصفحت أول ملف إلا وقد القى فى قلبى أن الله تعالى هو الذى رتب كل هذا، وقررت فورا أن التحق بجامعة أوروبية لدراسة القانون الدولى دراسة متخصص يعد رسالة علمية عن قناة السويس ويدافع فيها عن بلاده.
 
وفى هذه الفترة اكتشف (د. مصطفى الحفناوى) تفاصيل مؤامرة تدويل قناة السويس فيقول :
 (فى سنة 1950 كنت مستشارا صحفيا بسفارة مصر فى فرنسا، وعينت فى هذه الوظيفة خصيصا لغرض واحد كان يعرفه سرا رجل واحد عاوننى فى هذه المهمة، وهو الدكتور (محمد صلاح الدين) وزير الخارجية يومئذ الذى دبر معى هذه الحيلة وأنا مشغول بإعداد رسالتى لأتمكن تحت ستار دبلوماسى من الاتصال بشركة قناة السويس كى أنقب فى ملفاتها، وفعلا نجح التدبير وفتح لى (شارل رو) رئيس مجلس إدارة الشركة بنفسه محفوظات الشركة فى باريس متوهما أنى أعد كتابا عن القناة لمصلحة شركته الاستعمارية، وكشف لى عن أوراقه، وأوقفنى على فكرة التدويل وطلب قيام لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة تحل محل الشركة قبل انتهاء أجل الامتياز وأطلعنى على المشروع) !!
 
توجهت من فورى إلى السفارة وفى يدى تقرير بتفصيل ما دار بينى وبينه وعنوانه مؤامرة لتدويل القناة وطلبت من السفارة تحذير الحكومة المصرية وإرسال التقرير بالشفرة فورا إلى رئيس الحكومة. كان وقتها مصطفى النحاس باشا!!
 
 وفوجئ (مصطفى الحفناوى) بموظفين من السفارة يستجوبانه : من الذى أذن لك بالتوجه إلى الشركة ؟ وقالا إن التقرير سوف يسبب صداعا للسفارة وقد يسئ إلى العلاقات بين مصر وفرنسا.. (ومع ذلك أرسلت التقرير ونام فى ملفات الإهمال بوزارة الخارجية !!)
 
 وبعد عامين بالضبط افتتحت شركة قناة السويس مكتبا لها فى نيويورك بالقرب من الأمم المتحدة لكى تدرس لمصر فى المجال الدولى وتقوم الشركة فى صحف فرنسا وغيرها بنشاط فذ فى الدعاية والتبشير لمد أجل التزام شركة قناة السويس أو حمل الدول على اتخاذ خطة من شأنها إكراه مصر على قبول وضع آخر أشد خطورة من الوضع الحالى وذلك بأن تتألف لجنة دولية تتولى إدارة القناة ويكون لمصر فيها نصيب مهم !!
 
 ويمضى عامان ونصل إلى عام 1954 وتشاء الصدفة أن يستمع د. (مصطفى الحفناوى) عبر الوزير المفوض لإحدى الدول الملاحية التى تستخدم سفنها قناة السويس، كان اللقاء يوم 25 يونيو سنة .1954
 
وحسب ما كتبه د. (مصطفى الحفناوى) فى الجزء الرابع من موسوعته (قناة السويس) ومشكلاتها المعاصرة» فإنه قد اجتمع بالوزير المفوض فى مصر بدار المفوضية الذى أعرب له أن بلاده فى مقدمة حكومات الغرب المعنية بالإدارة المشرفة على قناة السويس ومصير هذه الإدارة عند انتهاء أجل الالتزام فى 16 نوفمبر سنة 1968 وأن الأربعة عشر عاما المتبقية من أجل الالتزام لا تكفى الحكومة المصرية لإعداد إدارة مصرية تقوم بإدارة الملاحة فى القناة مستقبلا!
 
والحل الذى نراه هو أن تشكل قبل نهاية الالتزام لجنة دولية تحل محل شركة قناة السويس ونحن ـــ أى الوزير المفوض ننتظر أن تتقدم مصر بمحض إرادتها واختيارها تدعو الدول إلى اتفاق تعقده لتنظيم هذا الأمر، وأن مصر تستطيع فى هذه اللجنة أن تكون صاحبة كلمة مسموعة، كما أنها تستطيع أن تحصل على أكبر تصيب من الفوائد المالية.
 
ورد د.مصطفى الحفناوى عليه بأن هذا الكلام ليس جديد، وأنه سبق «لشارل رو» أن عرضه عليه ووصفه بأنه الحل الوحيد وأضاف إليه اقتراحا أخر هو جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس وحلول قوات دولية محلها تكون خاضعة لإشراف هيئة الأمم.
 
ووصف د.الحفناوى هذا الكلام بالكلام الفارغ وعاد ليشرح للوزير المفوض الرأى القانونى من حيث ملكية مصر للقناة والسيادة عليها وضرورة التفريق بين الملكية والوظيفة، لكن الوزير المفوض قال له: إن كل دولة تتنازل الآن عن قسط من سيادتها لخدمة المصالح العالمية، ونحن تنازلنا عن جانب من سيادتنا، وليس ثمة ما يمنع مصر من أن تتنازل عن قدر من سيادتها على القناة.
 
ويضيف د.الحفناوى أن هذا الرأى يشبه تماما رأيا فاجرا جاء على لسان المسو «أندريه سيجفريد» عضو الأكاديمية الفرنسية يقول فيه بالحرف الواحد: أن الفرد يضحى لصالح المجموع، وإذا كانت المصالح العالمية الملاحية فى قناة السويس تقتضى أن تضحى مصر، فيجب أن تضحى لصالح الجماعة الدولية، وأن الرجل الأبيض يجب أن يستبقى قبضته على قناة السويس.
 
وكان رد د.الحفناوى بعد مناقشات طالت هو قوله: لا نجد إلا حلا واحدا وهو أن تدار القناة بمعرفة الحكومة المصرية.
 
واختتم د.مصطفى الحفناوى تقريره الذى رفعه إلى الحكومة بتاريخ 28 يونيه سنة 1954 بالقول: وإنى كرجل وقف على طريقة تفكير أولئك الناس وأساليبهم وتوفرى ليل نهار على مسائل قناة السويس أقطع لسيادتكم بأنهم يبيتون شيئا يعدون له من الآن.
 
أعتقد أن الوقت قد حان لعمل شىء سريع حاسم فى هذا الموضوع أن هذه القضية جديرة بأن تحتل المكان الأول من سياسة مصر فى هذه الأعوام والحكومة حينما تبدأ بذلك فورا تكون قد أعلنت عمليا عن تصميمها على تسلم القناة من الشركة بأى ثمن وأنها جادة ولن تتهاون قيد أنملة.
 
كان رئيس الحكومة وقتها هو «جمال عبدالناصر» الذى تولى رئاسة الوزراء فى 17 أبريل 1954 عقب إعفاء اللواء «محمد نجيب» من هذا المنصب.
 
وبعد عامين بالضبط جاء قرار تأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 فى نفس الوقت الذى كان د.مصطفى الحفناوى قد انتهى من كتابة الجزء الثالث من كتابه وكتب معلقا.
 
إن هذا الإجراء التاريخى الذى اتخذه السيد الرئيس «جمال عبدالناصر» لم يكن بالنسبة لى مفاجأة غير متوقعة، فأنا أعلم من سنوات مضت أن سيادته كان دائم البحث والتفكير فى أمر شركة قناة السويس السابقة كقيد خطير من القيود التى فرضت على سيادة مصر، وأعلم أنه بعد بحث عميق للمشكلة أعد برنامجه ووضع خطته بمفرده، واختار الوقت الذى رآه مناسبا لتسديد ضربته المباغتة للاستعمار، ويأبى السيد الرئيس فى هذه اللحظات الحاسمة إلا أن يكون منصفا للعاملين من أبناء هذا البلد، ولن أنسى قط استدعاءه لى فى مساء 23 من يوليو سنة 1956 وكنت فى صميم الريف منصرفا للزراعة ليفض إلى نبأ قراره التاريخى، وكان الخبر وقتئذ محوطا بتكتم شديد، وكانت هذه الثقة الغالية أكبر عزاء لشخصى الضعيف.
 
وفى مذكرات المهندس «عبدالحميد أبو بكر» ثانى المهندسين الذين قادوا عملية تنفيذ تأميم القناة وإدارتها يقول: كان ضمن الكتب التى سلمها لنا الرئيس عبدالناصر كتاب الدكتور مصطفى الحفناوى «عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس بعد ذلك» يقع فى 728 صفحة ويركز على حجم الشركة وسيطرتها على منطقة القناة ويهتم بالمشكلات القانونية واقتراح إنشاء وزارة لشئون قناة السويس تقوم بأعمال التصفية والاستلام فى الفترة المتبقية من عمر الامتياز أى 12 سنة.
 
تحية لهذا المصرى الوطنى العظيم د.مصطفى الحفناوى.