
احمد باشا
كرسى فى الكلوب الرئاسى!
وكأنها عادة متوارثة من عهد الفراعنة الأوائل.. منقوشة على المعابد ومحفورة فى الجينات.. تحتل مساحة محترمة فى شخصيتنا.. ألا تكتمل لنا فرحة.. فى كل مرة يظهر رسول الشر وخليفة الشيطان ليمسح البسمة ويسكب الحزن والكآبة فوق رءوس المصريين.. عادة نسأل الله أن يقطع دابرها!
على مرمى حجر نستعد لأهم استحقاق سياسى يؤسس للجمهورية الجديدة، تفاءلنا واعتبرناها «بشرة خير» لمستقبل أفضل، بينما طيور الظلام التى عششت على مدار السنوات الثلاث الأخيرة تتآمر وتتحالف وتجتمع وتنتشر كالورم السرطانى فى المشهد السياسى لإفساده!
كنا أول من دافعنا وباركنا ترشح حمدين صباحى للانتخابات الرئاسية إثراء للحياة السياسية.. كنا نريدها تنافسية شريفة لنؤسس لنموذج ديموقراطى محترم لا يستقيم إلا فى وجود معارضة وطنية قوية، وأن تجد من يعبر عنها وعن تيارها ويمثلها فى أى استحقاق.. لكن شهوة المنصب والشبق السياسى واللهاث وراء الغنائم أعمى البصيرة وأصاب العقول بلوثة قد تدفعهم لمغامرة سياسية غير محسوبة، لن يدفع ثمنها إلا الوطن!
إذا مددت تصريحات المرشح الرئاسى حمدين صباحى على استقامتها ستنتهى بك إلى سيناريو كارثى.. الرجل المذعور تقمص شخصية «شمشون».. تأكد من خسارته الفاضحة بعد مؤشرات نتائج الخارج لتقضى على ما تبقى من سمعته ووهم نضاله المزعوم ومستقبله السياسى.. فيحاول إنقاذ ما تبقى من سمعته السياسية ليهدم المشهد تماما على رءوس الجميع!
استبق إتمام العملية الانتخابية وفترة الدعاية الشرعية، وأعلن من جانبه فوزه بالرئاسة وحدد نسبة مئوية، قال إن فرصته تزيد على 51٪ بما يخالف القانون ويعد مخالفة واضحة غضت عنها الطرف اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى جرمت وحرمت إعلان نتائج مسبقة، كما فعلها المعزول مرسى فى رئاسية 2012 ليحجز لنفسه فرصة التشكيك فى أى نتائج أخرى للجنة بعد انتهاء التصويت والفرز!
حسابات صباحى خانته بعد أن راهن على تنظيم الإخوان الإرهابى وشتات السلفيين، وما يطلق عليهم النشطاء والثوريين، بعد أن غازلهم على أمل أن يحقق خسارة بفارق ليس بالشاسع، تسمح له بعد ذلك أن يتقدم ليقود المعارضة ويصبح زعيما لها، وأن يقدم نفسه للعالم بأنه ورقة مستقبلية رابحة وله جماهيرية- مكذوبة- فى الشارع تجعلهم يعتمدون عليه ويدعمونه ولا تنقطع اتصالاتهم به، ويصبح شوكة فى ظهر النظام القادم وبديلاً جاهزًا له إذا تطلب الأمر!
لم يكن أمامه إلا أن يجد مخرجًا لنفسه أمام مؤيديه والرأى العام فى الداخل والخارج بعد أن لمست قدماه أرض الحقيقة فتقمص نفس أداء ودور شخصية الجزائرى بن فليس- الخاسر بفرق شاسع أمام بوتفليقة- وتبنى خطابه إلى حد التطابق، بداية من الهجوم على المرشح المنافس وإثارة شائعات حول كونه مرشح الدولة ومدعومًا منها وأجهزتها ووسائل الإعلام الخاصة المملوكة لأصحاب أموال مشبوهة على حد قوله، وكذا التلويح بالانسحاب والحكم المسبق على تجاوزات فى عملية انتخابية لم تتم أصلا!
فى ركن حرج يقف «حمدين»، ربما هذا يكشف ما جرى تسريبه إعلاميا على لسان «طارق الخولى» حول اجتماع مغلق كان أن عقد الأسبوع الماضى بمنزل «خالد داوود» القيادى بحزب الدستور وحضوره «زياد العليمى»- عضو مجلس الشعب السابق- و«علاء الأسوانى» والإعلامى «يسرى فودة» فى وجود صباحى نفسه!
وفيه كان الحوار عن ترتيباتهم للتعامل مع السيناريو الأسوأ بالنسبة لهم واكتساح السيسى أمام منافسهم، حيث تكلم «يسرى فودة» قائلاً لهم: «أنا بجيب الناس اللى مقتنعة بأفكارنا وضد حكم العسكر».. فرد حمدين: «مش كفاية لأنى حاسس أنى مش هاجيب أكتر من 2 مليون أو 3 مليون وبالتالى مش هاقدر أجيب 10٪ من إجمالى أصوات السيسى».. ثم اقترح عليهم «العليمى» بقوله: «إحنا نروج أن الانتخابات مزورة لصالح السيسى ونرسل رسالة للغرب إن دى بدايات الدولة القمعية المستبدة».. ثم اتفق الجميع على رأى «علاء الأسوانى» الذى قال فيه: «على صباحى الخروج فى مؤتمر صحفى بعد أول يوم فى الانتخابات الرئاسية ونحن وراءه ونقول إن النتيجة مزورة والصناديق مقفلة من خلال رجال ورموز وبلطجية النظام الأسبق مبارك»!!
لم يكذب الأسوانى خبرًا، وبالفعل لخص ما اتفق عليه فى الاجتماع، وهيأ الأرض عبر مقالته الأخيرة بجريدة المصرى اليوم التى أصر فيها على أن السيسى هو مرشح الجيش والدولة ويتمتع بانحيازهما، وأنه لا فرق بينه وبين مبارك بل يعتمد على رجاله، وأن العملية كلها تتم فى أجواء انتهاكية ومنحازة ضد مرشحه حمدين صباحى وأننا أمام تمثيلية وتجاوزات صارخة!
وزاد من الأمر أن هدد حمدين أنه فى حالة عدم فوزه ستقوم ثورة ثالثة، وهو تقريبا ما تبناه «بن فليس» الجزائرى محرضا الجماهير فى الجزائر، فى محلولة منهم لتأليب الشارع وعدم الاعتراف بالهزيمة النكراء، ولم يتبق لصباحى إلا أن ينفذ ما اتفقوا عليه فى اجتماعهم المشبوه، ويخرج معلنا عدم اعترافه بالانتخابات ونتيجتها والتشكيك فى نزاهتها وتشويها، ليكون بحق صورة طبق الأصل من «بن فليس»!
مهما كانت خسارة حمدين فخسارة الوطن أفدح إذا ما عقد العزم والنية أن يسير فى طريق الخطيئة، فلو تحققت سيفتح أبواب جهنم علينا بعد أن تضخمت ذاته وانتفخت لديه الأنا، وحقيقة الأمر لا هو يخطف اللباب ولا يشغف الألباب، لا هو أقام صلاة للمعارضة ولا نقض وضوءاً للنظام.. لو أنه زعيم كبير لالتف حوله الناس.. لو أنه سياسى مدهش لاجتذب الألوف.. لو أنه محنك حقيقى لتبدى فى تصرفاته بعض من المناورات.. فى حين أن كل ما يفعله يقود إلى خطايا تلو خطيئات.. كفر به كل رفاقه وزملاء تياره وانفضوا من حوله، فهم الأكثر إداركا وعلما بحقيقته!
«صباحى» بنى مجدًا من وهم، ارتدى عباءة عبدالناصر وتاجر بها وتربح منها، وكان أول من خان عهده ووعده.. سار فى ركب البرادعى الذى هاجم ثورة يوليو وقال إن «ناصر» اضطهد والده.. خيالات الزعامة جعلته ينشق عن الحزب الناصرى وسعى لتأسيس حزب بنفس الأفكار تحت لافتة تحمل اسم «الكرامة»، التى «مرمط» كل معانيها عندما خان أفكاره وأنصاره ومن انخدعوا فيه ومد يده فى يد الإخوان الإرهابيين رغم العداء التاريخى لمدرسته الفكرية التى يدعى أنه أحد تلاميذها البارين ومدرستهم من أجل 4 مقاعد فى البرلمان الساقط لا تسمن ولا تغنى من جوعه السياسى!
الأقدار وسوء التقدير وضعته فى مرتبة متقدمة بين مرشحى الرئاسة.. عاش النفخة الكدابة بكل تفاصيلها، حاول اللعب على كل الحبال وأن يعيد طرح نفسه رئيسا للبلاد، مستغلا سذاجة شباب غرر بهم، ورغبة إخوانية فى البحث عن حصان يمتطونه وإدارة أمريكية تقف ضد صالح الأمة المصرية.. يتهرب من فتح ملفاته القديمة وعلاقاته مع أنظمة كانت أكثر استبدادا ودموية وفسادا من مبارك، وهو يعلم ما ينتظره إذا نشرت تفاصيل صندوقه الأسود على الملايين الغفيرة، فلم نسمع له حسا عن الثورة السورية، ولم يفتح فمه عما جرى فى ليبيا ولا فى مصير ولى نعمته «القذافى»!
«صباحى» عد إلى رشدك وإن كنت أشك فأول الرقص «حنجلة»!!