السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فتحى غانم الرجل الذى خان الصحافة  لصالح الأدب!

فتحى غانم الرجل الذى خان الصحافة لصالح الأدب!


أعتز وأفخر بكل من عرفتهم وحاورتهم من نجوم الصحافة والأدب فى «روزاليوسف»، قرأت لهم وحاورتهم وعملت تحت قيادتهم، وتحولت معظم حواراتى معهم إلى فصول فى كتبى عن «الصحافة والثورة.. ذكريات ومذكرات».. و......
حاورت الأساتذة والنجوم: أحمد حمروش، وصلاح حافظ وفتحى غانم الذى تذكرته هذه الأيام حيث يجىء عيد ميلاده التسعين، «مواليد 24 مارس سنة 1924».
 
كان حوارى مع «فتحى غانم» من الحوارات التى أعتز بها، حاورته عن مشواره الصحفى، فحاورنى عن مشواره الأدبى، وطوال الحوار كان اعتزازه بالأدب أكثر من اعتزازه بالصحافة، وحفاوته برواياته أكثر من حفاوته بمقالاته، وكان يفخر بأنه أديب وروائى أكثر من فخره بأنه تولى رئاسة تحرير «صباح الخير» و«روزاليوسف» أو رئاسته لمجلس إدارة دار التحرير ووكالة أنباء الشرق الأوسط.
 
صدمتنى اعترافاته، لكنه قالها بصدق وحماس وقناعة كاملة، قال لى:
«أنا لا يهمنى على الإطلاق لقب «رئيس تحرير» أو «رئيس مجلس» إدارة ولكن ما يهمنى فى البداية والنهاية أن تتم محاسبتى وتقييمى على أساس ما كتبت من روايات وقصص، الصحافة أعطتنى مساحة لنشر رواياتى وهذا شىء مهم جدًا، وكان فى حسابى دائمًا، وإذا كان هناك عيب فى عملى كصحفى، فهو أننى لم أخلص للصحافة كصحافة، ولكننى استفدت من وضعى الصحفى لأنشر رواياتى، وحتى عندما كنت أصل إلى مركز صحفى كبير- رئيس تحرير أو رئيس مجلس إدارة- فقد كان ذلك يعنى وصولى إلى مركز أستطيع من خلاله نشر رواياتى، لأن فرصتى فى نشر رواياتى عن طريق الصحافة أكبر مما لو لم أكن أشتغل بالصحافة».
 
وعندما كنت أكتب فى أخبار اليوم أذكر أن «محمد حسنين هيكل» قال لى: أنا سايب آخر ساعة، وتتولى رئاسة تحريرها بدلاً منى!! ولم أقبل عرض «هيكل» برئاسة تحرير آخر ساعة، لكنى قبلت عرض الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» للعمل فى روزاليوسف وتركت أخبار اليوم، وكان فى ذهنى أننى فى «روزاليوسف» سأتمكن من نشر رواياتى!!
 
ومن الأشياء التى أذكرها وأحيى بها «إحسان عبدالقدوس» أنه نشر لى أول رواية مسلسلة وهى «الجبل» فى روزاليوسف، وكانت هذه أول مرة يقبل فيها «إحسان» أن ينشر رواية مسلسلة لأحد غيره فى روزاليوسف، وكان ذلك فى وقت مبكر وقبل صدور قانون تأميم الصحافة فى عز سلطة إحسان كصاحب للدار ثم نشر لى أيضًا روايتى «من أين» و«الساخن والبارد»!
 
ومن الوقائع ذات الدلالة البالغة التى توقفت أمامها طويلاً بالتأمل والدهشة لكنها من دروس الصحافة المهمة، يقول الأستاذ فتحى غانم فى حواره معى:
«ذات مرة كتبت عن قصة «الخيط الرفيع» لإحسان وقلت إنها ليست فنًا وبايخة فهدد إحسان بأنه لن ينشر لى، فقلت له: سلام عليكم ومشيت!! وكتب «سامى داود»- رحمه الله- بإيعاز من إحسان يهاجمنى، وعلمت السيدة روزاليوسف بما حدث وكانت تعرفنى جيدًا فقالت لإحسان: لماذا زعلت فتحى غانم؟!
 
فقال لها إحسان: لأنه شتمنى يا ماما!! فردت السيدة روزاليوسف عليه قائلة: وماله!
 
وأمرت السيدة روزاليوسف إحسان ابنها أن يتصل بى لأعاود الكتابة، وعدت ونشرت رأيى فى قصة إحسان، وكان ذلك درسًا لا أنساه منها له ولى، أن تقبل الآراء التى تختلف مع رأيك»!!
 
وبعد سنوات من حوارى معه كتب فتحى غانم هذه الواقعة البالغة الغرابة.
 
«أذكر الزميل الصحفى الذى أصبح رئيسًا لمجلس إدارة وكان سببًا فى دخولى مبنى المخابرات العامة لأول مرة فى حياتى بناء على استدعاء لى، ليفاجئنى بأنه كتب تقريرًا ضد إحسان عبدالقدوس يحتوى على أكثر من عشرين اتهامًا ويستشهد بى، وواجهته أمام المسئول الذى طلب سؤالى بأن تقريره كاذب وليس فيه اتهام واحد صحيح، وكان قد عرف بالخلاف الذى وقع بينى وبين «إحسان» فى العمل، فتصور أننى سأقف إلى جانبه ضد «إحسان»، وجاء «يوسف السباعى» يقول لى وهو فى حالة استياء من موقف صاحب التقرير أن مسئول المخابرات اتصل به وامتدح موقفى، لكنى لا أمتدح موقف أجهزة الدولة التى عرفت أخلاق هذا الصحفى ثم وضعته فى منصب رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة»!!
 
ويرحل الرئيس «جمال عبدالناصر» فى 28 سبتمبر 1970 وتبدأ مصر صفحة سياسية جديدة مع الرئيس «أنور السادات» الذى سرعان ما يتخلص من خصومه أو ما كان يطلق عليه وقتها «مراكز القوى» فى 15 مايو 1971 وهنا تبدأ صفحة جديدة من حياة «فتحى غانم» الذى يقول:
 
«استدعانى وزير الإعلام الجديد الدكتور «عبدالقادر حاتم» وقال لى بلهجة رقيقة: إنه يأسف للظروف السياسية التى تقتضى أن أترك رئاسة مجلس إدارة الجمهورية ورئاسة تحريرها، وجاء الصديق «مصطفى بهجت بدوى» يزورنى فى نفس اليوم فى بيتى، وقال لى: إن كل شىء سيكون على ما يرام وأنى أستطيع أن أكتب، وأرسلت مقالاً إلى الصحيفة التى كنت رئيسًا لتحريرها منذ أيام، وبعد يوم جاءنى فى الليل بعض العمال ومعهم بروفة المقال ومازلت أحتفظ بها وقالوا لى:
 
- عرفنا أنهم أخبروك أن العمال رفضوا جمع المقال، وهذا كذب، ها هو ذا المقال تم جمعه وتصحيحه، لكنهم يمنعون النشر ولا يريدون الاعتراف بذلك.
 
ابتسمت كنت أعلم أن هذه هى الرقابة على طريقة السادات!! المهم أننى جلست فى منزلى، وفى هذه الفترة كتبت رواية «زينب والعرش» ثم «حكاية تو» وفى نفس الوقت عدت إلى مقاهى الشطرنج»!!
 
 
فى سن الثانية عشرة بدأ عشق «فتحى غانم» للأدب وعالمه المثير، فقد كان والده صديقًا لعشرات الأدباء المشاهير وقتها: د.طه حسين، العقاد، د.حسين هيكل باشا، وكان يشاهدهم فى البيت يتحاورون ويتناقشون، وكانت نقطة التحول فى حياته يوم وفاة والده فرثاه العقاد، بقصيدة طويلة واكتشف أن خير طريقة للتعبير عن الحزن ومعاناة الفراق هى القلم، وفيما بعد اعترف قائلاً:
 
«صمدت أمام هموم حقيقية مثل موت ناس وانتهاء آخرين، وذهاب أناس ومجىء آخرين، وتغير الجو المحيط وما إلى ذلك، ماذا يفعل الإنسان حتى ينجو من أثر هذا إلا بالكتابة»!
 
كانت الكتابة- خاصة الرواية- هى الملجأ والملاذ والواحة التى يهرع إليها «فتحى غانم» من صراعات البشر وصغائرهم فكتب روايات: الجبل، من أين، الساخن والبارد، رباعية الرجل الذى فقد ظله، تلك الأيام، المطلقة، الغبى، زينب والعرش، حكاية تو، قليل من الحب كثير من العنف، بنت من شبرا، أحمد وداوود»، وغيرها من القصص القصيرة وآلاف المقالات الأدبية والنقدية بل والفنية وأيضًا السياسية.
 
انحاز «فتحى غانم» إلى الأدب ولم يتحمس كثيرًا لرحلته مع المناصب الصحفية التى كان أولها رئاسة تحرير «صباح الخير» واختتمها برئاسة تحرير «روزاليوسف» بالاشتراك مع مايسترو الصحافة العربية «صلاح حافظ» فى زمن الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى، لكن «السادات» ضاق بكل حرف وكلمة تنشرها روزاليوسف، خاصة موقفها من أحداث 18 و19 يناير عام 1977 والتى وصفها السادات بانتفاضة الحرامية وكتبت روزاليوسف تصفها بـ«انتفاضة شعبية» وفشلت حيلتها فى إطفاء غضب السادات عندما قالت فى تحقيقها الصحفى الشهير: «الحكومة أشعلت الحريق والسادات أطفأه».
 
وسرعان ما تغيرت قيادة روزاليوسف التاريخية: عبدالرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ وفتحى غانم، وقال السادات يومها: لم أعد أقرأ روزاليوسف!
 
هذا الموقف من الحاكم تجاه روزاليوسف جعلنى أستعيد هذه الواقعة وكما رواها لى فتحى غانم نفسه!! أذكر مرة وكان ذلك بعد فترة قصيرة من قيام الثورة أن محمد حسنين هيكل- رئيس تحرير آخر ساعة وقتها- كان يتناقش معى وكانت صلتى به تعود إلى سنوات ما قبل ثورة 1952 عندما عينت فى إدارة التحقيقات بوزارة المعارف وكان معى «عبدالرحمن الشرقاوى» و«أحمد بهاء الدين» وكان «هيكل» وقتها محررًا شابًا فى آخر ساعة ويأتى للحصول على أخبار تحقيقات الإدارة لينشرها- فكان «هيكل» يقول لى دائمًا وبقناعة مطلقة: الحاكم محتاج لصحفى يعبر عنه وسأكون أنا هذا الصحفى!! وكنت أقول له: إن الأدب أبقى وأفضل من السياسة!!
 
وكان يضحك ويقول لى خلاص أنت بتاع الصفحة الأخيرة وأنا بتاع الصفحة الأولى!!
«فتحى غانم»- رحمه الله- ظاهرة روائية يندر أن تتكرر!