الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
خطيئتك يا فضيلة المفتى

خطيئتك يا فضيلة المفتى


 أسوأ ما فى زيارة د. على جمعة للقدس الشريف بالنسبة للمعتدلين أنها منحت الفرصة للمتطرفين من أعداء الرجل. وهم كثيرون أن ينهالوا عليه نقدا وطعنا وتشكيكا فى مصداقيته.. بعد أن ارتكب خطيئة وطنية كبرى استجابة لنزوة فى ظنى أنها نزوة شخصية محضة نابعة من اعتزاز الرجل الزائد على الحد بذاته. واعتقاده بقدرته على فعل ما يرى أنه صواب.
 
وأسوأ ما فى زيارة الرجل بالنسبة للمتطرفين والمتزمتين وكارهى شركائهم فى الوطن أن هذه الزيارة ربما سترغمهم على الترحم على قداسة البابا شنودة بابا الأقباط الراحل الذى حرم على نفسه وعلى شعبه من الأقباط الحج إلى كنيسة القيامة وزيارة المدينة المقدسة رغم كل الضغوط والإغراءات التى واجهها الرجل منذ زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977 وحتى رحيل البابا شنودة نفسه منذ أسابيع قليلة.
 
 
على فضيلة المفتى إذن أن يعتذر والمشكلة أنه لن يعتذر لأنه لا يرى أنه ارتكب خطأ من الأساس، لكن الحقيقة أن فضيلة المفتى أخطأ خطأ قاتلا وفادحا حين ظن أنه يعبر عن نفسه. أو ظن أنه حينما يخلع زيه الرسمى ويترك العمامة والكاكولا ويرتدى جلبابا عاديا وطاقية رأس حمراء. فكأنه بهذا يغادر منصبه مؤقتا.. ويرسل رسالة مفادها أنه يعبر عن نفسه، والدليل أنه لم يذهب بالزى الأزهرى الرسمى الذى اعتاد الناس أن يروه به منذ أن تولى منصب مفتى الديار المصرية فى عام 1973 . والحقيقة أيضا أن خلع المفتى لزيه الرسمى وتفضيله أن يذهب مرتديا الجلباب والعباءة وطاقية الرأس الحمراء ليس سوى دليل ارتباك وشعور بالحرج لم يكن لفضيلة المفتى أن يضع نفسه فيه، مادام أراد أن يظل محتفظا بصفته كمفتى للديار المصرية.
 

 
 
∎ ولعل أسوأ ما فى زيارة فضيلة المفتى د. على جمعة للمسجد الأقصى، وهو مازال تحت الاحتلال الإسرائيلى أنها تأتى بعد ثورة خلعت رئيس جمهورية قال الإسرائيليون إنه كنز استراتيجى لإسرائيل. ومع ذلك لم يجرؤ د. على جمعة أن يذهب لزيارة الأقصى طوال ثمانية عشر عاما قضاها فى المنصب فى عهد مبارك. وكأن الزيارة التى جاءت بعد الثورة لا قبلها تقول ببساطة إن مبارك وإدارته كانت تستطيع ضبط أوراق الضغط والتفاوض والتطبيع مع إسرائيل بشكل أكثر دقة واحترافا وربما وطنية مما هو حادث الآن، وربما لا يكون هذا صحيحا بكل تأكيد، لكن الأكيد أن الأمر سيبدو هكذا، وإلا فلماذا امتنع د. على جمعة عن زيارة القدس طوال السنوات السابقة ثم أقدم على زيارتها الآن ؟
 
 
∎ ولعل هذا يفتح الباب لسؤال آخر وهو هل استأذن د. على جمعة من المسئولين فى الدولة المصرية التى هو أحد كبار موظفيها قبل أن يقدم على هذه الزيارة ؟
 
 
- وإذا كان استأذن ثم أقدم فهل يعنى هذا أن أحدا قد منحه الضوء الأخضر ليقوم بهذه الزيارة ؟
 
 
وإذا كان ذلك قد تم بالفعل، فهل لنا أن نعرف من هو الشخص أو المسئول الذى أساء التقدير ومنح المفتى الإذن بزيارة المسجد الأقصى، وهو تحت الاحتلال الإسرائيلى، وهل لنا أن نعرف ما هو المقابل أو ما هو التنازل الذى منحته لنا إسرائيل مقابل أن نتخلى عن هذه الورقة الخطيرة وأن نفتح الباب واسعا للتطبيع الدينى فى وقت لم تخط فيه القضية الفلسطينية خطوة واحدة للأمام إن لم نقل إنها لم تتوقف طوال السنوات الماضية عن التراجع للوراء.
 
∎ نعم كان على مفتى الجمهورية أن يستأذن سياسيا لأن ما أقدم عليه خطوة سياسية تمس الدولة المصرية كلها، وليس فتوى يصدرها أو رأياً يتبناه، حيث ساعتها لا يجب أن يحكمه سوى ما يقتنع به وما يستقر عليه ضميره. أما أن يركب فضيلة المفتى سيارة ويدخل لمدينة مقدسة ومحتلة تحت حراسة الجيش الإسرائيلى، فهذه خطوة سياسية بكل تأكيد إن كان قد قام بها دون استئذان فتلك مصيبة. وإن كان قد استأذن ووجد من يأذن له فالمصيبة أعظم.
 
 
∎ خطورة ما قام به د. على جمعة أنه لا يخصه وحده كشخص يريد أن يحصل على ثواب الصلاة فى المسجد الأقصى، ولعل الرجل أول من يدرك هذا حتى لو ادعى غيره. خطورة ما قام به أن الرجل بمنصبه الرسمى وبثقة الملايين فيه سيصبح قدوة لغيره من المسلمين سواء من عامتهم أو من خاصتهم حيث تفتح الزيارة الباب واسعا لمن يريد التطبيع مع إسرائيل سواء كان المسجد الأقصى هو هدفه الحقيقى أم لا ليذهب ويطبع ويتاجر ويتخابر إذا أراد، ثم تكون حجته أنه لم يذهب للقدس أو لإسرائيل نفسها سوى اقتداء بفضيلة المفتى الذى هو رمز للإسلام ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم الإسلامى كله.
 
 
∎∎
 
 
لن يقول واحد من هؤلاء أنه ذهب لإسرائيل بحثا عن عمل أو عن تجارة أو عن منفعة.. أو عن مصلحة.. ولكن سيقولون جميعا إنهم ذهبوا للصلاة فى المسجد الأقصى لأن ثواب الركعة فيه يعادل خمسمائة ركعة فى غيره كما قال فضيلة المفتى د. على جمعة وكما فعل.
 
 
∎ خطورة ما ارتكبه د. على جمعة أن آثاره لن تقتصر على المسلمين فقط لكنها ستمتد لشركائهم فى الوطن من الأقباط. إذا سيقول هؤلاء لماذا تحرمنا الكنيسة من الحج إلى بيت المقدس ومن زيارة مقدساتنا، مادام مفتى المسلمين لم يحرم نفسه من أن يحقق رغبته الشخصية فى زيارة المدينة المقدسة.
 
 
لن تستطيع الكنيسة المصرية أن تلزم شعبها بما التزمت به منذ عام 1977 حين قال البابا شنودة إن الأقباط لن يدخلوا القدس إلا ويدهم فى يد المسلمين وها هو مفتى الديار المصرية يدخل القدس ويده فى يد أحد أفراد الأسرة المالكة الأردنية لا فى يد أقباط مصر.
وبالتالى فلا أحد يستطيع أن يلوم أقباط مصر إذا تدافعوا فى العام القادم لزيارة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلى إن لم يكن بمئات الآلاف فبالملايين.
 
 
∎ خطيئة د. على جمعة الكبيرة والحقيقية أن الرجل تعامل مع نفسه كفرد وليس كممثل لمؤسسة كبيرة وعريقة. وخطيئته الأكبر أنه لم يدرك أن ملايين المسلمين والأقباط الذين سيسافرون للقدس أو لإسرائيل نفسها اقتداء به لن يحظوا بمثل المعاملة التى حظى بها من إسرائيل لرفع الحرج عنه وهؤلاء لن يصاحبهم أمراء من الأسرة المالكة الأردنية، ولن يدخلوا إسرائيل بشكل استثنائى دون أن تختم السلطات الإسرائيلية جواز سفرهم إلى آخر الحجج الاعتذارية التى ساقها المفتى ليدافع عن نفسه ويبرر فعلته.
 
الناس العاديون الذين سيقتدون بفضيلة المفتى سيذهبون إلى المطارات ونقاط الحدود وسيقفون فى الطوابير صاغرين فى انتظار التأشيرة الإٍسرائيلية على جوازات سفرهم، وهم حين يدخلون إسرائيل سيذهبون إلى القدس أو غير القدس حيث لا رقيب ولا حسيب. ولن توجد جهة مصرية مهما كانت مهارتها أن تراقب كل هذه الأعداد التى ستقتدى بفضيلة المفتى وتذهب للحج إلى إسرائيل.
 
 
∎ فضيلة المفتى د. على جمعة عندى غير متهم فى وطنيته ولا فى علمه.. ولكننى أعتقد أنه الكبر والكبرياء وهما صفتان تلازمان بعض الرجال وتقودان أحيانا إلى الهاوية.
د. على جمعة يجمع فى تكوينه بين رصانة العالم.. وشطحات الصوفى.. وقد جنت عليه شطحات الصوفية أكثر من مرة.
 
 
∎ على مفتى الجمهورية أن يقاوم صفة « الكبر » التى دفعته لارتكاب هذه الخطيئة الوطنية والسياسية والدينية. وأن يصدر بيانا للناس يقول فيه إنه اجتهد فأخطأ. وقدَّر فخانه التقدير وأن الشيطان قد تسلل له من باب حبه لنفسه، حيث فضل مصلحته كشخص يريد أن يحظى بشرف زيارة الأقصى على مصلحة أمته.. على فضيلة المفتى أن يعتذر أو يرحل.. وفى كل خير. ∎