التدوير التركى للقمامة الفضائية الإخوانية

أدم شاهين
إذا لم يكن الإعلام المصرى نقل أخبار انطلاق قناة «مصر الآن» آخر حبات عنقود «الإعلام الإخوانى الفاشل»، الذى انطلق من تركيا بتمويل قطرى، ما كان يمكن لأحد أن يسمع عن هذه القناة، التى عرف بها الناس عندما ذكرها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أحد لقاءاته مع الإعلاميين.
القناة التى انطلقت مساء الاثنين الماضى، هى نبت شيطانى ممسوخ جديد من سلسلة قنوات الإخوان، التى فشلت حتى الآن فى إحداث أى تأثير، والتى لا يشاهدها إلا أتباع الجماعة الإرهابية.
هذا الفشل بدأ يتحدث عنه العاملون فى هذه القنوات نفسها، لدرجة أنه أحدهم ويعمل فى قناة «مكملين»، واسمه محمد حسين، والذى سبق له العمل فى جريدة «الحرية والعدالة» قبل أن ينتقل إلى اسطنبول بدعم من التنظيم الدولى للعمل فى القناة الصفراء (نسبة لألوانها)، طرح سؤالا عبر صفحته على الفيس بوك، حيث يعمل ضمن الجيش الإلكترونى للإخوان فى تركيا، يقول فيه: «لماذا يفشل إعلام الإخوان وينجح إعلام الكنيسة»؟ مستشهدا بنموذجى «التحرير وأون تى فى»، على اعتبار أنهما من إعلام الكنيسة!
كم بلا كيف
الإجابة عن هذا السؤال، الذى وصفه الكثيرون فى تعليقاتهم بالغبى، وجد إجابة من بعض عناصر الجماعة الإرهابية فى اسطنبول، الذين قالوا إن هناك قنوات كثيرة بلا داعٍ، فهناك رابعة ورابعة مكملين، نسخة واحدة، وهناك الشرق ومصر الآن وستتبعهما الثورة، ضمن مجموعة باسم خفاجى، وثلاثتهم نسخة واحدة، ليس بها أى مضمون مختلف أو جاذب.
واقترح أحد الناشطين فى الجيش الإلكترونى الإخوانى، هو أحمد خضرى محمد، أن تدمج جميع هذه القنوات فى قناة واحدة.
أما المشكلة الأخرى التى تعانيها هذه القنوات فى نظر منتقديها من عناصر الجماعة الإرهابية فهى ضعف الكوادر والاعتماد على نفس فريق العاملين الذى ينتقل بين هذه القنوات، فيما يمكن تشبيهه بعملية تدوير القمامة.
تدوير القمامة
وأبرز وأحدث مثال على تدوير القمامة فى قنوات الإخوان فى تركيا محمد ناصر، الذى فشل فى إقناع إدارة قناة الشرق بالعمل كمذيع مع معتز مطر، لكن إدارة القناة رفضت، لأن هذه القنوات تعمل بأسلوب المذيع الواحد الرئيسى مع مجموعة من الهامشيين، وتكرر الأمر نفسه مع الإخوانى الفلسطينى الحمساوى سعيد الحاج، الذى يقدم برنامجا فى مصر الآن بعد أن لفظته الشرق، لتكتفى بمعتز مطر وطارق عبدالجابر.
تدوير القمامة فى هذه القنوات لا يتوقف فقط عند فريق العمل المقصور على العناصر، التى تتم تزكيتها من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وإنما امتد إلى الضيوف أيضا، وفى مقدمتهم سلامة عبدالقوى، الذى كان وكيلا لوزارة الأوقاف فى عهد المعزول محمد مرسى ومتحدثا رسميا باسم الوزارة، والذى يقدم برنامجا على قناة رابعة، وفى الوقت نفسه يظهر ضيفا على مصر الآن فى برنامج اسمه «من مصر»، رغم أنه يقدم من اسطنبول، وهذه ليست المشكلة، لكن الشيخ سلامة جاء ليقول إن الانضمام للجيش المصرى حرام شرعا، وليحرض الشباب المصرى على عدم الانضمام إلى الخدمة العسكرية، وذلك تزامنا مع انطلاق حملة «اخلع من الخدمة العسكرية» التى أطلقها الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعى.
وكان سؤال الحلقة هو: «هل قتل المصريين للجنود المصريين حلال أم حرام»، وقال عبدالقوى إنه لو تأكد للشاب أننا فى ظل حكم طاغٍ ومستبد فالأولى ألا يعاونهم بالعمل كمجندين بالجيش أو الانضمام للعمل فى الأجهزة الأمنية التى تخدم النظام الظالم.
أول القصيدة كفر
ربما تكون هذه هى المرة الأولى التى يجاهر فيها إعلامى بأنه كافر، لكن هذا هو الأسلوب الجديد لإعلام الإخوان الإرهابى، فقد كان افتتاح قناة مصر الآن، التى تعثر انطلاقها، لكنهم حرصوا على إطلاقها تزامنا مع احتفال المصريين بيوم ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتكون كما عبر القيادى الإخوانى جمال حشمت هى هدية الإخوان للسيسى، لأنها القناة التى مثلت «البعبع» بالنسبة له، على حد قوله، بدأت إرسالها بالكفر، ليكون أول القصيدة كفرا كما يقول المثل.
فقد كانت أولى كلمات المذيع محمد ناصر، التى تعتبره القناة نجم شباكها، فى برنامجه من مصر هى كالتالى: «أنا شخص كافر بدين محمد حسان، وأحمد الطيب، وعلى جمعة، وملك السعودية، وإله تواضروس».
«أنا شخص كافر بالدين الذى يعبده أحمد الطيب، والإله الذى يعبده محمد حسان، وإله على جمعة، أنا كافر بإله الناس دى، لأنها تعبد ديانة جديدة اسمها الأزهر، وكعبتهم الأزهر»!
وأضاف: «أنا كافر بديانة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كافر بالإله بتاعه، لأن إلهى يحترم النفس البشرية، سيدنا بلال بن رباح كان عنده آلهة كتير جدا، ولما أقنعه الرسول بالإسلام كلمه عن إله يحترم الإنسان».
«الرسول أقنع الصحابة بأن الإله اللى بيدعوه له إله رحيم منزل الرسالة لاحترام الإنسان»، مخاطبا ملك السعودية: «ملك السعودية أسقط ركنًا من أركان الإسلام لمجرد إن شخص يرفع شعار رابعة».
«أنا كافر بديانة محمد حسان، الذى لم يذرف دمعة على أى مصرى مات فى رابعة، هؤلاء يحملون الإيمان اللئيم، الإيمان اللى على جمعة لو نسى يصلى الجمعة ممكن يتخبط فى الحيط، وأنا كافر بديانتك يا على يا جمعة، ويا أحمد الطيب، لأنك اخترعت لنا الإسلام الوسطى، أنا معرفش يعنى ايه إسلام وسطى؟، وأنا كافر بإله وديانة تواضروس، وثقافة فاروق جويدة».
بداية فاشلة
اختارت إدارة القناة أن تبدأ إرسالها ببرنامج «من مصر» الذى يقدمه الإعلامى الكافر، الذى يقول مثل باقى الإخوان «أنا مش إخوان»، لكنه مع ذلك هرب إلى اسطنبول ويعمل فى قناة يقول التنظيم الدولى للإخوان المسلمين إنه يمولها مباشرة، رغم أن الأموال تأتى أيضا من قطر، لكن هذه هى أول مرة الأولى التى يقول فيها التنظيم على لشان جمال حشمت إن القناة ممولة من أمواله.
وبدأت القناة وسط خلافات حادة بين الحرس القديم للجماعة، وفريق العاملين، الذى ينتمى أغلبه لشباب الجماعة، والذى كان يرى أنه لا يجب أن تخضع القناة لتدخل من خارجها حتى لو كان من قيادات الجماعة، وهى نفس المشكلة التى كانت تعانى منها قناة «مصر 25» على حد تعبير العاملين بقناة مصر الآن، التى انتقل إليها كثير ممن كانوا يعملون فى قناة «مصر 25»، ومنهم محمد جمال.
وكان فريق العمل يتمسك بتأجيل إطلاق القناة لعدم جاهزيتها بعد، لكن التنظيم تدخل بتعليمات لمدير القناة أحمد عبده بضرورة بدء البث التليفزيونى وعبر الأقمار الصناعية مساء الاثنين، لتنطلق قبل ساعات من احتفال المصريين بيوم ميلاد الرئيس السيسى.
وكان من المقرر بث قناة «مصر الآن» فى الأول من نوفمبر الجارى، إلا أن عدم الجاهزية دفعت نائب مدير القناة الصحفى خالد بركات إلى تأجيله إلى اليوم الاثنين 17 نوفمبر، غير أن إدارة القناة التى تتمسك بوجهة نظر الجماعة فى إدارة القناة، رفضت التأجيل للمرة الثانية برغم أن بعض المشكلات المتعلقة بالتقنية والإعداد لم تعالج بعد.
إضراب العاملين
وبسبب هذا التباين فى المواقف أضرب 25 من أعضاء فريق العمل البالغ 40 شخصا، عن العمل بسبب ضغط خالد بركات عليهم ورفضه الاعتراف بوجود مشاكل فنية وتحريرية ومادية، ورفضه أية مطالب بتأجيل البث أو الاستجابة لطلبات المضربين، ما دفعهم إلى الاعتصام، وفوجئوا بعد ذلك بإغلاق أبواب المقر فى وجوههم، وفاجأهم مدير القناة أحمد عبده بقوله إن جماعة الإخوان أنشأت هذه القناة من أجل الدعوة، وأنه إذا كانت القناة ستصبح مصدر مشاكل فإن الجماعة ستغلقها، وأصر على منع العاملين، الذين صدقوا ما كان يقال لهم فى البداية من أنها قناة عامة مستقلة لا علاقة لها بالجماعة، من دخول مقرها والاعتصام بها.
ونتيجة لتفاقم الأزمة وخوفا من أن تؤدى إلى تعثر خروج القناة، تدخل جمال عبدالستار القيادى الإخوانى لمحاولة التهدئة وإنهاء الأزمة، وأدى النقاش بين الطرفين إلى تصاعد مطالب فريق العمل إلى التفاوض مباشرة مع قيادة الجماعة. وبحسب المصدر، رفع د. عبد الستار الطلب لأمين التنظيم بجماعة الإخوان المسلمين نائب المرشد العام محمود حسين، الموجود فى قطر، والذى رفض طلب العاملين للقائه، ما أعطى دعما لإدارة القناة.
وعلمت «روزاليوسف» أن المشكلة الأساسية التى أثارت غضب العاملين فى القناة هى الرواتب الضئيلة التى يحصلون عليها، والتى لا تصرف لهم بانتظام، فى الوقت الذى يحصل فيه مدير القناة ونائبه وبعض المذيعين على رواتب ضخمة.
أسباب الانطلاق
أما الإصرار على ظهور هذه القناة فى هذا التوقيت بالذات، فليس فقط لتتزامن مع يوم ميلاد الرئيس السيسى، وإنما أيضا من أجل تسخين الأجواء قبل الثورة المزعومة للإسلاميين التى تمت الدعوة لخروجها فى 28 نوفمبر الجارى، والتى يروج لها فى مصر وفى غزة فى الوقت نفسه.
وقد تم التأكيد على هذا الموعد خلال الاجتماعات التى عقدها محمود حسين نائب مرشد الإخوان المسلمين فى اسطنبول فى 27 و28 أكتوبر الماضى مع أيمن نور، والذى كان من أوائل من اتصلوا ببرنامج من مصر، الذى يقدمه محمد ناصر فى أول يوم لانطلاق القناة، لتتجمع بذلك خيوط المخطط الجديد لإشعال الفوضى وإشاعة عدم الاستقرار فى مصر والتى تقوم على أركان عدة منها فوضى المظاهرات فى الشوراع والتصريحات التحريضية التى بدأت تصدر عن محمد البرادعى المغرد الأكبر على تويتر، وأتباعه مثل خالد أبوالنجا، وخالد يوسف، التى توحى بأن مصر على أعتاب ثورة جديدة وأن شعبية الرئيس السيسى تتراجع، وحملة «اخلع» للتحريض على الجيش واستغلال أحداث سيناء وحادث لنش دمياط فى هذا الإطار، مع محاولات تكثيف الضغط الإعلامى من الخارج والإيحاء بأن قناة مصر الآن ستفلح فيما فشلت فيه كل قنوات الإخوان الأخرى، ولذلك يلقى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين بثقله وراءها، ويحاول من خلالها تعبئة القواعد التى دب فيها اليأس للخروج للشوارع من جديد.∎