350 قاضياً على قوائم الاغتيالات الإخوانية

ايمن غازي و إبراهيم الجيوشي
دراجة بخارية وسلاح نارى وملثمون.. على نفس طريقة إرهاب التسعينيات تم يوم الأربعاء الماضى اغتيال نجل «المستشار المورالى».
على بعد حوالى 600 متر من مخرج حى الجامعة المؤدى إلى خارج مدينة المنصورة كلها، وعلى بعد أقل من عشرين مترا من منزل قاضى اليمين فى قضية «المعزول» محمد مرسى تمت جريمة الاغتيال المرتبة، ولكن من المقصود تحديداً من الاغتيال؟ هذا هو السؤال المُلح جدا.
أجمع أهالى المنطقة والجيران والأصدقاء أن الشهيد «محمد المورالى» كان مثالا للأدب والأخلاق ولم يشعروا يوما أنه ابن لمستشار كبير حتى أثناء دراسته للحقوق لم يسع يوماً لفرض واستغلال وجاهة أبيه، وزملاؤه قالوا عنه إنه كان بعيدا كل البعد عن أن يشغل باله بمنصب والده ولم يسع يوما لأن يستغله وقالوا تعليقاً على عدم التحاقه بالنيابة وسلك القضاء رغم دراسته للحقوق أنه «مكبر دماغه» وهذا تشبيه مقترن بالتواضع، فضل بعد تخرجه فى دفعة 2010 بتقدير «مقبول» أن يتقدم لإحدى وظائف وزارة العدل فى محاكم المنصورة «موظف عادى».
يهبط «محمد محمود المورالى» بصحبة والده المستشار «محمود المورالى» فى الصباح للذهاب لقضاء بعض حاجاته مع والده، ولم يكن يدور بخلده هو أو والده أن رحلتهما القصيرة من المصعد للجراج ستكون هى الأخيرة، ينتظر «محمد» والده على مخرج الجراج ولم يكن يعلم أن لحظة خروج السيارة ستكون هى لحظة خروج الروح من الجسد.
مع خروج «المستشار» محمود المورالى بسيـارتـه مـن جـراج مـنـزله فـى شـارع عمر ابن عبدالعزيز فى حى الجامعة انطلقت رصاصات الغدر، أربع طلقات غادرة من سلاح نارى باتجاه السيارة تصيب إحداها ظهر الشهيد «محمد» مخترقة سويداء القلب ليسقط صريعاً فى الحال فيما وقف والده مذهولا غير مستوعب لما يجرى.
على بعد دقيقتين من مكان الحادث كانت الدراجة النارية تحمل القاتلين لطريق مخرج حى الجامعة «طريق الخروج من مدينة المنصورة كاملة» وسط حالة من الفزع والتعجب وبلا أى مقاومة أو اعتراض من قبل الأهالى غير المستوعبين أو رجال الداخلية الغائبين عن مسرح الجريمة رغم حالة الاستنفار الأمنى المُشدد على بعد أقل من 20 متراً خلف مكان الحدث حول منزل «المستشار حسين قنديل».
مع استبعاد احتمال أن تكون الجريمة جريمة قتل جنائى بفعل الطريقة المنفذ بها الجريمة ولأن الشهيد بالفعل مشهود له بالخير والطيبة يزداد اللغز تعقيداً ويكبر السؤال: من كان المقصود من «الاغتيال»؟
محاولة فك الطلاسم تبدو صعبة ومستحيلة، فالجريمة بلا آثار أو ملامح أو خيوط أو دليل للبحث.. جريمة بسيطة.. لكن شديدة الاحترافية.
بالنظر إلى حالة الهياج الإرهابية المنتشرة فى ربوع مصر كان لابد من الوقوف قليلا للتمعن فى الإجابة عن سؤال مهم جدا «من المهددون بالاغتيال اليوم فى مصر؟».
وكانت الإجابة البديهية على لسان المواطنين والسياسيين وحتى المسئولين أن مقاييس الاغتيال اليوم لم تختلف عن مقاييس إرهاب التسعينيات فى شىء ولكنها زادت رقعتها وفقط، فى التسعينيات كان الإرهابيون يستهدفون القضاة ولكن من يقف على منصات محاكماتهم وفقط، وضباط الشرطة ولكن من يلقى القبض عليهم أو يهاجمهم أو سجانهم وفقط، ولكل من يشترك فى القبض عليهم أو مهاجمتهم وفقط، أما اليوم فالدائرة شملت كل من يحمل على كتفيه وشاح القضاة أو الدبورة وعلى رأسه الكاب.
على بدوى أحد أصدقاء القتيل قال: أنا كنت زميلا للشهيد محمد المورالى فى الجامعة وأعرفه علم اليقين وقابلته فى أواخر أيام رمضان الماضى وكان كعادته مبتسما مرحا غير عابئ بهموم السياسة ولكنه متابع نظراً لأن «حى الجامعة» الذى يسكنه يشتهر بتظاهرات الإخوان وأنهم كانوا معتصمين فيه بالتوازى مع اعتصام رابعة فى القاهرة خاصة أنهم لم ولن يستطيعوا الدخول بتظاهراتهم فى المناطق الشعبية خوفا من فتك الأهالى الذى يكون غالبا أكثر ضراوة من مواجهة الشرطة وقوات الأمن ولكنه لفت انتباهنا إلى نقطة مهمة جدا وهى الثأر.
ويضيف «على بدوى»: فى نفس الحى والشارع ونفس المكان تقريبا سقط قتيل «الإخوان» الشاب «أسامة على عبدالعاطى» 14 عاما فى ذكرى ثورة 25 يناير من هذا العام، فهل من الممكن أن يكون الموضوع هو «الثأر» شاب مقابل شاب، ابن مقابل ابن؟ هذا هو التساؤل الذى لابد أن تضعه أجهزة الأمن فى حساباتها، كما يقول.
ويضيف «ر.ع» أحد القاطنين بجوار منزل المستشار «حسين قنديل» قاضى اليمين فى قضية المعزول «مرسى»: لا مجال للخطأ بين منزل المستشار «قنديل» والمستشار «محمود السيد المورالى» وذلك لعدة أسباب أهمها الحراسة الشديدة واللافتة للنظر حول منزل المستشار «قنديل» وثانيا أن منزل المستشار «قنديل» تعرض بالفعل لعدة محاولات بالاعتداء من قبل الجماعة الإرهابية على مدار الشهور الطويلة الماضية، ويضيف: ولكن لم لا نفكر أن ما حدث رسالة للجميع.. قضاة وأجهزة أمن؟
أو بالأحرى رسالتان وليست واحدة.
الأولى لرجال الأمن أن تأمينكم للمكان ليس كافيا وهناك ثغرات لإثارة الرعب فى النفوس، ورسالة ثانية للقيادة الأمنية القاطن فى نفس العقار «إنك لست بعيدا عن أيدينا».
مصدر قضائى مطلع كشف النقاب عن وجود عملية ممنهجة لاستهداف القضاة من جانب التيار القطبى «الإرهابى» والذى بدأ يصعد عملياته ضد القضاة خلال الفترة الأخيرة من خلال «إشعال سياراتهم.. ومنازلهم» أو استهدافهم بشكل شخصى من خلال الاعتداء عليهم بشكل يبدو وكأنه حوادث طرق عادية.
وكشف المصدر فى سياق معلوماتى أن هناك أكثر من محاولة تمت لاغتيال قضاة بالمنصورة وإحراق سياراتهم ومنازلهم خلال الأيام القليلة التى سبقت واقعة اغتيال نجل المستشار السيد المورالى رئيس الدائرة الأولى تعويضات بمحكمة استئناف القاهرة.. وسبقها حرق منزل رئيس نادى قضاة المحلة المستشار محمد البربرى.. وسيارته.. إضافة إلى حرق عدد من سيارات القضاة بنادى قضاة الإسكندرية.. إضافة أيضا إلى استهداف أحد القضاة بإحدى المحاكم الابتدائية والذى يقطن مدينة المنصورة ويعمل بالقاهرة وهو ما يعنى أن العنف الموجه ضد القضاة بالمنصورة يأتى فى سياق القبض على الكوادر الإخوانية القطبية التى تتمركز منذ سنوات طويلة بمحافظة الدقهلية بشكل عام والمنصورة بشكل خاص.
ورجح المصدر أن عملية الاغتيال سياسية وليست جنائية نظرا لقيام المستشار السيد المورالى بنظر قضايا التعذيب الخاصة بالسجناء الجهاديين والتكفيريين والذين أفرج عن بعضهم مؤخرا أو أولئك الذين قضوا مدتهم القانونية فى السجن مؤخرا وأقاموا دعاوى قضائية ضد الدولة ممثلة فى وزير الداخلية.
وفى ذات السياق حصلت روزاليوسف على معلومات موثقة بشأن استهداف القضاة خلال الفترة الأخيرة وتحديدا عقب ثورة يونيو، حيث تم إعداد كشوف خاصة بأسماء القضاة المستهدفين من جانب جماعة الإخوان الإرهابية بلغت حوالى 350 اسما فى مختلف الهيئات القضائية ويأتى على رأسها رؤساء بمحاكم استئناف القاهرة والإسكندرية والمحلة وطنطا، كانت قد سلمت منذ عام لمكتب إرشاد الجماعة الإرهابية بحجة خفض سن تقاعد القضاة.
اللافت فى هذا الاتجاه أن هناك محاولات لفهم عملية الاستهداف المتكرر تجاه المستشار حسين قنديل رئيس نادى قضاة المنصورة وعضو اليمين فى الدائرة الجنائية التى تحاكم الرئيس المعزول بإرادة شعبية إبان ثورة يونيو.. عملية التشابك بشأن ما تردد حول وجود صلة بين المستشار حسين قنديل عضو الدائرة اليمين التى تحاكم محمد مرسى بتهمة الهروب من سجن وادى النطرون إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير وأحد القضاة الذين وقعوا على بيان رابعة العدوية ورفض المستشار قنديل التدخل لوقف أعمال إحالته لمجلس الصلاحية من الدرجة الأولى بمجلس القضاء الأعلى.
بيان وزارة العدل نفسه أكد على معان عديدة منها التحام القضاة من جديد بشأن الاصطفاف الوطنى من أجل الدولة المصرية، حيث قال المستشار محفوظ صابر وزير العدل: إن استشهاد نجل المستشار محمود السيد المورالى برصاصة غادرة من إرهابى فقد كل خلق تدعو إليه الأديان السماوية وكل رحمة أمر بها الله ورسوله وكل انتماء إلى الوطن وأهله.
إن أصحاب المقام الرفيع قضاة مصر العظماء سيظلون أبدا رافعين قاماتهم العالية إلى عنان السماء مُصرين على صُون الأمانة التى يحملونها وأحكامهم كانت وستظل نصرة للحق ونبراساً من عدالة السماء، لن يثنيهم عن ذلك إرهاب خائن أو قول مغرض أيا ما كان القصد من ذلك سواء كان القضاة أو غيرهم عن عمد أو غير عمد من أهل مصر، فإن القضاء هو أيقونة هذا الوطن ودرته النادرة.