مدرسة التكفير

اللواء أسعد حمدي
لاشك أن ما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية فى مصر كان صادماً ومريعاً، فعلى الرغم من أن أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من ثورة 30 يونيو 2013 التصحيحية قد أحدثتا تطوراً إيجابياً فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا أن هناك كماً من السلبيات ظهر على السطح وأحدث آثاراً موجعة داخل المجتمع المصرى لم ترتق بالفعل إلى حالة من الانقسام، ولكنها أطاحت بشريحة من المصريين إلى الجانب المظلم والتى حوت بعضاً من الأشرار الطامعين فى السلطة باستغلال الدين وحوت أيضاً بعضاً من الجهلاء الذين تم تضليلهم وسقطوا فريسة للفكر المتطرف والإرهابى.
ولاشك أيضاً أن الإجراءات الأمنية التى اتخذت لحماية الأمن القومى المصرى من الأخطار التى هددته حالت دون أن تكون مصر نموذجاً مدوياً مثلما حدث فى بعض أقطار المنطقة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن وقد شملت تلك الإجراءات القبض على عدد من المصريين الذين شاركوا بالفعل فى محاولة زعزعة الاستقرار باستخدام جميع الوسائل المختلفة من مظاهرات غير مصرح بها وارتكاب أفعال إجرامية بحرق وتدمير منشآت الدولة وقتل وإصابة المواطنين.
ولاشك أيضاً أن القصاص لا مفر منه وبالقانون الجنائى لكى يكون هناك رادع يحقق حياة مستقرة داخل المجتمع المصرى، ولكننا فى مسار التصدى لهذا الإرهاب الأسود يجب أن ندرك ما يلى:
سرعة التقاضى وإصدار الأحكام حتى لو اضطررنا إلى اللجوء إلى المحاكم العسكرية وخاصة فى القضايا التى استهدفت العسكريين، وقد سبق اللجوء إلى ذلك فى السبعينيات والثمانينيات وكان لهذا أثر واضح فى الردع.
إن التعامل مع قضية التطرف فى الدين يجب أن يرتكز على مفاهيم أساسية وهى:
أ- أن هذا التطرف وباء ينتشر فى بيئة ملائمة ووفقاً لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ضاغطة تسمح بتنامى هذا التطرف وخاصة بين الشباب.
ب - أن الوقاية من هذا الوباء خير من العلاج بمعنى أن القضية ليست أمنية فقط، ولكنها تتطلب مواجهات فى جميع المجالات تكلف بها مؤسسات الدولة المختلفة (الأزهر والهيئات الدينية - وزارة الشباب والرياضة - المؤسسات التعليمية المختلفة.. إلخ) لحماية أبنائنا مسبقاً من الانخراط فى هذا الفكر الأسود.
ج- إن التوعية الدينية السليمة للعناصر التى غررت بها قادة التطرف ودفعها إلى التورط فى التظاهر والإضراب قد تؤدى إلى عدول تلك العناصر عن فكرها المتطرف والانخراط فى المجتمع بفكر جديد ومتوازن شريطة ألا تكون قد ارتكبت أعمالا إجرامية خاضعة للقانون الجنائى.
إن التصدى للتيارات الإسلامية المتطرفة كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والتكفير والهجرة وتنظيم الفنية العسكرية فى السابق قد صاحبه اعتقال عدد كبير من الشباب ووضعوا فى السجون لفترات زمنية طويلة كان منهم الكثير من المغرر بهم والذين حضروا اجتماعات تنظيمية دون أن يكونوا مثقفين فى البداية بهذا الفكر إلا أنه أثناء تواجدهم فى السجون تعرضوا للتأهيل من قيادات تلك التيارات المختلفة وتم بناء خلايا التطرف والإرهاب وكانت تلك العناصر تطلق على السجون شعار (مدرسة التكفير) وأصبحت تلك العناصر الشبابية أشد إيماناً بهذا الفكر، وأشير هنا إلى ما يلى:
أن الإرهابى شكرى مصطفى ألقى القبض عليه فى عام 1964 ضمن تنظيم سيد قطب وكان طالباً فى كلية الزراعة وقد أسس وهو فى السجن تنظيم جماعة المسلمين والتى أطلقت جهات الأمن عليه تنظيم التكفير والهجرة وضم عناصر من المنشقين عن الإخوان المسلمين، وقد اختلف عمر التلمسانى المرشد الأسبق للإخوان معه وهو فى السجن وأجرى معه مناظرة داخل السجن حول أفكاره المتطرفة.
أن قرار انضمام تنظيم الجهاد إلى عبدالله عزام والمشاركة فى الحرب الأفغانية اتخذه أيمن الظواهرى خلال تواجده فى السجن فى الثمانينيات والذى أدى فى النهاية إلى انضمام أيمن الظواهرى إلى أسامة بن لادن فى تنظيم القاعدة.
أن ترسيخ فكر تنظيم الجهاد والذى ورد فى كتيب الفريضة الغائبة والذى أعده محمد عبدالسلام فرج قد تحول إلى هيكل تنظيمى شامل وكذلك ميثاق العمل الإسلامى الذى أعده ناجح إبراهيم كمنهج للجماعة الإسلامية.
إن معظم عناصر تنظيمى الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الذين ألقى القبض عليهم فى عام 1981 وعقب اغتيال الرئيس السادات صدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدة ثلاث سنوات لانتمائهم إلى تنظيمات غير مشروعة وأفرج عنهم فى عام ,1984 حيث خرجوا أشد تنظيماً ومارسوا أعمالاً إرهابية استمرت حتى نهاية التسعينيات.
إن المراجعات التى قام المرحوم اللواء / أحمد رأفت (مباحث أمن الدولة) مع قيادات الجماعة الإسلامية والتى أدت إلى إعلان الجماعة الإسلامية تراجعها عن أفكارها المتطرفة واستهدافها للسائحين الأجانب واستخدام العنف فى طرح أفكارها كانت لها أثر كبير فى إنهاء أعمال العنف والإرهاب مع بداية الألفية الثالثة.
ولهذا فعلينا أن ندرك أن الاستنفار الأمنى الذى حمى مصرنا الغالية من الانزلاق فى مسار التطرف والإرهاب يجب أن تصاحبه خطة إصلاحية شاملة، وأركز على مسار واحد منها وهو القيام بإعداد لجنة توعية خاصة للمسجونين حاليا فى عدة قضايا تشمل (عناصر أمنية - رجال قضاء - رجال دين - أطباء نفسيين - شخصيات عامة) تتولى عقد لقاءات مع العناصر التى ألقى القبض عليها وغير متورطة فى أعمال إجرامية مثل (القتل - الإصابة - التخريب) وذلك لمحاولة إصلاح أفكارهم وتأهيلهم للانضمام إلى صفوف المواطنين الصالحين بعيداً عن التطرف واضعين فى الاعتبار أن هذا ممكن ومستطاع، وواضعين فى الاعتبار أيضاً أن إصلاح هذا الشباب سيؤدى إلى إصلاح نفوس أقاربهم وذويهم أيضاً وهم فى النهاية شريحة من المجتمع المصرى.
خبير أمنى