النوبة التى لايعرفها أحد
رجب المرشدى
يتصادف إصدار كتاب «أيام نوبية» عن رحلة الباحثة النمساوية «أنا هوهينفارت» فى مناطق النوبة قبل بناء السد العالى.. مع مرور قرن من الزمان على تهجير أهل النوبة من بلادهم لإنشاء خزان أسوان اللبنة الأولى لإنشاء السد العالى.. مائة عام من التفرق والشتات عاشها - ولا يزال - يعيش فيها النوبيون بين حقوق ضائعة وثقافة فى طريقها للاندثار ولغة كان النظام السابق يرفض استخدامها رغم أنها كانت إحدى أدوات النصر فى حرب أكتوبر المجيدة.
حق واجب ودين مستحق على الحكومة أن توفى لأهل النوبة ما عليها من أموال، وقبل ذلك أن تصدر خطابات شكر لكل أسرة عانت من تفرق شملهم وأن تقدر تضحياتهم من أجل الوطن.
يشعر النوبيون بالمرارة فى حلوقهم منذ أيام عبدالناصر حتى الآن لا تزال تطوف بذكراهم « جبانة الحضانة » التى دفنوا فيها أطفالهم بعد أن غيروا البيئة التى عاشوا فيها من سوء طريقة الترحيل التى هجروا بها باعتراف لجنة مجلس الشعب فى ذلك الوقت.
كتاب «أيام نوبية» هو مجموعة كبيرة من الصور الملونة يرصد أهم ملامح المجتمع النوبى خلال ستينيات القرن العشرين من المسكن والعمارة النوبية إلى الزراعة وطرق الانتقال ومظاهر الحياة اليومية، مصحوبة بتعليق يصفها باللغتين العربية والنوبية وهى المرة الأولى التى يخرج فيها كتاب بحثى صادر من هيئة عامة باللغة النوبية والتى كان محظورا استخدامها من قبل النظام السابق.
يقول عادل موسى مدير مشروع توثيق التراث النوبى إن الباحثة «أنا هو هينفارت» طافت أرض النوبة شرقا وغربا، وسجلت بكاميراتها كثيرا من المشاهد التى توضح أسلوب حياة النوبيين فى موطنهم الأصلى، وقد وفدت إلى النوبة من جامعة فيينا فى أوائل الستينيات من القرن العشرين لتسجيل حضارة النوبة الإنسانية بصفتها أستاذة متخصصة فى علم الأجناس.
لافتا إلى أن البروفسيرة «آنا» احتفلت منذ ثلاثة أعوام بعامها المائة وقررت أن يكون احتفالها فى مصر البلد الذى أحبته، وأرادت أن تتوج هذا الاحتفال بتقديم جزء من تراثها البحثى إلى جهة مهتمة بالتوثيق والتسجيل فى مصر، ولما شعرت بدنو أجلها أوصت ابنة شقيقها أن تنفذ هذه الرغبة، وبالفعل قامت ابنة شقيقها بالحضور إلى مصر والتقت بالقائمين على مشروع توثيق التراث النوبى بمركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى وسلمتهم ما وثقته من حياة النوبيين المصريين.
خضع النوبيون لأربعة عمليات تهجير فى الأعوام 1902 و1912 و1933 و1964 من أراضيهم الأصلية لإقامة خزان أسوان والسد العالى، حيث كانت عمليات التهجير الثلاث الأولى دون رغبة النوبيين من خلال أمر عال بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، صدر فى 1 يوليو ,1902 وقد أدى بناء خزان اسوان إلى غرق 28 قرية نوبية فى الأعوام 1902 و1912 و1933 وفى عام 1964 وبالرغم من الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين بعض القرى النوبية والحكومة المصرية، والذى بمقتضاه تم نقل الأولى إلى أراض وبيوت جديدة فى قلب الصحراء، وهى الأراضى التى تختلف كلية عن أراضيهم وبيوتهم الأصلية والتى كانت تقع على نهر النيل، إلا أن ذلك الاتفاق كان فعليا دون إرادة النوبيين، وقدمت الحكومة تعويضا ضئيلا للغاية للنوبيين ومما هو موثق بشكل جيد أن الأراضى والبيوت التى حصل عليها النوبيون كبدائل لأراضيهم وبيوتهم الأصلية لا تفى بحاجتهم من أجل الحفاظ على ثقافتهم وهو ما اعترفت به لجنة تقصى الحقائق الخاصة بمجلس الشعب فى تقريرها.