الجمعة 23 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

إهدار 3.2 مليار جنيه باستخدام مواسير سيئة السمعة!

إهدار 3.2 مليار جنيه باستخدام مواسير سيئة السمعة!
إهدار 3.2 مليار جنيه باستخدام مواسير سيئة السمعة!


 
40 ألف متر مكعب من المياه انفجرت فى وجه المسئولين عن تجارب تشغيل مأخذ مياه محطة القاهرة الجديدة.. ارتفعت خلالها تحت مترو الأنفاق إلى منسوب مترين.. وأغلقت ممرا للمشاة أسفل المترو لمدة ساعة ونصف الساعة.
 
يسود الارتباك موقع العمل بالقرب من كورنيش المعادى بمنطقة طرة يوم الثلاثاء الماضى.. الذى يصله وزير الإسكان الرابعة عصرا ليتابع بنفسه محاولات السيطرة على المياه المتدفقة التى فشلت نتيجة عدم القدرة على غلق المحابس آليا أو يدويا.. لتنقذ العناية الإلهية المنطقة بتسرب المياه المتدفقة من مجرى الخور إلى نهر النيل مرة أخرى.
 
يسقط د. مصطفى مدبولى وزير الإسكان ورقة التوت التى تخفى عورات مشروع محطة مياه القاهرة الجديدة الذى كلف خزانة الدولة 2,3 مليار جنيه باجتماعه فى اليوم التالى لحادث الانفجار مع مسئولى قطاع مياه الشرب والصرف الصحى بالوزارة ومسئولى شركات المقاولات المنفذة وموجها كلامه للجميع: أنا مش عايز حد فى مكتبه.. كله ينزل الشارع يتابع حل مشاكل الناس.. وأنا - أى الوزير - هانزل أشوف بنفسى، مكتفيا بأن يوجه الجهاز التنفيذى لمياه الشرب باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الشركة المسئولة عن نظام التحكم بالمشروع «الإسكادا» وبحث إجراءات سحب الأعمال منها وإسنادها لشركة أخرى بعد تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها وآخر مهلة لها كانت منتصف الشهر الماضى.
 
ولكن هل يفلح ذلك فى استنقاذ مشروع قومى تم طرحه عام 2007 وكان من المفترض أن يدخل حيز الخدمة 2010؟.. ثم التحايل على ذلك من جميع الأطراف المشاركة فى التنفيذ باندلاع الثورة وتبعاتها حتى كتابة هذه السطور.. يتعاقب على هذا المشروع 6 وزراء «المغربى - البرادعى «1»، «2» - عبدالقوى خليفة - إبراهيم محلب وأخيرا د. مصطفى مدبولى».. دون أن يرى النور.. تبادل اتهامات بين الشركات المنفذة وهى ثلاث: «المقاولون العرب - حسن علام - مختار إبراهيم» والمسئولين عن تركيب نظام التحكم فى التشغيل، بل تهديد من المهندس إبراهيم محلب وقت توليه وزارة الإسكان بإحالة هذا الملف برمته إلى النيابة العامة ما لم تصدق الشركات فى تنفيذ التزاماتها مشمولا بالجهة المسئولة عن الطرح والاستشارى المسئول عن المتابعة والإشراف على التنفيذ دون إجراء حقيقى يردع الجميع.. اللهم إلا متابعة دءوبة من الرقابة الإدارية لم تتبلور حتى الآن.
 
تتحاور «روزاليوسف» مع جميع الأطراف - الشركات المصنعة للمواسير والاستشارى المشرف على التنفيذ، ومسئولى الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى وشركات المقاولات المنفذة للمشروع سواء خطوطه الناقلة التى تمتد لـ 34 كم بأقطار تتراوح بين 6,2 متر و2,2 متر، أو تلك المسئولة عن الروافع وحتى المحطة نفسها بنهايته.. يتفق الجميع على أن عدم وجود نظام آلى للتشغيل وتفرق المسئولية بين أكثر من جهة وراء المأساة التى يعانى منها ما يقرب من ربع مليون مواطن شاء حظهم السيئ أن يقطنوا بالقاهرة الجديدة، بالإضافة إلى تعطيل تنمية الامتداد الشرقى لها بمساحة 35 فدانا حصلت عليها شركات مصرية وأجنبية يهدد بعضها باللجوء إلى التحكيم الدولى.. ما لم تف الدولة بالتزاماتها.
 
د. على شريف مساعد وزير الإسكان لشئون المرافق لم يجد ما يرد به على أسئلتى حول أسباب الانفجار والجدول الزمنى لتشغيل المحطة إلا بالضحك!.. ولكنه ضحك كالبكاء كما يقولون «شر البلية»، قال: انفجرت «طبة» تم تركيبها بعد مأخذ المياه.. «شركة حسن علام عايزة الدبح»، فهى من ركب هذه الطبب.. وهى ليست الأولى التى تنفجر، بل سبقتها أخرى، لكن كانت فى الصحراء، وهى بالمناسبة صناعة تركية!
 
يكشف د. على شريف بعدا آخر من أبعاد مهزلة المحطة.. فيعترف بالفشل فى غلق المحابس لعدم وجود تيار كهربائى للمشغلات التى تم تركيبها عليها، فوقف الجميع مكتوفى الأيدى لولا عناية الله، لكنا فجعنا بكارثة فى هذه المنطقة الحيوية.
 
يستطرد ضاحكا: «الخط دا مبروك» بتحصل فيه حاجات كتير المفروض يدبحوا عجلين يمكن النحس يتفك!
 
ويؤكد مساعد وزير الإسكان لـ «روزاليوسف» أنه طالب د. مدبولى بتوجيه رئيس الجهاز التنفيذى المهندسة زينب منير بضرورة سحب الأعمال من شركة «أمسول» المتعاقد معها لتركيب الإسكادا وهو ما تم الأربعاء الماضى وإن لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
 
يواصل الشريف رواية فصول هذه المسرحية الحكومية الهزلية قائلا: صاحبة الشركة بتتهرب من الرد على تليفوناتى فجعلت الوزير يهاتفها بنفسه ويلزمها بالإسراع بالتنفيذ فردت عليه ذات الرد الشهير للمشير عامر: «برقبتى يا ريس»، ورغم ذلك الخط ضرب فى قطاع 1،2 لم نستطع غلق محبس واحد!
 
يتكتم الجميع داخل وزارة الإسكان والهيئات والشركات التابعة والمشاركة فى تنفيذ المشروع عما جاء بالتقرير الفنى الذى أعدته اللجنة المشكلة بقرار الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان برقم 259 لسنة 2014 الذى صدر فى مايو الماضى مذيلا بتوقيع أعضائه برئاسة د. حمدى إبراهيم الأستاذ بكلية هندسة عين شمس وزملائه د. أسامة هدهد ود.عماد إمام جامعة القاهرة، د. أحمد عبدالعزيز، د. محمد صبحى الأستاذين المساعدين بجامعة عين شمس والذى حوى تفاصيل فنية ترقى إلى أن تكون بلاغا للنائب العام.. بما تكشفه من تفاصيل يندى لها الجبين، حصلت «روزاليوسف» على نسخة منه.
 
يبلور تمهيد التقرير حالة القلق وعدم الاطمئنان التى غلفت خطاب تكليف اللجنة من الوزير التى أكدت أن الغرض منه الإفادة عن مدى ملاءمة وسلامة نوعية المواسير المستخدمة بالمشروع خاصة المسار الممتد بالقطاع الثانى بمنطقة زهراء المعادى بعد عداية السكك الحديد، حتى يمكن تشغيله بأمان.. مع بيان المناطق التى تمثل خطورة والحل الأمثل لها.
 
وقبل الغوص فى تفاصيل التقرير نكشف ما جاء بجدول تقييم المخاطر على مسار خط المواسير وضوابط الحد منها.
فيشير إلى ارتفاع معامل الخطورة بالقطاعين الأول والثانى من الخط وتشمل جنوب مساكن المعادى وجنوب ش 198 بالمعادى ومنطقة شمال سجن طرة، جنوب عمارات زهراء المعادى، جنوب نادى وادى دجلة مرورا بالمنطقة الصناعية بزهراء المعادى، غرب مدينة بيتشو أمريكان السكنية، شرق منطقة سكنية لم يتم تنميتها، مدينة بافاريا ومعرض للسيارات، عداية مدينة نصر ويحدها الطريق الدائرى شمالا ومناطق خدمية.. وجنوبا رافع أبوعويقل ومرورا بتقاطع محور الشهيد وطريق القاهرة - العين السخنة، وذلك فى القطاع الثالث من الطريق.. وجميعها من المواسير الـ GRP بأقطار 2,2 - 6,2 متر.
 
وطالبت اللجنة باستبدال الماسورة التى تم إصلاحها بأخرى صلب تطهير مخر السيل - استبدال الماسورة التى تم إصلاحها عدة مرات، أما مناطق الخطورة المتوسطة فشملت القطاع الثالث بجوار المنطقة الصناعية شمال القطامية ومن الجنوب بعض الأبراج الكهربائية.
 
تتتابع وتتتالى مفاجآت التقرير.. فيبرز أن من أهم الصعوبات التى تعرض لها مشروع خطوط القاهرة الجديدة عدم نجاح عملية اختبار المواسير قطر 2600 مم فى نسبة عالية من الوصلات تصل إلى 25٪ منها التى تم توريدها من إحدى شركتى التوريد بالمشروع «لقمة - المستقبل» ويكشف التقرير أنه مع إعادة الإصلاح فى عديد من الوصلات يثير شكا كبيرا حول حدوث تضرر فى بدن المواسير يؤثر على عمرها الهندسى.. ليس هذا فقط، بل حذرت اللجنة من احتمال ازدياد التسرب من الوصلات، وهو ما يؤدى إلى تيارات فى التربة تؤدى إلى ثقب الماسورة فى موضع النافورة المتكونة، الأمر الذى يؤدى إلى خطورتها على المنطقة المارة بها خاصة إذا كانت سكنية وتبعد فيها الماسورة عن المبانى وأساساتها بمسافات قليلة، وهو السبب الذى كان وراء مطالبة المصمم للمشروع باستخدام مواسير زهر مرن فى المناطق السكنية كبديل وحيد للتنفيذ.. وهو ما لم تأخذ به جهة الإسناد دون مبرر مفهوم.
 
وتوجه اللجنة التى شكلها وزير الإسكان لطمة قوية على وجوه كل من شاركوا فى هذا المشروع «الفضيحة» حيث تؤكد أن مواسير الـ GRP المستخدمة تصنف بأن لها معامل خطورة عاليا إذا مرت فى منطقة سكنية مع عدم توافر ارتداد كاف بين المواسير وأساسات المبانى المجاورة كما هو الحال فى بعض أجزاء القطاعين ,2 ,1 مشيرة إلى أن تشغيل خطوط المياه بصورة عاجلة ومؤقتة مازال ينطوى على معامل خطورة خاصة أثناء مرور المواسير فى المناطق السكنية.
 
محاذير مرعبة تضمنها تقرير لجنة تقييم خطورة المواسير على مناطق المشروع فتشير إلى خطوط مواسير نقل المياه ذات القطر الكبير تعمل تحت ضغوط عالية تمثل خطورة على المناطق التى تمر بها، ويختلف الضرر الناجم عنها فى حالة التسرب الصغير عنه فى التسرب العالى الذى قد يؤدى إلى انفجار الماسورة وكسرها أو تفكك الوصلات نتيجة هبوط التربة أسفلها، وقد يولد هذا الانفجار فجوة فى سطح الأرض أعلى الكسر يصل قطرها لأكثر من 20 مترا.
 
تدفق المياه نتيجة كسر الماسورة بسرعة قد تصل إلى 150 كم/ ساعة يجعلها تصل إلى المبانى المجاورة وتسبب لها أضرارا فى وقت قصير.
 
قد يؤدى تيار المياه المندفع من كسر بالماسورة إلى فوران بالتربة حول وأسفل الماسورة الناقلة المجاورة، الأمر الذى قد يؤدى إلى انهيارها.
 
وأكدت اللجنة اختلاف الانهيار فى حالة المواسير GRP عنه فى الصلب، ففى الأول يؤدى التسرب متوسط الشدة إلى خروج الجوان المطاطى ونافورة من المياه تؤدى إلى احتكاك التربة بجدار الماسورة فى منطقة التسرب إلى حدوث ثقب وتآكل فى جدارها.
 
وفى جميع الحالات أكد التقرير أنه لتخفيض معامل الخطورة المحتمل ينبغى تركيب برنامج الإسكادا الذى يقوم برصد ومتابعة حالة المواسير والمحابس والطلمبات.
 
فيما يؤكد د. عبدالقوى خليفة وزير المرافق السابق أنه لا يجب تشغيل هذه الخطوط الناقلة للمياه إلا بعد الانتهاء تماما من تركيب نظام التشغيل والمتابعة الآلية لها، مشيرا إلى ضرورة إعادة النظر فى تنفيذ الخط العاجل من الصلب بقطر 100 مم لحين إنهاء المشروع الأصلى.
من جانب آخر علمت «روزاليوسف» أن شركة طورشيما اليابانية مع شركة المقاولون العرب قدمتا عرضا لوزير الإسكان بأن تقوم بتركيب وتشغيل برنامج «الإسكادا» على مرحلتين الأولى «العاجلة» وتستغرق ثلاثة أشهر والدائمة وتستغرق عاما كاملا مقابل 11 مليون دولار، أى نحو 80 مليون جنيه، وما يثير الدهشة ما يتم تناقله داخل الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى من أن تحالف طورشيما والمقاولون العرب سيسندان تصميم وتركيب هذا البرنامج لشركة ABB من الباطن التى سبق أن تقدمت للتنفيذ فى مرحلة سابقة مقابل 5,28 مليون جنيه فى التقييم المالى، لكن تم الترسية على الشركة «اللغز» «أمسول» بفارق 300 ألف جنيه والمعنى فى بطن الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى.