«بعبع » الأسر الحاكمة !

محمد الجزار
المصريون مقبلون على رئيس جديد واضعين فى ذهنهم جميع السيناريوهات القديمة، خصوصا المتعلقة بلقب سيدة مصر الأولى، الرئيس محمد نجيب لم يسمع أحد عن أسرته فزوجته اكتفت بدورها فى استقبال زوجات الحكام والمسئولين، وعندما عزل تدهورت أحوال أبنائه فابنه فاروق توفى خارج مصر وابنه يوسف فصل من القطاع العام وعمل سائق تاكسى، أما عبدالناصر فكانت لديه رغبة فى إبعاد زوجته تحية كاظم وأولاده الصغار عن عالم السياسة والمال ولم يستفيدوا من القطاع العام، أما السادات فكان صاحب الظهور الأول لسيدة مصر الأولى على الطراز الأوروبى، فكان لها تواجد فى الشارع المصرى وشاركت فى لقاءات زوجها بالمثقفين والسياسيين، فكان حضورها مؤثرا.
ثم جاءت سوزان مبارك ونجحت فى لعب دور سيدة مصر الأولى، ومع ضعف مبارك ورغبة علاء وجمال فى السيطرة على كل شىء برز نفوذها واستولت هى وعائلتها على كل شىء، حتى طمعت فى توريث الحكم إلى الابن الذى ارتضى بالأوراق السياسية تاركا الاقتصادية لأخيه علاء، إلى أن تحطمت أحلامهم على صخرة الثورة ثم جاء المعزول مرسى الذى شعر أبناؤه وزوجته بنهم إلى السلطة فاعتدى ابنه على ضابط بكمين لأنه ابن الرئيس وأم أحمد تصرفت ببذخ لم تكن تعتاد عليه ففى إحدى جولات العائلة صرفت 20 مليون جنيه على حفلات طابا وسرعان ما تحولت سيدة مصر إلى محرض النساء على الإرهاب.
مرشحا الرئاسة الحاليان، أحدهما لا يفضل إرهاق زوجته، والآخر زوجته تستعد لهذا الدور فلها دور بارز فى منظمات المجتمع المدنى.
أسر الرؤساء فى مصر من نجيب حتى القادم أمر يشغل المجتمع المصرى بين الخوف من عودة عائلة مبارك وتمنية النفس بنموذج عبدالناصر، ورغم أن الأمر مختلف فأبناء عبدالناصر كانوا صغارا، أما أبناء حمدين والسيسى فكبار ولهم حضور، وعلى الجميع انتظار النموذج القادم.
الراحل محمد نجيب لم يظهر بأسرته على المصريين وزوجته عائشة لبيب أنجبت له أولاده فاروق وسمية وعلى ويوسف واقتصر دورها فى فترة رئاسته على استقبال زوجات الحكام وكبار المسئولين، ولم يسمع أحد عن أسرة نجيب لقصر فترة توليه الرئاسة، التى بدأت 18 يونيو 53 وانتهت 14 نوفمبر 1954 ثم عزله، وقد تعرض أولاده لظروف صعبة.
وجاءت تجربة عبدالناصر وزوجته تحية كاظم التى تزوجها عام 1944 التى تنتمى إلى جذور غير مصرية، أنجب منها منى وهدى وخالد وعبدالحكيم وعبدالحميد، وخلال فترة رئاسة عبدالناصر لم يلحظ المجتمع أى دور أو تواجد للعائلة على المستوى السياسى والمالى لرغبة عبدالناصر فى ذلك، وصغر سن أولاده خلال فترة حكمه، وإن كان عبدالحكيم قد أتيحت له فرصة المشاركة فى الإعداد لبناء السد العالى فى اللجنة المعدة للمشروع، وبعد رحيل عبدالناصر ظهر دور أولاده فى عدة فعاليات مختلفة.
ومع بداية عهد أنور السادات ظهرت تجربة سيدة مصر الأولى من خلال جيهان السادات رغم أنها الزوجة الثانية، لكنها تمكنت من لعب أول أدوار السيدة الأولى لثقافتها الأوروبية وأبعدت السادات عن زوجته الأولى إقبال ماضى وبنتيه كاميليا وراوية، وقد ظهرت معاناة الزوجة الأولى للسادات وبنتيه فى كتاب «أنا وأبى» لكاميليا السادات ولعبت جيهان السادات كل الأدوار السياسية بالنزول إلى المجتمع والاهتمام بقضايا المرأة لدرجة صدور قانون الشقة من حق الزوجة.. جيهان تزوجت السادات عام 1951 وأنجبت منه ثلاث بنات هن جيهان ولبنى ونهى وولدا وحيدا هو جمال، ويبدو أن عائلة السادات تحترم الاسم وتحب تكراره مرة أخرى لدرجة تسمية إحدى البنات بجيهان، وقد كانت جيهان السادات مثيرة للجدل فى التواجد القوى بالشارع المصرى ومشاركة السادات فى لقاءاته بالساسة والمثقفين، وأحدث حصولها على الدكتوراه أزمة كبرى فى جامعة القاهرة.
وبعد ذلك حكم مبارك وأولاده وزوجته سوزان مبارك، وطول الفترة التى قضاها مبارك فى الحكم أفرزت توحش أولاده وزوجته، احتفل بعيد ميلاده 86 منذ أيام، مبارك استمر حتى 2011 ثلاثين عاما يحكم حتى شاخ كل شىء، هو نفسه ورجاله، وإن رأى الجميع أن الفترة الأولى من حكم مبارك التى تقدر بخمسة عشر عاما كانت جيدة، لأن سوزان لم تكن ظهرت على المشهد السياسى بقوة، وكان نجما طرة علاء وجمال أيضا فى عزلة عن تفاصيل الحياة السياسية حتى غلبت الرغبة للاعبة الباليه التى تمنت التمثيل بمراسلة إحدى الصحف بالرغبة فى التمثيل ولم تنجح فنجحت فى لعب دور سيدة مصر الأولى بنجاح منقطع النظير، ومع ترهل الفرعون وتعرضه لأزمات صحية الواحدة تلو الأخرى وتناطح الشابين جمال وعلاء والرغبة المدمرة فى السيطرة على كل شىء، تسيدت سوزان وعائلتها المشهد وأصبحت عائلة ثابت وابنى مبارك هى التى تحكم مصر ودخل علاء وجمال فى كل شىء: وأصرت سوزان على توريث الحكم إلى الفرعون الجديد من الفرعون المريض، حتى انفجر المجتمع وقامت ثورة يناير 2011 ضد أسرة مبارك ورجاله وكل الفسدة لتكتب نهاية فترة فساد طويلة امتدت لـ 30 عاما، وفشلت سوزان وانتهت العائلة إلى سجن طرة.
وصدمنا بالمعزول وجماعته فى غفلة الحلم وجاء مرسى وزوجته نجلاء محمود الشهيرة بأم أحمد وأولاده الخمسة منهم اثنان يحملان الجنسية الأمريكية وعبدالله أصغرهم ومن حسن الطالع ألا يستمر مرسى فى الحكم سوى عام لأن أولاده مارسوا أعمالا لا يمكن أن تصدر من أبناء رئيس للجمهورية، وهذه العائلة كانت سوف تصبح أكثر سوءا من عائلة مبارك لو استمر مرسى فى الحكم، وفشلت أم أحمد فى لعب أى دور لسيدة مصر الأولى، بل قادت نسوة الجماعة فى التحريض على العنف والإرهاب بعد عزل زوجها والقبض عليه وارتاح الشعب من نموذج جديد لعائلة رئيس كانت سوف تدمر أمورا كثيرة.
لكن الأمر الآن فى مصر مختلف مع الرئيس المؤقت عدلى منصور وهو يشبه كثيرا د. صوفى أبوطالب الذى تولى حكم مصر 8 أيام عقب اغتيال السادات فى أكتوبر 1981 والمستشار عدلى منصور أبعد عائلته عن المشهد السياسى بشكل عام حتى فى المناسبات العامة والخاصة وينتظر الانتهاء من تنفيذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات الرئاسية ليكون هناك رئيس جديد لكن الكاميرات رصدت ظهور إحدى بناته فى حفل ما!.
والمصريون يحبسون أنفاسهم خوفا من عودة سيناريو أسرة مبارك مع أى مرشح ويتمنون سيناريو عبدالناصر وزوجته السيدة تحية، وإذا نظرنا إلى المرشح حمدين صباحى وزوجته سهام نجم فابنه محمد مخرج شاب، وسلمى ابنته مذيعة بدأت فى دريم من خلال برنامج «شبابيك»، وله حفيدة من سلمى اسمها حلم، وربما هى الحلم المشروع لوصول حمدين لقصر الاتحادية، وهى أسرة معروفة إعلاميا من خلال الصحفى الكفء حمدين والزوجة الناشطة فى مجال المجتمع المدنى والمذيعة سلمى والمخرج وأصدقائهم، وإن كانت قضية سلمى فى شبكة النصب الإلكترونى مازالت تؤثر على حمدين رغم أنها مثل الجميع فى هذه القضية ضحية وجانية فى آن واحد، سلمى قد انتقلت من قناة لأخرى وارتبطت بزوج يعمل فى نفس المجال الإعلامى، ولم يبتعد محمد كثيرا بعد حصوله على ليسانس الحقوق، فدرس المسرح والإخراج ثم التحق بالعمل كمخرج وإن كان دائما ما يسعى إلى العيش خارج جلباب أبيه المرشح الرئاسى، وسلمى مازالت تثبت أنها لا علاقة لها بشركات النصب الإلكترونى وتتداخل فى جميع الأشكال الإعلامية لدعم والدها بكل الطرق، والأمر نفسه مع باقى أفراد الأسرة وانتظار سهام نجم لدورها كسيدة مصر الأولى.
وفى الجانب الآخر فإن عائلة عبدالفتاح السيسى وزوجته انتصار عامر ابنة خالته التى تزوجها مبكرا وطلب خطبتها منذ انتهاء دراسته الثانوية وتزوجها وأنجب منها أربعة أولاد: مصطفى الأكبر ومحمود وحسن والصغرى آية وهى عائلة تنتمى للجيش والبحرية وغير معروفة وعقب ثورة 30 يونيو وعزل مرسى دخلت العائلة دائرة الضوء، وإن كانت السيدة انتصار تفضل البقاء بعيدا عن الأضواء وهو ما يعنى أننا أمام نموذجين من الرئاسة الأول فى حالة فوز حمدين سوف نجد سيدة مصر الأولى متداخلة ومتشابكة مع المرأة والمجتمع وأبناء يعملون فى الإعلام والشهرة والأضواء، أما النموذج الثانى فإننا أمام سيدة أولى على طريقة تحية عبدالناصر وأربعة أولاد لا يعرفون الأضواء ويعملون فى مجالات الدقة والالتزام والضبط.
ويرصد هذا التوجس د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع بقوله: الخوف من تجربة أسرة مبارك وارد، لكن بنسبة قليلة جدا ولا مبرر له، لأن الزمن تغير ولا مقارنة الآن، فبعد ثورتين الحاكم القادم ستكون عيناه على الشعب والميدان وقديما كان الرئيس هو الوطن والأمة والفرعون والبطل، لكن الآن الوضع اختلف والمرشحان لا يملكان الخاصية السلبية التى كانت عند السابقين وكل مرشح وراءه تاريخ وأولاد الرئيس علاء وجمال كانا فى زمن فاشية وفشل وفساد، والأمر أيضا اختلف عن السابق، وانتهى زمن الفرعون بغير رجعة وعلينا أن نحسن الظن ونتمنى الأفضل لمصر مع رئيسها القادم.
د. هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع أكدت أن من يريد نموذج عبدالناصر سوف يسعى إليه، ومن يريد ما حدث لمبارك سوف يسعى إليه، ويكفى أن أولاد عبدالناصر رغم مرور 44 عاما على رحيل أبيهم لهم كل التقدير والاحترام، وأولاد مبارك فى السجن، ومن يريد تكرار مصير مبارك سوف يلقى الجزاء، وهناك أمثلة للسيسى عندما كان رئيسا للمنطقة الشمالية وزارته زوجته وأولاده قدم لهم غداء مختلفا فقام بمعاقبة المسئولين ورفض أكل أولاده للسحت ورفض التوسط لابنه فى الخارجية وهو رئيس المخابرات الحربية، والأمر نفسه لأولاد عبدالناصر.
د. صبحى عبدالحكيم أستاذ الجغرافيا الشهير ونائب رئيس جامعة القاهرة وبخ هدى عبدالناصر ومنعها من حضور المحاضرات إلا بعد إحضار ولى أمرها لكلامها أثناء المحاضرة، واكتشف د. صبحى أن عبدالناصر يرسل له خطابا يعتذر عن عدم الحضور ويطالبه بمعاقبة ابنته وأن تعتذر له فهو نموذج للتربية الجادة والسلوك المحترم، والجميع لن يقف صامتا أمام أى تجاوزات، وأوضحت زكريا أن ابتداع لقب سيدة مصر الأولى جاء من الغرب مع جيهان السادات ورفض عبدالناصر أن تدخل تحية العمل العام باعتبارها زوجة الرئيس، وسوزان مبارك استخدمت المنصب فى تلميع نفسها، وهو ما أدى إلى تدميرها وتدمير أسرتها بالكامل، وعلى الحاكم مراقبة بطانته وعدم الموافقة على ما يخططون له لأنهم دائما يعملون لصالحهم قبل أى شىء.