الإثنين 20 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من رمز للخلود إلى منصة للإبداع

الأهرامات مسرح عالمى

لم تعد منطقة الأهرامات مجرد موقع أثري يقبل عليه السائحون من كل مكان فى العالم بل أصبحت مؤخرًا وجهة مميزة لإقامة الحفلات الموسيقية الضخمة  فى أجواء ساحرة تخلط فيها عراقة التاريخ مع سحر الموسيقى والإبهار البصرى فى مشهد لا يمكن تصوره إلا فى منطقة الإهرامات. وهذه الحفلات تسهم فى إعادة إحياء دور  مصر التاريخى كمنارة للفن والإبداع ومركز للتاريخ والحضارة.



وقد شهدت منطقة أهرامات الجيزة هذا الأسبوع حدثا مميزًا حيث أقيم حفل «أنيما» عند سفح الأهرامات وكان حدثًا عالميًا بكل المقاييس جمع بين عبقرية الموسيقى الإلكترونية وسحر التاريخ فى تجربة فنية غير مسبوقة فى مصر. وقدم الفنان الإيطالى الأمريكى «ماتيو ميليرى» مؤسس فرقة «أنيما» عرضًا مبهرًا أمام أكثر من 15 ألف متفرج من بينهم 11 ألف سائح أجنبى فى ليلة وصفها بــ«أرض الخلود».

 الحفل انقسم إلى جزءين، الجزء الأول هو «كوانتوم» الذى ركز على الموسيقى الإلكترونية الحديثة التى تفاعل معها الجمهور على الخلفية المهيبة للأهرامات بينما جاء الجزء الثانى وهو «جينيسيس» كتجربة سمعية وبصرية مبهرة حيث استخدمت فيها تقنيات الإضاءة ثلاثية الأبعاد والخدع البصرية على شاشة ضخمة هى الأكبر فى تاريخ الحفلات المصرية.

مشروع أنيما 

قدم المنتج والموسيقى الإيطالى الأمريكى «ماتيو ميليرى» المعروف أيضًا بمشاركته فى مسلسل حكاية لنا حفلًا جمع بين الإبهار السمعى والبصرى فى آن واحد يعد نقلة نوعية فى عالم العروض الحية؛ حيث يمزج بين الموسيقى الإلكترونية والفن الرقمى والتقنيات الناشئة مثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)؛ كل NFT يتم تسجيله على قاعدة بيانات آمنة تضمن أن الأصل الرقمى له مالك واحد حتى لو تم نسخه وبالتالى فهى تمنح المبدعين وسيلة لبيع أعمالهم الرقمية بشكل رسمى مع إمكانية الحصول على نسبة أرباح كل مرة تعاد فيها عملية بيع العمل لاحقًا.

 

 

 

وفى فيديو حديث على يوتيوب شرح «ميليرى» كيف أصبحت عروض «أنيما» أكثر من مجرد حفلات موسيقية بل تجارب متعددة الأبعاد حيث تدمج الرموز الرقمية فى الأداء الحى ما يمنح الجمهور فرصة التفاعل مع عناصر العرض، واقتناؤها رقميًا. ويعد التعاون مع الفنان التشكيلى «أليسيو دى فيكى» أحد أبرز ملامح هذا المشروع إذ أضفى على العروض طابعًا بصريًا فريدًا من خلال أعمال فنية رقمية تعرض بتقنيات «الواقع المعزز» أى الدمج بين الواقع والافتراض إلى جانب تقنيات «الإسقاط الضوئى» ما يجعل كل عرض تجربة حسية متكاملة ومبهرة. هذا الامتزاج بين الصوت والصورة وبين الموسيقى والفن الرقمى دفعت بالعروض الحية التى تقدمها «أنيما» إلى حدود وآفاق أخرى وفتحت الباب أمام مستقبل جديد للفن التفاعلى حيث يصبح الجمهور جزءًا من العمل الفنى لا مجرد متلقى له.

ردود الأفعال

أثار الحفل ردود فعل متباينة بين من اعتبره ترويجًا سياحيًا عبقريًا ومن عبر عن قلقه من تأثير الموسيقى الصاخبة على الآثار وعكس الجدل الذى أثاره حفل أنيما حالة التوتر الخلاق بين الحفاظ على التراث والانفتاح على الحداثة. فكان رأى البعض فى الحدث أنه يقدم مصر للعالم كمنصة للفن المعاصر. واحتفى الفريق الأول بالقدرة على دمج عبقرية المكان مع تقنيات العرض الحديثة معتبرًا أن هذا النوع من الفعاليات يعزز من جاذبية مصر الثقافية ويجذب جمهورًا جديدًا من الشباب والسائحين المهتمين بالفنون الرقمية.أما الفريق الثانى فاستند إلى اعتبارات علمية وأثرية محذرًا من أن الاستخدام المكثف للتقنيات الصوتية والضوئية قد يلحق ضررًا غير مرئى بالبنية الحجرية للأهرامات ويفقد الموقع شيئًا من هيبته التاريخية. 

ورغم هذا التباين فإن الحفل يسلط الضوء على معضلة أوسع تواجهها مصر وهى كيفية توظيف التراث فى خدمة الحاضر دون أن يمس جوهره وبين الحماس والقلق تبرز الحاجة الملحة إلى وضع أطر تنظيمية توازن بين حماية الآثار وتفعيلها كمساحات حية للفن والثقافة.

 

 

 

أسطورة الجاز «أرمسترونج» أمام الأهرامات عام 1961

 لم يكن حفل «أنيما» فى الأهرامات الأول بل يعد امتدادًا لسلسلة من العروض النادرة والتاريخية التى احتضنها هذا المعلم العريق والذى لطالما جذب كبار الفنانين العالميين. فلا يمكن أن ننسى عزف أسطورة الجاز الأمريكى «لويس أرمسترونج» أمام تمثال أبو الهول عام 1961 فى مشهد أصبح أيقونة ثقافية عالمية. وكان الحفل قد أقيم ضمن جولة دولية برعاية وزارة الخارجية الأمريكية بهدف إلى الترويج لقيم الحرية والانفتاح من خلال موسيقى الجاز التى كانت تعتبر آنذاك رمزًا للتسامح والتعبير الفنى. وقد رافق «أرمسترونج» زوجته «أوسيل» التى ظهرت إلى جانبه فى صور شهيرة وهو يعزف البوق فى حضرة الأهرامات.

ولم تقتصر زيارة «أرمسترونج» لمصر على الحفل فقط بل شملت لقاءات مع أطفال من قرى مصرية حيث عزف لهم وسط أجواء إنسانية مؤثرة. وقد تخطت هذه اللحظة الحدث الفنى فلم تكن مجرد عرض موسيقى بل لحظة تلاقى بين ثقافتين عظيمتين الجاز الأمريكى والحضارة المصرية القديمة فى مشهد جسد قدرة الفن على تجاوز الحدود وصناعة الجسور بين الشعوب.

 

 

 

بوتشيلى وحفله الأسطورى عام 2003

فى 27 أغسطس عام 2003 شهدت منطقة سفح الأهرامات عرضا أوبراليًا فنيًا استثنائيًا حين أحيا مغنى الأوبرا الإيطالى العالمى «أندريا بوتشيلى» حفلًا أسطوريا أمام أحد أعظم عجائب الدنيا السبع جاء الحفل ضمن سلسلة عروض عالمية تهدف إلى دمج الفنون المعاصرة مع المواقع التاريخية. 

وقدم بوتشيلى مجموعة من أشهر أعماله وسط حضور جماهيرى كبير فى أجواء امتزج فيها سحر الموسيقى بعظمة المكان التاريخى. وقد كان تنظيم الحفل العالمى حينها برعاية وزارة السياحة المصرية ولاقى إشادة واسعة من الجمهور حول العالم، حيث اُعتبر لحظة فارقة فى الترويج الثقافى والسياحى لمصر. وقد عبر «بوتشيلى» عن سعادته البالغة بالغناء بجوار الأهرامات قائلًا: إنه شعر بعظمة التاريخ حين لمس أحجارها.ْ وقد فتح هذا الحدث الباب أمام حفلات عالمية لاحقة فى نفس الموقع مؤكدًا قدرة مصر على أن تكون منصة للفن العالمى من قلب التاريخ.

حفل شاكيرا.. أكبر نسبة حضور.

فى عام 2005 أحيت الفنانة العالمية شاكيرا حفلًا ضخمًا عند سفح الأهرامات حضره أكثر من 100 ألف شخص ليسجل كأكبر تجمع موسيقى فى تاريخ مصر آنذاك الحفل كان حدثًا استثنائيًا جمع بين إيقاعات الموسيقى اللاتينية وسحر الحضارة المصرية. وقد عبرت شاكيرا عن انبهارها بالموقع التاريخى وطلبت لقاء عالم المصريات «زاهى حواس» لتتعرف على أسرار أبوالهول والأهرامات. ورغم ظهور بعض التحديات التنظيمية التى رافقت الحفل فإن شكل نقطة تحول فى استضافة مصر لفعاليات عالمية

حفلات تم إلغاؤها 

تم إلغاء حفل مغنى الراب الأمريكى ترافيس سكوت فى منطقة الأهرامات مرتين خلال عامين بسبب الجدل حول طبيعة الحفل وموقعه الأثرى الحساس أول إلغاء كان فى يوليو 2023 حين سحبت نقابة المهن الموسيقية الترخيص بسبب ما وصفته بـتعارض الحفل مع الهوية الثقافية والقيم المصرية إضافة إلى مخاوف من طقوس غريبة مرتبطة بعروض سكوت.

أما الإلغاء الثانى فحدث فى أكتوبر الجارى بعد أن أقام المحامى عصام رفعت دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى مطالبًا بوقف الترخيص الممنوح للحفل المقرر فى 15 أكتوبر. وقد قبلت المحكمة الدعوى مشيرة إلى أن منظمى الحفل لم يحصلوا على التراخيص القانونية اللازمة رغم بيع أكثر من 40 ألف تذكرة.

وبين مؤيد ومعارض لتلك الحفلات لا يمكننا سوى التأكيد على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات التى تحافظ على الآثار والالتزام بالمعايير الدولية فى هذا الخصوص عند إقامة الحفلات لكن المؤكد أن تلك الحفلات أضفت بريقًا مختلفًا على منطقة الأهرامات بل إنها نافذة معاصرة للترويج السياحى والثقافى والفنى.