الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مبادرة مصر الجميلة.. تعيد الدور الغائب لوزارة الثقافة

مبادرة مصر الجميلة.. تعيد الدور الغائب لوزارة الثقافة
مبادرة مصر الجميلة.. تعيد الدور الغائب لوزارة الثقافة


 
إن مبادرة مصر الجميلة التى أطلقتها وزارة الثقافة حيث تتجول فرق البيوت الفنية المحترفة المتمركزة بالقاهرة فى جميع أنحاء مصر، هى مبادرة تطلق الإنتاج الثقافى بلا توجيه محدد يستوجب خطابا ما، الجدير بالذكر أن سفر الإنتاج الثقافى المحترف من القاهرة إلى جميع الأطراف ليس مبادرة جديدة، بل هو دور غائب عن وزارة الثقافة منذ أكثر من ثلاثين عاما، فقد كان من الطبيعى أن تتجول الفرق المحترفة الحكومية والخاصة فى أقاليم مصر.
 
وفى أيام الستينيات الثقافية كانت القوافل الثقافية المتحركة تذهب للقرى وليس لعواصم المحافظات، وكانت تؤدى دوراً حقيقاً ومنتظماً.. ليس جديداً إذن بل هو محاولة لاستعادة دور غائب، الأكثر غياباً هو الإنتاج المحلى الإقليمى للفنون.. بمعنى انتظام حضور الجمهور لبيوت وقصور الثقافة وهو المسألة التى تستحق الاستعادة حقاً.
 
حدث أن تكاثرت تلك المبادرات المحمودة من المجتمع المدنى، حيث سافرت العديد من الفرق المستقلة بالتنسيق مع الهيئة العامة لقصور الثقافة وعدد من المحافظين، كان الطابع احتفالياً.. البعض أراد الترويج السياحى لعدد من المدن مثل الأقصر وشرم الشيخ والغردقة مما جعل الفعاليات ذات طابع سياحى مهرجانى أكثر منه طابعاً ثقافياً.. فى سيناء على سبيل المثال البدو مجموعات كبيرة تحتاج للاستقطاب الثقافى الحقيقى.. المعازل القبلية فى الصعيد تحتاج لإدماج ثقافى حقيقى.. غياب ثقافة الديمقراطية يحتاج لبرامج خاصة، ولذلك تبقى مبادرة مصر الجميلة بعيدة عن الاشتباك الحقيقى مع متطلبات اللحظة الراهنة.
 
وإن كانت بطبيعة الحال تستعيد دوراً مهماً تستحق المؤسسة الثقافية الرسمية عليه تقديراً وشكراً، ولكن يبقى الشيطان فى التفاصيل.. ولأنها مبادرات تبدو كنوع من الرحلات المفاجئة فقد حدث أن ذهب فنانو مسرح القاهرة للعرائس إلى مدينة سوهاج الأسبوع قبل الماضى بأتوبيس سياحى من القاهرة لهناك.. وجد الفنان الموجى مدير مسرح العرائس الفندق لا يليق بالفنانين.. قام بتصوير المكان.. صور الحشرات فى أرجاء الغرف .. صور محيطه العشوائى ووضع الصور على الشبكة الدولية للمعلومات واستغاث بمن ينقذه.. اتصل برئيس البيت فتوح أحمد .. لم يحل المشكلة.. هيئة قصور الثقافة لم تتدخل.. محافظة سوهاج لم تتدخل.. عاد الفنانون فى ذات اليوم للقاهرة وتم إلغاء العرض.
 
فى هذا الإطار تبدو أيضاً بقايا مشروعات المجتمع المدنى الثقافية فى الأقاليم بعيدة عن الاهتمام مثل دور العرض السينمائى المغلقة بمحافظة المنيا ودمنهور وغيرهما، ومثل دار العرض الشهيرة التى تعود للنصف الأول من القرن العشرين، والتى أنشأتها عائلة مقار فى أسيوط على غرار دور العرض الباريسية - آنذاك - هذه السينما باعتها عائلة مقار عندما لم تعد تفهم سياق توزيع الأفلام على دور العرض فى إطار بيعها لمعظم ما امتلكته من دور عرض مختلفة، ذهبت للمالك الثانى الذى أفقدها رونقها الأثرى وزخارفها وقسمها إلى صالات عرض متنوعة صغيرة، بعد أن ساهم الاحتكار فى غياب لافتة ثلاثة أفلام فى بروجرام واحد، وهى حفلات المشاهدة السينمائية الممتدة التى اعتاد عليها البسطاء فى مصر، حيث كانت سينما أسيوط ممتلئة طوال الوقت بهذا البرنامج الثلاثى الذى كان يعرض فيلماً أجنبياً وآخر عربياً جديداً وثالثاً عربياً قديماً، وكانت تلك السينما مدرسة للثقافات المتعددة للأميين قبل افتتاح جامعة أسيوط فى الستينيات.
 
حصل المالك الثالث على مبلغ يقارب خمسة وعشرين مليون جنيه مقابل إيقاف النشاط السينمائى تمهيداً لهدمها وتحويلها إلى مركز كبير للتجارة، وتم افتتاح منفذ لبيع الأسهم لهذا المركز الذى أطلق أصحابه عليه تعبير مركز التجارة العالمى بأسيوط.
 
جدير بالذكر أن عددا من الفنانين مثل الناقد الدكتور عز الدين نجيب، الفنان التشكيلى والفنان أحمد الجناينى رئيس أتيليه القاهرة والفنان النجم خليل مرسى والفنانة وفاء الحكيم والباحثة فى التراث د. إيمان مهران وكاتب هذه السطور كانوا فى فعالية ثقافية فى أسيوط دعتهم إليها مؤسسة سعد زغلول الثقافية المستقلة لصاحبها الأسيوطى التشكيلى الرائع المقيم هناك والذى ينفق من ماله الخاص على العمل الثقافى، كانوا هناك بالمصادفة وعرفنا من عدد من مثقفى أسيوط ومنهم د. هشام عبدالحميد أستاذ الفلسفة بجامعة قنا، أن السينما سوف تهدم خلال شهر على أكثر تقدير، وأن القانون يمنع ذلك وأن إيقاف النشاط كان مفاجئاً وأن السينما مبنى أثرى حتى وإن لم يكن مسجلاً فيجب تسجيله كأثر، كما أنه آخر دار عرض سينمائى بتلك المحافظة.. إن سينما أسيوط الشتوى الجميلة هى جزء من ملامح مصر الجميلة التى كان أوركسترا القاهرة السيمفونى وفرقة الموسيقى العربية تضع كل أقاليم مصر فى خطتها السنوية.. وكان كبار نجوم الغناء يذهبون هناك. غنت على تلك الدار السيدة أم كلثوم والفنان محمد فوزى والفنان فريد الأطرش وغيرهم من فرق المسرح الخاصة قبل 1952 وبعدها.. توجهنا لهناك وقمنا بوقفة احتجاجية قصيرة نقلتها عدد من المواقع الإخبارية وبعض القنوات الفضائية على الأمر سريعاً، ثم لا شىء.. خرج السيد منيب شافعى رئيس غرفة صناعة السينما يدافع عن هدمها، انتهت الوقفة وصداها الإعلامى المحدود وعملية بيع السينما وهدمها تسير على قدم وساق.. أجدد هنا خطابى للسيد اللواء حماد محافظ أسيوط بمتابعة الأمر، وكذلك جهاز التنسيق الحضارى، كما أطلب من وزارة الثقافة حصر دور العرض السينمائية المغلقة والمهددة بالبيع والهدم فى جميع عواصم ومراكز أقاليم مصر المختلفة لأنها ثروة حقيقية.. يصعب استعادتها.