القمامة.. نقمة أم نعمة

اسماء الرجال
بعد أن شاهدت فاصلاً إعلانيًا على شاشة التليفزيون.. أنتجته شركة مياه غازية يظهر فيها عدد من الفنانين يعزفون على آلات موسيقية مصنعة من القمامة وقطع موسيقية مغناة جميلة جداً ويتجولون بها فى محطات مترو الأنفاق كنوع من حث الناس على تدوير القمامة ومعرفة الكنوز التى تكمن بداخل قمامتها، وكان هذا دافعاً لى لكتابة هذا المقال للوقوف على حجم المشكلة التى يعيشها المجتمع المصرى وهى كثرة القمامة التى تشعرك كصرصور وسط أكوامها.. هذه المشكلة تزداد يوماً بعد يوم وتحاصرنا من كل الاتجهات، بالإضافة إلى أنها أصبحت خطراً يهدد بكارثة بيئية خطيرة على صحة المواطنين.
وقد مرت منظومة جمع القمامة فى مصر بعد مراحل فهناك الطريقة التقليدية والمعروفة لدى الجميع، وهى جمع الزبالين للقمامة من المنازل وفرزها يدويًا، أما الطرق الأكثر حداثة هى التعاون مع شركات وطنية وأجنبية لتجميع القمامة فى صناديق مخصصة لذلك، ورغم وجود هذه الجهات لجمع القمامة إلا أن مشكلة القمامة متفاقمة بدرجة مرتفعة فى المجتمع، وفشلت الكثير من الحكومات فى حلها.
والأهم الآن هو ألا تتعود أعيننا على مشهد القمامة حتى تعتاده ويعتاد أطفالنا رؤية هذا المشهد، لأن هذه المشكلة باتت تهدد أغلى ما يملكه الإنسان وهى صحته، وعلينا أن نعرف أن هذه المخلفات من الممكن أن تتحول إلى ما يفيد الإنسان بدلاً من ضرره، وقد كشفت دراسة حديثة أجراها معهد بحوث الأراضى والمياه أن قمامة مصر تعتبر من أغنى أنواع القمامة فى العالم، نظراً لما تحتويه من مكونات مهمة تقوم عليها صناعات تحويلية كثيرة.
وقد قدرت جامعة الدول العربية فى دراسة اقتصادية حجم خسائر الدول العربية الناجمة عن تجاهلها لإعادة تدوير المخالفات بنحو 5 مليارات دولار سنوياً، أما التقرير الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فقد أوضح أن حجم قمامة المنازل فى مصر يقدر بحوالى 8,13 مليون طن، حيث تستحوذ محافظة القاهرة وحدها على نحو 4,39٪ من إجمالى ما يعادل 14 طن مخلفات يومياً تقريباً.
ومن ثم يعتبر الحل الأمثل للتخلص من القمامة هو إعادة تدويرها بطريقة تحد من المخاطر البيئية والصحية الناتجة عن حرقها، كما أنها تعود بالنفع الاقتصادى على الدولة، وعلينا ونحن نطبق مشروع تدوير القمامة أن ننظر للتجارب النجاحة فى الغرب والدول العربية، ومن أهمها تجربة السويد التى أضحى فيها تدوير القمامة ثقافة شعب فمنذ الصغر يربى الأطفال على فكرة أن ليس كل القمامة زبالة، فإعادة تدوير القمامة جزء أساسى ومهم فى حياة السويديين، وبالرغم من معاناة السويد من مشكلة القمامة، ولكن على عكس معظم الدول فى العالم مشكلتها فى عدم توفر الحجم الكافى من المخلفات، لذا فهى تقوم بشراء القمامة من الدول الأخرى حتى تحولها إلى طاقة تغذى البلد.
وأيضاً لدينا تجربة كوريا وهى من الدول المتقدمة فى عملية تدوير القمامة، وتستخدم ذلك فى توليد الطاقة، أما الصين فقد وصل الأمر فيها إلى تدوير المخلفات ذات القيمة المرتفعة لأن عملية التدوير أصبحت مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يعانون من الحرمان، وبالتالى فإن النسبة الكبرى من المخلفات القابلة للتدوير يتم تجميعها بواسطة المواطنين الذين يعانون من الحرمان، والجزء المتبقى من المخلفات القابلة للتدوير يتجه إلى نظام تدوير المخلفات فى البلدية.
أما على مستوى الدول العربية فنجد تجربة دولة الإمارات ثرية ومميزة وهناك جهة رسمية مسئولة عن مراقبة جميع الأنشطة المتعلقة بعملية تدوير المخلفات وهى مركز إدارة النفايات، وهناك مبادرة إقليمية بقيادة إمارة أبوظبى لضمان الاستخدام السليم والمستدام للموارد الطبيعية من أجل التشجيع على خفض إنتاج النفايات من مصدرها ورصد جميع الأنشطة المتعلقة بالنفايات ومراقبتها وتسجيلها وتفعيل هيكلة إدارة النفايات وذلك للتغلب على الأضرار البيئية والاقتصادية الناتجة عن النفايات.
أما عن تجربة فنلندا وطرحها لحل فى غاية الروعة لمشكلة الطاقة لديها ففى أحد المطاعم الفنلندية من الممكن أن تأكل مجاناً، ولكن يطلب منك المطعم مقابل للطعام أن تنتج له طاقة كهربائية للمطعم عن طريق أن يقوم الشخص بالجلوس على دراجة رياضية ويستمر فى تحريكها حتى تدور المروحة وتتولد الطاقة الكهربائية لمدة ربع ساعة.
علينا أن نستفيد من مثل هذه التجارب فى مجتمعنا، وأن نعى بثقافة تدوير المخلفات وأن نقوم بترسيخ هذه الثقافة وغرسها فى أولادنا لأن عملية تدوير المخلفات تحمينا من تلوث الماء والهواء والأراضى الزراعية التى تنتج لنا المحاصيل، وتبعد عنا الأضرار الصحية، بالإضافة إلى البعد الاقتصادى الذى يساهم فى إضافة دخل للأسر الفقيرة التى تعمل فى هذا المجال.