الأحد 17 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صفقات السلاح مقابل معسل التفاح!

صفقات السلاح مقابل معسل التفاح!
صفقات السلاح مقابل معسل التفاح!


 
30 مليار جنيه حجم تجارة السلاح فى مصر بعد ثورة يناير، لذلك ليس غريبًا أن ترتفع جرائم القتل من 1912 حالة فى 2011 إلى 2422 حالة فى 2012 ثم 4000 حالة فى ,.2013 وحوادث السرقة بالإكراه فى 2011 وصلت 2800 حالة وارتفعت فى 2012 إلى ,3800 ثم وصلت إلى 4600 فى 2013 ومعروف أن حمل السلاح فى الصعيد شرف، وأصبحت أسعاره معروفة للجميع، فالأربجى بـ60 ألف جنيه والصاروخ المضاد للطائرات بـ100 ألف جنيه والجرينوف بـ90 ألف جنيه وقنبلة الغاز بـ100 جنيه، وهو ما جعل من عائلات الصعيد ميليشيات عسكرية!
 
الصعيد هو الأكثر حملاً للسلاح منذ زمن، فالأمور أصحبت أكثر صعوبة بعد ثورة 25 يناير وتدفق السلاح على الصعيد من كل مكان، ولعل واقعة أحد المستشارين الذى يقيم فى القاهرة من أبناء الصعيد الذى حكى لى هذه القصة تؤكد مدى انتشار السلاح فى الصعيد، فبعد أن حضر إليه أحد أبناء قريته طالبًا منه إنهاء عمل له وبعد أن أداه له بنجاح فوجئ المستشار بعد أسبوع بهذا الشخص يطرق بابه فى منطقة المهندسين فى الساعة السابعة صباحًا حاملاً فى يده علبة صغيرة، ظن المستشار أنها علبة شيكولاتة، وبعد إلحاح منه وافق المستشار على أخذها، ولكنه كما قص لى تشكك فى الأمر فلماذا يأتى هذا الرجل فى الصباح الباكر ومعه علبة شيكولاتة بهذا الشكل.. فتركه فى غرفة الاستقبال وأخذ العلبة ودخل بها إلى غرفة أخرى، وبعد أن فتحها وجد بها ثلاث قنابل يدوية إحداها قنبلة غاز والآخريين قنابل حارقة خارقة فما كان من المستشار إلا أن انزعج وأخذ يركل الرجل بالأقدام وأعطاه العلبة وأخرجه من الشقة مهددًا بالإبلاغ عنه إلا أن الرجل رد عليه بأنه كان يريد أن يعطيه شيئا يحميه فهى أحسن هدية فى هذا الوقت.
 
ويعتبر وادى خريط التابع لمركز نصر النوبة فى أسوان من أهم معاقل الإرهاب والبلطجة والمجرمين، فأغلب المقيمين فيه من أبناء المحافظات الأخرى وحصلوا على أراضيهم بوضع اليد، والغريب فى الأمر أن أجهزة الدولة تعلم ذلك جيدًا وتعلم أماكن تجمعهم وحيازتهم للسلاح ولكن لم يتم التعامل معهم، وهذه المشكلة وكل أجهزة الأمن تحاول عدم الاصطدام بهم حتى لا تحدث مشكلة ضخمة خاصة أن العديد منهم يحمل أسلحة لا تحملها أجهزة الشرطة ولا يسمح أهل هذه المنطقة بدخول أغراب إليهم إلا بعلمهم.
 
وتأتى الأسلحة لمركز نصر النوبة من السودان عبر منطقة كسلا، وتعد منطقة إدفو من أهم مناطق تجارة السلاح خاصة أن عدداً كبيراً من أهالى هذه المدينة يعرفون دروب التهريب جيدًا حيث تستغرق عملية التهريب حوالى 40 يومًا على الجمال أو يومين بالسيارة خاصة عن طريق المعابر الحدودية فى حلايب وشلاتين ويستخدم المهربون الأسوانيون معسل التفاح للحصول على الأسلحة لأنه نادر فى السودان وأحيانًا يتم مقايضة شحنات معسل التفاح بقطع الأسلحة حيث يتم تخزينه فى جبل قريب من منطقة برنيس التى تعد مدخلاً لأسوان من ناحية أبو الحسن الشاذلى التابع للبحر الأحمر وأثناء عودته إلى أسوان وقبل الوصول بنحو 20 كيلو متراً يغير المهرب طريقه ويتسلل لاتجاه الشمال ويمر بوادى غدير البحر الأحمر إلى كوم أمبو.
 
وهناك مقولة شهيرة فى الصعيد تؤكد أن من لا يملك السلاح لا يملك حريته ولا يستطيع الحفاظ على شرفه بين العائلات والقبائل، هذه المقولة جعلت العائلات عبارة عن جيوش صغيرة بها كل أنواع الأسلحة ورغم أن محافظة أسوان لها طبيعة خاصة لما عرف عن عائلاتها وقبائلها بالسلمية مثل أبناء النوبة وقبائل البشارية والعبايدة والجعافرة وقبائل بنى هلال، إلا أن فوضى السلاح جعل كل واحد يتسابق على حمل السلاح على عكس قبائل وعائلات قناطر أسيوط وسوهاج ففى قنا قبائل الأشراف والعرب والهوارة والحميدات لا يستطيعوا العيش بدون سلاح وكذلك عائلات وقبائل سوهاج وأسيوط والمنيا لدرجة جعلت شخصاً يقتل 9 من أبناء عمومته أثناء جلسة تقسيم الميراث باستخدام السلاح الآلى وفى أقل من دقيقتين أصاب أربعة آخرين، والدليل الأكبر على ذلك ما قصه لنا أحد عمد البلاد عندما فوجئ وهو جالس فى داره بشخص ينزل من سيارة فارهة لا يعرفه يقول له أنت عمدة القرية لدى شحنة أسلحة بها مائة قطعة سلاح آلى لم تستخدم من قبل أريد بيعها بـ5 آلاف جنيه للقطعة بشرط شراء المائة قطعة مرة واحدة بما يعنى أن العمدة سوف يدفع له نصف مليون جنيه وهى أسعار أقل من ثلث ثمنها فى السوق وعندما رفض العمدة ما كان من هذا الشخص إلا أن ركب سيارته التى بدون لوحات معدنية وغادر، وهناك أصحاب النفوس الضعيفة التى اشترت طمعًا فى ربح يزيد على أرباح المخدرات، فثمن البندقية الآلية 5 آلاف جنيه يستطيع أن يبيعها وبسعر منخفض بـ15 أو 20 ألف جنيه فى ذلك الوقت، ويضيف انتشار السلاح جعل الكثيرين ممن كانوا لا يعرفون شيئا عنه يدخلون فى اللعبة وجعل عدداً كبيراً من الشباب العاطل يعمل فى هذه التجارة التى تعد تجارة رابحة ودخلها يفوق دخل تجارة المخدرات، وفى نفس الوقت لا يعتبر أهل الصعيد التجارة فى السلاح مخلة بالشرف على عكس المخدرات.
 
وانتشرت أنواع من الأسلحة لم يكن يعرفها أحد من قبل خاصة المضاد للطائرات للدروع والجرنيوف والأربى جى وحتى سلاح الخرطوش الذى كان من قبل معروفاً عنه أن أقصى شىء هو الخمس طلقات إلا أننا نشاهد اليوم سلاح خرطوش سريع الطلقات يطلق 8 طلقات، وهناك سلاح خرطوش يطلق 20 طلقة آلى، وهذه الأنواع تأتى من تركيا وكل أنواع الأسلحة موجود فى الصعيد منها الروسى والتركى والإسرائيلى والصينى واليوغوسلافى والألمانى والمصرى، والآر بى جى ثمنه 60 ألف جنيه والصاروخ المضاد للطائرات ثمنه مائة ألف جنيه، والآلى ثمنه 20 ألف جنيه والجرينوف 90 ألف جنيه، والخرطوش ما بين 5 و15 ألف جنيه حسب حجم الطلقات والكلاشينكوف الروسى 25 ألف جنيه، وقاذفة الآر بى جى ثمنها ألف جنيه، وطلقة الغاز مائة جنيه، واللغم الأرضى ما بين ثلاثة وخمسة آلاف جنيه.
 
وفسر البعض مقولة الرئيس المعزول محمد مرسى داخل قفص الاتهام يوم السبت الماضى عندما قال: هو الصعيد ساكت ليه، بأنها تدل على أنه على علم هو والتنظيم الإرهابى بما سوف يحدث فى أسوان.
 
وأكدت معلومات حصلنا عليها من وزارة الداخلية أن انتشار السلاح فى مصر ساعد على انتشار العنف وقد ارتفعت جرائم القتل.
 
من ناحية ثانية أكدت ورشة عمل عقدت فى شهر فبراير الماضى بين المنظمة العربية للاطلاع الجنائى بالتعاون بينها وبين حركة السلام الدائم اللبنانية حول مخاطر انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة فى مصر،أن المركز الوطنى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية سبق أن أفاد فى دراسة أن حجم تجارة السلاح فى مصر قد بلغ بعد ثورة 25 يناير نحو 30 مليار جنيه، وأن حجم السلاح فى مصر المنتشر بين الأفراد يتراوح ما بين 10 و15 مليون قطعة سلاح وأن الأجهزة الأمنية ضبطت أكثر من ألف تاجر سلاح خلال عام ,2013 وضبطت 77 ورشة لتصنيع الأسلحة النارية ورغم ذلك تجارة السلاح مازالت عالية حتى الآن، وتهريب الأسلحة فى مصر يتم من مناطق عدة منها الأردن إلى العقبة، ثم نويبع إلى وسط سيناء إلى الإسماعيلية أو الشرقية، ثم إلى باقى المحافظات والمدن المصرية، ومن ليبيا إلى السلوم أو سيوة ومن السودان إلى أسوان والوادى الجديد وعن طريق درب الأربعين وغيره من الدروب، تأتى شحنات الأسلحة من النيجر والسودان إلى أسوان ومحافظات الصعيد عموما، الأمر الذى ساعد على انتشار الأسلحة بشكل كبير فى هذه المنطقة التى تعتبر حمل السلاح فيها شرفا لا يضاهيه شرف آخر!
 
ويقول الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادى إن اقتصاديات السلاح السرى فى مصر وفى الصعيد خصوصا أصبحت من المكاسب الكبيرة التى تغرى أى شخص للعمل بها، ومع انتشار البطالة والفقر فى الصعيد والانهيار الأمنى بعد ثورة 25 يناير انتشرت تجارة الأسلحة بشكل كبير فى مصر خاصة فى الصعيد الذى يعتبر اقتناء السلاح شيئا مهما وتحول بعض الأشخاص ممن لا يملكون شيئا إلى أشخاص أغنياء من تجارة الأسلحة والذخيرة، فعلى الرغم من أن عدد تجار الأسلحة فى مصر من أصحاب المحلات المرخص بها يبلغ 60 تاجرا فقط يعمل منهم 15 تاجرا فى الوقت الحالى، فإن التجارة السرية بها أكثر من ثلاثة آلاف تاجر معظمهم إما فى الصعيد أو فى المحافظات الحدودية أو الشرقية والبحيرة والقليل منهم فى القاهرة.
 
وأضاف أن مكاسب هذه التجارة تفوق مكاسب المخدرات والممنوعات عموما، خاصة أن الصعيد لا يعتبرها عيبا، بل يعتبرها شرفا وشجاعة.