الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«إيفيلين» ذات السبعين جعلت «تونس المصرية» مزارًا سياحيًا

«إيفيلين» ذات السبعين  جعلت «تونس المصرية»  مزارًا سياحيًا
«إيفيلين» ذات السبعين جعلت «تونس المصرية» مزارًا سياحيًا


 
قرى مصرية بسيطة تعتمد على مهن وحرف متوارثة من الأجداد للأبناء منذ قرون طويلة، وهى المصدر الرئيسى للرزق لأن جميع سكان القرية يعملون بها ويرسمون أحلامهم ومستقبلهم على مسار واستمرار المهنة، ومن تلك النماذج الناجحة التى مازالت تتمسك بالحرفة كتراث كانت قرية «تونس» لتصنيع الفخار والخزف فى محافظة الفيوم.. فتلك المدينة أخذت إطلالة سياحية خاصة ومبانى معمارية تشبه لوحات الفنان، ومدينة «فوه » إحدى مدن محافظة كفر الشيخ التى تميزت بتصنيع الكليم والسجاد وتعتبر من أشهر المناطق فى مصر فهى مدينة الآثار والتاريخ وقد اشتهرت هذه المدينة «فوة» منذ ثلاثينيات القرن الماضى بصناعة أجود أنواع الكليم حيث تنتشر الورش بجميع أنحاء المدينة.
 
كان لـ«روزاليوسف» زيارة داخل القريتين لعرض تجربة نجاح الصناع البسطاء الحال فى الحفاظ على مهنة تنافس دول العالم.
 
«تونس» إحدى القرى المصرية التابعة لمركز يوسف الصديق فى محافظة الفيوم وإحدى القرى السياحية النموذجية، فإذا قررت أن تزورها سوف تجدها قطعة من تونس لموقعها الجغرافى الرائع ووجودها على ربوة جبلية، ويجاورها بحيرة قارون، وتتميز بمبانيها البيضاء فتشعر أنك فى ريف أوروبى على التراث الحديث فاجتمع بها نخبة عالية من الفنانين والأدباء والشعراء والمثقفين بحثا عن الهدوء وراحة البال، كما يوجد بها أمهر صانعى الفخار فى العالم العربى منذ أكثر من قرن من الزمان بالإضافة إلى تحول القرية جميعها إلى العمل فى مهنة الفخار.
 
الرحلة تبدأ بوجود لافتة صغيرة على ناصية بحيرة قارون تشير إلى القرية تأخذك إلى ممر ضيق قد لا تستطيع السيارة السير فيه، وهذا ما يجعلك تصعد للقرية التى ترتفع عن الأرض كثيرًا سيرا على الأقدام فتجد نفسك تسير فى هدوء على سلالم تشبه الفخار، وفى تنسيق تام تجد بزارات مرتبة ملحق بها ورشة للعمل وغرفة لفرن الفخار فى شكل جمالى.
 
السيدة «إيفيلين» مؤسسة المدرسة، التى تبلغ من العمر ما يقارب السبعين عامًا تقول: تجربتى لإنشاء مدرسة الفخار لتكون المهنة الرئيسية ومصدر الرزق لجميع أهالى القرية جاءت عندما كنت فى زيارة لهذه القرية منذ ما يقرب من 20 عاما، وأعجبت بساحرية هذا المكان وطبيعته التى تمثلت فى بساطته فقررت أن أقيم بهذه القرية، ومن خلال متابعتى لنشاطات أهل القرية لاحظت موهبة جميع سكانها فى فن تشكيل الطين فكانوا يشكلون كل أنواع الحيوانات والطيور وأدوات الطهى لأنها مهنة متوارثة من الأجداد، وفكرت كثيراً فى تطوير هذه الموهبة فى صناعة الخزف والفخار، فأقمت المدرسة على أرض القرية وأحضرنا كل الأدوات اللازمة لصناعة الفخار وهى أدوات بسيطة لكنها تحتاج لتكلفة عالية، فالورشة تكلفتها تتعدى الـ20 ألف جنيه، واستجاب أهل القرية لتطوير المهنة وتنسيقها، وبعد فترة قليلة أصبح جميع أهالى القرية يعملون بحرفية شديدة نظرا لموهبتهم السابقة، وبالفعل انتشرت صناعة الخزف بين أهل القرية، وشاركت القرية فى العشرات من المعارض فى دول العالم وتحديدا فرنسا ووجدت منتجاتهم حفاوة كبيرة بين المنتجات الأوربية وكانت نسبة المبيعات كبيرة مقارنة بالدول الأخرى.
ومكونات ورشة تصنيع الفخار عبارة عن طين صلصال نحضره من محافظة أسوان وصندوق ضخم لتخمير الطين بداخله لمدة 48 ساعة وأدوات العمل عبارة عن ماكينة بسيطة معروفة بماكينة تدوير الطين الصلصال ونقوم بتحويل الطين من خلالها إلى أشكال باليد وتدار بالأقدام فهى يدوية، وبعد الانتهاء من تحديد الشكل للمنتج والقيام بالنقش عليه بالأشكال الخاصة بالفخار وصبغه بألوان طبيعية، نقوم بوضعه فى الشمس لمدة 48 ساعة قبل الحرق فى الفرن وهى المرحلة الأخيرة التى يتبدل من خلالها شكل الفخار تماما فيوجد فى كل ورشة فرن خاص نقوم بوضع الفخار من خلاله بشكل مرتب ويأخذ أكثر من 30 قطعة فى المرة الواحدة ودرجة حرارته تصل إلى 600 درجة مئوية، وفى اليوم الخاص بعملية الحرق نشعل الفرن من الصباح الباكر لأنه يحتاج إلى ما يقرب من 6 ساعات حتى يصل للدرجة المناسبة للحرق وبعد الانتهاء من الحرق نترك الفخار بداخل الفرن حتى تهدأ النار تماما ثم نخرجه فنجد أروع القطع الفنية.
 
وتشارك القرية فى العشرات من المعارض سنويا بالإضافة إلى مهرجان باسمها يقام كل عام ويشارك فيه أكثر من 100 ورشة فى القرية بآلاف قطع الفخار النادرة الصنع.
 
 تقول «راوية محمد» أحد فنانى القرية: تعلمت صناعة الخزف وأنا فى سن العاشرة فى مدرسة «إيفيلين»، وكنت أول بنت تتعلم هذه الصناعة، وكان للطبيعة تأثير فى تكوين شخصيتى فأنا أرسم ملامح البيئة الريفية على منتجاتى، سافرت إلى فرنسا مع السيدة «إيفيلين» قبل أن أبلغ عامى السادس عشر وبعد زواجى استمرت معى المهنة وتعلم زوجى على يدى وأصبح له بعض الأشكال المختلفة فهو يصنع أشكال الآلات الموسيقية وعلب المجوهرات ولعب الأطفال، والآن علمت بناتى هذه الحرفة وهن فى سن صغيرة فلم يبلغن العاشرة بعد.
 
ويقول «حكيم محمد» أحد أبناء القرية وصاحب ورشة: المهنة متوارثة منذ عشرات السنوات تعلمنا خطواتها ليتعلمها أبناؤنا، فهى مصدر رزقنا الأول وليس لنا أى مهنة أخرى، وتعد من أهم مصادر إنتاج الخزف والفخار فى العالم وتحولت القرية إلى سياحية بفضل المهنة، وبالرغم من توقف السياحة فى مصر إلا أن مهنة تصنيع الفخار وإقبال السياح لم تتوقف فى قرية تونس ومازلنا نقوم بعشرات المعارض، ولكل منزل فى القرية سواء كبيرًا أو صغيرًا يوجد فى الخلف ورشة صغيرة للفخار.
 
كانت لنا لقاءات مع الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن من 7 إلى 16 عامًا فى مدرسة الإبداع لصناعة الفخار، حيث يأخذن من الأرض مكانًا للإبداع وسط فرش وألوان والطين الأسوانى وقد قلن لنا: الفضل يعود للسيدة إيفيلين فهى تتعامل معنا بيسر وتعلمنا بدون ضغط وحب شديد ونحن نساندها فى توقيت المهرجان ونستيقظ من الصباح الباكر بعد الفجر مباشرة قبل اليوم الدراسى ثم نذهب لمتابعة اليوم الدراسى ونعود الى مدرسة الفخار فى منتصف اليوم.
 
المهنة دخلها جيد جدًا يختلف من يوم لآخر ليس ثابتا بالإضافة إلى أنها تجعلنا نبدع ونرسم ويعجب الأجانب بعملنا ويشترونه للسفر إلى بلادهم لإهدائه لأقاربهم وأصدقائهم.. ونقوم بإخراج أكثر من 30 قطعة يوميًا، ونعلم جميع مراحل تصنيع الفخار ويصل عددنا داخل المدرسة أكثر من 20 فتاة مدربة ولديها إنتاج يومى.
 
أكد سكان القرية أن السيدة إيفيلين هى التى ساندتهم فى البداية لبيع منتجاتهم لمدة سنوات طويلة، لكن حاليا يقومون بتوزيع منتجاتهم على المحلات الكبرى وحاليا هم معروفون جدا وسط المستوردين من الخارج وفى مصر ويقومون بالتواصل معهم لحمل البضاعة أولاً بأول.
 
كان هناك تواجد ملحوظ للأجانب ومن أكثر الجنسيات التى تواجدت بالقرية الفرنسيون والإيطاليون لاهتمامهم بمهنة الفخار، لأن بلادهم بها العديد من المدارس الخاصة بصناعة والتدريب على الفخار.
 
فيما تعتبر مدينة «فوه» من أشهر مناطق الصناعة فى مصر أيضًا، حيث يوجد بها 70٪ من ورش الكليم تنتج أنواعا فاخرة من الكليم اشتهروا بها منذ ثلاثينيات القرن الماضى، واتسعت فى الخمسينيات لتبلغ أوجها فى السبعينيات وبداية الثمانينيات، وتعد «فوه» مصنعًا كبيرًا لمشغولات النسيج اليدوى ويبلغ سكانها 145 ألف نسمة ويعمل غالبيتهم بصناعة النسيج اليدوى على النول التقليدى.
 
لكن الحال تبدل فشهد حالة من التوقف للمهنة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية الصعبة وتوقف السياحة وقدم الأنوال المستخدمة وعدم الاتصال بالأسواق الخارجية، أدى ذلك إلى توقف هذه الصناعة بنسبة كبيرة وتحول كثير من الحرفيين إلى مصادر أخرى للرزق، إلا أن كبار الصناع كانت لهم محاولات عديدة بقيادة المسئولين داخل المدينة والتواصل مع شركة النساجون الشرقيون التى عقدت منذ شهر أبريل من العام الماضى عدة لقاءات مع محافظ كفر الشيخ المستشار محمدعجوة وعدد من المسئولين بالمحافظة منهم هالة أبو السعد رئيس جمعية سيدات الأعمال بفوه ومحمد غنيم رئيس مدينة فوه لوضع خطة لإحياء صناعة الكليم مرة أخرى فى المدينة، وعقد لقاءات مع المصنعين بالمدينة، وتواصل رجل الأعمال محمد فريد خميس معهم لانتمائه للمحافظة فهو من أبنائها.
 
كما سعت المبادرة بالاتصال ببعض المصانع الخارجية والتى تنتج الكليم اليدوى للتعرف على العينات والأسعار والكتالوجات وذلك لدراسة الأسواق الخارجية.
 
وقامت النساجون الشرقيون بحجز مساحة لكليم فوه بمعرض دومتكس بمدينة هانوفر الألمانية وبعد دراسة عينات المصانع الخارجية تم تجهيز الخامات المطلوبة بمصانع النساجون الشرقيون وإرسالها إلى مدينة فوه.
 
وتم إرسال كبير مهندسى النساجون الشرقيون إلى مدينة فوه للإشراف على الإنتاج ليكون مماثلاً لما يتم إنتاجه فى المصانع العالمية.
 
ويحرص أهالى المدينة على تخصيص الطابق الأول من منازلهم لأنوال النسيج، حيث يعمل بهذه الصنعة70٪ من سكان المدينة والتى يوجد بها حوالى 10000 نوال يدوى و70 مصنعا، والكل يعمل بإتقان للحفاظ على مكانتهم فى هذه الصناعة، وبالفعل حاليا ازدهرت الصناعة لتعود إلى طبيعتها وعصرها الذهبى بإخراج أجود ما لديهم من الأعمال المميزة تحت إشراف مجموعة النساجون الشرقيون التى أمدتهم بالخامات والألوان والأنوال الحديثة.