أسامة سلامة
الفرصة الأخيرة
لم يبق أمام الأمم المتحدة سوى المحكمة الجنائية الدولية لإنقاذ نفسها من الانهيار وحفظ ماء وجهها والبقاء على قيد الحياة، المحكمة أمام اختبار صعب ويمكن اعتباره الفرصة الأخيرة قبل إعلان وفاة المنظمة الدولية وأجهزتها، وأنه لا جدوى من بقائها واستمرارها، والأمل الأخير أن تتحلى المحكمة بالشجاعة وتصدر قرارات بتوقيف المسئولين الإسرائليين الذين ثبت تورطهم فى العدوان على غزة وارتكابهم جرائم إبادة إنسانية والمشاركين فى محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين وقتل الأطفال والنساء والعزل المسالمين وهدم المستشفيات والمدارس والجامعات والجوامع والكنائس ومنع الأدوية عن الجرحى والأغذية عن الجوعى، وهى القرارات التى تقف أمريكا ضدها بقوة وتهدد المحكمة إذا صدرت عنها، لقد سبق للمحكمة إصدار قرارات بتوقيف العديد من الرؤساء والمسئولين فى دول عديدة أهمهم الرئيس الروسى بوتين والرئيس الليبى السابق معمر القذافى وعدد من المسئولين الأفارقة ما حد من حركتهم وقيد سفرهم إلى العديد من الدول، حيث يحق للدول المنضمة للمحكمة القبض على أى شخص صدر بحقه حكم بتوقيفه وتقديمه للمحاكمة، وتخشى أمريكا من صدور مثل هذه القرارات فى حق إسرائليين وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو ما يجعله حبيسا فى تل أبيب لا يستطيع السفر منها إلى كثير من الدول، بل يحق للدول منع الطائرة التى تقله من التحليق فوق أجوائها وإرغامها على الهبوط والقبض عليه.
استسلام المحكمة للتهديدات الأمريكية وامتناعها عن إصدار قرارات التوقيف بمثابة إعلان وفاة الأمم المتحدة واغتيال للعدالة الدولية، ولهذا مطلوب أن تتحلى دول العالم بالشجاعة وأن تتصدى للتهديدات الأمريكية وأن تقف بجانب المحكمة من أجل القيام بدورها القانون والإنسانى، وإذا لم يحدث ذلك فستكون منظمة الأمم المتحدة فى خطر فوجودها واستمرارها مرهون بالقيام بالأهداف التى أنشئت من أجلها عام 1945، وأهمها الحفاظ على السلام فى العالم ومنع الحروب وحل المشكلات والمنازعات بين الدول، وهو دور فشلت المنظمة الدولية فى تحقيقه فى فلسطين حتى الآن بسبب التعنت الإسرائيلى الأمريكى وتواطؤ حكومات الغرب معهما.
فشل مجلس الأمن فى القيام بدوره الذى أنشئ من أجله، ورسب فى اختبار العدوان على غزة وخضع لإملاءات أمريكا وإسرائيل، استخدمت أمريكا حق الفيتو ضد أى قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها الغاشم على الفلسطينيين، كما وقفت ضد قرار الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة تتمتع بعضوية الجمعية العمومية بالأمم المتحدة، وبسبب الفيتو وقف المجلس عاجزا، ما أصاب الأمم المتحدة كلها بالشلل وعدم القدرة على اتخاذ أى إجراءات تنقذ الفلسطينيين فى غزة من حرب الإبادة التى يشنها عليهم الجيش الإسرائيلى، أيضا فشلت محكمة العدل الدولية فى تنفيذ قراراتها بوقف العدوان على غزة وإدخال المساعدات بصورة عاجلة إلى أهلها المحاصرين، ورفضت إسرائيل السماح بالتحقيق فيما يجرى على أرض غزة ورفح، وهكذا أصبحت قراراتها حبرا على ورق ومجرد إدانة أدبية لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا حول لها ولا قوة، لقد سبق وانتهت عصبة الأمم التى أنشئت عام 1920 عقب نهاية الحرب العالمية الأولى عندما فقدت دورها وأصبحت غير قادرة على الحفاظ على السلام بين دول العالم ولم تستطع منع الحروب، وولدت بدلا منها الأمم المتحدة فى ظل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومضى على إنشائها 79 عاما تبدلت فيه الظروف والقواعد السياسية، وهو ما يجعل المطالبة بتحديث قواعدها وأجهزتها أمرا ضروريا، خاصة مجلس الأمن الذى لم يعد مستساغا أن تتحكم فيه خمس دول وتستطيع واحدة منها فقط من خلال حق الفيتو أن توقف أى قرارات مهما كانت منطقيتها وعدالتها وإنسانيتها، ولذلك أصبح تطوير هذه المنظمة حتميا قبل أن نعلن وفاتها، أما مساندة المحكمة الجنائية الدولية فى مواجهة إسرائيل وأمريكا فهو الفرصة الأخيرة لإبقاء المنظمة على قيد الحياة ولو إلى حين.