الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ): زواج المحلل.. والطلاق بدون شهود! "93"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

السبب فى وجود زواج المحلل هو الطلاق الذى يقع ثلاث مرات بمجرد أن ينطق به الزوج بدون وجود شهود، وتحتاج بعدها الزوجة لمن يتزوجها ثم يطلقها لتعود إلى زوجها الأول.

 

المحلل هو رجل يتزوج من امرأة طلقها زوجها 3 مرات، بهدف عودة الزوجة إلى زوجها السابق، فى تحايل على قوله تعالى: (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) البقرة 230. فى القرآن الكريم الطلاق مرتان يستطيع الزوج خلالهما أن يعيد زوجته إليه قبل انتهاء العدة، وقبل أن يصبح الطلاق نهائيا، فإذا عادت إليه مرتين بعد طلاقين وبحضور شاهدين قبل انتهاء العدة، فإذا طلقها للمرة الثالثة أصبح يحرم عليه أن يعيدها لعصمته، إلا إذا تزوجت رجلًا آخر، وذلك بعد أن تنتهى عدتها، ثم يعقد عليها الزوج الآخر، ثم يطلقها بدون اتفاق مسبق، ثم تنتهى عدتها منه، وبعدها تعود إلى زوجها الأول بعقد زواج جديد.

يقول تعالى عن الطلقة الثالثة: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة 230.

(فَإِنْ طَلَّقَهَا) أى الطلقة الثالثة، (فَلا تَحِلُّ لَهُ) أى لزوجها، (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) حتى يعقد عليها زوج آخر، (فَإِنْ طَلَّقَهَا) الزوج الآخر، (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) وهما الزوجة والزوج السابق، (أَنْ يَتَرَاجَعَا) العودة لحياتهما الزوجية، (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّه).

وفى قوله تعالى: (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فالحديث عن الزوجين، وجاء الزوج الطارئ جملة اعتراضية وبعده عاد الحديث إلى الزوجين وأنه لا جناح عليهما أن يتراجعا بعد الطلاق من الزواج «الاعتراضى»، وجملة (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)، أى لا ذنب عليهما لتعود للزوج الأول، ولذلك كان رفع الحرج عنهما فى ذلك مرتبطا بإرادتهما المشتركة فى استئناف حياة زوجية جديدة على أسس سليمة يقيمان فيها شرع الله تعالى وحدوده.

وفى قوله تعالى: (حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا) ولفظ النكاح يفيد عقد الزواج، ولا يكفى وحده فى إثبات وجوب الدخول بالزوجة ، والدليل هو قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب 49، إذا حدث عقد للزوج، ثم حدث الطلاق بدون دخول بالزوجة فلن يكون على الزوجة عدة طلاق، لأن العدة للتأكد من عدم وجود الحمل، ومن حق المرأة المطلقة قبل الدخول أن تأخذ متعة الطلاق.

وتشريع الطلاق هو وسيلة لإصلاح الزواج وعدم هدم الأسرة، لكن استمرار المشاكل بين الزوجين وحدوث الطلاق مرتين، يجعل الحل بأن تتزوج بعد عدتها رجلًا آخر، وفى هذا تأديب للزوجين السابقين.

والمطلقة إذا انقضت عدتها، فالعقد الذى ينعقد عليها بعد انقضاء عدتها من شروطه أن ترضى هى، أما إذا تمت مراجعتها قبل انقضاء عدتها فليس لها الرفض، وليس هناك مهر، ولا عقد، أما إذا انقضت عدتها ملكت نفسها، بمعنى أن الأمر يرجع لها، إما أن توافق على أن تعود زوجة لزوجها وإما أن لا توافق، فإن وافقت يجب أن يتم ذلك بعقد ومهر، أما إن لم توافق ملكت نفسها وانتهى الأمر.

المرة الأولى طلقت، ودخلت فى العدة، تبقى فى بيتها، فإن ندما على هذا التطليق، له أن يراجعها، فإن انقضت العدة ولم يراجعها فيمكن أن يكتبا عقدا جديدا ومهرا جديدا، فإن قبلت استرجعها، وله أن يطلق مرةً ثانية، وتدخل فى العدة، وله أن يراجعها وهى فى العدة، فإن انقضت عدتها يعقد عليها عقدًا ثانيًا ومهرًا ثانيًا ويسترجعها، وله أن يطلقها مرةً ثالثة، لكن فى الثالثة ملكت نفسها ولا يحل لها أن يسترجعها، حتى يعقد عليها زوج آخر، فإذا افترقا يمكن لها العودة للأول.

الإمام الشافعى أول من ذكر مصطلح المحلل تحت عنوان «نكاح المتعة»، وقد ربط بينهما فى موضوع اشتراط المدة، أى أنه نكاح محدد بمدة فى الحالتين، وأفتى بأن كل نكاح مؤقت حكمه الفسخ، أما إذا عقدا النية دون التلفظ بها فإن النية لا تفسد النكاح، أى أن التلفظ أو الاتفاق على وجود محلل يفسد زواج المحلل عند الشافعى إذا كان ذلك التلفظ أثناء العقد. وفى عصرنا أفتى الشيخ سيد سابق بتحريم زواج المحلل متأثرًا بابن القيم، والشيخ شلتوت جعل نكاح التحليل شرًا من نكاح المتعة، ونقل عن الإمام محمد عبده هذا القول.

فى موضوع المحلل كتب ابن تيمية فى رسالته «إقامة الدليل على إبطال التحليل»، بأن نكاح المحلل لم يعرفه عصر النبى ولم يعرفه الصحابة، ويقول المزنى تلميذ الشافعى أن نكاح المحلل كانوا يسمونه فى الجاهلية التيس المستعار، وقد نقل عنه ابن القيم هذا القول فى كتابه إغاثة اللهفان تشريع الطلاق فى الإسلام هدفه الحرص على الأسرة ومعالجة الخلافات الزوجية أو الشقاق بين الزوجين، فإذا تعذرت الحياة بينهما جاء تشريع الطلاق ليحاول بقدر الإمكان استرجاع الوئام بينهما وذلك بجعل الطلاق على مرحلتين، وفى كل مرحلة تظل الزوجة فى بيت زوجها ينفق عليها، فإذا اتصل بها جنسيا أو تصالحا قبل العدة بطل الطلاق، فإذا ظلا هكذا إلى نهاية فترة العدة، يتم تخيير الزوج المطلق بين الإمساك بها بالمعروف أو تسريحها وفراقها بالمعروف، وفى كل الأحوال فلا بد من وجود شاهدى عدل يمثلان المجتمع لحفظ كيان الأسرة وحقوق المرأة. وهكذا يعطى الزوجين فى حالة الطلاق فرصتين، فإذا عادا وتم الطلاق الثالث استحالت العودة بينهما إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، فإذا طلقها الزوج الجديد عادت إلى الزوج الأول إذا أرادا ذلك.

إذا تم تطبيق التشريع الإلهى فى الطلاق، بحيث يكون وسيلة للإصلاح بين الزوجين، فسيكون من النادر اللجوء للطلاق الثالث وما يتبعه من نتائج. 

الطلاق الشائع يقع بمجرد أن ينطق الزوج كلمة الطلاق، أو ما يدل عليها ولو بالإشارة، وعليه يطرد زوجته من البيت، ويقع الطلاق بدون شهود وبدون أى حماية للزوجة وحقوقها، سواء كان الزوج عابثا أو جادا، من هنا كان سهلا أن يتم تطليق الزوجة مرات ثلاثة وتحتاج إلى محلل كى تعود للزوج الأول.

لعلاج هذا الموضوع تم اختراع موضوع المحلل ليسهل عودة الزوجة المطلقة ثلاث مرات إلى زوجها الأول، بالاتفاق والتراضى بين الأطراف على عمل تمثيلية الزواج من شخص آخر ليقوم بتحليل عودة الزوجة إلى زوجها الأول.

عدم وجود شهود فى الطلاق أتاح للرجل أن يطلق زوجته كيف يشاء وبلا رقيب من المجتمع. ومع اشتراط الشهود فى الطلاق: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) الطلاق 2، إلا أن فقيها مثل ابن القيم تعرض لموضوع الطلاق واجتهد فى الإفتاء بأن الطلاق بلفظ الثلاثة لا يقع إلا طلقة واحدة، ومع ذلك فقد تجاهل شرط الشاهدين فى الطلاق.

فى قوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) زواج طبيعى مع الدخول على التأبيد، فإن كانت العلة من الزوجة، فى الأعم الأغلب فسيطلقها الثانى، فإن طلقها الثانى اقتنعت الزوجة أنها هى السبب، ويمكن أن ترجع إلى الأول، وتغير سياستها معه، وإن كان الزوج هو السبب، فالثانى لا يتخلى عنها، وقد فقدها الزوج الأول نهائيًا.

أراد تعالى أن يردع الأزواج عن أن يجعلوا الطلاق سهلًا، طلق وأرجع، طلق وأرجع، مرتين فقط، فالمرأة لها كرامتها، فإذا طلقها الزوج الذى تزوجها على نية الاستمرار معها، ثم طلقها لعلةٍ فيها ظهرت له: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

لو تم تنفيذ أحكام الطلاق كما أرادها تعالى، فإن الطلاق النهائى لن يحدث إلا بنسبة قليلة، ولكن مشكلة البعض أنه يطلق ثلاثًا فى وقت واحد، فعطل بذلك قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)، فجعله البعض مرة واحدة، قال تعالى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ)، فإن لم يعزم الطلاق، كان ارتجاليًا، قال تعالى: (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق 1.

ويبقى أنه فى القرآن الكريم لا يوجد ما يسمى بالمحلل، بمعنى لا تحايل على تشريع الله تعالى كما يحدث من البعض لتبرير عودة الزوجين لبعضهما، فبعد الطلاق مرتان ثم العدة، لا عودة إلا إذا تزوجت المرأة من زوج آخر، زواج كامل الشروط ولسبب ما تم الطلاق من الزوج الجديد، وقتها يمكن عودة الزوجة لزوجها السابق.