الصمت على جرائم الاحتلال وصمةُ عار على جبين المجتمع الدولى الأزهر يطالب بمحاكمة الكيان الصهيونى دوليا ويفتى بوجوب رد عدوانه

صبحى مجاهد
لا يزال حراك الأزهر الشريف مستمرا منذ بداية عدوان الكيان الصهيونى على غزة فى السابع من أكتوبر الماضى، ففى الوقت الذى تصدر فيه علم فلسطين صفحة الأزهر الرسمية عبر الفيس بوك قام الأزهر الشريف بتصعيد موقفه ضد ممارسات الكيان الصهيونى الإجرامية على الفلسطينيين فى غزة، وطالب المجتمع الدولى بمحاكمة الكيان الصهيونى الإرهابى الذى لا يعرف معنى الإنسانية والحياة، فى مذابح الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التى اقترفها، وذلك بعد أن تسبب إرهابه وعزله لقطاع غزة بالكامل ومنع الوقود والمستلزمات الطبية عن المستشفيات-فى خروجها خارج الخدمة، واستشهاد مرضى الرعاية المركزة وأطفال الحضانات بمستشفى الشفاء.
كما تسبَّب قصفه الجنونى لمحيط المستشفى فى سقوط عشرات الشهداء ومنع دفنهم واستهداف كل من يحاول الخروج أو الدخول من وإلى المستشفى.
ودعا الأزهر أحرار العالم والهيئات والمؤسسات الدولية للتحرك العاجل لكسر هذا الحصار «اللا إنسانى»، الذى يفرضه «الصهاينة الإرهابيون» على المستشفيات والمراكز الصحية، مؤكدًا أن الصمت على هذه الجرائم هو وصمة عار على جبين الإنسانية والمجتمع الدولى، وحمل الأزهر مسئولية هذه الجرائم الشنيعة لكل من يدعم هذا الكيان المجرم ويقف خلفه سواء بالتأييد أو الصمت.
كما دعا الأزهر الشريف كل أحرار العالم أن يغسلوا أيديهم من دعم هذا الكيان الذى برهن على قسوته وتجرده من كل معانى الرحمة والإنسانية، وسفك دماء الأبرياء واستعراض جبروته على المرضى والأطفال والنساء والشيوخ، وارتكاب أبشع الجرائم التى تعف عنها الحيوانات فى الأدغال.
معركة صمود
كما سيطرت القضية الفلسطينية على ملتقى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف العلمى الرابع والعشرين، الذى عقد الثلاثاء الماضى بالجامع الأزهر بعنوان «كشف الغمة بدعائم الثبات فى القرآن والسنة»، حيث أكد الملتقى أن المعركة مع الكيان الصهيونى معركة صمود وبقاء ووعى وأنه لا يجوز التخلى عن فلسطين والمسجد الأقصى، وأوضح الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن قول الحق تعالى «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون»، فيه توجيه ربانى لجميع المستضعفين من المؤمنين فى الأرض بأنهم لا هون عليهم ولا حزن، وأنهم الأعلون؛ ما داموا متمسكين بإيمانهم، مؤكدا أن وعد الله عز وجل حق لا يتخلف، وستكون لهم العاقبة بالنصر والظفر.
واستنكر هاشم، وقوف العالم الغربى مساندا للكيان الصهيونى فى بطشه بإخواننا المسلمين من أبناء غزة وفلسطين، وسفكه لدماء الأبرياء، وقتله للأطفال الرضع والشيوخ الركع، على الرغم من أن هذا العالم الغربى طالما تشدق بالضمير العالمى وحقوق الإنسان، ولكنه فى الحقيقة كان أول من قتل هذا الضمير وظلم هذه الحقوق بدعمه لهذا الكيان المجرم القاتل، مؤكدا أنه يجب على المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها أن يتحدوا جميعا لإنقاذ إخوانهم المظلومين، لأن فلسطين والمسجد الأقصى أمانة فى رقبة كل مسلم.
من جانبه، لفت الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، إلى أن السلام العالمى الذى يتغنى به الغرب والمنظمات الدولية، لم يكن سلاما حقيقيا، بل كان مجرد شعارات واهية، وهو ما اتضح للجميع من أحداث غزة المؤلمة، مؤكدا أن السلام الحقيقى هو ما جاء به الإسلام، الذى جعل الجميع إخوة، ولم يفرق بين إنسان وآخر إلا بالتقوى.
من جانبه، أكد الدكتور حسن صلاح الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، أنه من الواجب علينا كمسلمين أن نبذل قصارى جهدنا لمساعدة إخواننا المستضعفين فى فلسطين، ونحن متمسكون بعقيدة راسخة، وثقة فى أن نصر الله عز وجل آت لا محالة، فعلينا أن نتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والذكر والدعاء والصبر، مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم، لأن الأمل بالله كبير ويقيننا بأن العاقبة للمتقين.
بينما قال الدكتور على شمس الدين، الباحث بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، إن الوضع المؤلم لإخواننا المستضعفين فى فلسطين، ونحن نمر بهذا المنعطف الخطير فى تاريخ أمتنا الإسلامية، ليفرض علينا واجبات لا مناص من أدائها، ولنعلم أن معركتنا مع الكيان الصهيونى، معركة بقاء وثبات وصمود، كما أنها معركة وعى بالمكايد الصهيونية الخبيثة لأمتنا الإسلامية والعربية، لافتا إلى مقولة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، «إن قضية فلسطين هى أول قضايا العرب والمسلمين فى التاريخ المعاصر، وفى القلب منها قضية القدس الشريف»، مؤكدا أن الأزهر الشريف على مر تاريخه الذى يزيد عن الألف عام، يرعى القضايا الإسلامية والوطنية، ولم ولن يتخلى عن دوره فى المحافظة على مقدسات الإسلام وتراثه.
حبر على ورق
فى السياق ذاته اعتبر الأزهر عبر جريدته الرسمية أن جميع الاتفاقيات الدولية، والقانون الدولى الذى يوجب حماية المدنيين وعدم الاعتداء على حقوق الإنسان حبر على ورق فى مواجهة غطرسة الكيانى الإسرائيلى المحتل والذى ضرب بجميع الاتفاقيات والقوانين الدولية عرض الحائط فى قتل الأطفال والمرضى والنساء والمدنيين فى غزة.
بينما وجه فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، نداء عاجلاً إلى القادة والزعماء العرب والمسلمين بسرعة التدخل لوقف العدوان والإبادة الجماعية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، داعيا المولى عز وجل أن يوفق مساعيهم لأن يتمكنوا من إيصال المساعدات الإنسانية للإخوة الفلسطينيين، والوصول إلى حلٍّ عاجل لوقف شلالات الدماء البريئة، التى يعلم الله والناس جميعًا فى الشرق والغرب أنها بريئة، ووضع حد لهذه القسوة التى لا تحتملها طاقة بشر.
نبض الشارع المصرى
وفى سياق المتابعة للتعبير عن غضب الشارع المصرى تجاه العدوان الإسرائيلى على غزة رصدت إدارة نبض الشارع بدار الإفتاء المصرية موقف الشارع المصرى تجاه الأحداث الحالية؛ حيث أظهرت دراسة الإفتاء أن جموع المصريين يسودهم الشعور بحالة من الظلم الدولى وفقدان العدالة تجاه القضية الفلسطينية؛ وذلك بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلى لأراضيها والاستيطان فيها، وممارسته سياسة القمع والقتل بحق الفلسطينيين.
وبيَّنت نبض الشارع أنَّ توحيد الصف خلف القيادة، وعدم الإصغاء إلى الشائعات، والاعتماد على المعلومات الموثوقة من مصادرها الرسمية مما أرشدت إليه الشريعة الغراء فى أوقات الأزمات، حيث قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
وأضافت نبض الشارع: إيمان الشعوب وإصرارهم يحوِّل الأزمات والتهديدات إلى فرص وتحديات، وأن مما أرشدنا إليه القرآن الكريم أنَّ الرهان فى هذه الظروف إنما يكون على التماسك الوطنى والاجتماعى وتجنيب المصالح الخاصة، وهذا ما أرشد إليه القرآن الكريم حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
كما أكدت نبض الشارع أن حق العودة للوطن من الحقوق الأساسية للفلسطينيين- التى تكفلها الشرائع كلها وتجعلها من مقاصدها- بحيث تعود لهم أراضيهم وممتلكاتهم وهذا حق شرعى، وقد نص الإسلام على أن الحفاظ على الوطن حق وواجب، وقد كفلت ذلك كل الشرائع لكل إنسان؛ فيبقى للشعب الفلسطينى كامل حقه فى العودة إلى منازلهم التى نزحوا عنها بسبب الصراع؛ وتجريم أية محاولة للاحتلال للتهجير القسرى للشعب الفلسطينى، يقول تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وختمت نبض الشارع بيانها بأن القضية الفلسطينية تتطلب تضافر الجهود الدولية من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطينى، ووضع حدٍّ للظلم الذى يتعرض له منذ عقود طويلة.
من جهتها تابعت الأمانةُ العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم ما أسفرت عنه «قمَّة الرياض» التى انعقدت فى المملكة العربية السعودية، بشأن الحرب الغاشمة التى يشنُّها العدوُّ الإسرائيليُّ على فلسطين، مؤكدة دعمها لمخرجات القمة العربية الإسلامية، التى كشفت تواطؤ المجتمع الدولى أمام الجرائم الدموية التى يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى، وكشفت الوضع المأساوى للمؤسسات الدولية والقوى الكبرى التى تدَّعى الإنسانية والحقوق والحريات.
وقالت الأمانة العامة ودار الإفتاء المصرية- إنها إذْ تضع تحذير الرئيس المصرى «عبدالفتاح السيسى» فى كلمته بالقمة أمام الجميع، لتحمُّل مسؤولياتهم، حين قال: «إن استمرار القتل والإبادة والتهجير من الاحتلال الإسرائيلى، يُنذر باتساع دائرة الصراع بين ليلة وضحاها»؛ فإنها تدعو إلى سرعة الاستجابة لقرارات «قمة الرياض».
تأييد مواقف شيخ الأزهر
من جانبهما أعلن كل من الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، فى زيارة جمعت بينهما مع الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر، فى مقر مشيخة الأزهر الشريف دعمهما وتأييدهما الكامل لكل مواقف فضيلة الإمام الأكبر والأزهر الشريف، وبياناته التى أصدرها نصرة للقضية الفلسطينية، وإدانته لكل جرائم الكيان الصهيونى، مؤكدين أن هذه المواقف تعكس الرؤية الواضحة والموقف التاريخى والدائم لمؤسسة الأزهر تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى، وهى القضية الفلسطينية.
وقال وزير الأوقاف ومفتى الجمهورية «فضيلة الإمام كلنا نقف خلفك بقوة، وندعم كل ما صدر عن مشيخة الأزهر وعن فضيلتكم من بيانات وتصريحات، وأن هذه البيانات والمواقف لا تعكس موقف الأزهر فحسب، وإنما تمثل جميع المؤسسات الدينية والمسلمين فى مصر والعالم».
فيما أهاب مفتى الجمهورية بعقلاء العالم والمجتمع الدولى بمنظماته وهيئاته المختلفة، أن يتدخلوا بشكل فورى وحازم لوقف الجرائم الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين والمستشفيات والمدارس، ووضع حدٍ لجريمة الإبادة الجماعية التى يمارسها الكيان الإسرائيلى المحتل تجاه الأطفال والنساء والمسنين وطلاب المدارس.
الكيان الصهيونى وتكميم الأفواه
من جهته، أكد مرصد الأزهر أن الاحتلال الصـهيـونى يواصل تكميم الأفواه وقهر الفلسطينيين، وكبح حريتهم فى التعبير عن أنينهم من نير هذا الاحتلال الغاشم بكل أساليبه، سواء قمعية أو قوانين جائرة زائفة لا تستند إلى أى شرعية.
وأوضح أنه منذ عام 1948م والكيان الصهيونى يمارس تهديداته لفلسطينى الداخل المحتل عام 1948م، إزاء إظهار أى شكل من أشكال الدعم والمساندة لإخوانهم فى الأراضى الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة المحاصر خاصة إبان العدوان الإرهابى وحرب الإبادة التى يشنها عليه الكيان الصهيونى، ويستغلها لتمرير مخططاته فى تهجيرهم من أراضيهم، فى إطار تغريبة فلسطينية ثانية.
ولفت إلى أن من هذا التهديد والاضطهاد ما يعانى منه طلاب فى الجامعات الصـهـيونية، والأطباء والممرضون فى المستشفيات والمراكز الطبية؛ فمنذ السابع من أكتوبر الماضى تم تطبيق إجراءات تعسفية وتأديبية لنحو 100 شخص، واعتقال آخرين وحرمانهم من الدراسة لنشرهم - بأى وسيلة؛ سواء مطبوعة أو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي- ما يدعم القضية الفلسطينية وتعاطفهم مع إخوانهم فى غزة العزة.
وشدد المرصد أنه لا يقتصر الاضطهاد وقمع الحريات على رفع لافتات لدعم القضية الفلسطينية فحسب، بل يمتد إلى متابعة منشوراتهم على صفحات التواصل، وتفاعلاتهم وحتى متابعة صفحات تنشر منشورات تتعاطف مع القضية الفلسطينية، أو نشر آيات قرآنية تدعو إلى الصبر، وسرعان ما يتم اعتقالهم من قبل شرطة الاحتلال، وملاحقتهم من قبل إدارات الجامعات.